الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المقدمة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه، ونستهديه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبدُهُ ورسولُهُ.
أما بعد:
فلقد منَّ الله علينا بأن جعلنا مسلمين مؤمنين متبعين لأوامره منتهجين نهج رسوله صلى الله عليه وآله وسلم، وصحابته الكرام رضي الله عنهم أجمعين، فهم من نقل لنا الدين وتعاليمه، وعن طريقهم وصل إلينا القرآن الذي حفظه الله تعالى من التحريف والتبديل، ووصلت إلينا أحاديث رسولنا صلى الله عليه وآله وسلم المبيِّنة والمفصِّلة لما في القرآن من إجمال. وهي أيضاً محفوظة بحفظ الدين، فقيَّض الله لها علماء يمحِّصون الصحيح منها من الضعيف والموضوع.
ولهذا كان الطعن في حياة أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم طعناً في الدين واستهدافاً للإسلام.
إذ كيف لمسلم يؤمن بالله ورسوله أن يطعن في أناس ائتمنهم الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم على نقل الإسلام.
قال تعالى: {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ
فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}
(1)
.
ومما نقله الصحابة رضي الله عنهم، أيضاً - إلى جانب كتاب ربهم وسنة نبيهم وسيرته العطرة صلى الله عليه وآله وسلم سير إخوانهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من أهل البيت الطاهرين، ومن غيرهم رضوان الله عليهم أجمعين، ومن تلك السير العظيمة، سيرة الشيهد ابن عم رسو الله صلى الله عليه وآله وسلم ذي الجناحين، صاحب الهجرتين جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه.
فقد كان رضي الله عنه داعياً في حياته للإسلام، صاحب حجة قوية، لا يخاف في الله لومة لائم، مجاهداً في سبيل الله تعالى، راغباً فيما عند الله من نعيم.
حتى إنه قدَّم يديه ثمناً لدخول الجنة قبل أن يقدِّم نفسه الزكيَّة، فقد باع جسده وحياته ليظفر بجنة الخلد التي تجري من تحتها الأنهار.
ففيه رضي الله عنه وفي أمثاله قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ
…
الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ
…
الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}
(2)
.
فالبشرى البشرى لجعفر رضي الله عنه وأمثاله من الصحابة الكرام ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
وذلك هو الفوز العظيم كما قال الله تعالى، فقد ربح البيع أيَّما ربح، رغم أنَّ المشتري هو المالك الملِك سبحانه وتعالى.
ورغم أنَّ سيرة جعفر رضي الله عنه من السير العظام، فهو صحابي، من آل البيت، ومن المهاجرين السابقين للإسلام، لكن قلَّ «إن لم يكن عُدم»
(1)
سورة التوبة الآية «100» .
(2)
سورة التوبة الآية «100» .
من أفرد سيرته رضي الله عنه في مصنَّف، يُمحِّص صحيحها من ضعيفها وسقيمها، ويحقق فيها ويُبيِّن عللها والفوائد المستفادة منها.
فأحمد الله أن منَّ عليَّ بأن شرَّفني بالبحث والكتابة في سيرة جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه العظيمة وسيرة آل بيته الأطهار، معتمداً على ما صحَّ منها، مبيِّنا صحيح ما رُوي فيها من ضعيفه، محقِّقاً في بعضها ما استطعت إلى ذلك سبيلا.
فأسأل الله العظيم أن يكون هذا البحث نصرةً للصحابي الجليل جعفر بن
…
أبي طالب بخاصة ولجميع صحابة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعامة، فإن نصرةَ الصحابة بتبيين صحيح سيرتهم وصحيح ما ورد عنهم هو من نصرة الدين الإسلامي ومن الذبِّ عن سيِّد الخلق محمد صلى الله عليه وآله وسلم، لأنه اختار هؤلاء النخبة ليكونوا صحابةً له، ورضيهم الله صحابةً لرسوله صلى الله عليه وآله وسلم.
وإنني من خلال اتباعي لهذا المنهج لا أدعي الكمال في عملي هذا، فما كان من صواب فمن الله وما كان من خطأ فمنِّي ومن الشيطان، والله ورسوله منه براء.
والله سبحانه وتعالى أسأل أن يغفر لنا زلاتنا، وأن يهدينا الصراط المستقيم، وأن يدخلنا مع أمثال هذا الصحابي الجليل في جنَّات النعيم، يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
وكتبه
نايف منير فارس
nayief@engineer.com