المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ثالثا: مرحلة التقليد والاستجابات اللغوية - علم نفس النمو - جـ ٢

[حسن مصطفى عبد المعطي]

فهرس الكتاب

- ‌المجلد الثاني

- ‌مقدمة

- ‌الفصل الأول: النمو الجسمي

- ‌أولا: مرحلة ما قبل الميلاد

- ‌الفترة الجنينية

- ‌الفترة الحميلية:

- ‌ثانيا: مرحلة ما بعد الميلاد

- ‌نمو الطول والوزن

- ‌ نمو الوظائف العضوية:

- ‌ التسنين:

- ‌ علاقة صحة الطفل بنموه الجسمي:

- ‌النمو

- ‌ نمو العمليات الفسيولوجية:

- ‌ الجهاز الدوري:

- ‌ نمو الغدد الصماء:

- ‌ نمو المخ:

- ‌العوامل المؤثرة في النمو الجسمي:

- ‌دور المربيين لتحقيق النمو الجسمي السليم:

- ‌الفصل الثاني: النمو الحركي

- ‌مدخل

- ‌أولًا: النمو الحركي المبكر

- ‌الخصائص العامة للنمو الحركي:

- ‌مظاهر النمو الحركي المبكر:

- ‌النضج والتدريب على المهارات الحركية المبكرة:

- ‌ثانيا: النمو الحركي في سن ما قبل المدرسة

- ‌الخصائص العامة للنمو الحركي

- ‌خصائص النمو الحركي في سنوات الطفولة المبكرة

- ‌ثالثا: النمو الحركي لطفل المدرسة الابتدائية

- ‌مدخل

- ‌النمو غير المنتظم:

- ‌العوامل المؤثرة في النمو الحركي:

- ‌دور الوالدين والمربين في رعاية النمو الحركي:

- ‌خلاصة:

- ‌الفصل الثالث: نمو الإدراك الحسي

- ‌الإدراك الحسي فطري أم متعلم

- ‌المبادئ الأساسية للارتباط الشرطي والإدراك

- ‌مدخل

- ‌الارتباط الشرطي التقليدي "الكلاسيكي

- ‌الارتباط الشرطي الإجرائي:

- ‌الاهتمام الإدراكي

- ‌مدخل

- ‌التعود:

- ‌طرق دراسة الانعكاس التوجيهي والتعود:

- ‌القدرة الحسية المبكرة

- ‌القدرة البصرية

- ‌ القدرة السمعية:

- ‌ الإحساس التذوقي والشمي:

- ‌السلوك الإدراكي والنمو

- ‌إدراك الشكل

- ‌ إدراك العمق:

- ‌ ثبات الحجم والشكل:

- ‌ توجيه المثير:

- ‌التكامل الإدراكي

- ‌النمو فيما بين الحواس

- ‌ التمثيل المكاني:

- ‌ السلوك الإدراكي الحركي:

- ‌خلاصة:

- ‌الفصل الرابع: النمو اللغوي

- ‌اللغة ووظائفها:

- ‌النمو اللغوي المبكر

- ‌مدخل

- ‌أولًا: مرحلة الاستجابات المنعكسة

- ‌ثانيًا: مرحلة المناغاة

- ‌ثالثًا: مرحلة التقليد والاستجابات اللغوية

- ‌رابعًا: مرحلة الكلام

- ‌خامسًا: نمو مفردات الطفل

- ‌النمو اللغوي لطفل المرحلة الابتدائية

- ‌نمو المحصول اللفظي

- ‌ نمو التراكيب اللغوية:

- ‌ نمو مهارات الاتصال:

- ‌ مهارة القراءة:

- ‌ الكتابة:

- ‌رعاية النمو اللغوي

- ‌رعاية النمو اللغوي لطفل ما قبل المدرسة

- ‌التطبيقات التربوية لرعاية النمو اللغوي لطفل المدرسة الابتدائية:

- ‌الفصل الخامس: النمو الانفعالي

- ‌مدخل

- ‌وجهات نظر في تفسير النمو الانفعالي

- ‌مدخل

- ‌أولًا: المفاهيم البيولوجية

- ‌ثانيًا: المفاهيم الثقافية

- ‌ثالثًا: الإجراءات المعرفية

- ‌تطور الاستجابات الانفعالية

- ‌المرحلة الجنينية والمهد

- ‌ الانفعال خلال السنة الأولى من العمر:

- ‌ الانفعال خلال السنة الثانية من العمر:

- ‌ سنوات الطفولة المبكرة:

- ‌ مرحلة الطفولة الوسطى والمتأخرة:

- ‌ مرحلة المراهقة:

- ‌التباين في نمط الاستجابات الانفعالية:

- ‌العوامل المؤثرة في النمو الانفعالي:

- ‌الخصائص المميزة لانفعالات الأطفال

- ‌مدخل

- ‌انفعالات الوليد:

- ‌ظهور استجابات انفعالية محددة

- ‌الانفعالات بعد مرحلة الطفولة المبكرة:

- ‌العلاقة الوجدانية المعرفية:

- ‌الفصل السادس: تطور بعض الانفعالات في الطفولة

- ‌الخوف

- ‌مدخل

- ‌المخاوف في مرحلة الطفولة المبكرة:

- ‌الخوف لدى الأطفال الأكبر سنًا:

- ‌الأسباب الرئيسية للتباين في نمط الخوف هي:

- ‌السن وأنواع الخوف:

- ‌تعلم الخوف:

- ‌الأنماط الانفعالية المرتبطة بالخوف

- ‌الخجل

- ‌ الحرج أو الارتباك:

- ‌ الانشغال:

- ‌ القلق:

- ‌الغضب

- ‌فهم الغضب

- ‌مثيرات الغضب:

- ‌استجابات الغضب:

- ‌الغيرة

- ‌مصادر المواقف التي تنشأ عنها الغيرة

- ‌استجابات الغيرة:

- ‌ الأسى:

- ‌الانفعالات الإيجابية

- ‌مدخل

- ‌تننشيط النمو الانفعالي

- ‌السيادة الانفعالية

- ‌الفصل السابع: التفاعل بين الوالدين والطفل

- ‌مدخل

- ‌الأبحاث المبكرة في أساليب تربية الطفل

- ‌مدخل

- ‌ السيطرة الوالدية:

- ‌تربية الطفل وإساءة معاملته

- ‌تعريف إساءة معاملة الطفل

- ‌معدل حدوث إساءة معاملة الطفل:

- ‌أسباب إساءة معاملة الطفل:

- ‌أثر هذا الأسلوب في سلوك الأطفال:

- ‌نمو الارتباط "التعلق" الوالدي

- ‌مدخل

- ‌نظريات التعلق:

- ‌دور تطور التعلق الاجتماعي

- ‌التعلق والاستكشاف:

- ‌التنشئة الاجتماعية والتعلق الاجتماعي:

- ‌الأم والتعلق:

- ‌الأب والتعلق:

- ‌نتائج التعلق:

- ‌ الانفصال:

- ‌الاعتمادية

- ‌مدخل

- ‌تعريف وقياس الاعتمادية:

- ‌وسائل تربية الطفل والاعتمادية:

- ‌العدوانية

- ‌التعريف

- ‌فروق السن والجنس:

- ‌العدوانية وأساليب تربية الطفل:

- ‌النماذج العدائية:

- ‌الخلاصة:

- ‌الفصل الثامن: العلاقة بالأقران

- ‌مدخل

- ‌صعوبات دراسة علاقات الأقران:

- ‌جماعات الأقران واللعب

- ‌اللعب الفردي

- ‌ اللعب الجماعي:

- ‌العوامل المؤثرة في اللعب بين الأقران:

- ‌تكوين جماعات الأقران:

- ‌تقبل الأقران

- ‌مدخل

- ‌عوامل التقبل

- ‌الأقران وعملية التطبيع الاجتماعي

- ‌مدخل

- ‌ التوحد:

- ‌ التعلم

- ‌ تعلم الأدوار:

- ‌ الأقران كمرجع للحقيقة:

- ‌ الامتثال لمعايير الجماعة:

- ‌ التعاون:

- ‌ التنافس:

- ‌ العدوان:

- ‌الشعبية بين الوفاق

- ‌خلاصة:

- ‌الفصل التاسع: النمو الخلقي

- ‌مدخل

- ‌اكتساب السلوك والتفكير الخلقي:

- ‌السيطرة التنظيمية للوالدين والنمو الخلقي

- ‌مدخل

- ‌بحث هوفمان وسالتز شتاين:

- ‌تأييد نتائج دراسة هوفمان وسالتز شتاين:

- ‌السيطرة التنظيمية والنمو الأخلاقي: "البحث المعملي

- ‌الضوابط الخلقية:

- ‌مصادر الضبط الاجتماعي والتنشئة الاجتماعية

- ‌الأسرة

- ‌ جماعة الأقران:

- ‌ الأفكار الدينية والدين:

- ‌المراجع:

- ‌فهرس:

الفصل: ‌ثالثا: مرحلة التقليد والاستجابات اللغوية

2-

الشعور بالمقدرة أو الإحساس بالقدرة:

نتيجة لقدرة الطفل على إحداث الأصوات عن قصد على النحو السابق، يبدأ الطفل بالشعور بالمقدرة والإحساس بأنه قادر على إحداث الأصوات التي يسمعها. هذا العامل الوجداني الهام يدفع الطفل لمواصلة الجهد والاستمرار في القيام بالمحاولات. فعملية إصدار الأصوات عملية مجهدة وتحتاج لمواصلة الجهد والبذل.

3-

التعزيز أو التدعيم الخارجي External Reinforcement:

هناك عامل آخر لا يقل أهمية وهو سماع الطفل لأصوات مشابهة تنطقها الأم أو غيرها من المحيطين به، وتشبه إلى حد ما الأصوات التي ينطقها هو، فالأم عندما تسمع طفلها يناغي، تبدأ سعيدة في ترديد الأصوات التي يصدرها، وبذلك تعطيه استثارة أبعد مدى وأقوى على مستوى التفاعل الاجتماعي المتبادل بين الطفل والبيئة "ليلى كرم الدين، 1990".

ص: 164

‌ثالثًا: مرحلة التقليد والاستجابات اللغوية

تبدأ هذه المرحلة عند العاديين من الأطفال في أواخر السنة الأولى أو أوائل الثانية، وتنتهي في الخامسة أو السادسة أو السابعة، وأما الأطفال غير العاديين من الناحية اللغوية فقد لا تبدأ لديهم إلا في أواخر الثانية أو أوائل الثالثة، ويتأخر تبعًا لذلك موعد انتهاءها. وعند بعض الشواذ من الأطفال لا تبدأ إلا في سن متأخرة جدًا، وقد تبدأ في حالات نادرة في سن مبكرة جدًا. "ماير، 1979".

ويلاحظ أن تقليد الطفل لأصوت البالغين يكون في البداية تقليد غير دقيق وغير محكم، ولكن مع مواصلة التقليد تقترب الأصوات التي يصدرها الطفل تدريجيًا من أصوات البالغين من حوله. "ليلى كرم الدين، 1990".

وتعد المحاكاة من العوامل المهمة في تعلم اللغة، وبذلك يتسم الأطفال بفروق واضحة عن غيرهم من حيث القدرة على إخراج الأصوات، ويبدأ الأطفال الأسوياء في نهاية السنة الأولى بإخراج أصوات بعضها شبيهة بالكلمات التي ينطق بها الكبار المحيطون بهم. ويؤكد الكثير من الباحثين بأن بزوغ فترة المحاكاة يكون غالبًا في الربع الأخير من السنة الأولى.

ص: 164

وقد وجد "سيجموند" Sigmond بدراسته التتبعية أن الطفل يبدأ المحاكاة عند سن 11 شهرًا، وأن أول كلمة استطاع محاكاتها بشكل متطابق كانت في عمر 14 شهرًا، ويحدد سيجموند" أربعة أنواع من التقليد هي: تقليد تلقائي "لا إرادي"، تقليد مع فهم، ودون فهم. وتسير المحاكاة اللغوية في هذه المرحلة على أساليب خاصة بعضها يتعلق بالأصوات وبعضها يتعلق بالدلالة، وسنتكلم على كل منهما على حدة:

1-

الأساليب المتعلقة بالأصوات، ومن أهمها ما يلي:

أن الطفل يحاكي في بادئ الأمر الكلمات التي يسمعها محاكاة غير صحيحة ويظل يصلح من نطقه شيئًا فشيئًا، مستعينًا بالتكرار، ومعتمدًا على مجهوده الإرادي، ومستفيدًا من تجاربه، حتى تستقيم له اللغة. ومظاهر أخطائه في هذه الناحية كثيرة من أهمها ما يلي:

أ- أنه يغير الأصوات فيحل محل الصوت الأصلي صوتًا آخر قريبًا منه في المخرج أو بعيدًا عنه "يغلب أن تكون قريبًا منه"، فينطق مثلًا الكاف تاء. فقد يقول "تتاب بدلًا من كتاب"، "الستينة بدلًا من السكينة

إلخ". وقد ينطق الشين بدلًا من السين، فيقول سعر بدلا شعر

إلخ".

ويظل يبدل بعض الحروف صعبة النطق عليه بغيرها من الحروف الأسهل، وقد ينال هذا التغيير معظم حروف الكلمة فلا يكاد يبقى فيها شيء من أصواتها الأصلية فقد يقال مثلًا:"ساساته بدلًا من شوكولاته".

ب- أنه قد يحرف أصوات الكلمة عن مواضعها فيجعل اللاحق منها سابقًا والسابق لاحقًا. فيقول مثلًا "امسوا" بدلًا من "اسمه"، وقد يقول "جمزه" بدلًا من "جزمه" أي [حذاء]

وهكذا.

وغالبًا ما ترجع هذه الأخطاء الصوتية جميعًا إلى ضعف أعضاء النطق عند الطفل في بداية هذه المرحلة، بالإضافة إلى إدراكه السمعي، وقلة مرانه. وكلما تقدمت به السن، اشتدت أعضاء صوته، وقويت حاسة سمعه وقويت ذاكرته، وتحسن نطقه وقلت أخطاؤه.

ص: 165

يولع الطفل في بداية هذه المرحلة بما كان مولعًا به في المرحلة السابقة من تكرار المقطع أو الكلمات عدة مرات، فيظل يردد بابابا، أي "بابا". أو يظل يردد ماماماما ويعني "ماما"، وهكذا في معظم الكلمات. وهذا راجع إلى أسباب كثيرة منها: أن الطفل يحاول بذلك أن يثبت الكلمات في ذاكرته، ويمكن لها من أعضاء نطقه حتى يسهل عليه حفظها والنطق بها فيما بعد عند الحاجة إليها، ومنها أن النشاط الحركي يتجه دائمًا إلى الأشكال المتماثلة والأوضاع المتشابهة، ومنها أن وقف الحركة فجأة يتطلب مجهودًا أكبر من المجهود الذي يتطلب استمرارها. فالطفل بتكراره هذا يميل بفطرته إلى أخف المجهودين.

جـ- وفي بداية هذه المرحلة يضع الطفل في معظم الكلمات التي يقلدها الأصوات نفسها التي كان يغلب عليه تكرارها في مرحلة "التمرينات النطقية". فإذا كان في تمريناته النطقية يغلب عليه تكرار مقطع "با" مثلًا، فإنه يضعه في معظم الكلمات التي يحاول محاكاتها في فاتحة تقليده اللغوي، فيقول مثلًا:"باويت" قاصدًا "بسكويت"، وهذا مظهر من مظاهر ما يسميه علماء النفس "مقاومة القديم للجديد" أو "آثار العادات اللغوية".

د- وفي بداية هذه المرحلة تكثر في لغة الطفل أصوات اللين "حروف المد" وتقل الأصوات ذات المقاطع "الحروف الساكنة"، فيحذف بعض الأصوات الساكنة من الكلمة ويضم عليها أصواتًا لينة غريبة عنها فيقول:":كابا" بدلًا من كلب"

إلخ.

هـ- وفي أوائل هذه المرحلة في أواخر السنة الثانية تقريبًا" يظهر لدى الطفل ما يصح أن نسميه "بالمحاكاة الموسيقية للعبارات"، فيحاكي الطفل أحيانًا بعض العبارات التي يسمعها مجرد محاكاة موسيقية، بأن يلفظ أصواتًا مبهمة تمثل في تنغيمها موسيقى العبارة التي يريد محاكاتها بدون أن تشتمل على كلماتها وكأنه يحول قطعة شعرية إلى قطعة موسيقية حيث يصدر أنغامًا واضحة دون كلمات.

ص: 166

و وفي مبدأ هذه المرحلة يسير الطفل ببطء كبير في محاكاته، فقد تمضي أشهر بدون أن يستطيع النطق بأكثر من محاكاته، وقد تمضي أشهر بدون أن يستطيع النطق بأكثر من بضع كلمات مع أنه يكون فاهمًا لمعظم ما يسمعه وما يقال له، ثم تحل عقده لسانه مرة واحدة، وحينئذ يسير في هذا السبيل بخطى حثيثة لدرجة يصعب معها على من يلاحظه أن يحصي ما يدخل في متن لغته كل يوم من كلمات جديدة.

ز- وفي وسط هذه المرحلة وأواخرها تصل قوة التقليد اللغوي عند الطفل في مهارتها ودقتها ونشاطها وغزارة محصولها وأهميتها وسيطرتها على النفس إلى أقصى ما يمكن أن تبلغه قوة إنسانية، ففي هذا الدور لا يدع الطفل أي كلمة أو جملة جديدة يسمعها أو يطلب إليها محاكاتها بدون أن يحاكيها، وأن عاقه طول جملة عن تكرارها نجده يحاكي ما يعلق بذهنه من كلمات وبخاصة آخر كلمات الجملة.

ولا يقتصر الطفل على تقليد الكلمات والجمل التي يدريه عليها المحيطون به، بل يحاكي كذلك من تلقاء نفسه كثيرًا من الكلمات التي ترد في محادثات الكبار على مسمع منه، حتى الكلمات الدقيقة منها. ويحرص الطفل كل الحرص على ما يحصل عليه من مفردات وعبارات.

وكثيرًا ما يبلغ به هذا الحرص أن يكرر هذه المفردات والعبارات في خلوته، ويؤلف من شتاتها أغاني وجملًا غير ذات دلالة ولكن يكون لها تأثير في تثبيت هذه الكلمات أو الجمل في ذهنه.

ولمهارة الطفل في التقليد اللغوي في أثناء هذه المرحلة، ولشدة ميله إلى التقليد: يستطيع أن يتعلم بسرعة وسهولة عن طريق المحاكاة أية لغة أجنبية إذا أتيحت له فرصة الاختلاط بالمتكلمين بها، ولكن يكون ذلك على حساب لغته الأولى حيث تقابل الطفل صعوبات كثيرة في تعلم المفاهيم اللغوية المرتبطة بلغته القومية، فما بالنا بالمفاهيم اللغوية التي يكون عليه اكتسابها عند تكلمه للغة أجنبية. فمن الملاحظ أن تعلم الطفل لغة أجنبية في مثل هذه السن

ص: 167

يؤثر تأثيرًا سلبيًا على اكتسابه للمفاهيم اللغوية الخاصة بلغته القومية، وكذلك يؤدي إلى الخلط بين مثل هذه المفاهيم والمفاهيم الخاصة باللغة الأجنبية. وقد وجد ويلسون "1981 Wilson" في دراسة أجراها في نيجيريا الغربية حول ما إذا كان التلاميذ يتعلمون بشكل أفضل إذا تلقوا التعليم بلغتهم الأصلية طيلة مرحلة الدراسة الابتدائية، أو إذا تحولوا إلى اللغة الإنجليزية في الصف الرابع الابتدائي، فكانت المواد تكتب باللغة القومية للمدارس التجريبية وتترجم للإنجليزية للمدارس العادية، وكذلك كان الامتحان موحدًا إلا أنه كان باللغة القومية للمدارس التجريبية وباللغة الإنجليزية للمدارس العادية أي لمن يدرسون بها. وكانت النتيجة أن جميع التلاميذ الذين تعلموا بلغتهم الأصلية قد أجادوا في جميع الاختبارات بصوة مطردة وتفوقوا على أقرانهم الذين تعلموا باللغة الإنجليزية.

وفي هذا يختلف الكبار عن الصغار اختلافًا كبيرًا، فمهما بذل الكبار في تعلم لغة أجنبية من مجهود، ومهما طالت مدة إقامتهم بين أهلها، فإنهم لا يصلون في إجادتها من الناحية الصوتية إلى الدرجة التي يصل إليها الصغار في هذا الدور. والسبب في ذلك راجع إلى أن الطفل يلبي في محاكاته دواعي غريزية، ويسلك بهذا الصدد طريقا محببًا إليه.

ح- ولا يقتصر نشاط الطفل التقليدي في هذه المرحلة على الأصوات اللغوية، بل يمتد كذلك إلى ما عداها من الأصوات، كأصوات الحيوان والطيور، ومظاهر الطبيعة والأصوات الشاذة وأصوات المصابين بعاهات في النطق، والأصوات التي تحدثها الأفعال كأصوات الضرب والقرع والسقوط وما إلى ذلك، والأطفال في هذه الناحية أمهر كثيرًا من الكبار، فقد لاحظ تاين Taine أن الأطفال في هذه المرحلة أدق وأمهر من الكبار في محاكاة أصوات الحيوان في صورتها الطبيعية.

2 أهم الظواهر المتعلقة بالدلالة في هذه المرحلة الأمور الآتية:

أ- على الرغم من أن فهم الطفل لمعاني الكلمات يبدو لديه في المرحلة السابقة لمرحلة التقليد -كما تقدمت الإشارة إلى ذلك- فإن درجة فهمه تظل مدة طويلة ضعيفة وغير دقيقة، ويبدو هذا في مظاهر كثيرة أهمها ما يلي:

ص: 168

- أنه في أوائل هذه المرحلة يستخدم الكلمات القليلة التي يستطيع النطق بها استخدام واسعًا يدل على عدم دقته في فهم مدلولاتها، فيحمل كل منها من المعاني أكثر مما تحتمله، ويستخدمها في غير موضعها، حيث أن تكوين المفاهيم لديه لا تزال قاصرة، وهذا ما يجعله يعبر عن أمور لا صلة لها بمعناها الأصلي، فينطق مثلا:"كاكا" على الدجاجة وعلى الإناء الذي تقدم فيه وعلى الطاهي الذي يعدها والمطبخ التي تعد فيه.. إلخ.

وهذا التوسع في الاستعمال لا ترجع أسبابه دائمًا إلى ضعف الفهم وعدم الدقة في إدراك المدلولات بل يرجع أحيانا إلى ضآلة محصول الطفل في الكلمات في بداية عمره وحاجته إلى التعبير على أي وجه.

- أنه في أوائل هذه المرحلة يطلق اسم الجنس على غير أفراده، لمجرد وجود أدنى مشابهة فيقول "ماما" على جميع السيدات، و"بابا" على جميع الرجال، حيث أن نموه لا يسمح له بالتخصيص بين أفراد الجنس الواحد، وكلما تقدمت سن الطفل وكثر محصوله اللغوي يزداد فهمه وقدرته على التمييز وتتحدد معاني الكلمات لديه، فيتخلص من التعميم، وتتميز لديه الأجناس بعضها عن بعض، فيطلق على أفراد كل منها الاسم الخاص به. وهذا يتفق مع مبدأ هام في النمو وهو أن النمو يسير من العام إلى الخاص.

ب وفي أوائل هذه المرحلة تبدو لغة الطفل بعيدة عن الصرف والاشتقاق فكل كلمة من كلماته تلازم شكلا واحدا، وتدل في شكلها هذا على جميع ما يشتق منها ويتصل بها.

ومع تقدم الطفل في هذ المرحلة يدرك العلاقة بين الأشكال المختلفة لبنية الكلمة وتغيير معناها أو زمنها، فتظهر حينئذ عناصر الصرف والاشتقاق في لغته.

جـ- وفي مبدأ ظهور هذه العناصر يميل الطفل إلى القياس والسير على وتيرة واحدة حيال جميع الكلمات، فنراه مثلًا يتبع طريقة واحدة في التأنيث، فيقول عند تأنيث بعض الكلمات مثل: خروف: خروفة، حصان: حصانة، أحمر:

ص: 169

أحمرة، أبيض: أبيضة، وما إلى ذلك، مثلما يقول قط: قطة، كبير: كبيرة.

د- يفتتح الطفل في هذه المرحلة بالنطق بكلمات مفردة قاصدًا بها التعبير عما يعبر عنه بالجمل: فيقول مثلًا: "باب" قاصدًا افتح الباب، و"شباك" قاصدًا اقفل الشباك. والأم غالبًا ما تفهم غرضه من السياق والظروف المحيطة به والإشارات اليدوية والجسمية التي تصحب كلامه، ويختار الطفل عادة للتعبير عن الجملة الكلمة التي يجيد النطق بها أو الكلمة التي تسبق غيرها إلى لسانه، ولو لم تكن ذات أهمية في المعنى الذي يريد تقريره. أما تركيب الجمل تركيبًا كاملًا فلا يصل إليه الطفل إلا في أواخر هذه المرحلة.

هـ- وفي مبدأ ظهور الجملة في لغة الطفل تبدأ عادة خالية من الروابط والحروف ويبدأ الطفل بتركيبات ساذجة للجملة حيث تبدو كلماتها بدون تنسيق ولا ترتيب، إذ أنه يضع بعضها بجانب بعض كيفا اتفق.

وقد يرتب الطفل أحيانًا كلمات جميلة بشكل يتفق مع ما لكل منها من أهمية في نظره فيبدأ بأكبرها أهمية ويتدرج حتى ينتهي بأقلها شأنًا.

و وتتأثر مفردات الطفل وتراكيبه وقواعدها في هذه المرحلة بأكثر الأفراد مخالطة له وأحبهم إليه من أفراد أسرته وإخوته الأكبر منه، ويغلب على لغته مظاهر التقليد لهؤلاء حتى أن لغته تكاد لا تختلف في معظم هذه المرحلة عن لغتهم.

ومن خلال هذا التقليد للغة الكبار ينتقل إلى لغة الطفل ويعلق بها بعض أخطاء في المفردات والقواعد والأساليب حتى الأخطاء التي تكون ناشئة عن خلل في أعضاء النطق للشخص الذي يقلده الطفل، وتظل هذه الأخطاء ملازمة للطفل أمدًا طويلًا، فمثلًا نجد أن البنت تعبر عن نفسها بصيغة المذكر فتقول مثلًا "أنا نازل"، "أنا طالع"، "أنا خارج" بدلًا من "أنا نازله"، "أنا طالعه"، و"أنا خارجه". وهذا يرجع إلى أن هذه البنت تحاكي أخاها أو آباها مثلًا، أو أي جنس ذكر آخر من المحيطين بها.

ص: 170

"ز" وأول كلمات تبدو عند معظم الأطفال هي أسماء الذوات لأن الطفل يتعلم من خلال حواسه لذلك يبدأ بالمحسوسات، ثم الصفات، ثم الضمائر. ولعدم وجود الضمائر في لغة الطفل في بداية هذه المرحلة نراه يعبر عن نفسه باسمه العلم فيقول مثلا "فيفي مم" أي "فيفي تريد أن تأكل". ولا تظهر الحروف وما يشبهها من الظروف وأسماء الشروط إلا في منتصف هذه المرحلة أو آخره. ولذلك تظهر جمل الطفل في المبدأ خالية من الروابط والحروف كما سبقت الإشارة إلى ذلك. والسبب في هذا راجع إلى أن الطفل يسير في ارتقائه اللغوي وفقًا لارتقاء فهمه.

ح- يكثر في لغة الطفل في أوائل هذه المرحلة الكلمات المأخوذة عن أصوات الحيوان والأشياء، والتي يقصد بها التعبير عن مصادرها أو عن أمور تتصل بها:"ماء للخروف"، كاكا" للدجاجة"، أأه للضرب"، "مم" للأكل".

وقد ثبت أن بعض هذه الكلمات يصل إليها الطفل بنفسه دون تلقين الكبار.

طـ- يعتمد الطفل في معظم هذه المرحلة اعتمادًا كبيرًا على لغة الإشارات فيمزجها بلغته الصوتية لتحديد مدلولها، وتوضيح ما بها من إبهام وتكملة نقصها، وتمثيل حقائقها. وقد يستخدمها وحدها في التعبير عما يود التعبير عنه، ويكثر هذا لديه قبل ظهور اللغة، أي قبل دخوله مرحلة التقليد وفي أوائل هذه المرحلة. "على عبد الواحد وافي، د. ت".

ص: 171