الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الرابع: النمو اللغوي
اللغة ووظائفها:
اللغة أهم ما يميز الإنسان عن غيره من الكائنات الحية، فهي أساس الحضارة البشرية، وهي وسيلة الكائن البشري للاتصال بعالمه الذي يعيش فيه والتعبير عن ذاته وإشباع حاجاته، ومن خلالها يطل على الأجيال السابقة ليمهد لمستقبل أفضل.
فاللغة نظام من الرموز يخضع لقواعد ونظم، وتتكون من إشارات منطوقة ذات صفة سمعية وأخرى ذات صفة فكرية رمزية، يعبر بها الفرد عن حاجاته ورغباته ومشاعره؛ لذا تعرف اللغة بأنها "نسق إشارات صوتية تستخدم للتواصل بين الناس بمجتمع ما، وتنطوي على وجود وظيفة رمزية ومراكز عصبية متخصصة تكوينيًا. وجهاز سمعي صوتي للنطق بالإشارات. فنسق الإشارات -في جماعة إنسانية ما- يشكل اللغة أو اللسان، وفي قيام أحد الأفراد بفعل اتصال لغوي يشكل القول أو الكلام""كمال دسوقي، 1990، 770".
ومن ثم: تنطوي اللغة على عدد من الوظائف منها:
1-
الوظيفة التعبيرية: حيث تسمح اللغة لمستخدميها منذ طفولتهم المبكرة أن يعبروا عن رغباتهم وإحساستهم الداخلية وانفعالاتهم ومواقفهم، وأن يعرضوا مواقفهم وتجاربهم وظروفهم وما يريدون الحصول عليه من البيئة المحيطة بهم "جمعة يوسف: 1990، 22". ويرى علماء التحليل النفسي أن التعبير باللغة يسهم إسهامًا بالغًا في عملية التفريغ النفسي للشحنات الانفعالية المؤلمة، ومن ثم: تستخدم اللغة -من خلال المقابلات- من أجل التنفيس الانفعالي، وعلاج الاضطرابات الانفعالية، كما اعتبرت الكلمة وسيلة تشخيصية في المقام الأول حيث أن الشخص يكشف عن ذاته سواء من خلال مضمون أحاديثه أو من خلال أسلوب ونبرة صوته، وصمته عن الموضوعات التي تتم مناقشتها، أو عن طريق وقفاته وهفواته وتكراره أو تلعثمه. "فيصل الزراد، 1990، 14-16".
2-
الوظيفة الفكرية: فاللغة تمد الفرد بالأفكار والمعلومات وتثير لديه أفكار ومواقف جديدة، وتدفعه إلى التفكير وتوحي إليه بما يعمل على تفيق ذهنه وتوسيع آفاق خياله وتنمية قدراته الإبداعية "أحمد المعتوق: 1996، 36-37"، بالإضافة لذلك فإن اللغة تمكن الفرد من الانتقال إلى المستويات الأكثر تجريدًا والتي لا يمكن التوصل إليها إلا بعد اكتساب اللغة "ليلى كرم الدين، 1990، 8-9".
3-
وظيفة التواصل الاجتماعي: فاللغة أداة تواصل تعتمد على الرموز المنطوقة للتواصل من خلال الكلام، والرموز المكتوبة للتواصل من خلال الكتابة، والرموز الإرشادية للتواصل من خلال لغة الإشارات.. ولا تتوقف قيمة اللغة في التواصل على مجرد نقل أفكار المتكلم إلى السامع فقط، ولكنها تستعمل أيضًا لإثارة أفكار ووجدانات عند السامع فيقوم بالاستجابة وتلبية لأثر ما أدركه من الكلام مما يدفعه إلى العمل والحركة "عبد العزيز عبد المجيد، 1979، 14".
4-
وظيفة التوافق الاجتماعي: فاللغة توفر للفرد كل ما يساعده على العيش بين الناس في يسر وطمأنينة وسلام، وتصبح أساسًا لتوفير الحماية والرعاية للإنسان بين جماعته، وعاملًا لتحقيق منافعه ورغباته وتسهيل سبل معيشته في إطار هذه الجماعة "أحمد المعتوق 1996، 35". وبذلك فإن الفرد طفلًا وراشدًا يستطيع من خلال استخدامه للغة أن يثبت هويته وكيانه الشخصي ويقدم أفكاره للآخرين "جمعة يوسف، 1990، 23"، كما أن اللغة تساعد الطفل منذ نعومة أظفاره على التعرف على العادات والقيم السائدة في مجتمعه، مما يساعده على التحكم في سلوكه وضبطه طبقًا لتلك القيم والعادات والتقاليد. بالإضافة لذلك فإن اللغة تعطي الفرد شعورًا بالانتماء لمجتمعه وتعاونه على تعديل سلوكه كي يتلاءم مع هذا المجتمع، فهي تزوده بالعبارات اللازمة لمختلف أوجه التعامل الاجتماعي وبذلك يخضع سلوكه كفرد لما يقتضيه المجتمع "عبد العزيز عبد المجيد: 1979، 15".
5-
الوظيفة التعليمية: فاللغة أداة تعلم واكتساب وعنصر هام من عناصر العملية التعليمية، حيث يعتمد التحصيل الدراسي على الاستعمال الفعال للغة لأنها مادة
ومحتوى أي منهج دراسي، وبقدر ما تكون اللغة ومفرداتها واضحة. ومستمدة من القاموس اللغوي للأطفال الذين يوضع لهم المنهج نكون قد ضمنا عاملًا مهمًا من العوامل المؤثرة في تحقيق أهداف المنهج. "Gormly، 1997، 182".
6-
الوظيفة الثقافية: فاللغة وسيلة لنقل التراث الثقافي والحضاري، حيث تكمن قيمتها في عملية الإخبار والإعلام عن قضايا تاريخية محددة أو حوادث حاضرة تساعد في المقارنة بين الماضي والحاضر "فيصل الزراد: 1990، 17"، كما أنه من خلالها يستطيع الإنسان أن ينقل ويستقبل معلومات جديدة وخبرات متنوعة من أجزاء متفرقة من الكرة الأرضية خصوصًا بعد الثورة التكنولوجية الإعلامية.. بالإضافة لذلك: فإن اللغة مرآة الشعب ومستودع تراثه وديوان أدبه وسجل مطامحه ومفتاح أفكاره وعواطفه، ورمز كيانه الروحي وعنوان وحدته وتقدمه وخزانة عاداته وتقاليده.
وبذلك فإن اكتساب اللغة يفتح للإنسان آفاقًا رحبة من التجارب والمعارف والأفكار التي تمكنه من أن يطل على حياة الماضين بكل شعوبهم وأجيالهم وطبقاتهم ومذاهبهم فيطلع على تراث أمته الفكري والحضاري والاجتماعي، وعلى تراث مجتمعات مختلفة مترامية الأطراف متباعدة الأماكن والأزمان فيستفيد من خبراتهم وتجاربهم وأفكارهم، وبذلك يكون أكثر وعيًا وأثرى فكرًا وأوسع معرفة وأكثر قابلية على الإبداع والاندماج "أحمد المعوق: 1996، 40".