الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فضائل ومآثر آل البيت - ومنهم جعفر رضي الله عنه أكثرهم ليسوا من آل البيت، ولولاهم لما وصلت إلينا هذه الفضائل.
·
وكان رضي الله عنه شجاعاً مقداماً:
وهنا بيان لمعرفة النبي ص للصحابة، وإرادته إظهار المناقب والمراتب لبعضهم، فإن جعفراً رضي الله عنه كان في الحبشة وقتاً طويلاً، فلم يشهد غزوة بدرٍ ولا أحد ولا الخندق ولا الحديبية ولا خيبر، لكنه وافى مع الصحابة خيبر، فقسم له النبي ص من غنائم خيبر، وأول معركة أو غزوة عظيمة كانت بعد ذلك جعل النبي ص جعفراً من قادتها، وهي غزوة مؤتة، قاتل زيد حتى استشهد، فحمل الراية جعفر رضي الله عنه، وقاتل قتال الأبطال.
فقد كان جعفر رضي الله عنه قوياًّ شديداً على أعداء الله، محباً للشهادة في سبيل الله، فقد عقر فرسه بعد أن رأى الغلبة يوم مؤتة، وإنما فعل ذلك موِّطنا نفسه على الموت في سبيل الله، لأنه إذا قتل فرسه وبقي راجلاً فقد حقق عزيمته على القتال، وأنه لا يفر ولا ينهزم:
فعن عباد بن عبد الله بن الزبير قال: «حدثني أبي الذي أرضعني، وهو أحد بني مرة بن عوف، وكان في الغزاة، غزاة مؤتة، قال: والله، لكأني أنظر إلى جعفر، حين اقتحم عن فرس له شقراء، فعقرها، ثم قاتل القوم حتى قتل»
(1)
.
(1)
أخرجه أبو داود (2/ 33)، رقم (2573)، والطبراني (18/ 474) وانظر أيضا:(18/ 473)، والبيهقي (9/ 87)، وأخرجه أيضا ابن اسحاق، انظر: الإصابة (1/ 487)، قال الهيثمي في مجمع الزوائد (6/ 234): رواه الطبراني ورجاله ثقات، وقال ابن كثير في إرشاد الفقيه (2/ 319): إسناده جيد، وحسَّنه ابن حجر في فتح الباري (7/ 511)، وحسَّنه الألباني في أبي داود (2573).
قال ابن اسحاق: وهو أول من عقر من المسلمين دابته
(1)
.
وكان من شجاعته أنه قُتل مقبلاً غير مدبر رغم كثرة جراحه وطعنات الكفار فيه:
فقد روى البخاري: عن نافع أن ابن عمر ب أخبره: «أنه وقف على جعفر يومئذ وهو قتيل فعددت به خمسين طعنة وضربة ليس منها شيء في دبره، يعني في ظهره»
(2)
.
فقد روى البخاري عن نافع عن عبد الله بن عمر ب قال: «كنت فيهم في تلك الغزوة
(3)
فالتمسنا جعفر بن أبى طالب، فوجدناه في القتلى، ووجدنا ما في جسده بضعاً وتسعين من طعنة ورمية»
(4)
.
أي أنه رضي الله عنه لم يُولّ ظهره للعدو، وتولية الظهر كناية عن الفرار والجبن، وذلك دليل شجاعته وإقدامه وثباته وقوة إيمانه ويقينه وفروسيته رضي الله عنه.
قال ابن حجر بعد أن ذكر روايتي البخاري: «وظاهرهما التخالف، ويجمع
(1)
السيرة لابن إسحاق (1/ 80).
(2)
أخرجه البخاري (5/ 181، رقم 4260).
(3)
غزوة مؤتة.
(4)
انظر تخريج الحديث تحت عنوان: «الأحاديث الصّحيحة في ذكر جعفر رضي الله عنه، حديث رقم (7).
بأن العدد قد لا يكون له مفهوم، أو بأن الزيادة باعتبار ما وجد فيه من رمي السهام، فإن ذلك لم يذكر في الرواية الأولى»
(1)
.
(2)
.
فلنا أن نتخيل هذا العدد الضخم من السهام والضربات والطعنات في جسده رضي الله عنه، وهو ثابت لا يولي دبره لأحدٍ، ثابت لا يخاف إلا الله.
فهو يعلم أنَّ سلعة الله غالية، ألا إنَّ سلعة الله الجنة.
فهذا هو الجمال المكنون في شخصيّة ذي الجناحين رضي الله عنه، لقد كان في جيش تعداده الثلاثة آلاف ليواجهوا مائتي ألف من الروم، فعندما حمل الراية بعد زيد بن حارثة رضي الله عنه، صبَّ الروم بأسهم على جعفر رضوان الله عليه، فقاتلهم على قدميه، إلى آخر قطرة من دمه، إنه يقاتل في شجاعة نادرة، وقد ألقى بالحياة وراء ظهره، يريد الشهادة في سبيل الله، فلمّا قطعوا يديه واستشهد أبدله الله بجناحين يطير بهما في الجنة.
ثم تأمَّل معي أيها القارئ الكريم كيف أنَّ عبد الله بن عمر بن الخطاب ب يروي فضيلة لجعفر بن أبي طالب رضي الله عنه، وهو من آل البيت، معظماً له، وما هذا بغريب فيمن مدحهم الله بأنهم {رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ}
(3)
، ولا على الذين ربَّاهم محمد ص، فكانوا أخوة يجاهدون سوياًّ، ويرون فضائل
(1)
فتح الباري (7/ 512).
(2)
عمدة القاري (26/ 122).
(3)
سورة الفتح الآية «29» .