الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
من العقاب الخارجي أو لاعتبارات اجتماعية خارجية أو لمجرد وجود أي من أرباب السلطة ولكن بالتقدم في العمر يتم ضبط سلوك الطفل بتأثير ضوابط داخلية حتى في غيبة السلطة الخارجية. "عبد الرحمن عيسوي، 1985، 222".
كما أن النمو الخلقي هو نمو الضمير والتعبير عنه، وهذا الضمير يشكل نظرة الفرد للحياة، وهو البنية الشخصية للقيم الاجتماعية، أو بعبارة أخرى يدل النمو الخلقي على مدى اتفاق سلوك الفرد مع معاييره الخلقية، ومع معايير الجماعة التي يتوحد معها. وهذا المفهوم يعني أمرين:-
أولًا: أن تصبح أفعال الفرد وأقواله مسايرة لنواياه وضميره ولمعاييره وقيمه الشخصية.
ثانيًا: أن تصبح أفعال الفرد وأقواله مسايرة لالتزاماته نحو المجتمع ومسئولياته إزاءه. "جابر عبد الحميد جابر، 1976، 315".
اكتساب السلوك والتفكير الخلقي:
خضعت دراسة السلوك الإنساني القائم على القيم الأخلاقية لتفسيرات وجدت أساسها في ثلاثة مداخل أساسية: أولها، التكوين البيولوجي للإنسان، ثانيها مدى التفهم العقلي لدى الإنسان، ثالثها التأثير الاجتماعي:
- ويرتبط التفسير البيولوجي بالاشتراط الكلاسيكي على أساس أن منشأة كان حول تغيرات الأفعال المنعكسة عند الأفراد نتيجة ارتباط مثير محايد بمثير نشط فيكتسب المثير المحايد بعد اقترانه بالمثير النشط. قوة استثارة استجابة مشابهة للفعل الانعكاسي الذي ينتج عن المثير النشط. والضمير يمكن أن ننظر إليه باعتباره استجابة للقلق مشروطة بأنواع معينة من المواقف والأعمال، وأنه يتكون عن طريق الربط بين مثيرات معينة مثل الخسائر العدوانية والعقاب أو ما يشابه العقاب من مثيرات غير محببة. وهذه الارتباطات الشرطية وتعميمها تنتج نوعًا من الصراع بين الرغبة في إشباع المشاعر الداخلية أو الحاجات الفورية وبين المتاعب التي تنشأ عن القلق. واستنتج ايزنك Eysenck تصوره للنموذج الارتباطي في
تكوين الضمير، فيقول إن الطفل حين يفعل شيئًا يعتبر في نظر والديه قبيحًا فإن العقاب السريع الذي يلي مثل هذا الفعل على أية صورة يؤدي إلى توليد شعور غير سار عنده، وينتج عن ذلك نموذج من الارتباط الكلاسيكي:
حيث أن الألم الذي يعتبر استجابة غير شرطية للعقاب باعتباره مثيرًا غير شرطي يمكن أن يستثيره الفعل القبيح باعتباره مثيرًا شرطيًا بالعقاب. ويستمر تأثير هذا النموذج حتى ينشأ نوع من الخوف الشرطي أو القلق يصاحب القيام بمثل هذا الفعل الشائن أو حتى التفكير في القيام به. وهذا القلق الشرطي هو ما يمكن أن نطلق عليه الضمير، كما تلعب التسمية التي نمارسها تجاه الأفعال الأخرى دورها في تعميم هذا النموذج فيكفي أن نطلق على أي فعل أنه قبيح ليكتشف نفس الأثر. أما بالنسبة للسلوك غير الأخلاقي فيمكن أن نعزوه لسببين رئيسين: أولهما العوامل الاجتماعية المتمثلة في نقص الاشتراط الاجتماعي السليم، فإذا فشل القائمون بالتطبيع الاجتماعي في ممارسة التنشئة الاجتماعية السليمة كأن يرى الآباء فعل ما سليمًا بينما يراه المعلمون قبيحًا، ويظهر الرفقاء المتعة المرتبطة بعمل ما بينما يفشل الآباء والمعلمون في إظهار الألم المصاحب له فإن الناتج لا يمكن أن يكون في حدود المتوقع، وثانيهما: العوامل البيولوجية والفروق الفردية فيها، ويرى أيزنك أن التركيب البيولوجي للإنسان هو الذي يحدد تصرفه أو يشكل مدى استجابته للمثيرات الخارجية. "محمد رقي 1983، 17".
ويحدد سيرز وماكوبي Sears Maccoby & Levin "1957" ثلاثة معايير للنضج الخلقي هي معايير الضمير كظاهرة سلوكية متعلمة كما يلي:-
أ- مقاومة الغواية والإغراء.
ب- التهذيب الذاتي القائم على إطاعة قواعد السلوك السليم.
جـ- المظاهر السلوكية الدالة على الشعور بالذنب في حالة الخروج على هذه القواعد.
وهذه المعايير تدل على أن الطفل يتمتع بضبط مستدخل internalized control قد استوعبه ومارسه بواسطة ما تعرض له من قبل من إثابة وعقاب، فما خبرة من أساليب ومعايير للضبط من الخارج -وخاصة من الوالدين- تتحول غالبًا إلى ضبط من الداخل وإلى توجيه ذاتي.
أ- مقاومة الإغراء Resistance of temptation
وتتضح هذه الظاهرة حينما يعزف الطفل عن الإقدام نحو مثير يجذبه أو يغويه لأنه يعتبر خاطئًا أو غير أخلاقي من وجهة نظر ثقافته، وتفسير ذلك أن استجابة الإقدام تخضع للكف بواسطة بعض جوانب الموقف المثير التي تقترن بالعقاب في الماضي، حتى لو كانت هذه الجوانب غير واضحة للملاحظة أو لملاحظة الشخص لذاته. وفي حالة الإغراء تتوقف النقطة التي يصير عندها الشخص قلقًا بدرجة كبيرة على نفس النقطة التي عوقب عليها في الماضي. فإذا كان العقاب نادرًا ما يوقع أو يوقع بعد إرجاء طويل، فقد لا تنمو عند الطفل القدرة على مقاومة الإغراء على الإطلاق أو تنمو بدرجة ضعيفة.
ب- التهذيب الذاتي القائم على إطاعة قواعد السلوك السليم:
يذكر هيكل Hail أن الطاعة القائمة على التهذيب الذاتي تحدث وفقًا للمبادئ الخلقية التي يتلفظ بها الوالدان في تفاعلهما الاتصالي مع الطفل، وبواسطة ما يلاحظه من أنماط سلوكية والدية وفقا لهذه المبادئ والأحكام. والمبدأ الأساسي الذي يخضع له هذا التعلم هو المحاكاة عن طريق التعلم بالملاحظة Observation Learning أو التعلم الانتقالي Vicarious Learning أي الذي ينتقل من الكبار إلى الصغار بالمحاكاة من خلال الملاحظة. وقد يخفق الطفل في هذا التعلم إما بسبب أن هذه المبادئ والأحكام التي لم يتلفظ بها الوالدان في تفاعلهما مع الطفل أو بسبب
عدم توفر المواقف والظروف التي يلاحظ فيها الوالدان لكي يحاكي سلوكهما. لهذا السبب فإن الأطفال الذين ينشأون في مؤسسات أو ملاجئ لا يتوافر فيها النموذج أو الوالدي الثابت قد يجدون صعوبة أكثر من غيرهم في تعلم المبادئ والأحكام الخلقية والأنماط السلوكية المتسقة معها.
جـ- الدلالة الواضحة للشعور بالذنب:
ويشير مصطلح الذنب إلى بعض المظاهر السلوكية المتعددة الدالة عليه الاستجابات الانفعالية، التلفظ بمشاعر الذنب أو ربما النزعة إلى عقاب الذات فما يقوم به الطفل أحيانًا ببعض الأفعال الخاطئة غالبًا ما يتبع بالتأنيب أو عدم الرضا من قبل الوالدين وغير ذلك من أشكال العقاب. وإذا كان ذلك يحدث بدرجة كافية، فإن الطفل يتعلم أن أيسر وسيلة لكي يسترد بها عطف والديه إذا اقترف عملًا خاطئًا هو أن يعترف ويلقي ما يستحقه من عقاب، وأن يكف عن مثل هذه الأفعال دون إرجاء، فتوقع النبذ والسعي إلى العقاب الذي يتبع مخالفة القواعد الخلقية هو ما يصفه الفرد ذاته كشعور بالذنب وبالنسبة للشخص الراشد فقد يظل الشعور بالذنب محتفظًا بمستوى متوائم يتزايد ويتناقص وفقًا للاحتمال الحقيقي للعقاب، "طلعت منصور وحليم بشاي، 1982، 13".
ومن المعروف أن الطفل حينما يولد يكون خلوًا من الضمير، ومن ثم لا يمكن أن يوصف بأنه على خلق Moral أو عار منها immoral بل إنه في هذه الحالة يكون محايدًا بالنسبة للقيم الخلقية، هذا وفي تعلمه أو اكتسابه لأي معانٍ خلقية فإنما يأتيه ذلك من المجتمع المحيط به "عبد الفتاح حجاج، 1985، 154"، وعلى المحيطين بالطفل أو المسئولين عنه أن يساعدوه على تشرب النمط السائد والامتثال للمعايير والمقننات وعدم الانحراف عنها بمخالفة ما تأمر به أو ارتكاب ما تنهى عنه "كمال دسوقي، 1979، 308".
ويتعلم الطفل السلوكي الأخلاقي -كما في تعلم أي مهارة عملية- إما بالمحاولة والخطأ، أو بالتلقين والتعليم المباشر، وإما من خلال التقمص والتمثل والطريقتين الثانية والثالثة ليستا فقط الأفضل والأجدى، بل الأكثر استخدامًا أيضًا
لكون تعلم المحاولة والخطأ مضيعة للوقت والجهد وأن ثمرته آخر الأمر أبعد من أن تكون مرضية. والتعليم المباشر هدفه تعريف الصغير بما هو خير أو صواب، ثم دفعه لأن يتصرف على النحو الذي يتوقعه منه المجتمع. وإذا ما صاحب هذا التلقين لون إيجابي من التعويد أو التأديب ليستخدم بثبات يصبح السلوك الخلقي اعتياديًا أي عندما يقترن الثواب والاستحسان الاجتماعي والثناء بالسلوك المرغوب منه اجتماعيًا، يكون تعلم السلوك الأخلاقي أسرع وأيسر. "كمال دسوقي، 1979، 315" وإذا قارنا هذه العملية بقدرة الطفل على تعميم الخبرة وانتقال أثر التدريب، فإنه يستطيع أن يحدد استجابته للمواقف المختلفة طبقًا للتشابه بين المثيرات. بمعنى أن الطفل يتم تعليمه أنماطًا معينة من السلوك يقوم بها على أساس أنها مقبولة اجتماعيًا فيتم تعزيزه فيستمر أداؤها عبر الزمان وفي مواقف مختلفة، وإذا كان السلوك غير مقبول اجتماعيًا فإنه بالطبع سيتم عقابه بأي صورة من صور العقاب مع اعتبار شروط فعاليته كوسيلة ومن ثم فإن يختفي. أي أن الموقف يدور حول الإرادة الخارجية للسلوك والرغبة الداخلية في الحصول على الثواب، وتجنب العقاب، ويتكون لدى الطفل نوع من القلق التوقعي يساعد على الكف المبدئي للسلوك المشين "محمد رفقي، 1983، 18". وهكذا يستطيع أن يواجه المواقف المختلفة من خلال تعرفه على التشابهات المختلفة في الموقف مع المواقف السابقة ويتصرف تبعًا للقيم والمعايير التي تسود المجتمع، أما في المواقف التي تختلف عن المواقف السابقة فلن يتصرف فيها إلا وفقًا لظروف خاصة. ومن الضروري هنا أن تكون المعايير والمقتفات التي يتعلمها الطفل في البيت والمدرسة ومن جماعة اللعب والأقران ثابتة حتى لا يختلط عليه الأمر مما يسهل له تنمية مفاهيم مجردة عن الخير والشر، والصواب والخطأ. وفي تعلم السلوك الخلقي بالتقمص يأخذ الصغير قيم شخص آخر ويشكل سلوكه هو وفقًا لسلوك ذلك الشخص، وهو يفعل ذلك لا شعوريًا بالقياس إلى التقليد الشعوري الذي يحاول به عمدًا أن يكون مثل شخص آخر. فالصغير يتعلم فعل ما يفعله أحد الكبار، وكذلك ما يطلب إليه الكبير أن يفعله. وحين يتقمص الصغير شخصًا هو معجب به، من غير أي ضغط أو تعليم مباشر فهو يحاكي أنماط السلوك التي يلاحظها