الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تكوين جماعات الأقران:
تعريف جماعات الأقران:
إن جماعة الأقران أكثر من مجرد تجمع أفراد يتصادف وجودهم في نفس المكان في نفس الوقت.. فجماعات الأقران تتكون من أفراد متفاعلين مع بعضهم البعض، ولهما أهداف ومعايير مشتركة، كما أن جماعات الأقران يجب أيضًا أن يكون لها قادة وأتباع وربما يكون هناك تقسيم للعمل كذلك..
إن هذه الصفات التعريفية تنطبق أيضًا على الجماعات طويلة المدى وقصيرة الأمد. وكذلك على الجماعات الفورية.
أنواع جماعات الأقران:
لعل أول مجموعة أقران للطفل تستند إلى الجنس. وفي سنوات ما قبل المدرسة وحتى حوالي الصف السادس يشترك الأطفال بطريقة تكاد تكون كاملة مع الأطفال الآخرين من نفس الجنس، أما بعد ذلك فإن الطفل الذي يشترك مع أفراد من الجنس الآخر بدرجة كبيرة من المحتمل أن يوصف بأنه دلوعة أو مخنث أو أن البنت مسترجلة، ولا يعتبر لائقًا للطفل أن يكون مشاركًا مع أفراد الجنس الآخر بعد سن البلوغ.. ويبدو أن ذلك المبدأ يعكس نمط من التنشئة والثقافة الفرعية للمجتمع الذي يعيش فيه الطفل ومحاولات الأباء عن قصد أو عن غير قصد تشجيع نمو أدوار جنسية لائقة.
وثمة عامل آخر هام في عضوية مجموعات الأقران هو العمر: ففي فترة الطفولة فإن أعضاء فريق الأقران عادة ما يكونون من نفس السن، ومن المحتمل أن هذه الظاهرة تنبع من الفروق في السن ونوع الاهتمامات والقدرة البدنية في اللعب والقدرة على اتباع قواعد الألعاب.. وعادة ما يصادف طفل الروضة صديقًا أو اثنين لفترات زمنية قصيرة، ولا تتجاوز جماعة الأطفال في هذا السن ثلاثة أفراد وبالرغم من قلة أفراد جماعة الأقران، وبالرغم من أنها وقتية إلا أنها المجال الأساسي الذي يتدرب فيه الطفل على التبادل الاجتماعي في صورته
البدائية، وهي المجتمع الذي يخبر فيه كل طفل شتى المشاعر التي غالبًا ما سيخبرها في المجتمع الأكبر فيما بعد.
وبواسطة هذا التفاعل بين الطفل ورفاقه في مثل هذه تتاح له الفرصة في أن يكون على دراية متزايدة بالفروق بين الناس حيث يرى الطفل أطفالًا أكبر منه، وآخرون أصغر منه، البعض أشجع منه وأكثر عدوانية أو أكثر أنانية، والبعض أجبن منه أو أكثر حذرًا وأكثر خجلًا. بعض الأطفال ينتمون إلى أسر ذات مراكز مختلفة قد تختلف عن أسرته، البعض له إخوة وأخوات والبعض ليس له، البعض له آباء شباب والآخر لديه أباء كبار في السن، والبعض ليس له أبوين.. إلخ.. هذا النمو في الاشتراك مع الأقران يعتبر خبرة واسعة بصورة كبيرة لدى الطفل مما يسهم في تكوين اتجاهات الأطفال نحو أنفسهم ونحو عالمهم.
تكوين جماعات الأقران:
أجرى شريف وآخرون Sherif et al عددًا من الدراسات الممتازة عن تكوين مجموعات الأقران.. وفي إحدى هذه الدراسات بحث شريف وشريف Sherif & Sherif "1973" تكوين جماعات الأقران بين أولاد "صبية" من الطبقة الوسطى في معسكر.. وفي المرحلة الأولى من التجربة تشكلت مجموعتان من الصبية أعطت كل منها لنفسها اسمًا خاصًا بها.. وقد روعي أن تظل المجموعتان منفصلتين عن بعضهما، وسمح لهما أن تظل كل منهما مندمجة مع بعضها لمدة ثلاثة أيام لإتاحة الفرصة لقيام الصداقات.. وفي المرحلة الثانية قصمت المجموعتان كل منهما إلى مجموعتين متساويتين، وتشكلت مجموعتان جديدتان، ولوحظتا لمدة خمسة أيام، وقد روعي أن يكون هناك تشابه قريب من ناحية الشخصية والقدرات في هاتين المجموعتين، وجرى ذلك بمعرفة المشرفين على المعسكر ومرة أخرى روعي أن تظل المجموعتان منفصلتين في حين تقوم كل مجموعة بأنشطتها الخاصة.. وفي المرحلة الثالثة وضعت المجموعتان في موقف مباراة الواحدة مع الأخرى.
وقد اختبرت هذه الدراسة ثلاثة افتراضات:
- الافتراض الأول: أن الأفراد الذين يتجمعون بطريقة عشوائية يكتسبون صفة الجماعة: قادة وأتباع، صداقات، تقسيم العمل
…
وما شابه ذلك.
- الافتراض الثاني: تتكون معايير مشتركة واتجاهات وقيم مشتركة.
- الافتراض الثالث: أن العدائية بين المجموعات تنشأ إذا ما وضعت المجموعات في حالة تنافس.
ولقد عززت النتائج بوضوح كل هذه الافتراضات:
ففي المرحلة الأولى: ظهرت الصداقة وعلاقات مكانية ولكن ذلك تغير وتكونت أنماط صداقة جديدة، وفي المرحلة الثانية، على الرغم من أن نصف عدد الصبية في كل مجموعة كانوا يعرفون بعضهم البعض من المرحلة الأولى فقد تكونت في كلتا المجموعتين طبقية هرمية من قادة وأتباع، ومع أن القادة كانوا يميلون لأن يكونوا أكثر أعضاء المجموعة شعبية، فإن القيادة والشعبية لم تكونا على ارتباط كامل إحداهما بالأخرى، كما أن كل مجموعة وضعت معاييرها الخاصة في فترة الأيام الخامسة من المرحلة الثانية: فالاتجاهات نحو بعضهم البعض، ونحو المعسكر والأنشطة التي تجري فيه، وظهر مفهوم "نحن" مقابل "هم" ظهرت في كل مجموعة.. مع أن الصبية في كل مجموعة أظهروا استهزاء بالمجموعة الأخرى فإنه لم تحدث عدوانية حقيقية، وقد تكونت الصداقات بصفة خاصة مع أعضاء الفريق الحالي.. وفي المرحلة الثالثة: حدث أن إحدى المجموعتين كانت تفوز دائمًا في المباريات، وكانت النتيجة إحباط شديدًا لدى الفريق الخاسر، وتبع ذلك عدائية بين المجموعتين، وفقدان الثقة والتضامن في داخلية المجموعة الخاسرة.
وقد كرر شريف وآخرون "1979" هذه التجربة ووسعوها في دراسة عن تكوين جماعات الآخرون بين 22 صبيًا من الصف الخامس في إطار معسكر، وقد فصل الصبية في مجموعات متساوية مع مراعاة ألا تعلم أي مجموعة شيئًا عن وجود المجموعات الأخرى، ومرة أخرى سرعان ما اكتسبت المجموعات سمة
جماعات الأقران غير أنه في هذه الدراسة كان التنافس بين المجموعات يخضع لسيطرة بحيث أن كلتا المجموعتين حققتا نفس العدد من مرات الفوز والهزيمة، غير أن التنافس كانت له نفس النتيجة كما في التجربة السابقة وهي ظهور عدوانية شديدة بين المجموعات، مع أن التضامن داخل المجموعات ظل قويًا. وفي خلال مرحل التنافس حصل تغير في تكوين المجموعة، وبرز قادة جدد في المقدمة وذلك على أساس التميز في أثناء المباريات "وقد توقفت أدوار القيادة في المجموعتين على الأهداف المباشرة للفريق".. وفي المرحلة الأخيرة كان على المجموعات أن تتنافس في تحقيق حاجة مشتركة، وقد أدى ذلك إلى فرض التعاون وقلل من الصراع بين المجموعات، وزاد اختيارات الصداقة عبر خطوط المجموعة.
إن الدراسات التي قام بها شريف وزملاؤه لها تأثيرات عملية منها أن:
- تكون مجموعات جديدة من مجموعتين أو أكثر بينها عدائية، مع توفر هدف مشترك يمكن أن يؤدي إلى خفض درجة العدائية.
- وأن تهيئة الفرصة لمجموعتين بينهما عدائية للعمل معًا يمكن أيضًا أن يقلل من العدائية في داخلية المجموعات.
الاختلافات الثقافية وتكوين جماعات الرفاق:
قبل أن تحدث عملية الاشتراك أو الاندماج في الجماعة تقابل الفرد بعض الشروط فيها؛ إلى أي مدى يعتمد الفرد على أقرانه، إلى أي مدى يرتبط ويحتك الفرد بأقرانه، ثم إلى مدى تكون درجة تحرره من تحكم الكبار. فعلى سبيل المثال وفي المجتمعات البدائية كانت هناك علاقات وطيدة بين الأقران وكانوا يعتمدون على بعضهم إلى درجة كبيرة بالذات في المجتمعات المحاربة أكثر منها في المجتمعات المسالمة. هذا لأنه بخصوص المجتمعات المحاربة نجد أن الأقران يكونوا أصدقاء أو زملاء حرب خلال حياتهم العسكرية. وربما لهذا السبب نجد أن المجتمعات المعادية أو المحبة للحرب agressive cultures تعطي اهتمامًا وقيمة كبيرة لعملية الحرب واستقلال الطفل عن الوالدين والتحرر من تحكمهما. وهي في ذلك تفوق بكثير المجتمعات المسالمة أو الخيرية. أما في المجتمعات المعاصرة
الصناعية والغنية فهي لا تحتاج لمجهود الطفل واستغلاله في العمل، ولهذا تسمح للأفراد الصغار بوقت فراغ أكبر وبالتالي فرص تكوين جماعات الأقران أوسع وترابطها أقوى.
وتقدم لما "بوهم" Boehm" "1957" دراسة توضح لنا فيها أن تحكم الكبار والتحرر منه حدث بصورة جلية مبكرًا في الولايات المتحدة أكثر منه في أوربا. وقد اعتقدت أن الوالدين Parents في أمريكا كانوا أقل شعورًا بالأمن وكذلك أقل تأكيدًا من أن طريقهم هو الطريق الصحيح، ولذلك كان لديهم الاستعداد للرضوخ لضغوط أطفالهم أكثر مما كان لدى الأوربيين. وفي الولايات المتحدة أيضًا نجد أن جماعات الأقران كان أقوى منها في أوربا. فمعظم الأوربيين لا يسمحون لأطفالهم بالاحتكاك بذويهم بنفس الدرجة في أمريكا. وخلال عمليات الاحتكاك وجدنا أن مجتمعات الأقران في أمريكا قد اكتسبت قيمًا ومبادئ واضحة ومحددة وقدرة على تدعيم العلاقات بين أعضاء المجموعة الواحدة بل وإجبار الأعضاء على الولاء للجماعة. ولم تستطع الأسرة في أمريكا أن تقف أمام الضغوط التي تمارسها جماعات الأقران على الطفل حيث ينصاع الطفل لأوامر الجماعة بصورة كبيرة. ويحتمل أن يكون تغيير وجهة الثقافة الأمريكية خلال فترة معينة، وكذلك الاختلاف بين الثقافة الأمريكية والثقافة الأوربية، ربما يكون راجعًا في جزء منه إلى الدور المتزايد الذي تلعبه جماعات الأقران في أمريكا وقوة هذا الدور عنه في أوربا:
وفي أوربا الغربية وكندا يعتبرون انضمام الطفل لإحدى جماعات الأقران كثورة من قبل الطفل على قيم ومبادئ الراشدين. ومجتمعات أخرى تستخدم جماعات الأقران في غرس القيم والمبادئ التي يعتنقها الكبار. وفي إحدى الدراسات التحليلية عن تربية الأطفال في الاتحاد السوفيتي لاحظ برنفبرنر Bronfenbrenner أنه -وبالذات في المدارس- تعتبر جماعة الأقران نبعًا أساسيًا للقيم والتنظيم. فمثلًا إذا تولى مجموعة من الراشدين جماعة من الأطفال فإنهم يوضحون لهم السلوك الذي يستحقون عليه المكافأة ويقدمون هذه المكافأة من خلال الجماعة نفسها وبمجهود جماعي. وفي المدرسة نجد أن الأطفال الذين يكونون صفًا