الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
شرح حَال فتوحات يَمِين الدولة وغزواته بِاخْتِصَار
كَانَ مبدأ ملكه سنة سبع وَثَمَانِينَ وثلاثمائة وَكَانَ محببا إِلَى النَّاس لعدله وَدينه وشجاعته ومعرفته فَلَمَّا مَاتَ أَبوهُ وَكَانَ من أَمر إخْوَته مَا حكيناه فِي صدر التَّرْجَمَة قصد مَحْمُود فِي سنة سبع وَثَمَانِينَ بِلَاد خُرَاسَان فاستلب ملكهَا من أَيدي السامانية وواقعهم مَرَّات مُتعَدِّدَة حَتَّى أَزَال اسمهم ورسمهم وانقرضت دولتهم بِالْكُلِّيَّةِ على يَدَيْهِ ثمَّ انتهض لقِتَال الْكفَّار فَنَهَضَ ليملك ملك التّرْك بِمَا وَرَاء النَّهر وَذَلِكَ بعد موت القان الْكَبِير الَّذِي يُقَال لَهُ فائق فجرت لَهُ مَعَهم حروب وخطوب يطول شرحها
وَفِي سنة اثْنَتَيْنِ وَتِسْعين وثلاثمائة غزا بِلَاد الْهِنْد وَقصد ملكهَا جيبال فِي جَيش عَظِيم فَاقْتَتلُوا قتالا شَدِيدا وَفتح الله على يَدَيْهِ وَكسر الهنود وَأسر ملكهم وَأخذ من عُنُقه قلادة قيمتهَا ثَمَانُون ألف دِينَار وغنم الْمُسلمُونَ مِنْهُم أَمْوَالًا عَظِيمَة وفتحوا بلادا كَثِيرَة ثمَّ أطلق مَحْمُود ملك الْهِنْد احتقارا لَهُ واستهانة بأَمْره مَعَ شدَّة بأسه وَعظم اسْمه فوصل ذليلا مكسورا إِلَى بِلَاده وَقيل إِنَّه لما وصل ألْقى نَفسه فِي النَّار الَّتِي يعبدونها من دون الله فَهَلَك
ثمَّ غزا الْهِنْد أَيْضا فِي سنة سِتّ وَتِسْعين وثلاثمائة فَافْتتحَ مدنا كَثِيرَة كبارًا وغنم مَا لَا يُحْصى من الْأَمْوَال وَأسر بعض مُلُوكهمْ وَهُوَ ملك كراسي حِين هرب مِنْهُ لما افتتحها وَكسر أصنامها فألبسه منْطقَة شدها على وَسطه بعد تمنع شَدِيد وَقطع خِنْصره ثمَّ أطلقهُ إهانة لَهُ وإظهارا لِعَظَمَة الْإِسْلَام وَأَهله
ثمَّ غزا عَبدة الْأَصْنَام ثَالِثا فِي سنة ثَمَان وَتِسْعين وَفتح حصونا كَثِيرَة وَأخذ أَمْوَالًا جمة وجواهر نفيسة وَكَانَ فِي جملَة مَا وجد بَيت طوله ثَلَاثُونَ ذِرَاعا وَعرضه خَمْسَة عشر ذِرَاعا مَمْلُوءَة فضَّة وَلما رَجَعَ إِلَى غزنة بسط الحواصل فِي صحن دَاره وَأذن لرسل الْمُلُوك فَدَخَلُوا عَلَيْهِ قرأوا مَا هالهم
وَفِي سنة اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعمِائَة أَو سنة إِحْدَى غزا الْكفَّار أَيْضا وَقطع مفازة عَظِيمَة أَصَابَهُ فِيهَا عَطش مفرط كَاد يهْلك عسكره ثمَّ من الله بمطر عَظِيم رواهم ووصلوا إِلَى الْكفَّار وهم خلائق لَا يُحصونَ وَمَعَهُمْ سِتّمائَة فيل فنصر عَلَيْهِم وغنم شَيْئا عَظِيما وَعَاد
ثمَّ غزا فِي سنة سِتّ وَأَرْبَعمِائَة فغره أدلته وأضلوه عَن الطَّرِيق فَحصل فِي مائية فاضت من الْبَحْر وغرق كثير مِمَّن كَانَ مَعَه وخاض المَاء بِنَفسِهِ أَيَّامًا ثمَّ تخلص وَعَاد إِلَى خُرَاسَان
ثمَّ غزا فِي سنة ثَمَان وَأَرْبَعمِائَة وافتتح بلادا كَثِيرَة
ثمَّ عَاد الْغَزْو فِي سنة تسع وَأَرْبَعمِائَة وجال فِي بِلَاد الْكفَّار مسيرَة ثَلَاثَة أشهر
عَن غزنة
وَفِي هَذِه السّنة افْتتح المدينتين العظيمتين مهرَة وقنوج وَكَانَ فتحا عَظِيما عَزِيزًا
قَالَ أَبُو النَّصْر الفامي وقنوج هِيَ الَّتِي أعيت الْمُلُوك غير كشتاسب على مَا زعمته الْمَجُوس وَهُوَ ملك الْمُلُوك فِي زَمَانه فزحف السُّلْطَان مَحْمُود بعساكره وَعبر مياه سيحون وَتلك الأودية الَّتِي تجل أعماقها عَن الْوَصْف وَلم يطَأ مملكة من تِلْكَ الممالك إِلَّا أَتَاهُ الرَّسُول وَاضِعا خد الطَّاعَة عارضا فِي الْخدمَة كنه الِاسْتِطَاعَة إِلَى أَن جَاءَهُ جنكي بن سمهي صَاحب درب قشمير عَالما بِأَنَّهُ بعث الله الَّذِي لَا يرضيه إِلَّا الْإِسْلَام أَو الحسام
فضمن إرشاد الطَّرِيق وَسَار أَمَامه هاديا فَمَا زَالَ يفْتَتح الصَّيَاصِي والقلاع حَتَّى مر بقلعة هردب فَلَمَّا رأى ملكهَا الأَرْض تموج بأنصار الله وَمن حولهَا الْمَلَائِكَة زلزلت قدمه وأشفق أَن يراق دَمه وَنزل فِي عشرَة آلَاف منادين بدعوة الْإِسْلَام
ثمَّ سَار بجُنُوده إِلَى قلعة كلجند وَهُوَ من رُءُوس الشَّيَاطِين فَكَانَت لَهُ مَعَه ملحمة عَظِيمَة هلك فِيهَا من الْكفَّار خَمْسُونَ ألفا من بَين قَتِيل وغريق فَعمد كلجند إِلَى زَوجته فَقَتلهَا ثمَّ ألحق بهَا نَفسه وغنم السُّلْطَان مائَة وَخَمْسَة وَثَلَاثِينَ فيلا
ثمَّ عطف إِلَى الْبَلَد الَّذِي يُسمى المتعبد وَهُوَ مهرَة الْهِنْد يطالع أبنيتها الَّتِي ذكر أَهلهَا أَنَّهَا من بِنَاء الجان فَرَأى مَا يُخَالف الْعَادَات وَهِي مُشْتَمِلَة على بيُوت أصنام بنقوش مبدعة وتزاويق تخطف الْبَصَر وَكَانَ فِيمَا كتب بِهِ السُّلْطَان أَنه لَو أَرَادَ مُرِيد أَن يَبْنِي مَا يعادل تِلْكَ الْأَبْنِيَة لعجز عَنْهَا بإنفاق مائَة ألف ألف دِرْهَم فِي مِائَتي سنة على أَيدي عملة كملة ومهرة سحرة
وَفِي جملَة الْأَصْنَام خَمْسَة من الذَّهَب معمولة طول خَمْسَة أَذْرع عينا وَاحِد مِنْهَا ياقوتتان قيمتهَا أَزِيد من خمسين ألف دِينَار وعَلى آخر ياقوتة زرقاء وَزنهَا أَرْبَعمِائَة وَخَمْسُونَ مِثْقَالا وَكَانَ جملَة الذهبيات الْمَوْجُودَة على الْأَصْنَام ثَمَانِيَة وَسبعين ألف مِثْقَال
قَالَ ثمَّ أَمر السُّلْطَان بِسَائِر الْأَصْنَام فَضربت بالنفط وَحَازَ من السبايا والنهاب مَا يعجز عَنهُ أنامل الْحساب
ثمَّ سَار إِلَى قنوج وَخلف مُعظم الْعَسْكَر فوصل إِلَيْهِ فِي شعْبَان سنة تسع وَقد فَارقهَا الْملك راجيبال مُنْهَزِمًا فتتبع السُّلْطَان قلاعها وَكَانَت على سيف الْبَحْر وفيهَا قريب من عشرَة آلَاف بَيت للأصنام يزْعم الْمُشْركُونَ أَنَّهَا متوارثة مُنْذُ مِائَتي ألف سنة إِلَى ثَلَاثمِائَة ألف سنة كذبا وزورا فَفَتحهَا كلهَا فِي يَوْم وَاحِد ثمَّ أَبَاحَهَا لجيشه فانتهبوها ثمَّ ركض مِنْهَا إِلَى قلعة البراهمة فافتتحها وَقتل بهَا خلقا كثيرا
ثمَّ افْتتح قلعة جندراي وَهِي الَّتِي تضرب الْأَمْثَال بحصانتها