الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولقد لوحظ أن للبيئة أثر كبير في ظهور السلوك العدواني لدى أطفال هذه المرحلة وتكرار حدوثه، فهو يتأثر بأسلوب التربية والوسط الاجتماعي الذي ينشأ فيه الطفل.
- فقد تبين أن البيئة التي لا تسمح إلا بقدر ضئيل من الحرية ولا تتوفر بها إمكانيات اللعب تؤدي إلى زيادة وتكرار السلوك العدواني لدى أطفالها، ووجد أن بيئة الروضة المزودة بحديقة متسعة وأدوات ووسائل متعددة للعب فإنها تقلل من عدوان الأطفال إلى حد كبير.
- وتبين أيضًا: أن البيئات منخفضة المستوى الاجتماعي تشجع العدوان في حين تميل البيئات ذات المستويات المتوسطة والعليا إلى كف العدوان وتمنع احتكاك الأطفال مع بعضهم.
الشعبية بين الوفاق
…
10-
الشعبية بين الرفاق:
غالبًا ما تكون تفاعلات الأطفال مع رفاقهم ذات أهمية متزايدة في حياتهم.. وكنتيجة لهذه التفاعلات نجدهم يكونون مدركات جديدة لذواتهم، ويصبحون مهتمين بمدى شعبيتهم بين جماعة الرفاق، ومن ثم يطورون طرقًا جديدة للتعامل مع الناس، ويخبرون الشعور بالانتماء الاجتماعي أو الانعزال الاجتماعي أو الشعور بالغربة "عادل الأشول: 1982، 394".
وتعكس الشعبية في العادة الرغبة لدى الطفل في إيجاد اتصال به، غير أنه يجب ملاحظة أن الدرجة المنخفضة من الشعبية من جانب أقران الطفل قد لا يعني النبذ أو التجنب من جانبهم، فالأطفال غير الشعبيين قد يقتصر الأمر بهم إلى تجاهل أقرانهم لهم وبعبارة أخرى فإن الشعبية والنبذ ليسا طرفان لبعد واحد.
ومن المعتقد أن أنماط الصداقة في الطفولة المبكرة تتذبذب بسرعة بسبب اللقاءات من يوم إلى يوم، ومن المحتمل أن يكون ذلك راجعًا إلى مستوى منخفض من استقرار شعبية الأقران.. ومن ناحية أخرى فإن أنماط الصداقة في فترة المراهقة يبدو أنها تتذبذب بدرجة أقل، وكانت الشعبية أكثر استقرارًا بالنسبة للمراهقين الأكبر سنًا "16-18سنة" عن المراهقين الأصغر سنًا "11-15 سنة"، بمعنى: أن الصداقات أكثر استقرارًا مع تقد السن.
وتدل هذه المعطيات على أن الشعبية سمة على درجة ما من الاستقرار، مما يجعل من المعقول دراسة سوابقها والعوامل المؤثرة فيها، ومن هذه العوامل:
أ- الجاذبية البدنية:
تعتبر الجاذبية البدنية عاملًا هامًا في تكوين الشعبية، فالفرد البدين أو المعوق بدنيًا، والأفراد الذين لا يتمتعون بالمظهر اللطيف تقل درجة تقبلهم الاجتماعي، حتى الأطفال الصغار في رياض الأطفال بيدون نفورًا من بعض السمات البدنية كالبدانة مثلًا، ويمكنهم أن يتعرفوا تعرفًا صحيحًا على مظهرهم البدني، فالمظهر البدني له أهمية خاصة في المراحل الأولى من التفاعل الاجتماعي، ولكن يصبح أقل أهمية مع الوقت ومع زيادة التعرف على شخصية الرفاق.
وبعكس الفكرة الشائعة فإن السمات البدنية الجذابة وخاصة شكل الوجه والرأس وهيئة الملبس تعتبر هامة ليس فقط بالنسبة للتفاعل المبدئي ولكن أيضا كمنبئ بتقبل اجتماعي طويل المدى.
ب- نسبة الذكاء والإنجاز:
لقد ركزت الأبحاث الأولى في مجال العلاقة بين نسبة الذكاء والإنجاز وشعبية الأقران على العلاقة المتبادلة بينهم، وقد وجد أن هذه العلاقة كانت إيجابية وتمتد بين مستوى منخفض "حوالي 0،20" ومستوى متوسط "حوالي 0،65""Lreen 1920 dasws 1967 Hill 1983" غير أن من الصعب تفسير هذه المعطيات بسبب العلاقة الإيجابية بين الذكاء والطبقة الاجتماعية ومن ثم لم يكن واضحًا ما إذا كانت العلاقة الإيجابية ترجع إلى نسبة الذكاء أو إلى الطبقة الاجتماعية.
غير أن الدراسة التي أجراها سيلز وروف Sells & Roff "1985" على 800 طفل بالصف الرابع من أربع مستويات اجتماعية على أساس دخل وتعليم الوالدين اختار كل طفل أربعة أقران محبوبين واثنين أقل تقبلًا، وقد حدد لكل طفل درجة شعبية على أساس عدد المرات التي اختير فيها كقرين يحظى بأعلى
درجة أو بأقل درجة من الحب.. وقد وجد أن الأطفال الأكثر شعبية في كل مستوى اجتماعي/ اقتصادي لديهم معامل ذكاء أعلى من الذين كانت شعبيتهم أقل.
وحيث أن نسبة الذكاء والإنجاز المدرسي على علاقة إيجابية فإنه من المعقول أن نتوقع أن تكون الشعبية أيضًا مرتبطة بالإنجاز المدرسي وقد أثبتت أبحاث عديدة صحة ذلك فقد ذكر "سيلز وروف""1985" أن أطفال من الصف الرابع إلى السابع وجد لديهم ارتباط بين الدرجات المدرسية والشعبية، وأن هذه العلاقة تكون أوثق مع أطفال الصفوف الأولى وأقل بالنسبة للصفوف المتقدمة.
جـ- النمو المعرفي:
قام رادردن وموان Rardi & Moan بدراسة العلاقة بين الشعبية والنمو المعرفي في إطار نظرية بياجيه على أطفال فيما بين سن الروضة إلى الصف الثالث، حيث اختبر الباحثان فكرة بياجيه من أن تفاعل الأقران عامل هام في التغير من التفكير قبل الإجرائي إلى العمليات الحسية، وأن النمو الاجتماعي يتوازى مع النمو المعرفي "حيث تفيد لنظرية بياجيه أن النمو المعرفي يتغير تغيرًا طرديًا مع نوع العلاقة بين الأقران". ولتقييم النمو المعرفي أعطى الأطفال اختبارات معرفية، كما طلب من كل مجموعة من الأطفال أن يتعرف كل طفل على أحسن ثلاثة زملاء فصل محبوبين وقد كشفت التحليلات عن أن علاقة النمو المعرفي للطفل لم تكن مرتبطة بنوع علاقة القرين إلا بقدر ضئيل.. وأن مسار الشعبية بين الأقران يتوازى مع النمو المعرفي حيث ظهرت تغيرات نمائية عبر مستويات الصفوف.. وبذلك يتعزز رأي بياجيه من أن نوعي النمو يسيران متوازيين، على الرغم من أن الباحثين قد استنتجوا تأثير ضئيل للتفاعل بين الأقران على النمو المعرفي.
وقد ركزت دراسات أكثر حداثة حول العلاقة بين الشعبية والنمو المعرفي على دور الطفل الذي يتمركز حول الأنا في الاتصال، فلقد افترض بياجيه أن أحد المظاهر الهامة الشعبية هو القدرة على اتخاذ وجهة نظر شخص آخر في الاعتبار أثناء الاتصال. فالأقران الذين تقل درجة تمركزهم حول الأنا في اتصالاتهم
يكونون أكثر شعبية ويبدو أن ذلك هو الحال بالنسبة لأطفال الروضة وفي الصف الثاني ولكن ذلك لم يكن كذلك بالنسبة للأطفال الأكبر "Deutsh 1974 Rubin 1985".. ومع أن الأسباب الحقيقية لهذه العلاقة غير معروفة فإنها قد ترجع إلى رغبة الطفل في عدم التمركز وفي الاندماج في عمليات أخذ وعطاء متبادل وديًا وفكريًا مع الأقران.. إن عدم القدرة أو عدم الرغبة من الطفل ذي النمو المعرفي المنخفض نحو عدم التمركز قد يؤدي إلى الإحباط بالنسبة للعلاقات مع أقران أكثر تقدمًا في هذا المجال، إذ تتولد علاقات متوترة معهم ودرجة منخفضة من الشعبية.
د- الطبقة الاجتماعية:
إن القليل من الأبحاث التي أجريت حول أثر الطبقة الاجتماعية في نمو الشعبية بين الأطفال تشير إلى أن طفل الطبقة الأدنى أقل شعبية من طفل الطبقة المتوسطة أو الأعلى.. ولتحديد العلاقة بين الطبقة الاجتماعية والشعبية بين الأطفال يجب أن نتأكد من أن نسبة الذكاء ليست عاملًا مسببًا للارتباك.. ففي دراسة على أطفال الصف السادس في ثلاث مستويات للذكاء ذكر راينر Rainer "1984" أن ثمة علاقة إيجابية بين الطبقة الاجتماعية للأب على أساس وظيفة وشعبية الطفل.. ويبدو أن الطبقة الاجتماعية والشعبية يرتبطان بنفس الطريقة التي ترتبط بها نسبة الذكاء بالشعبية، فكلما ارتفعت الطبقة الاجتماعية للطفل ارتفعت درجة شعبيته بين الأقران.
وفي دراسة قام بها فاينبرج وسمث Feinberg & Smith "1987" على مراهقين ذكور من الطبقات الدنيا والمتوسطة والعليا "على أساس دخل الأسرة"، توصلت إلى أن القيم المختلفة التي لدى أبناء الطبقات المختلفة قد تؤدي إلى زيادة الشعبية لدى أبناء الطبقتين المتوسطة والعليا.. وفي كل المستويات كان الأقران الذين يتمتعون بالشعبية يتسمون بالذكاء والوسامة والقوة البدنية والرفق والأمانة.. وما إلى ذلك.. وفي مستوى الطبقتين الدنيا والمتوسطة كان الأطفال يؤكدون أيضًا على اهتمام مشترك وعدم التدخل في شئون الآخرين والقدرة على حسن الكلام
باعتبارها صفات هامة للأقران ذوي الشعبية. وقد أكد المراهقون من المجموعة ذات الدخل المرتفع على الزعامة والاجتهاد في الدراسة والتعاون والمشاركة في الأنشطة باعتبارها سمات جوهرية لتقبل الأقران.. وتؤكد هذه النتائج أن أنماط الصداقة ترتبط بالطبقة الاجتماعية وأن هذا الارتباط يقوم على الاختلافات في القيم بالنسبة للأطفال من طبقات اجتماعية مختلفة. وبالرغم من الاتفاق على بعض القيم بين أطفال من كل الطبقات الاجتماعية فهناك أيضًا اختلافات في القيم لها أهميتها في انتقاء الأصدقاء.
هـ- أساليب تربية الطفل:
وحيث أن القيم يتعلمها الأبناء من الآباء مباشرة أو باتخاذهم نماذجًا، فمن المهم أن نناقش وسائل تربية الطفل التي تتعلق بالشعبية.
إن النتائج والمعطيات المستخلصة من الأبحاث القليلة التي أجريت في هذا المجال تدل على أن أساليب التربية التي تتسم بالسيطرة التنظيمية هي أهم المؤثرات في تربية الطفل في علاقتها بالشعبية. فقد ذكر ويندر وروا Winde & Raw أن آباء الأطفال ذوي الشعبية المرتفعة يستخدمون قدرًا ضئيلًا من العقاب البدني مفضلين عليه سحب الحب وإيقاف الامتيازات باعتبارها الأسلوب الأساسي للتربية النظامية. وكلا الأسلوبين الأخيرين لا يؤديان إلا إلى درجة قليلة من العدوانية البدنية لدى الأطفال وهي إحدى السمات المرتبطة بالشعبية، إن آباء الأطفال ذوي الشعبية كانوا أيضًا حسنى التوافق وكان أطفالهم أكفاء.. علاوة على ذلك فإنهم كانوا ينقلون هذه الثقة إلى ذرياتهم.. ولقد عبر الأطفال الذين يتسمون بالشعبية عن مزيد من الرضا بحياتهم المنزلية، وشعروا برباط أسري أقوى، وكانوا بصفة عامة أكثر سعادة من الأطفال الأقل شعبية. وهذا الأمان والثقة اللذان يشعر بهما الوالدان كانا ينتقلان إلى الأطفال وينعكسان على التوافق النفسي للأطفال.