الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
"بعد اختفاء الاستجابات لمثير واحد، إذا أدخل مثير مختلف، فإن رد الفعل الأصلي، أي التوجيه، توقف المص، يمكن أن يستأنف. وطبعًا يمكن تفسير هاتين الظاهرتين على أساس التكيف الحسي: عودة الاستجابة بعد التأخير الممتد داخل المحاولات قد يكون راجعًا للتخلص من تأثيرات التكيف، والاستجابة المجددة لنغم يتكون من ترددات مختلفة، يمكن أن يكون ناتجًا من إثارة مستقبلين تكيفوا من جديد".
إن طول الفترة داخل المحاولات في دراسة برونشتين وبتروفا Bronshtein & Petrova يقدم لنا الأساس لنقد جاد لأعمالهما، وهو نقد يسري أيضًا على دراسة قام بها بردجر Bridger "1961". أن طول الفترة بين المحاولات تبدو لازمة لتلاؤم الأطفال الصغار، وذلك لعدم قدرتهم على البقاء يقظين لفترات طويلة. ومما هو جدير بالاهتمام، أنه في العينة الأكبر سنًا التي استخدمها "برونشتين وبتروفا" لم يتطلب الأمر إلا عددًا أقل بكثير من المحاولات لإحداث التعود، مما يدل على وجود أثر نضجي متقدم. ولكن الأثر النضجي يبدو أنه يؤثر على درجة ردود الفعل التوجيهية وسرعة التعود أكثر مما يؤثر على القدرة على التمييز، رغم أنه ليس واضحًا لنا، كما ذكرنا، أي السمات للمثيرات السمعية هي التي تولد المقدرة على التمييز.
3-
الإحساس التذوقي والشمي:
Gustatory & Olfactory Sensation:
لما كان الطفل الصغير مزودًا بعدد كبير من براعم التذوق، فمن المحتمل أن يستطيع تمييز الطعم، وإنا كما نفتقر إلى البراهين التي لا تقبل الشك على صحة هذا الافتراض. فالوليد لا يستطيع أن يخبرنا ما إذا كان طعم مادة ما يختلف عن طعم أخرى، والوسائل التجريبية الحالية ليست من الحساسة لدرجة التي تستطيع بها اكتشاف هذه الفروق. والمشكلة الأساسية هي أن بعض المواد ذات المذاق المر قد تسبب في الواقع ألمًا للطفل، وهو ما يختلف عن محاولة جعل الطفل يميز بين خواص التذوق. ولعل تطوير المعدات والأجهزة يقدم لنا الوسائل لاكتشاف تفضيلات الطعم لدى الصغار "Reese & Lipsitt، 1970".
وهناك مشاكل مماثلة حدت من دراسة الشم لدى الصغار. وقد تمكن انجن وليبست Engen، Lipsitt & Kay "1963"، باستخدام إجراءات التعود التي
وضعها "إنجن"، تمكنوا من اكتشاف الفروق في استجابات الأطفال الصغار وهم في سن يومين. وقد تضمنت هذه الإجراءات وضع الطفل فوق "مقياس الثبات"، Stabilimeter وهو جهاز ذو حساسة لحركات الطفل. علاوة على ذلك، فقد وضع رسام للرئة Pnleumograph "أداة لتسجيل حركات الصدر عند التنفس" تم وضعه حول بطن الطفل لتسجيل التغيرات في معدل التنفس. ثم قدمت لكل طفل إحدى الروائح، وتم تسجيل التغيرات في النشاط والتنفس بطريقة آلية. وكانت المثيرات: حامض الخليك، كحول الفنيل اثيل، وزيت الينسون، حيث جرى تقديمها بوضع قطعة من القطن مشبعة بالمادة ذات الرائحة على بعد 5 مم أسفل فتحة أنف الطفل لمدة 10 ثوان. ثم قدم مثيرًا "ضابطًا""مخفف بسيط" بنفس الطريقة تمامًا، بعد تقديم كل من المثيرات التجريبية. ومع أن النتائج بصفة عامة دلت على أن التمييز الشمى قد حدث، فإن استجابات الأطفال لكل من الروائح الأربع كانت مختلفة. فحامض الخليك مثلًا كان مؤثرًا بصفة خاصة، وولد ردود فعل في نحو 80-100%. وبالمقارنة، فإن كحول الفينيل اثيل ولد استجابات مبدئية في مدى 10-25% من المحاولات. وطبقًا لنظرية التعود، وجد أن تكرار تقديم نفس المثير أدى إلى انخفاض استجابات الأطفال بدرجة بالغة. وقد عزا الباحثون هذه النتائج إلى انخفاض في درجة الحداثة وليس إلى التكيف الحسي، وهو تفسير يتفق تمامًا وتفسير برونشتين وبتروفا Bronshtein & Petrova. وهو يدل على أن الاستجابة قد انخفضت لأنه بعد عرض المثير مرات عديدة لم يعد فريدًا؛ فإذا كان الأمر قاصرًا على التكيف الحسي، لما استطاع الأطفال التمييز بين الرائحة النفاذة وبين المخفف.
ولتلخيص البحث في القدرات الحسية للأطفال حديثي الولادة وفي نمو هذه القدرات، يمكننا أن نستنتج في ثقة أن الوليد لديه أكثر من مجرد قدرات حسية بدائية. وقد تكون وسائلنا الفنية على مستوى لا نستطيع فيه أن نحسن تقدير المدى الكامل للقدرات الحسية لدى الوليد، ومهما يكن من أمر فقد يكون من سوء التقدير أن نستنتج أن القدرات الحسية للوليد تقارب قدرات الطفل في سن 2-3 شهور وأكثر. ويبدو أن النمو الحسي يكون سريعًا جدًا ولذلك يستحق بعض التفسير. أن النمو الحسي يكون أكثر سرعة نوعًا ما من النمو الحركي، ولكن من المحتمل
أيضًا أن النمو في كل إحساس يبدأ فعلًا من معدل قاعدي مختلف، مع تفوق منطقة الحركة في البداية. ولهذا السبب نستطيع أن نفسر النمو السريع للقدرات الحسية بأنه نتيجة لإثارة خارجية بعد الولادة. وعلى ذلك فإن التكوينات الجسمية اللازمة لأداء القدرات الحسية تكون موجودة عند الميلاد ولكنها تحتاج للإثارة لكي تنشط النمو. وعندما يحدث هذا المثير الخارجي، فإن معدل النمو يبدو أنه يتسارع بدرجة هائلة. وعلى القارئ أن يدرك أن هذا الاستدلال إنما هو استدلال نظري ولكنه معقول.
لقد رأينا أنه منذ باكورة الحياة تتواجد القدرة الحسية اللازمة للنمو الإدراكي والمعرفي. وهذه القدرات الحسية هي التي تقدم المادة الخام التي تستمد منها افتراضات إدراكية أكثر تعقيدًا.