الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قلت فِي الْمَسْأَلَة مَذَاهِب للنحاة فَمن قَائِل يمْتَنع مُطلقًا ويؤول مَا ورد من ذَلِك وَهُوَ اخْتِيَار شَيخنَا أبي حَيَّان وَمن قَائِل يجوز مُطلقًا وَهُوَ اخْتِيَار ابْن مَالك وَقَالَ ابْن عُصْفُور إِن اتفقَا فِي الْمَعْنى الْمُوجب للتسمية كالأحمرين لِلذَّهَبِ والزعفران والأطيبين للشباب وَالنِّكَاح وَإِلَّا فَلَا
ولي على هَذِه الْمَسْأَلَة كَلَام مُفْرد فِي جَوَاب سُؤال سألنيه صاحبنا الإِمَام الأديب صَلَاح الدّين خَلِيل بن أيبك الصَّفَدِي على قَول الحريري صَاحب المقامات
(جاد بِالْعينِ حِين أعمى هَوَاهُ
…
عينه فانثنى بِلَا عينين)
وَهُوَ الْبَيْت الَّذِي لحنه المانعون فِيهِ ولعلنا نتكلم على ذَلِك فِي تَرْجَمَة الحريري إِن شَاءَ الله تَعَالَى
وَمن الْمسَائِل والفوائد عَنهُ
قَالَ فِي الْأَحْكَام السُّلْطَانِيَّة يجوز أَن يكون وَزِير التَّنْفِيذ ذِمِّيا بِخِلَاف وَزِير التَّفْوِيض وَفرق بِأَن وَزِير التَّفْوِيض يولي ويعزل ويباشر الحكم ويسير الْجَيْش ويتصرف فِي بَيت المَال بِخِلَاف وَزِير التَّنْفِيذ
وَقَالَ إِذا استسقى كَافِر تخير الْأَمِير بَين سقيه وَمنعه كَمَا يتَخَيَّر بَين قَتله وَتَركه
وَقَالَ إِذا غَابَ إِمَام الْمَسْجِد وَلم يستنب استؤذن الإِمَام فَإِن تعذر اسْتِئْذَانه تراضى أهل الْبَلَد يؤمهم فَإِذا حضرت صَلَاة أُخْرَى وَالْإِمَام على غيبته فقد قيل المرتضى فِي الصَّلَاة الأولى أولى فِي الثَّانِيَة وَمَا بعد إِلَى أَن يحضر الإِمَام وَقيل بل يخْتَار
للثَّانِيَة ثَان يرتضى غير الأول لِئَلَّا يصير هَذَا الِاخْتِيَار تقليدا سلطانيا
قَالَ الْمَاوَرْدِيّ ورأيي أَن يُرَاعِي حَال الْجَمَاعَة فِي الثَّانِيَة فَإِن حضرها من حضر فِي الأولى كَانَ المرتضى فِي الأولى أَحَق وَإِن حضرها غَيرهم كَانَ الأول كأحدهم واستأنفوا اخْتِيَار إِمَام
قلد السُّلْطَان إمامين فِي مَسْجِد وَلم يخص أَحدهمَا بِزَمن وَلَا صلوَات فَأَيّهمَا سبق كَانَ أَحَق بِالْإِمَامَةِ وَلَيْسَ للْآخر أَن يؤم فِي تِلْكَ الصَّلَاة بِقوم آخَرين لِأَنَّهُ لَا يجوز أَن تُقَام فِي الْمَسَاجِد السُّلْطَانِيَّة جماعتان فِي صَلَاة وَاحِدَة وَاخْتلف فِي السَّبق الَّذِي يسْتَحق بِهِ التَّقَدُّم على وَجْهَيْن أَحدهمَا سبقه بالحضور إِلَى الْمَسْجِد وَالثَّانِي بِالْإِمَامَةِ فِيهِ فَإِن حضرا مَعًا وَلم يتَّفقَا على تَقْدِيم أَحدهمَا فَوَجْهَانِ أَحدهمَا يقرع وَالثَّانِي يخْتَار أهل النَّاحِيَة
قَالَ الْمَاوَرْدِيّ فِي الْحَاوِي فِيمَا إِذا قَالَ قارضتك على أَن لَك سدس عشر تسع الرِّبْح وَالأَصَح فِيهِ الصِّحَّة لِأَنَّهُ مَعْلُوم من الصِّيغَة يُمكن الِاطِّلَاع عَلَيْهِ غير أَنا نستحب لَهما أَن يعدلا عَن هَذِه الْعبارَة الغامضة إِلَى مَا يعرف على البديهة من أول وهلة لِأَن هَذِه عبارَة قد توضح للإخفاء والإغماض قَالَ الشَّاعِر
(لَك الثُّلُثَانِ من قلبِي
…
وَثلثا ثلثه الْبَاقِي)
(وَثلثا ثلث مَا يبْقى
…
وَثلث الثُّلُث للساقي)
(وَتبقى أسْهم سِتّ
…
تقسم بَين عشاقي)
فَانْظُر إِلَى هَذَا الشَّاعِر وبلاغته وتحسين عِبَارَته كَيفَ أغمض كَلَامه وَقسم قلبه وَجعله مجزأ على أحد وَثَمَانِينَ جُزْءا هِيَ مَضْرُوب ثَلَاثَة فِي ثَلَاثَة ليَصِح مِنْهَا مخرج ثلث ثلث الثُّلُث فَجعل لمن خاطبه أَرْبَعَة وَسبعين جُزْءا من قلبه وَجعل للساقي جُزْءا وَبَقِي السِّتَّة الْأَجْزَاء ففرقها فِيمَن يحب
وَلَيْسَ للإغماض فِي عُقُود الْمُعَاوَضَات وَجه مرضِي وَلَا حَال يسْتَحبّ غير أَن العقد
لَا يخرج بِهِ عَن حكم الصِّحَّة إِلَى الْفساد وَلَا عَن حَال الْجَوَاز إِلَى الْمَنْع لِأَنَّهُ قد يؤول بهما إِلَى الْعلم وَلَا يجهل عِنْد الحكم
انْتهى كَلَام الْمَاوَرْدِيّ
وَقد أورثه حب الْأَدَب إِدْخَال هَذِه الأبيات الغزلية فِي الْفِقْه
وَقَوله جزأ قلبه على أحد وَثَمَانِينَ جُزْءا وَجهه ظَاهر وَقد أعطَاهُ فِي الأول أَرْبَعَة وَخمسين وَهِي ثلثا الْقدر الْمَذْكُور ثمَّ ثلثى الثُّلُث الثَّالِث وَهِي ثَمَانِيَة عشر وَبقيت تِسْعَة فَأعْطَاهُ ثلثى ثلثهَا وَهُوَ اثْنَان وَيبقى سَبْعَة وَاحِد وَهُوَ ثلث الثُّلُث الْبَاقِي للساقي وَسِتَّة مقسومة
وَقَوله لَيْسَ للإغماض فِي الْمُعَاوَضَات حَال مرضِي فَمَمْنُوع فقد يقْصد المتعاقدان إخفاء مَا يتعاقدان عَلَيْهِ عَن سامعه لغَرَض مَا وَمثله مَذْكُور فِي بِعْتُك مثل مَا بَاعَ بِهِ فلَان فرسه
قَالَ الْمَاوَرْدِيّ فِي الْحَاوِي يجب فِي سلخ جلد ابْن آدم حُكُومَة لَا تبلغ دِيَة النَّفس
ذكره قبل بَاب اصطدام الفارسين بأوراق
وَهُوَ خلاف مَا جزم بِهِ الرَّافِعِيّ أَنه تجب الدِّيَة فِيهِ
وَفِي الْحَاوِي فِي بَاب كَيْفيَّة اللّعان لَو قَالَ لِابْنِهِ أَنْت ولد زنا كَانَ قَاذِفا لأمه
انْتهى
وَهِي مَسْأَلَة حَسَنَة تعم بهَا الْبلوى ذكرهَا ابْن الصّلاح فِي فَتَاوِيهِ بحثا من قبل نَفسه وَكَأَنَّهُ لم يطلع فِيهَا على نقل وَزَاد ابْن الصّلاح أَنه يعزز للمشتوم
وَقَالَ عِنْد كَلَامه على إِمَامَة العَبْد إِمَامَة الْحر الضَّرِير أولى من إِمَامَة العَبْد الْبَصِير لِأَن الرّقّ نقص
انْتهى
وَهُوَ غَرِيب مِنْهُ فَإِنَّهُ قطع بِأَن الْبَصِير أولى من الْأَعْمَى كَمَا يَقُول صَاحب التَّنْبِيه فَهَذِهِ صُورَة تقع مُسْتَثْنَاة من ذَلِك
وَقيد فِي بَاب اخْتِلَاف نِيَّة الإِمَام وَالْمَأْمُوم الصَّبِي الَّذِي يَصح أَن يؤم الْبَالِغين
بالمراهق وَلم أر لَفْظَة الْمُرَاهق لغيره إِنَّمَا عبارَة الْأَصْحَاب الْمُمَيز فَإِن أَرَادَ بالمراهق الْمُمَيز وَهُوَ الظَّاهِر فقد وضع الْمُقَيد مَوضِع الْمُطلق لِأَن التَّمْيِيز أَعم من سنّ الْمُرَاهق وَإِلَّا فَلَا أعرف لَهُ قدوة فَإِن كل من أجَاز إِمَامَة الصَّبِي قنع بالتمييز
قَالَ فِي الْحَاوِي قبيل بَاب قتل الْمحرم صيدا فِيمَن مَاتَ وَعَلِيهِ حجَّة الْإِسْلَام وَحجَّة منذورة لَو اُسْتُؤْجِرَ رجلَانِ ليحجا عَنهُ فِي عَام وَاحِد أَحدهمَا يحرم بِحجَّة الْإِسْلَام وَالْآخر بِحجَّة النّذر فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا أَنه لَا يجوز لِأَن حج الْأَجِير يقوم مقَام حجه وَهُوَ لَا يقدر على حجَّتَيْنِ فِي عَام وَاحِد فَكَذَا لَا يَصح أَن يحجّ عَنهُ رجلَانِ فِي عَام وَاحِد
وَالْوَجْه الثَّانِي أَن ذَلِك جَائِز لِأَنَّهُ إِنَّمَا لم يَصح مِنْهُ حجتان فِي عَام لِاسْتِحَالَة وقوعهما مِنْهُ والأجيران قد يَصح مِنْهُمَا حجتان فِي عَام فاختلفا فعلى هَذَا أَي الأجيرين سبق بِالْإِحْرَامِ كَانَ إِحْرَامه مُتَعَيّنا لحجة الْإِسْلَام وإحرام الَّذِي بعده مُتَعَيّنا لحجة النّذر فَإِن أحرما مَعًا فِي حَالَة وَاحِدَة من غير أَن يسْبق أَحدهمَا الآخر احْتمل وَجْهَيْن أَحدهمَا أَنه يعْتَبر أسبقهما إِجَارَة وإذنا فَينْعَقد إِحْرَامه بِحجَّة الْإِسْلَام وَالَّذِي بعده بِحجَّة النّذر
وَالثَّانِي أَن الله تَعَالَى يحْتَسب لَهُ بِإِحْدَاهُمَا عَن حجَّة الْإِسْلَام لَا بِعَينهَا وَالْأُخْرَى عَن حجَّة النّذر
انْتهى
وَقد تضمن اسْتِحَالَة حجَّتَيْنِ فِي عَام وَاحِد من رجل وَاحِد وَأَنه مفروغ مِنْهُ وَهُوَ حق وَعَلِيهِ نَص الشَّافِعِي رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ ومتوهم خِلَافه مخطىء كَمَا قَرَّرَهُ الْوَالِد الشَّيْخ الإِمَام رحمه الله
وَمن الْعجب أَن صَاحب الْبَحْر أهمل فِيهِ مَعَ كَثْرَة تتبعه للحاوي أول هَذَا الْفَصْل وَاقْتصر على قَوْله مَا نَصه فرع لَو كَانَت عَلَيْهِ حجَّة الْإِسْلَام وَحجَّة النّذر فاستأجر رجلَيْنِ فِي عَام وَاحِد وأحرما عَنهُ فِي حَالَة وَاحِدَة من غير أَن يسْبق أَحدهمَا
الآخر يحْتَمل وَجْهَيْن أَحدهمَا أَنه يعْتَبر أسبقهما إِجَارَة وإذنا فَينْعَقد إِحْرَامه بِحجَّة الْإِسْلَام وَمَا بعده بِحجَّة النّذر
وَالثَّانِي يحْتَسب لَهُ بِإِحْدَاهُمَا عَن حجَّة الْإِسْلَام لَا بِعَينهَا وَالْأُخْرَى عَن حجَّة النّذر
انْتهى
ذكر الْمَاوَرْدِيّ فِي الْحَاوِي وَتَبعهُ الرَّوْيَانِيّ فِي الْبَحْر أَنه لَو أسلم إِلَيْهِ فِي جَارِيَة بِصفة فَأَتَاهُ بهَا على تِلْكَ الصّفة وَهِي زَوجته لم يلْزمه قبُولهَا لِأَنَّهُ لَو قبلهَا بَطل نِكَاحه فَيدْخل عَلَيْهِ بقبولها نقض
قَالَ وَكَذَلِكَ الْمَرْأَة إِذا أسلمت فأحضر إِلَيْهَا زَوجهَا لم يلْزمهَا الْقبُول لما فِيهِ من فسخ النِّكَاح
وَاعْتَرضهُ ابْن الرّفْعَة بِأَن الزواج عيب فِي الزَّوْج وَالْأمة فَعدم إِيجَاب الْقبُول لوُجُود الْعَيْب لَا لخوف الضَّرَر بِفَسْخ النِّكَاح
قلت وَهُوَ اعْتِرَاض صَحِيح إِن لم تكن صُورَة الْمَسْأَلَة أَنه أسلم فِي أمة ذَات زوج وَالَّذِي يظْهر وَعَلِيهِ جرى الْوَالِد فِي شرح الْمِنْهَاج أَن الْمَسْأَلَة مصورة بِمن أسلم فِي أمة ذَات زوج
ثمَّ قَالَ ابْن الرّفْعَة وَإِذا كَانَ كَذَلِك أمكن أَن يُقَال إِذا قبض الْمحْضر وَلم يعرف الْمُسلم الصُّورَة فَإِن لم يرد انْفَسَخ النِّكَاح وَلَو رد وَلم يرض بِهِ يكون فِي انفساخه خلاف مَبْنِيّ على أَن الدّين النَّاقِص هَل يملك بِالْقَبْضِ ويرتد بِالرَّدِّ أَو لَا يملك إِلَّا بِالرِّضَا بعده فعلى الأول يَنْفَسِخ النِّكَاح وعَلى الثَّانِي لَا يَنْفَسِخ
وَقد يُجَاب بِأَن النِّكَاح لما كَانَ يرْتَفع بِالتَّسْلِيمِ وَإِن كَانَ عَيْبا قدر عَدمه فِي الْحَال نظرا لما جعل الْمُحَقق الْوُقُوع كالواقع والمشرف على الزَّوَال كالزائد وَيشْهد لذَلِك أَمْرَانِ أَحدهمَا أَنه إِذا اشْترى جَارِيَة وَزوجهَا وَقَالَ لَهَا الزَّوْج إِن ردك المُشْتَرِي بِعَيْب فَأَنت
طَالِق فَإِن للْمُشْتَرِي ردهَا بِمَا اطلع عَلَيْهِ من عيبها لِأَن الزَّوْجِيَّة تَزُول بِالرَّدِّ وقدرت كالمعدومة
وَالثَّانِي أَنه لَو قتل أمة مُزَوّجَة يلْزمه قيمتهَا خلية عَن الزَّوْج
قلت والفرعان المستشهد بهما ممنوعان
أما قَول الزَّوْج إِن ردك المُشْتَرِي بِعَيْب فَأَنت طَالِق فَهُوَ شَيْء قَالَه وَالِد الرَّوْيَانِيّ وَسكت عَلَيْهِ الرَّافِعِيّ
وَقد قَالَ الْوَالِد فِي شرح الْمِنْهَاج الْأَقْرَب خِلَافه
وَأما من قتل أمة مُزَوّجَة فَالظَّاهِر أَنه إِنَّمَا يلْزمه قيمتهَا ذَات زوج
وَحكى الْمَاوَرْدِيّ ثمَّ الرَّوْيَانِيّ وَجْهَيْن فِيمَا لَو أسلم إِلَيْهِ فِي عبد فَأَتَاهُ بأَخيه أَو عَمه وَجْهَيْن فِي أَنه هَل لَهُ الِامْتِنَاع من قبُوله لِأَن من الْحُكَّام من يحكم بِعِتْقِهِ عَلَيْهِ فَيكون قبُوله ضَرَرا أما لَو أَتَاهُ بِأَبِيهِ أَو جده فَلَا يلْزمه الْقبُول قطعا فَإِن قَبضه وَهُوَ لَا يعلم ثمَّ علم فَفِي صِحَة الْقبُول وَجْهَان
قَالَه الْمَاوَرْدِيّ
وَذكر فِي الْيَمين الْغمُوس أَنَّهَا أوجبت الْكَفَّارَة وَهِي محلولة غير منعقدة وَبِه جزم ابْن الصّلاح فِي شرح مُشكل الْوَسِيط وَقَالَ إِنَّمَا وَجَبت الْكَفَّارَة بِمُجَرَّد العقد وَهُوَ كَونه حلف والحنث وَهُوَ كَونه كذب
وَالَّذِي صرح بِهِ صَاحب الْبَحْر أَنَّهَا منعقدة وَهُوَ قَضِيَّة تَصْرِيح صَاحب التَّنْبِيه والرافعي وَغَيرهمَا وَهُوَ الْأَشْبَه واللائق لمن يُوجب الْكَفَّارَة
وَكَلَام ابْن الصّلاح يؤول إِلَى أَنه لَا يلْزم من عقد انْعِقَاد وَفِيه نظر
وَذكر الْمَاوَرْدِيّ أَيْضا فِي كَلَامه على الْيَمين الْغمُوس فِي أثْنَاء الْحجَّاج أَن الْحلف بالمخلوق حرَام وَالَّذِي فِي الرَّافِعِيّ عَن الإِمَام أَن الْأَصَح الْقطع بِأَنَّهُ غير محرم وَإِنَّمَا هُوَ
مَكْرُوه
وَعبارَة الشَّافِعِي رضي الله عنه أخْشَى بِأَنَّهُ يكون الْحلف بِغَيْر الله مَعْصِيّة
وَقد اقْتصر الْمَاوَرْدِيّ عِنْد كَلَامه فِي هَذَا النَّص على الْكَرَاهَة
كَمَا فعله الْمُعظم
نقل الرَّافِعِيّ أَن الْمَاوَرْدِيّ قَالَ فِي الْأَحْكَام السُّلْطَانِيَّة إِن للْقَاضِي أَن يحكم على عدوه بِخِلَاف الشَّهَادَة عَلَيْهِ لِأَن أَسبَاب الحكم ظَاهِرَة وَأَسْبَاب الْعَدَاوَة خافية وَهُوَ كَمَا نَقله فِي الْأَحْكَام السُّلْطَانِيَّة لكنه أطلق فِي الْمَسْأَلَة فِي الْحَاوِي عِنْد الْكَلَام فِي التَّحْكِيم ثَلَاثَة أوجه ثَالِثهَا الْفرق بَين الحكم والتحكيم فَيجوز على الْعَدو لاختياره وَالْحكم بِولَايَة الْقَضَاء فَلَا يجوز وَلم يرجح فِيهَا شَيْئا وَقيد الْمَسْأَلَة قبل ذَلِك وَهَذِه عِبَارَته قَالَ قبل بَاب كتاب قَاض إِلَى قَاض وَيجوز أَن يحكم لعَدوه على عدوه وَجها وَاحِدًا وَإِن لم يشْهد عَلَيْهِ بِخِلَاف الْوَالِدين والمولودين لوُقُوع الْفرق بَينهمَا من وَجْهَيْن أَحدهمَا أَن أَسبَاب الْعَدَاوَة طارئة تَزُول بعد وجودهَا الْحَادِث بعد عدمهَا وَأَسْبَاب الْأَنْسَاب لَازمه لَا تَزُول وَلَا تحور فغلظت هَذِه وخففت تِلْكَ
الثَّانِي أَن الْأَنْسَاب محصورة متعينة والعداوة منتشرة مُبْهمَة فيفضي ترك الحكم مَعهَا إِلَى امْتنَاع كل مَطْلُوب بِمَا يَدعِيهِ من الْعَدَاوَة
انْتهى
غير أَن هذَيْن الفرقين يقتضيان جَوَاز الحكم على الْعَدو مُطلقًا كَمَا نَقله الرَّافِعِيّ وَإِذا تَأَمَّلت الفرقين عرفت اندفاع قَول الشَّافِعِي مشككا عَلَيْهِ وَهَذَا يشكل بالتسوية بَينهمَا فِي حق الأبعاض وَغَيره وَعرفت أَيْضا أَنه إِن لم يكن الْأَمر كَمَا نَقله من جَوَاز الحكم على الْعَدو مُطلقًا وَإِلَّا فالعلة عَامَّة وَالدَّعْوَى خَاصَّة فَإِنَّهُ قد يُقَال يقْضِي لعَدوه
على عدوه كَمَا يقْضِي لِلْأُصُولِ على الْفُرُوع وَبِالْعَكْسِ على الْخلاف فِيهِ وَإِن لم يقْض عَلَيْهِ مُطلقًا وَاقْتصر الرَّافِعِيّ فِي الْقَضَاء لِلْأُصُولِ وَالْفُرُوع على وَجْهَيْن وَفِي الْحَاوِي وَجه ثَالِث أَنه يقْضى لَهُم بِالْإِقْرَارِ لبعد التُّهْمَة فِيهِ وَلَا يقْضِي بِالْبَيِّنَةِ
قَالَ الْمَاوَرْدِيّ فِي الْحَاوِي فِي بَاب كتاب قَاض إِلَى قَاض فِي أواخره وَلَو لم يذكر القَاضِي فِي كِتَابه سَبَب حكمه وَقَالَ ثَبت عِنْدِي بِمَا يثبت بِمثلِهِ الْحُقُوق
وَسَأَلَهُ الْمَحْكُوم عَلَيْهِ عَن السَّبَب الَّذِي حكم بِهِ عَلَيْهِ نظر فَإِن كَانَ قد حكم عَلَيْهِ بِإِقْرَارِهِ لم يلْزمه أَن يذكرهُ لِأَنَّهُ لَا يقدر على دَفعه بِالْبَيِّنَةِ وَإِن كَانَ قد حكم عَلَيْهِ بِنُكُولِهِ وَيَمِين الطَّالِب يلْزمه أَن يذكرهُ لِأَنَّهُ يقدر على دَفعه بِالْبَيِّنَةِ وَإِن كَانَ قد حكم عَلَيْهِ بِالْبَيِّنَةِ فَإِن كَانَ الحكم بِحَق فِي الذِّمَّة لم يلْزمه ذكره لِأَنَّهُ لَا يقدر على دَفعهَا بِمِثْلِهَا وَإِن كَانَ الحكم بِعَين قَائِمَة لزمَه أَن يذكرهَا لِأَنَّهُ يقدر على مقابلتها بِمِثْلِهَا وتترجح بَيِّنَة الْيَد فَيكون وجوب التَّبْيِين مُعْتَبرا بِهَذِهِ الْأَقْسَام
انْتهى
وَقد أَخذ صَاحب الْبَحْر قَوْله فَيكون وجوب التَّبْيِين مُعْتَبرا بِهَذِهِ الْأَقْسَام مُقْتَصرا عَلَيْهِ فَقَالَ وَإِن لم يذكر القَاضِي مَا حكم بِهِ مِنْهَا فِي كِتَابه وَقَالَ ثَبت عِنْدِي بِمَا يثبت بِمثلِهِ الْحُقُوق فَهَل يجوز وَجْهَان
قلت وَهَذَا الْوَجْه الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ بعد الْجَوَاز هُوَ الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ الرَّافِعِيّ عِنْد قَوْله فِي الرُّكْن الثَّالِث فِي كَيْفيَّة إنهاء الحكم إِلَى قَاض آخر وَفِي فحوى كَلَام الْأَصْحَاب مَانع من إِبْهَام الْحجَّة لما فِيهِ من سد بَاب الطعْن والقدح على الْخصم وَبِهَذَا الْوَجْه يتسلق إِلَى منازعته فِي جزمه قبل ذَلِك قَالَ القَاضِي لَو قَالَ على سَبِيل الحكم نسَاء هَذِه الْقرْيَة طَوَالِق من أَزوَاجهنَّ يقبل وَلَا حَاجَة إِلَى حجَّة
ذكره فِي آخر الثَّالِثَة من الْفَصْل الثَّانِي فِي الْعَزْل ثمَّ قَالَ مَسْأَلَة عِنْد الْكَلَام فِي الْقَضَاء
بِالْعلمِ فَإِنَّهُ قَالَ وَأَجَابُوا عَن معنى التُّهْمَة قَالَ القَاضِي لَو قَالَ ثَبت عِنْدِي وَصَحَّ لدي كَذَا لزم قبُوله وَلم يبْحَث عَمَّا صَحَّ وَثَبت
وَاعْلَم أَن الأَصْل فِي تَسْمِيَة القَاضِي الشُّهُود الَّذين حكم بِشَهَادَتِهِم فِيهِ للنَّاس خلاف قديم بَين الشَّافِعِيَّة وَالْحَنَفِيَّة حَكَاهُ الْمَاوَرْدِيّ وَصَاحب الْبَحْر وَغَيرهمَا
كَانَ الشَّافِعِيَّة يَقُولُونَ الأولى التَّسْمِيَة وَذَاكَ أحوط للمحكوم عَلَيْهِ
وَكَانَ الْحَنَفِيَّة يَقُولُونَ الأولى تَركه وَهُوَ أحوط للْمَشْهُود عَلَيْهِ
وَالْمَاوَرْدِيّ ذكر الْمَسْأَلَة فِي بَاب كتاب قَاض إِلَى قَاض وَحكى فِي بَاب مَا على القَاضِي فِي الْخُصُوم وَالشُّهُود أَن أَبَا الْعَبَّاس بن سُرَيج كَانَ يخْتَار مَذْهَب الْحَنَفِيَّة فِي ذَلِك
قَالَ الرَّوْيَانِيّ فِي الْبَحْر فَإِن لم يسمهما قَالَ شهد عِنْدِي رجلَانِ حران عرفهما بِمَا يجوز بِهِ قبُول شَهَادَتهمَا وَإِن سماهما قَالَ شهد عِنْدِي فلَان وَفُلَان وَقد ثَبت عِنْدِي عدالتهما
قلت فيجتمع من الْكَلَامَيْنِ فِي التَّسْمِيَة ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا أَن تَركه أولى وَهُوَ رَأْي ابْن سُرَيج
وَالثَّانِي أَن ذكره أولى وَلَكِن لَا يجب
وَالثَّالِث أَنه وَاجِب وعَلى الْوُجُوب لَا يخفى إِيجَابه إبداء الْمُسْتَند إِذا طُولِبَ بِهِ وعَلى عدم الْوُجُوب هَل يجب إبداؤه إِذا سُئِلَ فِيهِ مَا تقدم من تَفْصِيل الْمَاوَرْدِيّ غير أَن قَوْله فِي الْيَمين الْمَرْدُودَة يبْنى على أَنَّهَا كَالْإِقْرَارِ أَو كالبينة فَهِيَ لَا تخرج عَنْهُمَا وَإِن كَانَ الْإِقْرَار فِيهَا ضمنا
وَقد سبق فِي تَرْجَمَة ابْن سُرَيج مَا إِذا ضم إِلَيْهِ هَذَا صَار كلَاما فِي الْمَسْأَلَة