الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
السلوك الإدراكي والنمو
إدراك الشكل
…
السلوك الإدراكي والنمو:
لقد رأينا أن أجهزة الطاقة الحسية للوليد تعمل منذ الميلاد. إن مادة البحث في هذا الجزء سوف تتركز على ارتباط العمليات الإدراكية بالنمو المعرفي المبكر وبتغيرات السن في عدة أنماط سلوك إدراكي.
في مناقشاتنا السابقة للقدرات الحسية لدى الوليد، أشرنا باختصار إلى مفهوم الانعكاس التوجيهي والتعود. ونود الآن أن نبين العلاقة بين الخصائص الإدراكية والخصائص المعرفية للطفل حديث الولادة. لقد ذكرنا أن استجابة الطفل لمثير معين تظهر في الانعكاس التوجيهي، وهو ظاهرة سلوكية لنظام جسمي يستجيب لأي مثير جديد "Sokolov، 1983". وعندما يوجه الأطفال نحو المثير فإننا تكون لديه نموذجًا عصبيًا للمثير. وعندما ذكرنا نتائج جفري Jeffrey في هذا الشأن، لاحظنا أن العرض المتكرر يولد "الموجز الشكلي. Schema. إن مصطلح "نموذج عصبي" neorological model و"موجز شكلي يتجه استخدامهما تبادليًا رغم أنهما لا يتواكبان تمامًا في المعنى ومهما يكن من أمر، فإن كلا المصطلحين يستخدمان للدلالة على عرض عقلي لشيء أو حدث مثير. ومتى طور الأطفال هذا العرض، فهم يكفون عن إظهار الانعكاس التوجيهي ما لم يجري تعديل في تكوين المثير، وبالتالي يتولد اختلاف بين الموجز الشكلي الأصلي والمثير الجديد أو المعدل. ومن الموجزات الشكلية البدائية تبرز مادة النمو المعرفي التالية. وهكذا فإن الانعكاس التوجيهي والتعود يكونان أساسًا لفهم النمو المعرفي والعقلي ليس فقط في مرحلة الطفولة المبكرة ولكن من الممكن أيضًا على مدة حياة الفرد.
وفيما يلي نعرض لتطور بعض العمليات العقلية في الطفولة.
1-
إدراك الشكل:
من بين أشهر الدراسات لإدراك الشكل لدى الأطفال الصغار تلك التي أجراها فانتز Fantz "1965، 1963" والتي استخدم فيها طريقة المثير المزدوج "المقرن". ففي "حجرة رؤية""موضحة في الشكل: 32" فراغ يتسع للوليد والأشياء
المثيرة. والطفل، تبعًا لسنة، يوضع في وضع الاستلقاء على الظهر أو في مقعد خاص بالوليد يمكن منه رؤية زوج الأشياء التي تكون المثير. ومن خلال كوة "فتحة" يلاحظ المشرف على التجربة تثبيتات عين الطفل وحركاته ويحدد المعدل الذي يجري به فحص كل مثير ومدة كل تثبيت على المثير وهذه المعطيات الأساسية تقدم دلالات على تفضيلات الطفل للمثير.
الشكل "33" أهمية النمط وليس اللون أو اللمعان في الإدراك تتضح في استجابة الأطفال لوجه، جزء من مادة مطبوعة، عين ثور، وأقراض لون بسيط أحمر وأبيض وأصفر. وحتى أصغر الأطفال فضلوا الأنماط. والأعمدة المرتفعة تبين نتائج الأطفال من سن 2-3 شهور، والأعمدة المنخفضة في سن أكبر من 3 شهور.
إن طبيعة المثيرات المستخدمة في إحدى التجارب تتضح نتائجها في الشكل "33" الذي يعين أيضًا التفضيلات لعينتين من الأطفال في عمرين مختلفتين، وعينة الأطفال في الأعمدة المرتفعة في سن من 2-3 شهور، والعينة في الأعمدة المنخفضة في سن أكثر من 3 شهور. وبصرف النظر عن مستوى السن، كان زمن التثبيت على صورة الوجه هو الأطول، وعلى الدوائر الملونة هو الأقل. ومن يبين الافتراضات العديدة المقدمة لتفسير تفضيل هذا المثير، يبدو أن التفسير الخاص بالتعقيد "على الأقل في هذه التجربة" هو الأكثر قبولًا.
إن جاذبية التعقيد للأطفال الصغار قد اتضحت في تجربة أجراها هوريتز وآخرون. Horowitz، et al. "1972" حيث استخدم هؤلاء الباحثون ألواحًا كلوحة الشطرنج بها مربعات أبيض وأسود، اشتملت على عدد من هذه المربعات يتراوح ما بين 4 إلى 1024 مقاس "32 × 32". وأدخلوا أعدادًا متوسطة 16، 64،
256، 276. وعلاوة على هذه المثيرات، استخدموا أيضًا مربعًا رمادي اللون. وقد عرضت المواد المثيرة على "5" أطفال صغار مرة في الأسبوع عندما كان الأطفال في سن من 3-14 أسبوع. واختبروا عينة أخرى من "5" أطفال في سن 3، 8، 14 أسبوع وأخيرًا "6" أطفال في سن 3، 8، 14 أسبوع، حيث شاهدوا المثيرات مرة واحدة. ومع أن النتائج أوضحت أيضًا أن لوحة المربعات كانت أكثر تفضيلًا من المربع البسيط وأوضحت أيضًا أن لوحة المربعات "2 × 2" لقيت اهتمامًا أقل من اللوحات الأخرى، إلا أن الأطفال لم ينجذبوا بداية باللوحة ذات 1024 مربعًا. والواقع أن أول عرض للوحة 8 × 8 ولدت أطول مدة تثبيت. وقد استنتج الباحثون أن التعقيد ولو أنه بعد ملزم للسلوك البصري الاهتمامي للأطفال، إلا أن العلاقة بين التفرس البصري وصفات المثير ليست قاطعة كما اقترح الباحثون الآخرون. وثمة تفسير محتمل لمعطيات هوريتز وزملائه هو: أن الأطفال الصغار لديهم مستويات اختيار للتعقيد، وإنه فيما يعلو هذه المستويات أو يقل عنها، فإن زمن التثبيت يكون قصيرًا نسبيًا. وهذا الاستنتاج يدل على إمكانية أن مثيرًا شديد التعقيد يمكن أن يعم الأطفال الصغار؛ إنهم لا يملكون الموجزات الشكلية التي يستطيعون أن يضمنوها النمط الأثاري المعقد. وبصفة عامة، فإن معطيات البحث تصلح لاستخلاص أن تعقيد المثير هو أحد المتغيرات التي تؤثر على مدة التثبيت لدى الأطفال الصغار "Jeffry & Cohen، 1971".
وثمة خاصية أخرى للمثير يبدو أنها تؤثر على مدة التثبيت في الأطفال الصغار، تلك هي الجدة "الغرابة" novelty. والدراسة النوعية للجدة تتضمن عرض نفس المثير إلى أن يتعود عليه الموضوع. ومتى رسخ التعود، يعرض تعديل للمثير، ويكون المتوقع أن يظهر المفحوص مرة أخرى الانعكاس التوجيهي.
ولهذا العمل أهمية خاصة لأنه يبدو أنه يعرض بصفة أكثر مباشرة كيف يمكن تطوير الموجزات الشكلية، أي أن الموجز الشكلي يمكن توسيعه ليشمل تعديلات في العرض الأصلي.
وفي تجربة بصور وجوه أشخاص، استخدام هاف وبيل Haff & Bell "1967" المثيرات المعينة بالشكل "35". فقد ثبت الأطفال بصرهم أطول مدة على
الوجه الأكثر واقعية، وأقل مدة لم الوجه الذي اشتمل على أقل قدر من التفاصيل. وتدل هذه النتائج على أن الألفة بالمثير ذات أهمية في حالة الأطفال دون سن 4شهور: ولهذه النتيجة أهمية خاصة إذا لاحظنا في الشكل "35" أن الشكل الثاني اشتمل على مزيد من التفاصيل عن صورة الوجه. ويعتقد الباحثان أن معطياتهما تدل على أنه في هذا المستوى من العمر، فإن الوجهية "وجه" أشد جاذبية من التعقيد. كما يجب أن نلاحظ أن المثير الذي يشبه الوجه وبه أقل قدر من التفاصيل حصل على أقل نسبة مئوية من مدة التثبيت.
أما الدراسة التي أجراها كاجان وآخرون Kagan، Hanker، Ken-Tov& Leuiner "1966" تدل أيضًا على العلاقة بين العمر وغرابة "جدة" المثير، لقد وجد هؤلاء الباحثون أن الأطفال بعد سن 6 شهور يزداد انجذابهم إلى مثيرات مغايرة لمثير مألوف لديهم. فلقد كان أطفال البحث من عمر 4 شهور و8 شهور. وكانت المثيرات المستخدمة هي الموضحة بالشكل "36". وكان معامل الانعكاس التوجيهي هو تباطؤ نبضات القلب، وعرف التعود بأنه القصور عن الحصول على التباطؤ. وتدل النتائج التي حصلوا عليها على أنه في سن 4 شهور ظهرت أعلى درجة من تباطؤ نبضات القلب بالنسبة للوجه المنتظم، وهي نتيجة تتفق ونتائج دراسة هاف وبيل. أما الأطفال من سن 8 شهور فقد أظهروا أعلى درجة من تباطؤ نبضات القلب عند الاستجابة إلى الوجه المشوش. ويفسر كاجان Kagan وزملاؤه "1966 ص532" نتائجهم على النحو التالي:
"إن الأمر معقول بداهة، لأن النمو المعرفي يتميز بالخلق المستمر للموجز الشكلي للأنماط الجديدة. والمثير الذي ينقض موجزًا شكليًا قائمًا في وقت ما يصبح نمطًا مألوفًا وسهل الاستيعاب بعد أيام أو أسابيع أو شهور. ويبدو أن المزج الحكيم بين أنماط التثبيت وبطء نبضات القلب والابتسام قد يمكننا من استكشاف درجة توصيل مختلف الموجزات الشكلية إلى الطفل، ويسهل التفرقة بين المثيرات التي تمثل موجزات شكلية مألوفة وطارئة وغريبة".
ويتفق هذا التفسير مع تفسير هوريتز وآخرون. Horowitz et al؛ من أن صغار الأطفال قد فشلوا في لوحة الشطرنج المعقدة ولكهم التقطوا مستوى متوسط من التعقيد فيما بين أقصى وأدنى تعقيد. أن كلا من تفسير هوريتيز Horowitz وزملائه، وتفسير كاجان Kagan وزملائه يتفقان تمامًا مع أنماط السلوك التي لوحظت في عدد من المجالات السلوكية. إن الأطفال عندما يألفون مثيرًا، يقضون وقتًا طويلًا في تفحصه والتعلم بشأنه. وهم لا يبدأون في إهماله أو تفحص متغيرات له إلا بعد أن يكونوا قد ربطوا تمامًا بين المثير والموجزات الشكلية القائمة. وعلى ذلك فإن خاصتي الإدراك الحسي اللتين فحصتا حتى الآن تتفقان تمامًا والخصائص العامة للنمو المعرفي. وهذه النتائج تتفق أيضًا مع افتراض هنت Hunt "1961" الخاص بما أسماه "التماثل Match"، والتي تنص على أنه توجد درجة اختيارية من التناقض بين الموجز الشكلي الخاص بالتركيب العضوي أو الألفة بالشيء المثير ويبين قدرة التركيب العضوي على مواجهة هذا التناقض. ويستطرد هنت Hunt قائلًا:"إن التناقض الزائد عن الحد يطغى على الطفل أو يخيفه، وهو عندئذ يتجنب المثير. أما إذا تناظر المثير مع موجز شكلي موجود من قبل، فإن التركيب العضوي لا يظهر إلا القليل من التثبيتات أو دلائل الاهتمام الأخرى". ويقترح هنت Hunt إنه فقط عند حدوث التناقض الاختياري، يحصل التركيب العضوي على السرور من المحاولات التي بذلها بنفسه لإدماج التناقض في موجز شكلي موجود من قبل ولذلك تستطيع أن تبقي على الفضول لدى الأطفال بتقديم الكثير من الفرص لإدماج التناقضات في الموجزات الشكلية الموجودة من قبل.
ورغم الفروق والصعوبات المنهجية، فإن نتائج التجارب السابقة وكثير غيرها تتفق بصفة عامة على أن الأطفال الصغار ينجذبون نحو المثيرات الغربية. ولكن ما هو السبب في أن الأطفال يجدون إلزامًا في تعقيد أو غرابة المثيرات؟. إن التفسير يميل إلى الاعتماد على مفاهيم مثل الوجهية fanceness، أي مفاهيم يستخدمها الراشدون. وثمة خاصية أخرى أقل وضوحًا "على الأقل بالنسبة للراشدين" قد تكون الأساسي الفعلي لتفضيل المثير. مثال ذلك، وجد سالابيتك وكيسن Salapatek & Kessen أن الأطفال الصغار ينجذبون إلى مثلث، وبدوا
وكأنم يشكلون موجزًا شكليًا "مثلثًا". وقد قام الباحثون بقيام تثبيتات الطفل البصرية بجهاز دقيق لتسجيل حركات العين. ولم تقم هذه العينة من الأطفال بفحص المثلث بالكامل ولكن ثبتوا بصرهم أساسًا على الزوايا، في حين قل اهتمامهم بالمحيط وبالداخل.
وتدل أبحاث إضافية على أنه، مع النضج، تتحول حركات العين بعيدًا عن التثبيت على سمة واحدة من المثير إلى نمط من التفرس أكثر تكاملًا. وفي دراسة أكثر تركيزًا، قام بها هيرشنسون وآخرون Hershenson، Keesen & Meussinger "1967" تناولوا الخواص الآتية للمثيرات: اللمعان النسبي، التعقيد النسبي، درجة التنظيم النسبية والنمطية لإظهار معطيات التفضيل لدى 20 وليدًا. وفي مجال "بعد" اللمعان: كان المثير ذو شدة اللمعان المتوسطة أكثر تثبيتًا منه في المستويين الآخرين من اللمعان: وفيما يختص بدرجة الوجهية، دلت النتائج على عدم وجود فروق في التفضيل بين المثيرات في الثلاثة مستويات الوجهية. وتدل النتائج بالنسبة لدرجة التعقيد على أن المثير الأقل تعقيدًا كان الأكثر تفضيلًا، وتلاه المتوسط ثم الأكثر تعقيدًا.
وهذا الاستنتاج ليتفق بصفة عامة مع النتائج السابقة بالنسبة للأطفال دون سن 4 شهور، كأطفال هذه الدراسة، وليس بالنسبة للأطفال الأكبر سنًا، وأخيرًا فإن الأطفال فضلوا مستوى التعقيد المتوسط، وإن كان الفرق الوحيد الذي له دلالة كان بين القيمة المتوسطة والقيمة الأدنى. ويقرر الباحثون أن فهمًا أحسن للإدراك الشكلي لدى الأطفال يحتاج لدراسات أكثر كثافة تستخدم فيها معالجة معقدة الأبعاد ولا شك في أن نتائج التجربتين الأخيرتين تدل على أنه رغم أن الانعكاس التوجيهي والتعود على المثير حدثان محققان، فإن خواص المثير المؤدية لهذه التثبيتات تحتاج لمزيد من التحقيق.