الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ويسعى الطفل في هذه المرحلة إلى المنافسة ويعشق قياس قوته وقدراته بقدرات الآخرين.
وبذلك فإن النمو الحركي يصل في هذه المرحلة إلى ذروته، وكثيرًا ما تعتبر الفترة المثلى للتعلم الحركي، وينطبق ذلك في المقام الأول على تميز الطفل بالرشاقة والمهارة والقدرة على سرعة الاستجابة والمواءمة بارتباطها بالشجاعة والجرأة والحماس للتعلم.
النمو غير المنتظم:
إن معلوماتنا عن الأنماط الطبيعية للنمو الجسمي والحركي مكنتنا من وضع أساس لتمييز حالات النمو غير المنتظم Atypical Devopmenty. ولا يقتصر الأمر هنا على تشخيص الأطفال المعوقين جسميًا أو عقليًا بدرجة كبيرة. إن اهتمامنا بالأطفال الذين يبدون نقصًا في التناسق الجسمي الطبيعي أو الذين يواجهون صعوبات في نقل الأرقام الهندسية أو حالات التأزر بين العين واليد غير الكاملة التحديد، أو يجدون صعوبة في تعلم القراءة أو في مواجهة مسائل حسابية معقدة. ومثل هؤلاء الصغار ويطلق عليهم عادة الأطفال المعوقين في التعلم الذين يبدون قدرة عقلية عامة ونموًا جسميًا غير سويين وإن كان ذلك في حدود المعايير الطبيعية. والمفروض طبقًا لكل المؤشرات القياسية، أن ينموا نموًا طبيعيًا.
وقد قدمت افتراضات عديدة حول أسباب العجز في التعلم ابتداء من الأسباب البيئية البحتة إلى الأسباب التكوينية الوراثية. وقد وضح جيزل Gesill وزملاؤه، وإلج وامس Ilg & Ames، تفسيرات بيولوجية تستند إلى تكامل الحركية العصبية، أي التناسق "التآزر" بين الوظائف الحركية والوظائف الإدراكية. وطبقًا لهؤلاء، فإن هذه الوظائف مبرمجة وراثيًا وتحتاج لفرصة للتعبير من خلال الإثارة البيئية أن الإمداد البيئي المرتد من الأفعال التي تؤدى، والإثارة التالية للتركيب العضوي تؤدي إلى زيادة تكامل الأجهزة. وكما ذكرنا أنفًا فإن المشي إنجاز معقد يتطلب التكامل والتأزر بين عضلات متعارضة وسيطرة عصبية "ضبط عصبي".
وكان من الممكن أن نضيف أن الأطفال يجب أن يتعلموا أيضًا كيف يحددون مواقعهم في الفضاء وأن يكونوا مدراكات فضائية مسافية "مكانية""الأمر الذي يساعد على تجنب سكب اللبن أو إسقاط فازة ثمينة".
كيف إذن ينمو الأطفال نموًا غير منتظم؟ إن القرائن تدل بصفة عامة على أن هؤلاء الأطفال قد تعرضوا لإصابة قبل الولادة أو بعدها مباشرة جعلتهم في مركز يحتمل الخطر، ونشير بذلك إلى التكامل البيولوجي الخاص للطفل حديث الولادة. واحتمالات الخطر هذه تقاس بعدة طرق، بما في ذلك مقياس أبجار Apgar "1953""على اسم فرجينيا ابجار، وهي طبيبة أطفال"، وطرق أكثر حداثة طورها برازيلتون Baszelton "1973". وتستخدم هذه الوسائل في خلال الساعات الأولى بعد الولادة أو في صالة تعاطي الأم لعقاقير في أثناء الولادة، بعد أن يكون جسم الوليد قد تخلص من آثارها. وتقدم هذه الوسائل القياسية بتقييم قوة الانعكاس، والوزن عند الولادة، درجة التفكير في النضج، درجة تيقظ الطفل، وكذلك كفاءة أجهزة المحافظة على الحياة. إن الصلاحية الممتدة لهذه الوسائل توفر تفاضلًا ملائمًا بين احتمال الخطر البسيط واحتمال الخطر الكبير في الأطفال حديثي الولادة، ولكن جدواها التنبئية العامة ليست على درجة كبيرة من القوة. ومع ذلك فإن الأطفال الذين يولدون في حالة احتمال خطر كبيرة يكونون أكثر تعرضًا لمواجهة مشاكل تعليمية أكثر من الأطفال الذين ولدوا مع حالة احتمال خطر بسيطة "1986، Pasamanick & Knoblok".
والخطر يتضمن عاملان متميزان: غذاء الأم في فترة الحمل، ووزن الطفل عند الولادة "الوزن المنخفض عند الولادة، وإن كان مرتبطًا بالتبكير في الولادة إلا أنه يمكن أن يحدث أيضًا للأطفال المولودين طبيعيًا. إن غذاء الحامل له أهمية خاصة لأنه يمد الجنين بالمغذيات اللازمة للنمو الجسماني. والأغذية التي تفتقر بدرجة كبيرة إلى البروتين والفيتامينات يمكن أن تحدث إبطاء في النمو أو قد تسبب فعلًا ضررًا غير قابل للإصلاح للجهاز العصبي. ويشك بعض الباحثين مثل: برتش وجوسو Birch & Gussow "1970" في أن الضرر العصبي الناتج عن
نقص الغذاء يعد مسئولًا بدرجة كبيرة عن احتمالات الخطر الكبيرة في الوليد. وليس مما يدعو للدهشة أن النقص الغذائي، والنسبة المرتفعة لوفيات الأطفال، والولادة المبكرة، وانخفاض الوزن عند الولادة إلى غير ذلك تحدث بين الفقراء.
وهناك متغير آخر يؤثر على النمو ويسمى أنوكسيا الوليد neonate anoxia وهي حالة يعجز فيها الوليد عن الحصول على الأكسجين الكافي للإبقاء على الحياة "توقف التنفس حالة يعجز فيها الوليد عن التنفس". وأحسن الآراء الطبية تقول بأن الطفل حديث الولادة يستطيع البقاء بدون اكسجين لمدة 3 دقائق دون حدوث ضرر عصبي، ولكن إذا طالت المدة عن ذلك فإن النتائج قد تكون بالغة الخطورة. وقد حصل ستاكلر Stechler "1964" على تصريح بتسجيل الزمن الذي مضى بين ربط المشيمة Placenta "يؤدي ذلك إلى توقف سريان الدم الحامل للاكسجين إلى الجنين"، وبين ابتداء تنفس الوليد "صرخة الولادة". وقد وافقت عينة مكونة من "26" أما من نساء الطبقة المتوسطة على الاشتراك في الدراسة. ومن هذه العينة فشل "9" من الأطفال "34%"، ويشار إليهم "بأطفال التجربة"، فشلوا في التنفس في خلال الثلاث دقائق المحددة. وقد درس ستاكلر Stechler هؤلاء الأطفال لمدة ثلاث سنوات، مجمعًا لنتائج الاختبارات وعاقدًا مقابلات مع الأمهات، ولم تخبر الوالدات عن حالة أطفالهن. وتتضمن النتائج سمات عديدة ذات أهمية: فبعد أسبوعين فقط من مغادرة المستشفى أدلت أمهات أطفال التجربة ببيانات أكثر سلبية وذكرن من المشاكل ما يزيد على ما ذكرته أمهات المجموعة الضابطة "أمهات الـ 17 طفلًا طبيعيًا الباقين"، وقد زاد اختلاف أنماط نقط الاختبار لحالة الانوكسيا من جلسة اختبار إلى جلسة اختبار أخرى، وكانت معاملات الذكاء في المتوسط للمجموعتين في سن الثالثة متطابقة وأعلى من المعدل. ولسوء الحظ، فإننا لا نعرف ماذا حدث لهؤلاء الأطفال بعد دخولهم المدرسة، ولكن الدلائل المستقاة من أطفال آخرين تدل على احتمال مواجهتهم لمشاكل في التعلم.
تلك هي بعض أسباب النمو غير المنتظم أو البطيء من أن للنقص الغذائي والأنوكسيا آثارًا واضحة على النمو العصبي، كما أن الجنس "ذكر أو أنثى" له ارتباط بالنمو، فالصبيان أكثر ميلا لبطء معدلات النضج ولأنماط النمو غير
المنتظم. وليس مما يدعو للدهشة، أن البنين أيضًا أكثر احتمالًا لمواجهة مشاكل تعلم في المدرسة. ولنتذكر أننا ذكرنا في الفصل السابق أن النقص المرتبط بالجنس لدى الصبية يجعل للزيادة عنه لدى البنات.
ومع أن التفسير البيئي للفروق الجنسية في النضج أكثر تقبلًا، إلا أننا نعتقد أن هذه الفروق محددة وراثيًا. ولاشك في أن من المفهوم أن البيئة المعدلة "المدرسة" قد تساعد البنين على التلاؤم وزيادة الاستعداد للتعلم لقد نصح بعض الإكلينيكيين بأن يبدأ البنون الالتحاق بالمدرسة بعد البنات بسنة.
ما هي أنماط السلوك التي ينظر إليها علماء النفس لتحديد ما إذا كان النمو الجاري، جسمانيًا وحركيًا وعصبيًا، يتم في إطار المعدل الطبيعي؟
من الواضح أن ذلك يتوقف على سن الطفل: فعندما يكون الطفل وليدًا فإن عالم النفس قد يحدد ما إذا كانت الانعكاسات البدائية "الكفية - الإخمصية" تنحسر طبقًا للتوقيت المرتقب تقريبًا. ويمكن أحيانًا تقييم التكامل الحركي بفحص أوضاع النوم. وبعد ذلك بفترة قليلة، يمكن فحص أنماط الزحف أو الحبو وملاحظة السن عند بدء المشي.
وعندما يقترب الطفل من مرحلة السن من 4-7 سنوات، فإن الأنماط السلوكية المتاحة لاستخلاص النتائج منها حول النمو تكون أكثر تنوعًا وأكثر تعقيدًا. وعلماء النفس المهرة يفرزون بمهارة العديد من مظاهر السلوك قبل وضع التشخيص. والأداء في واحد فقط من هذه الواجبات لا يكفي لتشخيص الاختلال الوظيفي.
وقد ابتكر كيفارت Kephart "1963" واجب أو مهمة "المشي على العارضة الخشبية" walk-a-beam task وهو يتكون من لوح خشبي مقاس 2 × 4 بوصة يمتد لمسافة نحو 12-16 قدمًا، ويمكن استخدام جانب البوصتين أو جانب الأربع بوصات تبعًا لمستوى الصعوبة المطلوب. ويطلب من الطفل أن يمشي عبر اللوح، وفي نفس الوقت يثبت بصره على نقطة في الفضاء تقع أمامه مباشرة، ولا يسمح له بأن ينظر إلى أسفل لملاحظة موضع قدميه. ويتطلب الإنجاز الناجح لهذا الواجب تكاملًا بين الوظائف الفضائية والحركية. وفي تنويع أكثر تقدمًا لهذا الواجب، يجب على الطفل أن يمشي فوق العارضة إلى الخلف بينما يظل ينظر إلى الأمام -حتى الكبار يجدون هذا الواجب "المهمة" صعبًا، وإن كان معظمهم ينجحون في تأديته. ومن المكونات الهامة في هذا الواجب نمط الفعل الذي يتضمنه عندما يقع الطفل من فوق العارضة. أن بعض الأطفال يقعون بشكل يمكن أن نسميه "مكومًا". وهناك آخرون يقعون بطريقة تتسم بمزيد من السيطرة والمنهاجية، فمثلًا يدل التحليل الدقيق للصور الفوتوغرافية التي التقطت لعملية الوقوع على أن
هناك تناسقًا متكاملًا بين الذراعين والساقين. وعلى ذلك فحتى نمط الوقوع يمكن أن يقدم معلومات تتعلق بالحالة.
وثمة واجب آخر استخدمه كيفارت Kephart وهو "رسم دائرة". والشكل "21" يبين طفلًا في سن 4-5 سنوات وهو يؤدي هذا الواجب. حيث تعطى له قطعة من الطباشير في كل يد ويطلب منه الوقوف وأنفه ملامس للسبورة وهو ينظر أمامه مباشرة. ثم يطلب منه أن يرسم دوائر بكل يد في وقت واحد.
ويلاحظ أن الطفل قد رسم دائرة لا بأس بها باليد اليمنى ولكن وجد أنه يجد صعوبة كبيرة مع اليد اليسرى. علاوة على ذلك فإن الطفل قد رسم الدائرة اليسرى في مستوى أدنى من مستوى دائرة اليد اليمنى، مما يدل على عدم القدرة على تأدية الواجب بطريقة تناظرية.
ومزيد من التحليل لهذا الواجب يدل على ظاهرة أخرى هامة لهذه الأنماط السلوكية الحسية الحركية المبكرة: فالدائرة التي رسمت باليد اليمنى رسمت بحركة في عكس اتجاه عقرب الساعة، ومثل هذا السلوك يعتبر متقدمًا إلى حد ما بالنسبة لطفل في هذه السن "الواقع أن لهذا الطفل قدرة عقلية فائقة وكان قد تعلم القراءة مبكرًا". أما السبب في أن الأطفال يبدأون برسم الدوائر في اتجاه عقرب الساعة ثم يتحولون للاتجاه الآخر، فغير معروف.
ومن جهة أخرى فإن هذا الوجب يوفر دليلًا على قدرة الطفل على تنسيق نمط حسي حركي مع القدرة البصرية الفضائية "المكانية".
وهناك واجب آخر أكثر تشكيلًا ومعروف أكثر، طورته لوريتا بندر Loretta Bender "1938" وهو يتكون من 10 تصميمات هندسية "انظر شكل "22" لأحد المثيرات، ويطلب من الطفل أن ينقلها، وهنا سنجد أن الأطفال غير الناضجين يجدون صعوبة كبيرة في تأدية هذا الواجب مع أنهم يستطيعون عادة رسم دائرة، وهو إنجاز يدخل في نطاق قدرات معظم أطفال الخامسة، ويجدون صعوبة كبيرة في رسم المربع "وهو مرسوم على شكل معين".
وثمة خطأ شائع وهو رسم المعين في وضع رأسي؛ فيقوم الطفل بإدارته. وأحيانًا يؤدي الطفل ذلك بإدارة بطاقة المثير أو إدارة الورقة؛ والسلوك يذكرنا بحمامات بيل Beale's Pigeons حيث يتم التدريب على إدارة الزوايا المائلة حتى يستطيع الطفل بين تمييزها. وقد ابتكر كوبيتز Koppitz "1964" عملية تسجيل نقط تأخذ في الاعتبار موضوعات مثل الإدارة "تدوير"، وعدم القدرة على تشكيل زواياه، وعدم القدرة على تأدية أنماط سلوكية أخرى تتصل بكل من مواد الإثارة.
وقدمت أيرس Ayres "1972" افتراضًا هامًا يؤكد عمليات المداخل Vestibular Processes، أي العمليات المختصة بالقدرة على اكتشاف الحركة واستخدام الارتباطات بين الوارد الحسي والحركات الجسمية. وقد طور هذا الافتراض بدرجة كبيرة وعززه بالمستندات. ومن بين الاستدلالات التي نتجت عن هذا العمل، ومن افتراضات عصبية أخرى مشابهة تتضمن: المهارات الحركية للأطفال في مرحلة السن من 5-8 سنوات. وبالتحديد فإن للطفل يبدي نمائية مميزة في الخط "الكتابة"، والقدرة على ركوب الدراجة، وبصفة عامة في تآزر حركات الجسم المعقدة وتحويلها إلى أنماط فعل سلسة. ولنأخذ مثلًا آخر في هذا المجال: إذا سألت طفلًا في الرابعة أو الخامسة من عمره أن يقفز على قدم واحدة،