الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الجسمية الأنوثية حيث تبقى الأكتاف أرفع من الجذع ومفاصل الفخذين أعرض وأكثر استداره ويتسع الحوض مما يميز جسم الفتاة عن الفتى.. غير أهم علامة لبلوغ الفتاة هي الحيض أي البدء في إنتاج البويضات من المبيض خلال قناة فالوب إلى الرحم.. ومن المعروف أن الحيض الشهري قد تصاحبه بعض الاضطرابات النفسية مثل القلق والتوتر والضيق أو الانطواء.
أما عند البنين فتتأخر طفرة النمو الجنسي عن البنات إلى ما بين 12-14 سنة فتنشط الغدد الذكرية، وتؤثر إنزيمات التستوستيرون الذكرية وتنشط الخصيتان وتفرزان الحيوانات المنوية والهرمونات الجنسية الأخرى في صورة السائل المنوي الذي تفرزه البروستاتا ويتراوح بين 200-300 مليون حيوان منوي في كل عملية قذف "هدى برادة، فاروق صادق: 1986، 274-175".
وفي هذا العرض العام للنمو الجسمي بالتأكيد حقيقة واضحة هي أن الوليد عنده كل التكوينات اللازمة لتأدية وظائفه مستقلا عن الأم، ومن الناحية النفسية فالدلالة قوية على أنه يبدأ عملية طويلة وشاقة للتعلم من بيئته. ولا شك في أنه طبقًا لما تدل عليه المعطيات من الولادة حتى النضح، فإن النمو الجسمي عملية مستمرة، الأمر الذي لا يجعلنا نندهش من اقتدارات التركيب العضوي أيضًا تتحسن. غير أن هذا التحسن يصبح وظيفة تفاعلية لمستوى النمو والمثيرات البيئية.
3-
نمو المخ:
جزء كبير من القليل المعلوم لنا حول نمو المخ قدمه كونيل Conel ووضعه تانر Tanner "1970". ومعظم مادته ووصفه. ودلالته الأساسية هي في علاقته الوظيفية بالسلوك والبيئة. مثال ذلك، أن الطفل حيث الولادة قادر على أداء الكثير من الأفعال الحركية، ولكنه أقل قدرة على الأداء الحسي "المتعلق بالسلوك الحركي"، وهو قادر على تكوين ارتباطات بسيطة، بين المثيرات. ويدل فحص مناطق المخ على تماثل تقريبي بين منطقتي النمو والسلوك. إن منطقة الحركة في القشرة الدماغية مثلا أكثر نموًا من المناطق الأخرى. ولذلك فإن القدرة الوظيفية تتناسب تقريبًا مع التكوينات القشرية. وإذا كان هذا الافتراض صحيحًا بدرجة
معقولة، فإننا نستيطع عندئذ أن نستخلص بعض الدلالات عن نمو المخ من واقع السلوك. وبالنسبة لضرورة معرفة علم وظائف الأعضاء لفهم نمو المخ، وبالنسبة لأن اهتمامنا أساسًا هو بالسلوك، فإننا لن نناقش تفاصيل نمو المخ. ويبدو أن لهذا العمل دلالات على مختلف مظاهر السلوك والنمو الإنسانيين، مثل استخدام اليدين، واللغة، والقدرة على التمييز بين اليمين واليسار، أي على توجيه الجسم في القضاء
…
إلخ.
إن نضج بعض الأنماط السلوكية يقدم العديد من القرائن حول نمو قشرة المخ. وتفيد معظم المراجع في هذا الصدد أن النضج يتوقف عن إيجاد أي علاقة هامة بالنمو الحركي بعد سن السادسة، ومع ذلك فمن الخطأ أن نستنتج أن أي عمليات إضافية خاصة بالنضج لم تعد لها أهمية، وكل ما في الأمر أن اكتشافها أكثر صعوبة. وطبقًا لما قاله تانر "1970ص 123" Tanner:
"من الواضح أنه لا يوجد سبب للافتراض بأن الصلة بين النضج التكويني وحدوث الوظيفة تتوقف في سن السادسة أو العاشرة أو الثالثة عشرة.. بل بالعكس هناك ما يدعو للاعتقاد بأن القدرات العقلية الأكثر تقدمًا لا تظهر هي الأخرى إلا عندما يتم نضج بعض التكوينات، وتنتشر مجموعات خلايا في أنحاء قشرة المخ. إن تفرعات الخلية العصبية، بل الملايين منها، تشغل حيزا قليلا، ويمكن حدوث زيادة كبيرة في الاتصال في حدود إجمالي زيادة في الوزن لا تتعدى عددًا قليلًا في المائة. أم مراحل الوظيفة العقلية كما وصفها بياجيه وغيره، بها الكثير من سمات المخ الآخذ في النمو أو التكوينات الجسمية، وظهور مرحلة بعد الأخرى من المحتمل أن يتوقف على "أي يحدده" النضج المتواصل وتنظيم قشرة المخ".
نصفا كرة المخ The Brain Hemispheres:
يبدو أن لكل من هذين المخيين قدرات مستقلة "1975، Sperry"، الأمر الذي يثير كثيرًا من التساؤلات حول وظائف كل نصف كرة وكيف تتكامل هذه الوظائف. والمسألة معقدة وذلك بسبب عدم تجانس مخ الإنسان، أي أن كل نصف من نصفيه له سيطرة أساسية على بعض مظاهر السلوك.
إن السيطرة الرئيسية لكل مخ على وظيفة معينة تسمى التسلط Dominance. وبالنسبة للوظائف الحركية، كاستخدام اليدين والقدمين، فإن نصف كرة المخ المتسلط يكون عادة في الجانب المقابل لليد أو للقدم المختارة. وثمة مفهوم مواز يسمى الجانبية Laterality. وطبقًا لتانر Tanner "1972، ص747" فإن الجانبية هي: "اسم الظاهرة التي بموجبها في تركيب عضوي ذي قدرات زوجية "يدان، قدمان، عينان، أذنان"، فإن أداء واجبات معينة، في اتجاه نحو المركز العصبي أو منه، يكون أفضل في جانب من الجسم منه في الجانب الآخر. والجانبية نصف وظيفة "لا تناظرية". والجانبية لا تشير إلى سيطرة المخ ولكنها تعني مجرد سمات أدائية لا تناظرية. إن الأداء يتوقف على أي الجانبين من الجسم هو المشترك في النشاط المعين، ونصفا كرة المخ هما أيضًا لا تناظريان في التكوين.
اللا تناظرية الثنائية Bilateral asymmetry:
تنفرد الكائنات البشرية بأن لها لا تناظرية ثنائية "1968، Bensam & Feschirnn، 1970، Zangwill، 1972، Tanner، 1970، Gorballis & Beak" وقد قام كوربليس وبيك Corballis & Beak "1967" بتدريب حمام على تمييز مثير ما تعكسه مرآة. وفي الواجب الخاص بالتجربة كان الحمام يكافأ على النقر عند خط 135 درجة وليس على النط عند خط 45 درجة "صورة المرآة". وبعد عدد كبير من المحاولات استطاع الحمام أن ينقد على خط 135 درجة. ولكن هل تعني هذه النتائج أن الحمام لديه المقدرة على تمييز صورة المرأة. يبدو أن الجواب على ذلك هو بالنفي؛ ذلك لأن التحليل الذي أجري بعد ذلك لسلوك الحمام دل على أن التمييز كان حادثًا بتأثر ما يسميه الباحثون "تحول المنقار Break shift"، فالحمام كان يميل برأسه بحيث أصبح أحد الخطين رأسيًا والآخر أفقيًا. وبعبارة أخرى، فبدلًا من تمييز صورة المرأة، قام الحمام بتحويل المسألة تكيفيا إلى محاولة للتمييز بين خط رأسي وآخر أفقي.
وأهمية هذه الدراسة تظهر في دراستين أخريتين لخصهما كوربليس وبيك Corballis & Beak "1971". قام بالدراسة الأولى بافلوف Pavlov "1927" الذي ذكر أنه يكاد يكون من المستحيل إحداث استجابة شرطية لإفراز اللعاب في
الكلاب تجعلها تميز جانبي الجسم الذي لمس. وبالتحديد فإن الحيوانات كان عليها أن تفرز اللعاب إذا لمست في جانب معين، ولا تفرز اللعاب إذا لمست في نفس الموضع المقابل من الجانب الآخر. غير أنه عند قطع الشريط الرابط بين نصفي كرة المخ. وبالتالي قطع الاتصال بين المخ الأيمن والمخ الأيسر، تعلمت الحيوانات التمييز المشروط لصورة المرآة بسرعة ظاهرة. وقد فسرت معطيات بافلوف Pavlov بأنها تبين أن كل نصف كرة "مخ" صورة مرآتية للأخرى، مع قيام الألياف التي تصل بين نصفي الكرة بوصل نقط صورة المرآة. وإذا كان هذا التفكير صحيحًا فإن الاتصال بين نصفي الكرة قد يتدخل في التمييز بين اليمين واليسار وبالعكس.
وهناك دراسات عديدة تؤيد الاستنتاج الرامي إلى أن الأطفال عادة دون الثامنة -وقطعًا دون السادسة- يجدون صعوبة في التفرقة بين اليمين واليسار أو في مواجهة المشاكل التي تنجم عن صورة المرأة. وقد نقل كوربليس وبيك Corbalbis & Beak "1970" عن جاذانيجا Gazzaniga "1968" أن الشريط الرابط بين نصفي كرة المخ يبلغ أقصى نموه في وقت متأخر نسبيًا "7-8 سنوات". ويصبح الكلام محصورًا في نصف الكرة الأيسر في حوالي الخامسة من العمر، ولذلك فإن وجود تخصص لنصف الكرة أمر قائم، ويفترض أن الاتصال بين نصفي الكرة متاحة قبل السنة السابعة. غير أن النمو غير الكامل للشريط الرابط بين نصفي المخ قد يفسر السبب في أن الأطفال الصغار كثيرًا ما يظهرون القدرة على تمييز الكتابة والصور المرآتية.
ويبقى سؤالان هامان: ما هو السبب في حدوث اللاتناظر، أي ما هو السبب في أن تكوينات ووظائف نصفي كرة المخ يختلفان؟ علاوة على ذلك ما هي العمليات التي تتضمنها الاتصالات بين نصفي الكرة؟
هناك افتراضان أن تبادليان قدما لتفسير السبب في اللاتناظر، وهما يستندان إلى التكوينات الوراثية، وإلى البيئة. وطبقًا لرأي سبرى Sperry "1975" فإن تسلط نصف الكرة واستخدام يد يتم تحديده بوساطة جينتين لكل منهما إليلتان.
والجينتان والإليلات التابعة لهما تصنع 9 تكوينات ممكنة لتسلط نصف كرة المخ واستخدام اليد. وبناء على ذلك فإن بعض الناس يشتد عندهم تسلط نصف الكرة الأيسر فيستخدمون يدهم اليمنى، في حين أن آخرين يكونون أكثر تعرضًا للمتطلبات البيئية، كما أن هناك آخرون أيضًا يتغلب لديهم تسلط نصف الكرة الأيمن فيستخدمون يدهم اليسرى.
والرأي المتعلق بالبيئة يعتبر في الواقع أقرب ما يكون لنظرية تطورية وتنص النظرية أساسًا على أن استخدام الإنسان للأدوات قد يكون هو السبب في حدوث اللاتناظرية في المخ. فعندما يستخدم إنسان أداة "آله"، فإن إحدى يديه تمسك بالآلة وتستخدمها في حين تعمل اليد الأخرى على تثبيت الشيء الجاري معالجته بالأداة، ولكن لماذا هذا التفوق الساحق في عدد الذين يستخدمون يدهم اليمنى؟، الواقع أنه لا أحد يعلم السبب في ذلك، وأن كان هناك رأي بأن التسلط الجانبي الوراثي كان في زمن من الأزمنة موزعًا بالتساوي أي أن عدد الذين يسخدمون يدهم اليمنى كان مساويًا لعدد الذين يستخدمون يدهم اليسرى. ثم حدث الانتقاء نتيجة أعمال القنص والقتال مع استخدام الدرع، وكان الناس يميلون لإحداث الجروح في الجانب "الأيسر، حيث يوجد القلب"، أي إلى الجانب البارز أو الأكثر نشاطًا في الجسم. فالذين كان المخ المتسلط لديهم هو الأيمن "يستخدمون اليد اليسرى"، كانوا أكثر احتمالًا لتلقي الجروح في الجانب الأيسر، حيث يوجد القلب، أي إنهم كانوا أكثر احتمالا لتلقي جروحًا مميتة. ولذلك فإن هؤلاء الناس قتلوا مبكرًا، وأنجبوا أقل، وبالتالي زادت نسبة السكان الذين يستخدمون اليد اليمنى "مخ أيسر". وواضح أن هذا التفسير حدسي أو تخميني وأن كان من الممكن أن يكون معقولًا.
كيف يتصل نصفا كرة المخ الواحد بالآخر، وما تأثير ذلك على السلوك؟
لقد سبق أن أوضحنا أن الاتصال بين نصفي الكرة يتم من خلال الشريط الرابط بينهما المعروف بالجسم الجاسي. كما أوضحنا أن كل نصف كرة يبدو
وكأنه نسخة طبق الأصل من النصف الآخر، وإن كان هذا التطابق غير كامل. ولذلك فإن الاتصال يبدو وكأنه يولد صورًا مرآتية، ويجعل في الواقع التعلم التالي أكثر صعوبة "الطفل لا يستطيع أن يحدد أي المعلومات هي الصحيحة". وقبل أن ينمو الشريط الرابط فإن كلا من نصفي الكرة يشتمل على انطباعات "تكوينات" للغة ولكل أنواع الإدراك. وهكذا فإن لكل نصف كرة القدرة على أداء أفعال قبل أن يصبح أحد النصفين متسلطًا. وبظهور التسلط، تقوم العمليات الكابحة بإخماد القدرة على المعرفة واتخاذ القرارات لنصف الكرة غير المتسلط "1970، Gazzaninga". وبهذا الإخماد، فإن الوارد من نقط التماثل في نصف الكرة غير المتسلط، "السبب الظاهري للصور المرآتية" لا يستطيع بعد ذلك أن يتدخل ليعوق الوارد إلى نصف الكرة المتسلط، فلم يعد هناك أنظمة إعلامية ذات كفاءة.
استخدام اليدين:
يعتبر استخدام اليدين من الأدلة الافتراضية على تسلط المخ. أن تسلط نصف الكرة كما رأينا يكون عادة في الجانب المقابل لليد أو القدم المختارة "والواقع أننا نتكلم عن استخدام اليدين، ولكن هناك أيضًا استخدام القدمين والعينين وغير ذلك من الوظائف التفضيلية". أن أغلبية الناس "93%" يستخدمون اليد اليمنى أو يظهرون تسلطًا مختلطًا "العين اليمنى، اليد اليسرى، القدم اليسرى"، في حين أن 7% فقط يستخدمون اليد اليسرى " zangwill، 1968، Benson، Geschwind، 1968". وحيث أن استخدام إحدى اليدين دون الأخرى يرتبط بالتسلط المخي، فلا يجب أن ندهش إذا وجدنا أن التفسيرات تشمل عوامل بيئية ووراثية. ومع أننا لا نختلف مع التفسير الوراثي البحت، إلا أن ما يراه سبري Sperry من أن بعض الناس أكثر قدرة من الناحية الوراثية على تكيف استخدام يديهم مع الضغوط الخارجية، مما يثر الاهتمام. أن نظريته تتماشى مع معطيات زاننجويل Zangwill "1960" جينسون وجيسويند Genson & Geschwind "1968"، الذين استنتجوا أن استخدام اليدين ليس شرطًا في الصيغة "إما-أو"، ولكنه يتمثل على درجات مختلفة داخل الشعب الواحد. ولذلك فإن التسلط القوي في أي الجانبين لن يتأثر بسهولة. إذا تأثر على الإطلاق بالضغوط الخارجية. أن درجة أقل تحديدًا من التسلط الوراثي ستكون أكثر تأثرًا بالبيئة.
وفي مجموعة من الدراسات نقلتها هيلدرث Hildreth "1949" نجد كيف أن البيئة يمكن أن تكون مؤثرة. لقد أظهرت أن الوالدين يستخدمان أنواعًا من المكافآت وبعض وسائل الترهيب لتشجيع الطفل على استخدام اليد اليمنى. كما أن هيلدرث وجدت أيضًا أن عدد الإناث اللاتي يستخدمن اليد اليمنى أكبر من عدد الذكور، وهو ما عزته إلى زيادة درجة خضوع الإناث للضغوط البيئية "ولو أن الإناث قد يكن أكثر استعدادًا من الناحية الوراثية لتسلط نصف كرة المخ الأيسر". وقد عرض كل من بنسبون وجيسويند وسويير أنا & Benson، Geschwind Subirana "1969" تفسيرًا بيئيًا آخر: لقد وجد هؤلاء الباحثون أن استخدام اليد اليسرى أكثر انتشارًا بين الأطفال إذا كانت الأم، وليس الأب، تستخدم اليد اليسرى، مما لو كان الأب، وليس الأم، يستخدم اليد اليسرى. وفي رأي الباحثين فإن هذه النتائج تشير إلى أن الأمهات لهن تأثير أكبر على نمو الأطفال. وبدرجة تأثير البيئة على استخدام إحدى اليدين، يصبح ذلك تنبؤًا أقل دقة بالتسلط المخي. ويتفق ذلك ومعطيات هيلدرث Hildrth من أن من 20-40% من السكان لديهم تسلط مختلط. واستخدام العين أو القدم قد يعطي دلالة أفضل على التسلط، ذلك لأن هذه الوظائف أقل تأثرًا بالضغوط الاجتماعية.
متى يتحدد تفضيل استخدام إحدى اليدين:
قام جيزل وأمس Gesell & Ames "1947" بجمع المعطيات المعيارية الموضحة بالجدول "4"، وطبقًا لهذه المعايير يستغرق الأمر حوالي سنتين قبل أن تظهر استجابة من جانب واحد. غير أن معطياتهما تدل على أن هذا الظهور المبكر لتفضيل استخدام إحدى اليدين أمر انتقالي، وأن الاستقرار على استخدام إحدى اليدين لا يتم إلا بعد حوالي 8 سنوات. وبالمصادفة نلاحظ أن جازانيجا Gazzaniga يعتقد أن الشريط الرابط بين نصفي كرة المخ لا يبلغ تمام نضجه إلا في سن الثامنة، وفي هذه السن يستقر تسلط أحد نصفي الكرة استقراره النهائي.
كما أن علماء نفس الأعضاء وعلماء نفس النمو، يهتمون أيضًا بمسألة تفضيل استخدام إحدى اليدين، ذلك لأنها تقدم معلومات عن تسلط المخ. وكما ذكرنا فإن هناك ما يدعونا للشك في دقة هذه المعطيات، ولكن الاختبار المكثف عادة يوفر
معلومات على درجة معقولة من الصحة، وتستخدم هذه المعلومات للتعرف على الأشخاص الذين لديهم تسلط نصفي، أيمن وأيسر، ويستخدم الباحثون هذه المعلومات لوصف أهم وظائف كل نصف كرة.
نصف الكرة الأيسر:
سبق أن رأينا أن الأنشطة الحركية التي تقتضي تفضيل استخدام إحدى اليدين "أو إحدى العينين أو القدمين" تكون محكومة بنصفي كرة المخ على الجانبين Contralateral hemispheres. ومعنى هذا أن الألياف تمر من نصف كرة إلى
النصف الآخر. وكلا النصفين يسيطران على الأنشطة الحركية، ولكن يبدو أنهما ينظمان وظائف مختلفة، فمثلا، وجد انجرام Ingram "1975" أن الأطفال في سن الثالثة والرابعة والخامسة يلوحون دائمًا باليد اليمنى في أثناء الكلام. كما أن اليد اليمنى كان أداؤها أفضل في اختبارات القوة والنقر بالأصابع. أما اليد اليسرى فكانت متفوقة في واجبات التباعد بين الأصابع وأوضاع اليد. أن اليد المفضلة لا تمتلك مهارات مطردة التفوق بالمقارنة باليد غير المفضلة. أن الأداء المتفوق لليد اليسرى في الواجبين قد يكون راجعًا إلى المكونات البصرية -الفضائية "البصرية - المكانية" Visual - Spatial - وهي قدرة يظن أنها من دالات نصف الكرة الأيمن.
ولعل أهم وظائف نصف الكرة الأيسر وأكثرها موضوعًا للدارسة هي السيطرة على اللغة. إن السمات المعقدة للغة "تركيب الكلام، الكلمات المجردة والمفاهيم" تتمثل في نصف الكرة الأيسر بالنسبة لكل الأشخاص الذين يستخدمون يدهم اليمنى ولمعظم الذين يستخدمون يدهم اليسرى. ولكن يجب ألا نفترض أن كل وظائف اللغة تقع في نصف الكرة الأيسر، فإن بعض الوظائف اللغوية البسيطة يبدو أنها محكومة من نصف الكرة الأيمن، مثال ذلك، تعلم أسماء الأشياء. والرسم في الشكل "6" يبين الوظائف المقارنة لنصفي الكرة "Calder، 1970".
وكثير من الأبحاث عن موضع اللغة في المخ استخدمت أشخاصًا يعانون من إصابات في المخ. وتدل هذه الدراسات بصفة عامة على أن إصابات نصف الكرة الأيسر تؤثر على بعض مظاهر اللغة، في حين أن التلف الذي يصيب نصف الكرة الأيمن يبدو أن أثاره الضارة أقل. وهذا البحث في الواقع مثارًا للشك وذلك بسبب صعوبة إجراء دقيق لأي التكوينات أو أي الأجهزة العصبية في المخ هي المصابة. وبالتالي فإننا سوف نؤسس تعميماتنا على الدراسات التي استخدمت أشخاصًا طبيعيين.
وقد أسهمت كيمورا Kimura "1967، 1969، 1973" اسهامًا عظيمًا في معرفتنا عن كل من نصفي كرة المخ الأيسر والأيمن. كان الأسلوب الأساسي
للبحث الذي قامت به هو الاستماع المزدوج، وفيه يعرض مثيران مختلفان لكل إذن في وقت واحد. والمثير قد يكون أنواعًا مختلفة من الكلمات "أسماء، أفعال.. الخ" أو أرقام أو أصوات. وفي حالة استخدام الأرقام، يعرض رقم للأذن اليسرى ورقم آخر للأذن اليمنى، وتعرض ثلاثة أزواج من هذا القبيل في تتابع سريع، وبعد أن يتم الاستماع للرقم السادس، يطلب من المفحوص أن يتذكر أكبر عدد ممكن من الأرقام. وفي عدة دراسات مع أفراد بالغين ذكرت "كيمورا" نسبة أكبر من تذكر الأرقام التي عرضت على الأذن اليمنى.
لقد استخدمت كيمورا واجب الاستماع المزدوج مع الأطفال، وحجتها في ذلك أنه قبل نمو التسلط المخي، تكون الموضوعات المقدمة لكل أذن متساوية، ثم في الثامنة عندما يظهر التفوق يجب أن يحدث التسلط المخي. ولقد كان الأطفال المشتركون في هذه الدراسة ذوي معاملات ذكاء متوسطة وكانت أعمارهم لا تقل عن 5 سنوات، ثم بعد ذلك أطفال في الرابعة. وقد كررت كيمورا نفس التجربة مع أشخاص آخرين. وفي مجموعة من أطفال الطبقة المتوسطة الأدنى، ظهر تفوق الأذن اليمنى متأخرًا بعض الوقت، كما كان هناك فرق تبعًا للجنس. فقد أظهرت البنات تفوق الأذن اليمنى مبكرات عن الصبيان "أنظر الجدول "5" للمعطيات عن هذه الدراسة" ولقد كان فارق الجنس متماشيًا مع النمو السابق للغة عند البنات، وفارق السن بين المجموعات الاجتماعية الاقتصادية كان متماشيًا مع الفروق المعروفة في أنماط النمو الأخرى.
وقد ظهر أن اللاتناظرية الوظيفية لنصفي كرة المخ في أفراد طبيعيين يستخدمون اليد اليمنى توجد في النماذج السمعية والبصرية واليدوية. وقد حولت نقط "درجات" الاختبار للجانبين الأيسر والأيمن إلى نسب للمقارنة. ونسبة تسلط نصف كرة المخ الأيسر بالنسبة لإدراك الكلمات المنطوقة هي 1.88: 1 في حين أن النسبة لتسلط نصف كرة المخ الأيمن هي 1،19: 1. وهاتان النسبتان ليستا قيمة ثابتة إذ أنهما يتغيران تبعًا لنوع المثير ونوع الاستجابة المطلوبة وصعوبة الواجب.
إن تفوق الأذن اليمنى للمثيرات السمعية ليس مطلقًا. والرسم البياني في الشكل "6" يبين أن الأنماط النغمية والأصوات البشرية غير الكلامية يتم تذكرها بالأذن اليسرى أفضل "وظيفة نصف الكرة الأيمن". كما أن الشكل يتضمن معطيات عن الواجبات البصرية واليدوية. لاحظ المثيرات اللغوية والتي ترتبط باللغة "حروف مطبوعة" تخضع لتسلط نصف الكرة الأيسر. والواجبات التي تطلب مقدرة بصرية فضائية تبدو أقرب لتسلط نصف الكرة الأيمن.
كما قام كنوكس وكيمورا Knoz & Kimura بإجراء دراسة عن عمل المخ بالنسبة للأصوات غير اللفظية. وقد استخدم واجب الاستماع المزدوج مع الصبيان والبنات في سن من 5-8 سنوات، واستمعوا إلى ازدواجات متزامنة لأصوات بيئية مختلفة "نباح كلب - غسيل أطباق - إدارة قرص التليفون - دقات الساعة أطفال يلعبون - تشغيل سيارة وهكذا". وكان عضوًا الازدواج قد رتبا بحيث يمكن مقارنتها في حالة التعرف والحدة والرتابة. وقد وجد القائمون على التجربة أن أفراد التجربة قد ميزوا تمييزًا صحيحًا أصواتًا بيئية غير لفظية عن طريق الأذن اليسرى أكثر مما ميزوها به عن طريق الأذن. وفي إعادة لواجب الأرقام مع هذه العينة ظهر تفوق الأذن اليمنى بالنسبة لأصوات الكلام.
لقد تواجدت صلة بين واجب الاستماع المزدوج وغيره من وظائف الجانبية. كما درس بريدن Bryden "1970" الجانبية في الاستماع المزدوج وعلاقاتها باستخدام اليدين والقدرة على القراءة لدى الأطفال. فأعطى الأطفال الذين أجريت عليهم الدراسة -من تلاميذ الصفوف الثاني والرابع والسادس- الواجب القياسي للاستماع المزدوج بالأرقام، وقيمت أفضلية استخدام إحدى اليدين بعدة اختبارات ومقابلة مع المدرس، كما قيست القدرة على القراءة والذكاء. وقد أظهرت النتائج أن تفوق الأذن اليمنى يزداد مع تقدم السن في الأطفال الذين يستخدمون اليد اليمنى ويقل مع السن أيضًا في الأطفال الذين يستخدمون اليد اليسرى "كان 40% من أطفال الدراسة يبدو أن لديهم تسلط مختلطًا". وكان الصبيان الضعاف في القراءة أكثر ميلًا لإظهار تسلط عكسي بالنسبة للأذن واليد من الصبيان الذين أحسنوا القراءة، ولم يظهر هذا الأثر في البنات إلا في مستوى المرتبة الثانية.
وفي محاولة لتفحص آليات عقلية أخرى من حيث علاقتها بالمهارات اللغوية، قام بفرى Buffry "1971" بمقارنة المؤثرات التي يسهل التلفظ بها في نمطين الأبصار والسمع. لقد جمع بين طريقة عرض بالمبصار Tachistoscopic لنصف مجال بصري ثنائي العينية وبين طريقة الاستماع المزدوج، وقدم مثيرًا بصريًا أولا لنصف كرة المخ للمقارنة مع مثير سمعي قدم أولا لنفس نصف الكرة أو للنصف المقابل. وتفاصيل الطريقة كما تصفها كيمورا Kimura "1973 ص72" على النحو التالي:
"مع أن النظام البصري متقاطع، إلا أن اتصالاته تختلف عن اتصالات النظام السمعي. إن الاتصالات ليست من كل عين إلى النصف المضاد من المخ. ولكن من كل نصف من المجال البصري إلى القشرة البصرية في الجانب المقابل. والرؤية إلى يسار نقطة التثبيت يستقبلها النصف الأيمن من كل شبكية وتتجه الممرات العصبية من الجانب الأيمن للشبكيتين إلى القشرة البصرية في نصف كرة المخ الأيمن. ومن الواضح أن الألياف من النصف الأيمن لشبكية العين اليسرى يجب أن يعبر خط الوسط في المخ ليصل إلى نصف كرة المخ الأيمن، ولكن الألياف من النصف الأيمن للشبكية اليمنى لا تعبره".
ولقد كانت أعمار أطفال التجربة 5، 6، 7 سنوات، وكلهم يستخدمون اليد اليمنى. وقد وجد بفرى Buffry أنهم قارنوا كلمة مطبوعة بكلمة منطوقة، وبالعكس بدقة أكبر عندما عرضت عليهم المثيرات بالتتابع على نصف كرة المخ الأيسر. ولقد كانت المقارنة المتزامنة أكثر صعوبة ولكنها بدت أسهل عندما عرضت الكلمة المطبوعة على نصف الكرة الأيمن والكلمة المنطوقة على نصف الكرة الأيسر.
وفي دراسة ثانية قارن بفري Buffry أطفالا يستخدمون اليد اليمنى تترواح أعمارهم من 3-4 و5-6 و7-8 و9-10 سنوات في اختبار رسم متعارض كان المطلوب من الأطفال في هذا الاختبار أن يرسموا في وقت واحد مربعًا بإحدى اليدين ودائرة باليد الأخرى. وقد أظهرت معظم البنات في كل مجموعات السن تفوقًا باليد اليسرى في رسم المربع، أما الصبيان فلم يظهروا هذا التفوق إلا في سن السابعة. كما أظهرت الفتيان تفضيلًا لاستخدام اليد اليمنى أكثر
من الصبيان من سن 3 سنوات إلى 6 سنوات و 11شهرًا؛ وكانت درجة التفوق في استخدام اليد اليسرى في الرسم المتعارض تزداد مع زيادة السن ومع درجة تفضيل استخدام اليد اليمنى للبنات والصبيان. وتتفق هذه النتائج مع المعطيات العامة بأن البنات ينضجن أسرع من الصبيان. ومع أن الآليات ليست مفهومة تمامًا، فإن المعطيات يمكن أيضًا أن تفسر السبب في أن البنات يقرأن مبكرات عن الصبيان وفي أن بعض الأطفال، بصرف النظر عن اختلاف الجنس، يواجهون مشاكل في القراءة.
والخلاصة أنه يبدو واضحًا أن نصف كرة المخ اليسرى تختص أساسًا بالمجردات، وخاصة في اللغة. فضلًا عن ذلك فإن تسلط المخ كما يعكسه سلوك اللغة، يتوطد في سن الرابعة وينمو بسرعة أكبر لدى الإناث منه لدى الذكور.
نصف الكرة الأيمن:
يمكن تشبيه نصف الكرة الأيمن "باليتيم"، ذلك لأن الباحثين لم يولوه العناية الكافية. والواقع -كما أوضحنا- أن نصف الكرة الأيمن يلعب دورًا هامًا في السلوك الإنساني، وخاصة في القدرات البصرية الفضائية ويضيف اسبري Sperry "1975" أن نصف الكرة الأيمن يرتبط بمسار المعلومات ذات الطابع الآلي، وهو يتناول المواد اللفظية ذات الطابع الراسخ أو الآلي ولكنه لا يتناول المواد اللفظية الأكثر تجريدًا.
وقد ذكرنا في بداية مناقشتنا لنصفي كرة المخ أن النصف الأيمن يلعب دورًا أكثر أهمية في المرحلة المبكرة من الحياة ولكن أهميته تتناقص مع بداية الأيسر في التسلط. ولقد قام ويعمل كينسبورن Kinsbourne "1970" وغيره بإجراء دراسة عن كيفية تفاعل نصفي كرة المخ وكيف يعملان في فترة النضج، ومن الافتراضات التي بحثها أن العملية السمعية في نصف كرة المخ الأيسر، وهي التي تؤثر على اللغة، تزداد سهولة مع زيادة قدرة النصف الأيسر على التكامل الزمني، وهي عملية لازمة لفهم اللغة. إن المادة البصرية قد تحتاج أو قد لا تحتاج للتكامل الزمني والترتيب المتوالي. أما الإبصار فهو عادة يتطلب التكامل الفضائي، وهو من وظائف نصف الكرة الأيمن. ولا شك في أن توافر الوسائل المتقدمة توفر إجابات عن كثير من التساؤلات المتعلقة بنمو وظائف المخ.