الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
2-
إدراك العمق:
في موضوع سابق من هذا الفصل وصفنا المعالجة الفطرية والاختبارية للإدراك وقد لاقت الأبحاث التي تتعلق بإدراك العمق كثيرًا من قوة دفعها الأصلية من هذا الجدل، وهي أبحاث بدأت من أواخر القرن 19، وقد راجع والك walk "1966" الكثير من الأبحاث المبكرة التي أجريت على الحيوانات، واستنتج أن كثرة الأدلة تدل على -بصفة عامة- أن للحيوانات قدرة كامنة على تمييز العمق. ويتحفظ والك walk في استنتاجه، فهو لا يؤكد أن كل الحيوانات تستطيع أن تدرك العمق بعد ولادتها مباشرة. علاوة على ذلك فهو يدلل على أن الحيوانات التي ربيت لفترة طويلة في الظلام تفقد قدرتها على تمييز العمق بصريًا. وأخيرًا فإن بعض الأنواع "القطط والأرانب" يجب على الفرد منها أن يتفاعل مع البيئة قبل أن يتمكن من إدراك العمق.
وقد قامت إلينور جيبسون Eleaner Gibson من جامعة كورنيل بإجراء سلسلة من التجارب على إدراك العمق مستخدمة أطفالًا حديثي الولادة أن المشكلة في إجراء مثل هذا البحث هي بالطبع أن الأطفال الصغار لا يستطيعون التعبير عن إدراكهم باللفظ. وقد ابتكر جيبسون ووالك Gibson & Walk "1960" جهازًا يتكون أساسًا من منضدة واسعة ذات سطح زجاجي أسماه "السفح المرئي" The Visual Cliff، وهو مبين بالشكل "37". ويتكون الجهاز أساسًا من منضدة ذات سطح زجاجي كبير 6 × 8 أقدام، أرتفاعه 40 بوصة وتحيط بالسطح حافة ارتفاعها "8" بوصة لتجنب سقوط الطفل من فوق المنضدة. ويمتد الزجاج على طول سطح المنضدة، ولكن تصميم الجهاز جعل بحيث يوحي بأن أحد الجانبين ضحل والآخر عميق. والزجاج يحول دون الطفل والسقوط إذا فضل أن يتجه نحو الجزء العميق، ولكنه يسمح له أيضًا برؤية الجانب العميق والجانب الضحل. ويوضع الطفل الصغير فوق المنضدة في حين تحاول الأم بملاطفة طفلها أن تحثه على العبور إلى الجانب العميق. وقد بلغت نسبة الأطفال دون سن 10 شهور الذين عبروا إلى هذا الجانب 43% من مجموع أطفال التجربة. ومن هؤلاء الأطفال وهم من سن 300 يوم أو أكثر، 22% فقط يعبرون في اتجاه الأم وهي عند الجانب العميق. ويستخلص والك Walk "1966، ص101" النتيجة التالية بعد إتمام عمله المكثف الذي قام به مع جيبسون Gibson:
"إن الطفل الصغير يحسن تمييز العمق، ومن وجهة النظر النظرية "للتعلم الغريزي "الفطري"" innatel-learned، فهو يميز العمق بمجرد أن يصبح
بالإمكان اختباره. ولكن آلياته البصرية لا تزال في طور النضج. وهو يميز العمق بطريقة أفضل عندما يكون هناك نمط محدد في كلا الجانبين "الضحل والعميق" منها عندما يكون أحد الجانبين غير محدد بطريقة ما، وطالما كان العمق أو المسافة على بعد كاف. وهذا القصور في التمييز تعكسه حقيقة أنه يمكن ملاحظة الطفل وحثه على عبور الجانب العميق تحت ظروف معينة، وليس تحت أي ظروف ما. وبينما يستجيب كل المفحوصين بالزحف عادة عبر الجانب العميق في حالة وجود الأنماط غير الملائمة للإثارة، فإن الأطفال الذين يقل سنهم عن 300 يوم هم الذين يتأثرون أكثر".
ويستطرد والك Walk قائلًا أن "سلوك اللامبالاة" insouciant behavior للطفل الصغير يرجع إلى نقص النمو في قدرته على التمييز. وعندما يصبح العمق مدركًا بوضوح فإن منحنى الأطفال الصغار لا يمكن ملاطفتهم لحثهم في اتجاه الجانب العميق. ومع نضج الأطفال واكتسابهم لمزيد من القدرة على التمييز، يمكنهم تمييز إشارات العمق بسهولة أكبر وبالتالي يظهرون مزيدًا من الإحجام عن العبور إلى الجانب العميق.
ومن بين الصعوبات الناجمة عن النتائج التي استخلصها جيبسون ووالك Gibson & Walk أن السفح المرئي يقتضي أن يكون الطفل قادرًا على التحرك الأفقي. وعندما يأتي الوقت الذي يستطيع فيه التحرك، لا بد وأن يكون قد تفاعل
بدرجة كبيرة مع البيئة، وبذلك يمكن أن يتعلم إدراك العمق الذي بيديه على السفح المرئي. وقد ابتكر كامبوس وزملاؤه Campos، Langer، Krowiz "1970" طريقة لتقييم إدراك العمق بحيث يمكن تجنب هذه المشكلة. وهذه الطريقة تتضمن استجابة معدل نبضات القلب، وقد استخدمت مع عينتين من الأطفال، كان متوسط عمر أطفال إحدى العينتين 106 يومًا، وأطفال العينة الثانية 55 يومًا. وبعد الحصول على المعدل القاعدي لنبضات القلب، قام الباحثون بوضع الأطفال منبطحين على بطونهم مع توجيه رؤيتهم إلى أسفل نحو السطح العميق أو نحو السطح الضحل للسفح المرئي. كانت الاستجابات القلبية للأطفال بطيئة نسبيًا على الجانب الضحل للسطح ولكنها كانت شديدة التباطؤ على الجانب العميق "تذكر أن تباطؤ النبض يؤخذ عادة كمؤشر على الانعكاس التوجيهي". والواقع أن هذه النتيجة تدعو إلى شيء من الدهشة؛ فمن الناحية المنطقية كنا نتوقع أن يبدي الأطفال عدم التباطؤ في نبضات القلب بل تسارعًا فيها، حيث أن التسارع يكون عادة مصاحبًا للخوف، ولا شك في أن الأطفال كان من الضروري أن يخشوا السقوط على الجانب العميق من السطح. ويعترف الباحثون بتناقض هذه الظاهرة وأقروا أخيرًا بأن نتائجهم في الواقع غير واضحة. ومن الواضح أن إدراك العمق يوجد فعلًا في وقت مبكر، وإن كان من غير الواضح تمامًا ما هي أبعاد الإثارة التي تحكم هذا الإدراك. هذا وقد قدم الباحثون الثلاثة الملاحظة التالية وهي تتسم بالأهمية والمعقولية:
"إن الطفل الصغير لا يبدو أنه يظهر ضيقًا يذكر من افتقاره للسند البصري على الجانب العميق في مستويات العمر التي اختبرت. وهذا يختلف كثيرًا عما كتب وصور فيلمًا من ملاحظات الحيوانات والدراسات على الأطفال الأكثر سنًا في المعمل. ويدل ذلك على أن الطفل يستطيع تمييز مثير ما ثم يمر بعملية نمائية تسمح لهذا المثير بأن يولد استجابات منفرة".