الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَمن فَوَائِد كتاب الإشراف
ذكر أَن القَاضِي إِذا رأى الْحَبْس تعزيرا لم يبلغ بالمحبوس سنة ورأيته مَنْصُوصا للشَّافِعِيّ فِي الْأُم
وَمن غرائب أبي سعد
دَعْوَاهُ أَن الْقيَاس الَّذِي لَا يجوز غَيره أَن الْإِقْرَار الْمُطلق للبالغ لَا يحكم بِهِ للْمقر وَلَا بُد من بَيَان السَّبَب
قَالَ غير أَن النَّاس ألفوا تَصْحِيحه مُطلقًا من غير بَيَان السَّبَب وَهُوَ خلاف قِيَاس الْمَذْهَب
نَقله عَنهُ الْوَالِد فِي شرح الْمِنْهَاج ورده عَلَيْهِ وَقَالَ بل قِيَاس الْمَذْهَب خِلَافه وَلَا شَاهد لما ادَّعَاهُ لَا من دَلِيل وَلَا مَذْهَب
وَذكر فِي كتاب الإشراف نقلا عَن تَعْلِيق الْبَنْدَنِيجِيّ أَن الشَّافِعِي نَص فِي اخْتِلَاف الْعِرَاقِيّين تَفْرِيعا على القَوْل بِأَن الشُّفْعَة على الْفَوْر وَأَن فِيهَا خِيَار الْمجْلس وَأَنه لَو عُفيَ عَنْهَا كَانَ لَهُ الْخِيَار مَا دَامَ فِي الْمجْلس
قَالَ أَبُو سعد وَهَذِه غَرِيبَة
وَذكر أَبُو الْعَبَّاس أَن الْعَفو لَا خِيَار فِيهِ لِأَنَّهُ كالإبراء
قَالَ أَبُو سعد وَيبعد فِي الْقيَاس إِثْبَات الْخِيَار فِي الْعَفو ثمَّ أَخذ يوجهه بِأَن الْعَفو سَبَب لتقرير ملك المُشْتَرِي فيعقب بِخِيَار الْمجْلس كالشراء الَّذِي كَانَ سَببا لإِيجَاب الْملك فِيهِ وَعَكسه الْإِبْرَاء فَإِنَّهُ إِسْقَاط مَحْض لم يتَضَمَّن تَقْرِير ملك فِي عين فَلم يعقب بِخِيَار الْمجْلس
ثمَّ قَالَ أَبُو سعد أشبعت هَذَا الْفَصْل بَيَانا لذهول حذاق الإصحاب عَنهُ
قلت وَلَا بَيَان بِمَا ذكره فَإِن الْعَفو وَإِن قرر الْملك فَلَيْسَ هُوَ التَّمَلُّك وَلَعَلَّ الْإِبْرَاء
أولى بِخِيَار الْمجْلس مِنْهُ أما إِن قُلْنَا تمْلِيك فَوَاضِح وَأما إِن قُلْنَا إِنَّه إِسْقَاط فلكونه أثر فِي السُّقُوط وَالْعَفو لم يُؤثر فِي الْملك شَيْئا
قَالَ أَبُو سعد وَقد حكى أَن أَبَا عَاصِم حكى القَوْل الْقَدِيم أَن الِاسْتِثْنَاء لَا يَصح فِي الظِّهَار لم أسمع هَذَا القَوْل من أحد وَلَعَلَّ سَببه أَن الْمعاصِي عِنْد أهل السّنة وَإِن وَقعت بِمَشِيئَة الله فَلَيْسَ من الْأَدَب إضافتها إِلَى مَشِيئَته كَمَا أَن خلق القردة والخنازير من الله وَلَا يحسن فِي أدب الْعُبُودِيَّة إضافتها إِلَى الله
ثمَّ قَالَ وَلَا يتَحَقَّق هَذَا الْوَجْه إِلَّا على قَول الْمُعْتَزلَة حَيْثُ قَالُوا وُقُوع الْمعاصِي بِمَشِيئَة العَبْد
قَالَ أَبُو سعد فَالْأَصَحّ أَن يُقَال وَقع تَصْحِيف فِي الْكتب وَإِنَّمَا هُوَ لَا يَصح الِاسْتِثْنَاء فِي الطَّهَارَة بَيَانه إِذا تطهر ليُصَلِّي صَلَاة الظّهْر وَلم يتَعَرَّض لغَيْرهَا بِنَفْي وَلَا إِثْبَات فالطهارة صَحِيحَة فِي حق جَمِيع الصَّلَوَات وَإِن نفي غَيرهَا فأوجه الْبطلَان وَالصِّحَّة بِالنِّسْبَةِ إِلَى جَمِيع الصَّلَوَات
وَلَعَلَّ هَذَا هُوَ الْقَدِيم أَنه لَا يَصح الِاسْتِثْنَاء فِي الطَّهَارَة
وَالثَّالِث الِاسْتِثْنَاء صَحِيح فَتَصِح تِلْكَ الصَّلَاة دون غَيرهَا
قلت هَذَا الَّذِي قَالَه أَبُو سعد غَرِيب وَالْمَعْرُوف فِي تَوْجِيه هَذَا القَوْل أَن الظِّهَار إِخْبَار لَا إنْشَاء وَهُوَ أَيْضا تَوْجِيه ضَعِيف
وَقد أَطَالَ أَبُو الْعَبَّاس الْقَرَافِيّ الْمَالِكِي فِي كِتَابه الفروق الْكَلَام على قَول من قَالَ الظِّهَار خبر لَا إنْشَاء لقَوْله تَعَالَى {وَإِنَّهُم ليقولون مُنْكرا من القَوْل وزورا}
وَسَأَلت أَنا الْوَالِد رحمه الله عَن ذَلِك وبحثت فِيهِ فَكتب مَا لخصته أَنا فِي كتاب ترشيح التوشيح فَلْينْظر فِيهِ
والرافعي ذكر فِي الْفَصْل الثَّانِي فِي الْمَشِيئَة من كتاب الطَّلَاق فِي أَوَائِله عَن بَعضهم هَذَا التَّوْجِيه وَسكت عَلَيْهِ لكنه لما تكلم فِي كتاب الظِّهَار على قَول الْغَزالِيّ
فِي الْوَجِيز إِنَّه إِخْبَار
قَالَ إِنَّه مَمْنُوع وَالظِّهَار تصرف منشأ كَالطَّلَاقِ
كَذَا فِي نُسْخَة وَفِي بعض النّسخ وَالظَّاهِر أَنه تصرف مُبْتَدأ كَالطَّلَاقِ
على أَن الْغَزالِيّ غير جازم بِكَوْنِهِ خَبرا بل عِنْده فِيهِ توقف أَلا ترَاهُ قَالَ فِي الْوَسِيط مَوضِع قَوْله فِي الْوَجِيز إِخْبَار إِن فِيهِ مشابهة الْإِخْبَار وَبِالْجُمْلَةِ القَوْل بإنه مَذْكُورَة فِي الْكتاب إِخْبَار لَا ينبو عَنهُ الذِّهْن فِي بَادِي الرَّأْي عِنْد سَمَاعه وَلَوْلَا ذَاك التَّقْرِير النفيس الَّذِي تلقيناه من الشَّيْخ الإِمَام رحمه الله لَكنا مصممين على إِنْكَار هَذَا القَوْل كَيفَ وَقد قَالَ بِهِ فَحل هَذَا الْمَذْهَب وأسنده أَبُو الْمَعَالِي الْجُوَيْنِيّ عِنْد حكايته إِيَّاه فِي كتاب الطَّلَاق
وَلست أرى لذكر مَا لَا أفهمهُ وَجها
قَالَ أَبُو سعد لَا تصح دَعْوَى الشُّفْعَة إِلَّا بِأَرْبَع شَرَائِط دَعْوَى البيع وَذكر الشّركَة بِالْملكِ الَّذِي بِهِ يَأْخُذهُ وَذكر الثّمن بِقَدرِهِ وَصفته وَالدُّعَاء إِلَى تَسْلِيم الشُّفْعَة
قَالَ وَأما دَعْوَى الِاسْتِحْقَاق فَغير مسموعة
قلت أما قَوْله فِي دَعْوَى الِاسْتِحْقَاق فقد خَالفه الإِمَام الْوَالِد رحمه الله وَأَشَارَ فِي بَاب الشُّفْعَة إِلَى أَنَّهَا تسمع وَإِن كَانَ مُقْتَضى كَلَام الرَّافِعِيّ وَالنَّوَوِيّ الْجَزْم بِأَنَّهَا لَا تسمع
وَأما قَوْله لَا تصح دَعْوَى الشُّفْعَة إِلَّا بِذكر الثّمن
إِذا أوصى لعَمْرو بِمِائَة ولزيد بِمِائَة وَقَالَ لخَالِد أَشْرَكتك مَعَهُمَا فَلهُ نصف مَا لكل وَاحِد مِنْهُمَا فِي قَول وَثلثه فِي قَول
حكى الْقَوْلَيْنِ القَاضِي أَبُو سعد فِي الإشراف وَالْقَاضِي شُرَيْح فِي أدب الْقَضَاء
إِذا قَالَ أوصيت بِثلث مَالِي لرجل وَقد سميته لوصيين بكر وخَالِد هما يسميانه
فاختلفا وهما عَدْلَانِ فعين كل مِنْهُمَا غير الَّذِي عينه صَاحبه وَشهد لَهُ وهما عَدْلَانِ فَفِيهِ قَولَانِ أَحدهمَا تبطل الْوَصِيَّة لِأَنَّهُ لم يوص لوَاحِد وَالثَّانِي يحلف كل مِنْهُمَا مَعَ شَاهده وَهُوَ بَينهمَا
وَتَبعهُ على حِكَايَة الْقَوْلَيْنِ فِي الْمَسْأَلَة القَاضِي شُرَيْح أَيْضا وَقد حَكَاهُمَا الرَّافِعِيّ فِي أَوَاخِر بَاب الْوَصِيَّة عَن شرح أدب الْقَضَاء لأبي عَاصِم وَالشَّرْح هُوَ كتاب الإشراف
إِذا قَالَ ضع ثُلثي حَيْثُ شِئْت
قَالَ الشَّافِعِي لَا يَضَعهُ فِي زَوجته وَلَا فِيمَا لَا مصلحَة للْمَيت فِي وَضعه فِيهِ وَلَا فِي وَرَثَة الْمُوصي فَإِن وَضعه فِي وَرَثَة الْمُوصي لم يَصح الِاخْتِيَار وَلَا يخْتَار ثَانِيًا لِأَنَّهُ انعزال وَيحْتَمل أَنه كوكيل بَاعَ بِغَبن فَإِنَّهُ لَا يَصح ثمَّ إِذا بَاعَ بِثمن الْمثل صَحَّ فِي أحد الْوَجْهَيْنِ
هَذَا كَلَام أبي سعد وَالْقَائِل وَيحْتَمل هُوَ أَبُو عَاصِم كَذَا بَينه القَاضِي شُرَيْح
قَالَ الرَّافِعِيّ فِي بَاب الدَّعْوَى والبينات فسر أَبُو عَاصِم كلمة التنصر بِمَا إِذا شهِدت الْبَيِّنَة بِأَن آخر مَا تكلم بِهِ لَا إِلَه إِلَّا الله عِيسَى رَسُول الله
قَالَ القَاضِي أَبُو سعد وَفِيه إِشْكَال ظَاهر لِأَن الْمُسلمين يثبتون نبوة عِيسَى عليه السلام وَإِثْبَات نبوته لَيْسَ نفيا لنبوة سيدنَا مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم لَا سِيمَا عِنْد منكري الْمَفْهُوم فَيجب أَن يُفَسر بِمَا يخْتَص بِهِ النَّصَارَى
قَالَ ابْن الرّفْعَة الَّذِي حَكَاهُ فِي الإشراف عَن أبي عَاصِم وَلَو شهِدت أَن آخر مَا نطق
بِهِ لَا إِلَه الله عِيسَى رَسُول الله وَأَنه بَرِيء من كل دين سواهُ كَانَ فِي معنى ذَلِك فَإِن كَانَت الصِّيغَة كَمَا ذكرنَا فَلَا إِشْكَال لِأَن من تَبرأ من كل دين سواهُ نَصْرَانِيّ وَإِن كَانَت كَمَا هِيَ مَوْجُودَة فِي الرَّافِعِيّ فَلَا إِشْكَال فِي وجود الْإِشْكَال
قلت قد يُقَال وَلَو كَانَت الصِّيغَة كَمَا ذكر ابْن الرّفْعَة فالإشكال بَاقٍ لِأَن التبري من كل دين سوى الِاعْتِرَاف بنبوة عِيسَى عليه السلام لم يبرأ من الْإِسْلَام فإشكال أبي سعد بَاقٍ
فَإِن قلت ذكر التبري هُنَا قرينَة إِرَادَة النَّصْرَانِيَّة ظَاهرا
قلت وَكَذَا ذكر عِيسَى بمفرده خَالِيا عَن ذكر مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم فَإِن الظَّاهِر أَن من يَجْعَل آخر كَلَامه عِيسَى غير معترف وَلَا مهتم بشأن نَبينَا مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم فَمن ثمَّ قضى بنصرانيته لِأَن هَذَا دَلِيل عَلَيْهَا قَاطع بل أَمارَة ظَاهِرَة وَإِن لم يكن فِي هَذِه الصِّيغَة خُصُوص التنصر بل قد يُقَال إِنَّهَا مُنَافِيَة لخُصُوص التنصر فَإِن خُصُوص التنصر دَعْوَى ألوهية عِيسَى لَا رسَالَته فَفِي الْحَقِيقَة هُوَ فِي قَوْله إِن عِيسَى رَسُول الله آتٍ بِخِلَاف مُعْتَقد النَّصَارَى وَإِنَّمَا القَاضِي أَبُو عَاصِم لَعَلَّه لاحظ مَا أَشَرنَا إِلَيْهِ من أَن ذكر عِيسَى فِي آخر كلمة نطق بهَا دَلِيل على اهتمامه بِهِ فَإِن الْإِنْسَان لَا يهتم فِي ذَلِك الْوَقْت إِلَّا بِمَا هُوَ مطمح معتقده ومنتهى نظره وَلَو أَن عِنْد هَذَا من نَبينَا صلى الله عليه وسلم مَا عِنْد الْمُسلمين لما عدل عَن ذكره وَذكر مَا ذكره
فَإِن قلت غَايَته السُّكُوت عَن ذكر نَبينَا صلى الله عليه وسلم
قلت بل هُوَ بِذكر مَا يشبه الْمُنَافَاة غير سَاكِت فَلْيتَأَمَّل مَا أبديته فَلَعَلَّهُ مُرَاد أبي عَاصِم وَإِلَّا فَلَا وَجه لكَلَامه بِالْكُلِّيَّةِ وَالرجل أجل قدرا من أَن يخفى عَلَيْهِ هَذَا الْقدر
وَرجح القَاضِي أَبُو سعد القَوْل بِأَن الْإِقْرَار للْوَارِث غير صَحِيح وَقَالَ أَنا أُفْتِي بِهِ
وَالله سبحانه وتعالى أعلم،،، تمّ بِحَمْد الله،،،،