الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل التاسع: النمو الخلقي
مدخل
…
الفصل التاسع: النمو الخلقي
مقدمة:
يعتبر النمو الخلقي أحد أهم مظاهر النمو الاجتماعي ونمو الشخصية عند الفرد، ويكتسب هذا الجانب أهمية خاصة في المجتمعات المعاصرة بشكل عام، وفي المجتمعات النامية بشكل خاص، ولن نكون مبالغين إذا قلنا أن كثيرًا من مشكلات مجتمعنا الراهنة هي مشكلات أخلاقية في صميمها، فما يدور حوله الحديث على كل لسان الآن من نفاق الكثيرين من الناس ومظاهر التسيب والإهمال والفساد والاستغلال وانحرافات الشباب وغيرها، إنما هي جميعًا تعبر عن أزمة خلقية، وعن قصور في نمونا الخلقي. "عبد الفتاح حجاج، 1985، 147".
ويخضع الجانب الخلقي من بنية الشخصية لعملية نمو، شأنه في ذلك شأن الجوانب الأخرى للشخصية، هذه العملية قوامها تشرب الطفل ومسايرته للنظم الخلقي للجماعة الاجتماعية التي ينشأ فيها، أي قوامها عملية استدخال للأحكام والمعايير الخلقية السائدة في جماعته. "طلعت منصور 1982، 69".
ويعبر النمو الخلقي عن التغيرات النوعية التي تطرأ على الأحكام الخلقية للفرد أثناء فترة نموه، ولعل الأهمية القصوى للأخلاق تأتي من كون الأخلاق عنصرًا أساسيًا من عناصر وجود المجتمع وبقائه، ومقومًا جوهريًا من مقومات كيانه وشخصيته، فلا يستطيع أي مجتمع أن يبقى ويستمر دون أن تحكمه مجموعة من القوانين والقواعد تنظم علاقات أفراده بعضهم ببعض، وتكون لهم بمثابة المعايير المعتمدة في توجيه سلوكهم وتقويم انحرافهم. وبذلك يمكن القول بأن المبادئ الأخلاقية تهدف إلى تقوية العلاقات الاجتماعية وتعزيز تكيف الفرد مع نفسه والتصرف وفق معتقداته الخاصة. "محي الدين توق، 1980، 24".
ويشير مصطلح الأخلاق في علم النفس إلى ثلاثة معانٍ رئيسية، فهو من ناحية يستعمل للإشارة إلى مقاومة الأغراء أو للحد من السلوك الخاطئ الذي يؤدي إلى إشباع حاجة أو تحقيق فائدة لدى الفرد، ومن ناحية أخرى يشير إلى المعايير الذاتية لدى الفرد والتي تعتبر ضابطًا لسلوكه، حيث تؤدي دور السلطة في تحديد سلوكه وأحكامه الخلقية حتى في غياب السلطة الخارجية، ومن ناحية ثالثة يشير
إلى السلوك الذي يقوم به الفرد معتمدًا في الأساس على الأحكام والمبادئ التي يتقبلها عقليًا ومنطقيًا، أي أن تقبله لهذه المبادئ يعتمد على فهمه لها بحيث تصبح مرشدًا له في سلوكه. "توق وأرناؤوط: 1985، 127".
والخلق Morality يعني مجموعة العادات والآداب المرعية ونماذج السلوك التي تطابق المعايير السائدة في المجتمع، فالقيم الأخلاقية التي تتقبلها جماعة من الجماعات قد ترفضها جماعة أخرى تعيش في نفس المجتمع، وقد يحدث أن تتغير تلك القيم من وقت لآخر على حسب ما تتعرض له البيئة من تطور، وبالتالي على الفرد إذا أراد أن يعيش في وئام مع الجماعة التي ينتمي إليها، عليه أن يتعلم الشرائع والدساتير الخلقية في تلك البيئة ويعمل وفقًا لها. "مصطفى فهمي 1979، 276".
وتشير الأخلاقية إلى نسبية الخير في الأفراد كما ينعكس في سلوكهم ومعتقداتهم، ولقد ميز كولبرج Kohlberh بين ثلاثة مظاهر للأخلاقية: أولها مظهر سلوكي ينعكس في قدرة الفرد على مقاومة الإغراء وثانيها مظهر انفعالي وهو يتعلق بما ينتاب الفرد من مشاعر الذنب والقلق عند انتهاكه للقواعد الخلقية أو الإتيان بسلوك غير خلقي حيث ترتبط زيادة الأخلاقية بزيادة مشاعر الذنب، والمظهر الثالث هو المظهر المعرفي ويتعلق بتقدير الأفراد للأخلاقيات في السلوك المعطى من خلال المعايير الشخصية للخير والشر التي يحكم بها على سلوك الفرد. "Lefrencais j 1979 281".
وفي المعجم الوسيط أن الشخص الأخلاقي هو الذي يتصرف وفق قواعد الأخلاق أو قواعد السلوك المقررة في المجتمع، وعكسه لا أخلاقي، ولعل من أهم وظائف التنشئة الاجتماعية نقل المعايير الأخلاقية وتدعيمها وتعزيز السلوك الحميد وعلى الرغم من اختلاف القيم الأخلاقية من مجتمع إلى آخر إلا أن جميع المجتمعات لديها معايير للصواب والخطأ، وعلى الطفل أن يتعلم هذه القواعد أو تلك المعايير ويتوقع منه أن يشعر بالذنب إذا انتهك هذه القواعد، وأن يشعر بالرضا عندما ينجح في الامتثال لها. ففي بداية حياة الطفل يلتزم بالقواعد الأخلاقية خوفًا