الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فعن جعفر بن عبد الله بن جعفر: «أن جعفر بن أبي طالب تختم في يمينه»
(1)
.
ومن ملامحه خَلْقِه في الآخرة رضي الله عنه:
عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «مر جعفر الليلة في ملأ من الملائكة و هو مخضب الجناحين بالدم أبيض الفؤاد»
(2)
.
وعن البراء بن عازب رضي الله عنهما قال «لما أتي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قتل جعفر داخله من ذلك، فأتاه جبريل فقال: إن الله تعالى جعل لجعفر جناحين مضرجين بالدم يطير بهما مع الملائكة»
(3)
.
والآن لنعش مع خُلق جعفر رضي الله عنه:
فيكفيه فخراً أنه من أشبه الناس بخُلق النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وهذا بشهادة المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم.
وكان جعفر رضي الله عنه: كريماً جواداً، يُحبه المساكين:
لقد نال جعفر رضي الله عنه من الجود والكرم مبلغاً ورتباً لم ينلها الكثير غيره.
(1)
أخرجه ابن أبي شيبة (5/ 196)، رقم (25172)، المعجم الكبير للطبراني (2/ 105)، رقم (1458)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (5/ 156)«فيه من لم أعرفه» .
(2)
أخرجه الحاكم (3/ 234) وقال: صحيح على شرط مسلم ووافقه الذهبي في التلخيص، وقال ابن حجر في الفتح (76/ 7): إسناده على شرط مسلم، ووافقهم الألباني في السلسلة الصحيحة (3/ 300).
(3)
أخرجه ابن عدى (5/ 146)، ترجمة 1311 عمرو بن عبد الغفار الفقيمى)، والدارقطني في الغرائب كما في أطرافه لابن طاهر (2/ 297)، رقم (1409)، والحاكم (3/ 42، رقم 4348) أن النبى صلى الله عليه وآله وسلم لما جاءه قتل جعفر داخله من ذلك فأتاه جبريل فذكره. وقال الحاكم: له طرق عن البراء قال الذهبي في التلخيص: قلت: كلها ضعيفة عن البراء، قلت: لكن فيما تقدم من طرق ذكرها الألباني من غير طريق البراء كفاية، انظر: السلسلة الصحيحة (3/ 300)، لذا صحَّحه في صحيح الجامع (1792).
فلم تكن فرحة المسلمين عامة والفقراء منهم خاصة بمجيء جعفر من الحبشة بأقل من فرحة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، فقد كان جعفر رضي الله عنه شديد العطف والرعاية على الضعفاء والفقراء، كثير البِر بهم.
فعن أبي هريرة رضي الله عنه
(1)
قال: «وكان أخير الناس للمسكين جعفر بن أبي طالب كان ينقلب
(2)
بنا فيطعمنا ما كان في بيته حتى إن كان ليخرج إلينا العكة
(3)
التي ليس فيها شيء فنشقها فنلعق ما فيها
(4)
(5)
أي أن العكة من العسل أو السمن تكون ليس فيها شيء، فيشقها حتى يلعقوا بقاياها التي فيها من شدة كرمه. وكان يعطي ما عنده، ولا يستبقي شيئاً قليلاً ولا كثيراً، ولذلك كثر مدح أبي هريرة له على وجه الخصوص؛ لأنه كان من الفقراء، ويعلم رضي الله عنه شدة الفقر والجوع.
وأبو هريرة رضي الله عنه كان متعلقاً بجعفر رضي الله عنه لعدة أسباب منها: أنَّه من آل بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وهو من أوائل من هاجر في سبيل الله، ومن أصحاب السفينة والهجرتين، وهو من أصحاب الكرم؛ فقد كان يتفقد أهل الصفة دائماً، ويعطيهم
(1)
أبو هريرة رضي الله عنه كان من أهل الصفة، ومن فقراء المسلمين الذين كانوا ليس لهم مصدر عيش ولا قوت ولا طعام إلا ما يكون من الغنائم في الجهاد، وما يكون من إكرام المسلمين وهداياهم وصدقاتهم لهم.
(2)
ينقلب: يرجع.
(3)
العكة: وعاء من جلد يجعل فيه السمن وغيره.
(4)
قال ابن حجر في فتح الباري (7/ 76) والعيني في عمدة القاري (24/ 344): (فإن قلت: بين قوله: ليس فيها شيء وبين قوله: فنلعق منافاة ظاهراً، قلت: لا منافاة، لأن معنى قوله: ليس فيها شيء، يعني يمكن إخراجه منها بغير قطعها، ومعنى قوله: فنلعق يعني بعد الشق نلعق مما يبقى في جوانبها).
(5)
انظر تخريج الحديث تحت عنوان: «الأحاديث الصحيحة في ذكر جعفر رضي الله عنه، حديث رقم (8).
ويطعمهم، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: «ما احتذى النعال
…
ولا ركب المطايا ولا وطئ التراب بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أفضل من جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه»
(1)
.
وعنه أيضاً رضي الله عنه أنه قال: «وكان أخير الناس للمسكين جعفر بن أبي طالب»
(2)
.
وهذا يدل على بروز هذا الخلق عند جعفر رضي الله عنه؛ لأن جعفراً كان في الحبشة، وإسلام أبي هريرة إنما كان في العام السابع بعد خيبر، وجعفر رضي الله عنه كما سيأتي- شارك في مؤتة واستشهد فيها، أي أن عاماً واحداً هو الذي كان يجمع بين أبي هريرة وجعفر في المدينة، ومع ذلك كان كرم جعفر رضي الله عنه مشتهراً حتى لقب بأبي المساكين، حتى كان أبو هريرة - وهو من هو- يذكر أنه ما احتذى النعال، ولا ركب المطايا، ولا وطئ التراب بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خير أو أفضل من جعفر بن أبي طالب، لما كان لأثر كرمه وجوده على أبي هريرة، وعلى غيره من فقراء الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين. وهذا يدلنا على هذه المنقبة العظيمة التي تدل على نفس سمحة سخية، وعلى رغبة في الأجر والمثوبة، وإدخال السرور إلى قلوب الضعفاء والمحتاجين.
وهنا نرى دقة الصحابة في النقل والرواية، ونرى أنهم لا يكتمون أدنى فضيلة ذُكرت لآل البيت، وهذا إن دل فإنما يدل على محبتهم، فالمحبة في الله هي شعارهم، حتى إننا نجد أنَّ من ينقل
(1)
انظر تخريج الحديث تحت عنوان: الأحاديث الصحيحة في ذكر جعفر رضي الله عنه، حديث رقم (10).
(2)
أخرجه البخاري (5/ 24)(3708)، وفي (7/ 100)(5432).