الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَكَانَ من فضلاء الشَّافِعِيَّة
توفّي سنة ثَمَان وَسبعين وَأَرْبَعمِائَة بِمَكَّة
473 - عبد الْكَرِيم بن هوَازن بن عبد الْملك بن طَلْحَة بن مُحَمَّد النَّيْسَابُورِي الْأُسْتَاذ أَبُو الْقَاسِم الْقشيرِي النَّيْسَابُورِي الملقب زين الْإِسْلَام
الإِمَام مُطلقًا وَصَاحب الرسَالَة الَّتِي سَارَتْ مغربا ومشرقا والبسالة الَّتِي أصبح بهَا نجم سعادته مشرقا والأصالة الَّتِي تجَاوز بهَا فَوق الفرقد ورقى
أحد أَئِمَّة الْمُسلمين علما وَعَملا وأركان الْملَّة فعلا ومقولا
إِمَام الْأَئِمَّة ومجلي ظلمات الضلال المدلهمة
أحد من يقْتَدى بِهِ فِي السّنة ويتوضح بِكَلَامِهِ طرق النَّار وطرق الْجنَّة
شيخ الْمَشَايِخ وأستاذ الْجَمَاعَة ومقدم الطَّائِفَة الْجَامِع بَين أشتات الْعُلُوم
ولد فِي ربيع الأول سنة سِتّ وَسبعين وثلاثمائة
وَسمع الحَدِيث من أبي الْحُسَيْن الْخفاف وَأبي نعيم الإسفرايني وَأبي بكر بن عَبدُوس الْمُزَكي وَأبي نعيم أَحْمد بن مُحَمَّد المهرجاني وَعلي بن أَحْمد الْأَهْوَازِي وَأبي عبد الرَّحْمَن السّلمِيّ وَابْن باكوية الشِّيرَازِيّ وَالْحَاكِم وَابْن فورك وَأبي الْحُسَيْن بن بَشرَان وَغَيرهم
روى عَنهُ ابْنه عبد الْمُنعم وَابْن ابْنه أَبُو الأسعد هبة الرَّحْمَن وَأَبُو عبد الله الفراوي وزاهر الشحامي وَعبد الْوَهَّاب بن شاه الشاذياخي ووجيه الشحامي وَعبد الْجَبَّار الخواري وَخلق
وروى عَنهُ من القدماء أَبُو بكر الْخَطِيب وَغَيره
وَوَقع لنا الْكثير من حَدِيثه
وَأخذ الْفِقْه عَن أبي بكر مُحَمَّد بن بكر الطوسي وَعلم الْكَلَام عَن الْأُسْتَاذ أبي بكر بن فورك
وَاخْتلف أَيْضا يَسِيرا إِلَى الْأُسْتَاذ أبي إِسْحَاق
وَأخذ التصوف عَن أستاذه أبي عَليّ الدقاق
وَكَانَ فَقِيها بارعا أصوليا محققا متكلما سنيا مُحدثا حَافِظًا مُفَسرًا متفننا نحويا لغويا أديبا كَاتبا شَاعِرًا مليح الْخط جدا شجاعا بطلا لَهُ فِي الفروسية وَاسْتِعْمَال السِّلَاح الْآثَار الجميلة
أجمع أهل عصره على أَنه سيد زَمَانه وقدوة وقته وبركة الْمُسلمين فِي ذَلِك الْعَصْر
قَالَ الْخَطِيب حدث بِبَغْدَاد وكتبنا عَنهُ وَكَانَ ثِقَة وَكَانَ يعظ وَكَانَ حسن المواعظة مليح الْإِشَارَة وَكَانَ يعرف الْأُصُول على مَذْهَب الْأَشْعَرِيّ وَالْفُرُوع على مَذْهَب الشَّافِعِي
وَقَالَ عبد الغافر بن إِسْمَاعِيل فِيهِ الإِمَام مُطلقًا الْفَقِيه الْمُتَكَلّم الأصولي الْمُفَسّر الأديب النَّحْوِيّ الْكَاتِب الشَّاعِر لِسَان عصره وَسيد وقته وسر الله بَين خلقه
شيخ الْمَشَايِخ وأستاذ الْجَمَاعَة ومقدم الطَّائِفَة ومقصود سالكي الطَّرِيقَة وَبُنْدَار الْحَقِيقَة وَعين السَّعَادَة وَحَقِيقَة الملاحة لم ير مثل نَفسه وَلَا رأى الراءون مثله فِي كَمَاله وبراعته جمع بَين علم الشَّرِيعَة والحقيقة وَشرح أحسن الشَّرْح أصُول الطَّرِيقَة
أَصله من نَاحيَة أستوا من الْعَرَب الَّذين وردوا خُرَاسَان وَسَكنُوا النواحي فَهُوَ قشيري الْأَب سلمي الْأُم وخاله أَبُو عقيل السّلمِيّ من وُجُوه دهاقين نَاحيَة أستوا
توفّي أَبوهُ وَهُوَ طِفْل فَوَقع إِلَى أبي الْقَاسِم الأليماني فَقَرَأَ الْأَدَب والعربية عَلَيْهِ بِسَبَب اتِّصَاله بهم وَقَرَأَ على غَيره وَحضر الْبَلَد وَاتفقَ حُضُوره مجْلِس الْأُسْتَاذ الشَّهِيد أبي عَليّ الْحسن بن عَليّ الدقاق وَكَانَ لِسَان وقته فَاسْتحْسن كَلَامه وسلك طَرِيق الْإِرَادَة فَقبله الْأُسْتَاذ وَأَشَارَ عَلَيْهِ بتَعَلُّم الْعلم فَخرج إِلَى درس الشَّيْخ الإِمَام أبي بكر مُحَمَّد بن بكر الطوسي وَشرع فِي الْفِقْه حَتَّى فرغ من التَّعْلِيق ثمَّ اخْتلف بإشارته إِلَى الْأُسْتَاذ الإِمَام أبي بكر بن فورك وَكَانَ الْمُقدم فِي الْأُصُول حَتَّى حصلها وبرع فِيهَا وَصَارَ من أوجه تلامذته وأشدهم تَحْقِيقا وضبطا وَقَرَأَ عَلَيْهِ أصُول الْفِقْه وَفرغ مِنْهُ ثمَّ بعد وَفَاة الْأُسْتَاذ أبي بكر اخْتلف إِلَى الْأُسْتَاذ أبي إِسْحَاق الإسفرايني وَقعد يسمع جَمِيع دروسه وأتى عَلَيْهِ أَيَّام فَقَالَ لَهُ الْأُسْتَاذ هَذَا الْعلم لَا يحصل بِالسَّمَاعِ
وَمَا توهم فِيهِ ضبط مَا يسمع فَأَعَادَ عِنْده مَا سَمعه مِنْهُ وَقَررهُ أحسن تَقْرِير من غير إخلال بِشَيْء فتعجب مِنْهُ وَعرف مَحَله فَأكْرمه وَقَالَ مَا كنت أَدْرِي أَنَّك بلغت هَذَا الْمحل فلست تحْتَاج إِلَى درسي يَكْفِيك أَن تطالع مصنفاتي وَتنظر فِي طريقي وَإِن أشكل عَلَيْك شَيْء طالعتني بِهِ فَفعل ذَلِك وَجَمِيع بَين طَرِيقَته وَطَرِيقَة ابْن فورك
ثمَّ نظر بعد ذَلِك فِي كتب القَاضِي أبي بكر ابْن الطّيب وَهُوَ مَعَ ذَلِك يحضر مجْلِس الْأُسْتَاذ أبي عَليّ إِلَى أَن اخْتَارَهُ لكريمته فَزَوجهَا مِنْهُ
وَبعد وَفَاة الْأُسْتَاذ عَاشر أَبَا عبد الرَّحْمَن السّلمِيّ إِلَى أَن صَار أستاذ خُرَاسَان وَأخذ فِي التصنيف فصنف التَّفْسِير الْكَبِير قبل الْعشْر وَأَرْبَعمِائَة ورتب الْمجَالِس وَخرج إِلَى الْحَج فِي رفْقَة فِيهَا أَبُو مُحَمَّد الْجُوَيْنِيّ وَالشَّيْخ أَحْمد الْبَيْهَقِيّ وَجَمَاعَة من الْمَشَاهِير فَسمع مَعَهم الحَدِيث بِبَغْدَاد والحجاز من مَشَايِخ عصره
وَكَانَ فِي علم الفروسية وَاسْتِعْمَال السِّلَاح وَمَا يتَعَلَّق بِهِ من أَفْرَاد الْعَصْر وَله فِي ذَلِك الْفَنّ دقائق وعلوم انْفَرد بهَا
وَأما الْمجَالِس فِي التَّذْكِير وَالْقعُود فِيمَا بَين المريدين وأسئلتهم عَن الوقائع وخوضه فِي الْأَجْوِبَة وجريان الْأَحْوَال العجيبة فَكلهَا مِنْهُ وَإِلَيْهِ
أجمع أهل الْعَصْر على أَنه عديم النظير فِيهَا غير مشارك فِي أساليب الْكَلَام على الْمسَائِل وتطييب الْقُلُوب والإشارات اللطيفة المستنبطة من الْآيَات وَالْأَخْبَار من كَلَام الْمَشَايِخ والرموز الدقيقة وتصانيفه فِيهَا الْمَشْهُورَة إِلَى غير ذَلِك من نظم الْأَشْعَار اللطيفة على لِسَان الطَّرِيقَة
وَلَقَد عقد لنَفسِهِ مجْلِس الْإِمْلَاء فِي الحَدِيث سنة سبع وَثَلَاثِينَ وَأَرْبَعمِائَة وَكَانَ يملي إِلَى سنة خمس وَسِتِّينَ يُذنب أَمَالِيهِ بأبياته وَرُبمَا كَانَ يتَكَلَّم على الحَدِيث بإشاراته ولطائفه
وَله فِي الْكِتَابَة طَريقَة أنيقة رشيقة تبري على النّظم
وَلَقَد قَرَأت فصلا ذكره عَليّ بن الْحسن فِي دمية الْقصر وَهُوَ أَن قَالَ
الإِمَام زين الْإِسْلَام أَبُو الْقَاسِم جَامع لأنواع المحاسن تنقاد لَهُ صعابها ذلل المراسن فَلَو قرع الصخر بِسَوْط تحذيره لذاب وَلَو ربط إِبْلِيس فِي مجْلِس تذكيره لتاب وَله فصل الْخطاب فِي فضل النُّطْق المستطاب ماهر فِي التَّكَلُّم على مَذْهَب الْأَشْعَرِيّ خَارج فِي إحاطته بالعلوم على الْحَد البشري كَلِمَاته للمستفيدين فَوَائِد وفرائد وعتبات منبره للعارفين وسائد وَله شعر يتوج بِهِ رُؤُوس معاليه إِذا ختمت بِهِ أَذْنَاب أَمَالِيهِ
قَالَ عبد الغافر وَقد أَخذ طَرِيق التصوف من الْأُسْتَاذ أبي عَليّ الدقاق وَأَخذهَا أَبُو عَليّ عَن أبي الْقَاسِم النصراباذي والنصراباذي عَن الشبلي والشبلي عَن الْجُنَيْد والجنيد عَن السّري السَّقطِي وَالسري عَن مَعْرُوف الْكَرْخِي ومعروف عَن دَاوُد الطَّائِي وَدَاوُد لَقِي التَّابِعين
هَكَذَا كَانَ يذكر إِسْنَاد طَرِيقَته
وَمن جملَة أَحْوَاله مَا خص بِهِ من المحنة فِي الدّين والاعتقاد وَظُهُور التعصب بَين الْفَرِيقَيْنِ فِي عشر سنة أَرْبَعِينَ إِلَى خمس وَخمسين وَأَرْبَعمِائَة وميل بعض الْوُلَاة إِلَى الْأَهْوَاء وسعى بعض الرؤساء والقضاة إِلَيْهِ بالتخليط حَتَّى أدّى ذَلِك إِلَى رفع الْمجَالِس وتفرق شَمل الْأَصْحَاب وَكَانَ هُوَ الْمَقْصُود من بَينهم حسدا حَتَّى اضطرته الْحَال إِلَى مُفَارقَة الأوطان وامتد فِي أثْنَاء ذَلِك إِلَى بَغْدَاد وَورد على أَمِير الْمُؤمنِينَ الْقَائِم بِأَمْر الله ولقى فِيهَا قبولا وَعقد لَهُ الْمجْلس فِي مَنَازِله المختصة بِهِ وَكَانَ ذَلِك بِمحضر ومرأى مِنْهُ وَوَقع كَلَامه فِي مَجْلِسه الْموقع وَخرج الْأَمر بإعزازه وإكرامه وَعَاد إِلَى نيسابور وَكَانَ يخْتَلف مِنْهَا
إِلَى طوس بأَهْله وَبَعض أَوْلَاده حَتَّى طلع صبح النّوبَة الْمُبَارَكَة دولة السُّلْطَان ألب أرسلان فِي سنة خمس وَخمسين وَأَرْبَعمِائَة فَبَقيَ عشر سِنِين فِي آخر عمره مرفها مُحْتَرما مُطَاعًا مُعظما وَأكْثر صَفوه فِي آخر أَيَّامه الَّتِي شَاهَدْنَاهُ فِيهَا أخيرا إِلَى أَن تقْرَأ عَلَيْهِ كتبه وتصانيفه وَالْأَحَادِيث المسموعة لَهُ وَمَا يؤول إِلَى نصْرَة الْمَذْهَب
بلغ المنتمون إِلَيْهِ الافا فأملوا بِذكرِهِ وتصانيفه أطرافا
انْتهى كَلَام عبد الغافر
قَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ سَمِعت أَبَا بشر مُصعب بن عبد الرَّزَّاق بن مُصعب المصعبي بمرو يَقُول حضر الْأُسْتَاذ أَبُو الْقَاسِم مجْلِس بعض الْأَئِمَّة الْكِبَار وَكَانَ قَاضِيا بمرو وَأَظنهُ قَالَ القَاضِي عَليّ الدهْقَان وَقت قدومه علينا فَلَمَّا دخل الْأُسْتَاذ قَامَ القَاضِي على رَأس السرير وَأخذ مخدة كَانَ يسْتَند عَلَيْهَا على السرير وَقَالَ لبَعض من كَانَ قَاعِدا على دَرَجَة الْمِنْبَر احملها إِلَى الْأُسْتَاذ الإِمَام ليقعد عَلَيْهَا
ثمَّ قَالَ أَيهَا النَّاس حججْت سنة من السنين وَكَانَ قد اتّفق أَن حج تِلْكَ السّنة هَذَا الإِمَام الْكَبِير وَأَشَارَ إِلَى الْأُسْتَاذ وَكَانَ يُقَال لتِلْك السّنة سنة الْقُضَاة وَكَانَ حج تِلْكَ السّنة أَرْبَعمِائَة نفس من قُضَاة الْمُسلمين وأئمتهم من أقطار الْبلدَانِ وأقاصي الأَرْض وَأَرَادُوا أَن يتَكَلَّم وَاحِد مِنْهُم فِي حرم الله سبحانه وتعالى فاتفق الْكل على الْأُسْتَاذ أبي الْقَاسِم فَتكلم هُوَ بِاتِّفَاق مِنْهُم
قلت من سمع هَذِه الْحِكَايَة لم يستنكر مَا ذكره الْغَزالِيّ فِي بَاب الْوَلَاء فِي مَسْأَلَة أَرْبَعمِائَة قَاض
وبلغنا أَنه مرض للأستاذ أبي الْقَاسِم ولد مَرضا شَدِيدا بِحَيْثُ أيس مِنْهُ فشق ذَلِك على الْأُسْتَاذ فَرَأى الْحق سبحانه وتعالى فِي الْمَنَام فَشكى إِلَيْهِ فَقَالَ لَهُ الْحق سبحانه وتعالى اجْمَعْ آيَات الشِّفَاء واقرأها عَلَيْهِ واكتبها فِي إِنَاء وَاجعَل فِيهِ مشروبا واسقه إِيَّاه فَفعل ذَلِك فَعُوفِيَ الْوَلَد
وآيات الشِّفَاء فِي الْقُرْآن سِتّ
{ويشف صُدُور قوم مُؤمنين} {وشفاء لما فِي الصُّدُور} {فِيهِ شِفَاء للنَّاس} {وننزل من الْقُرْآن مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَة للْمُؤْمِنين} {وَإِذا مَرضت فَهُوَ يشفين} {قل هُوَ للَّذين آمنُوا هدى وشفاء} وَرَأَيْت كثيرا من الْمَشَايِخ يَكْتُبُونَ هَذِه الْآيَات للْمَرِيض ويسقاها فِي الْإِنَاء طلبا للعافية
وَمن تصانيف الْأُسْتَاذ التَّفْسِير الْكَبِير وَهُوَ من أَجود التفاسير وأوضحها والرسالة الْمَشْهُورَة الْمُبَارَكَة الَّتِي قيل مَا تكون فِي بَيت وينكب والتحبير فِي التَّذْكِير وآداب الصُّوفِيَّة ولطائف الإشارات وَكتاب الْجَوَاهِر وعيون الْأَجْوِبَة فِي فنون الأسئلة وَكتاب الْمُنَاجَاة وَكتاب نكت أولي النهى وَكتاب نَحْو الْقُلُوب الْكَبِير وَكتاب نَحْو الْقُلُوب الصَّغِير وَكتاب أَحْكَام السماع وَكتاب الْأَرْبَعين فِي الحَدِيث وَقع لنا بِالسَّمَاعِ الْمُتَّصِل وَغير ذَلِك
وَخلف من الْبَنِينَ سِتَّة ذَكَرْنَاهُمْ فِي هَذِه الطَّبَقَات عبادلة كلهم من السيدة الجليلة فَاطِمَة بنت الْأُسْتَاذ أبي عَليّ الدقاق
قَالَ النقلَة وَلما مرض لم تفته وَلَا رَكْعَة قَائِما بل كَانَ يُصَلِّي قَائِما إِلَى أَن توفّي رحمه الله فِي صَبِيحَة يَوْم الْأَحَد السَّادِس عشر من شهر ربيع الآخر سنة خمس وَسِتِّينَ وَأَرْبَعمِائَة وَدفن فِي الْمدرسَة إِلَى جَانب أستاذه أبي عَليّ الدقاق