الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل الميم والنون
م ن ع:
قوله تعالى: {وظنوا أنهم مانعتهم حصونهم} [الحشر: 2] أي ظنوا أن الحصون تحجز بينهم وبين من يريدهم. والمنع- في الأصل- الحجز بين شيئين، وهو- أيضًا- ضد العطية لأن الحاجز يحجز بين المعطي والعطية. ورجلٌ مانعٌ ورجالٌ منعةٌ نحو: كافرٍ وكفرة. والمناع: البليغ في المنع، قال تعالى:{مناعٍ للخير} [ق: 25] ومنعه: حماه مما يؤذيه، ومنه:{مانعتهم حصونهم} [الحشر: 2]. وقد منع: صار ذا منعة وهي القوة التي يحمي بها، والمنعة- بالسكون- أيضًا بمعنى المنعة. وفلانٌ منيعٌ. ومكانٌ منيعٌ، أي حصينٌ على ما يرومه. وامرأة منيعةٌ: كناية عن عفتها.
قوله تعالى: {ما منعك ألا تسجد} [الأعراف: 12] قيل: ما حملك، وقيل: ما صدك وحملك على تركه؟ ومناع: اسم فعلٍ لا منع، كنزال لا نزال. والمانع من صفاته تعالى بمعنى الذي يمنع العطاء من يشاء، وقيل: الذي يحمي وينصر. وقوله عليه الصلاة والسلام: ((لا مانع لما أعطيت)) من الأول. وقولهم: مانع أوليائه، أي يحميهم وينصرهم ويحوطهم.
م ن ن:
قوله تعالى: {لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى} [البقرة: 264] المن: ذكر الصدقة والاستكثار عليه، وهما متلازمان. ومن ملح الكلام: طعم الآلاء أحلى من المن، وهي أمر من الآلاء عند المن، وقال الشاعر:[من الطويل].
1559 -
وإن امرؤ أهدى إلى صنيعةً
…
وذكرنيها مرةً لبخيل.
وكانوا يقولون: إذا صنعتم معروفًا فانسوه. والمنة: النعمة الثقيلة، ويقال ذلك على وجهين، أحدهما: أن يكون ذلك بالفعل، فيقال: من فلانٌ على فلانٍ: إذا أثقله بالنعمة الثقيلة، وعلى ذلك قوله تعالى:{لقد من الله على المؤمنين} [آل عمران: 164] وذلك
على الحقيقة لا يكون إلا لله تعالى. والثاني: أن يكون ذلك بالقول، وذلك مستقبحٌ فيما بين الناس عند كفران النعمة، ولذلك قيل: المنة تهدم الصنيعة وتوجب القطيعة.
ويحسن ذكرها عند الكفران، ومن ثم قيل:((إذا كفرت النعمة حسنت المنة)).
قوله تعالى: {لهم أجرٌ غير ممنونٍ} [فصلت: 8] أي غير مقطوعٍ، من منه أي قطعه، قيل: غير معتدٍ به، كما قيل:{بغير حسابٍ} . وقيل: غير منقوصٍ، ومنه: المنون للمنية لأنها تنقص العدد وتقصر المدد. وقيل: إن المنية بالقول من هذا المعنى أيضًا لأنها تقطع الثواب وتقتضي قطع الشكر. وحبلٌ منينٌ، أي مقطوعٌ. وقيل:{غير ممنون} [فصلت: 8] غير محسوبٍ، كقوله تعالى:{يرزقون فيها بغير حساب} [غافر: 40].
وقال الهروي: وقيل: لا يمن عليهم بالثواب الذي استوجبوه. وهذا يشبه قول المعتزلة، ويجوز أن يكون ذلك بالنسبة إلى الوعد، فإن الله تعالى لا يخلف وعده.
قوله تعالى: {وأنزلنا عليكم المن والسلوى} {البقرة: 57] قيل: هو الترنجبين، وقيل: هو صمغةٌ حلوةٌ تنزل على الشجرة، وقيل: هو شيءٌ كالطل فيه حلاوةٌ يسقط على الشجر، وقيل: المن والسلوى إشارةٌ إلى ما أنعم الله به عليهم، وهما شيءٌ واحدٌ، سماه منًا من حيث أنه امتن به عليهم، وسماه سلوى من حيث أنه كان لهم به التسلي.
والمن: ما يوزن به، وهو رطلان بغداديان، ويجوز إبدال نونه الأخيرة حرف علةٍ فيقال: منًا. وجمعه أمناء.
قوله تعالى: {فإما منًا بعد} [محمد: 4] المن: الإطلاق بلا فداءٍ.
قوله: {فامنن أو امسك} [ص: 39] أي انفقٍ أو لا تنفق. وسمي الإنفاق منًا لأنه عطاءٌ والعطاء سبب المن.
قوله: {ولا تمنن تستكثر} [المدثر: 6] قيل: هو المنة بالقول، وذلك أن يمنن به ويستكثر.
وقيل: معناه لا تعط شيئًا. وقال ابن عرفة: المعنى لا تمنن ما أوذيت به في جنب الله ولا تستكثر، فإنه قليلٌ في جنب الله أن يثبك به. ومن كلامهم: يا حنان، يا منان، والله تعالى يمن على عباده لأنه مبتديهم بنعمة. ومن قولهم:((لا تتزوج حنانةً ولا منانةً))، أي من تمن عليك بمالها.
قوله: {يمنون عليك أن أسلموا} [الحجرات: 17] الآية. فالمنة منهم بقولهم: آمنا بك وصدقناك، وقد كفر غيرنا وكذبك. ومنة الله عليهم بالفعل وهو أن هداهم للإيمان بعد أن كانوا ضلالًا. ومن: مخففة تكون شرطيةً فتجزم فعلين شرطًا وجزمًا كقوله تعالى: {ومن يفعل ذلك يلق أثامًا} [الفرقان: 68] واستفهامًا كقوله: {ومن يغفر الذنوب إلا الله} [آل عمران: 135] وهو استفهامٌ لفظًا نفي معنى، ولذلك وقع معه الاستثناء المفرغ وموصولة، كقوله تعالى:{ومن في الأرض} [المعارج: 14] ونكرةً موصوفة، وهي تقع تامةً أي موصولةً لا موصوفةً. وزعم الكسائي أنها تزداد، مستدلًا بقول عنترة:[من الكامل].
1560 -
يا شاة ما قنصٍ لمن حلت له
…
حرمت علي وليتها لم تحرم.
ولا دلالة، إذ المعنى يا شاة شخص ذي قنصٍ، فهي نكرةٍ موصوفة. ومن: بكسر الميم حرف جر، ولها معان كثيرةٌ: ابتداء الغاية في المكان نحو: {من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى} [الإسراء: 1]. وفي الزمان أي غلب ومنه قوله: {من أول يومٍ} [التوبة: 108] وهو مؤول عند أصحابنا. وتكون للتبغيض ولبيان الجنس، وتحريره في غير هذا، ومزيده بلا شرطٍ أو شرطين أو بشرطٍ. وتكون فعل أمرٍ من: مان يمين أي كذب، كقوله:[من الوافر].
1561 -
وألفى قولها كذبًا ومينًا.
فالأمر منه من، كبع من باع. ولا يقال أنها مترددةٌ بين الحرفية والفعلية كما قيل ذلك في عدا وخلا لما بيناه في كتبنا النحوية.
ومن -بضم الميم- للقسم، قيل: هي بقية أيمن، فيقال: من الله لأفعلن كذا.
م ن ي:
قوله تعالى: {من مني يمنى} [القيامة: 37] المني: الماء الدافق، سمي منيًا لأنه بقدر منه الحيوان. وأصل المني: القدر، يقال: منى لك الماني، أي قدر لك المقدر، وأنشد قول الشاعر:[من البسيط].
1562 -
لا تأمنن وإن أمسيت في حرمٍ
…
حتى تلاقي ما يمني لك الماني.
ومنه المنا الذي يوزن به لأنه مقدرٌ بكيلٍ محصورٍ.
قوله: {من نطفةٍ إذا تمنى} [النجم: 46] أي تقدر بالعزة الإلهية والحكمة الربانية، أي تحار العقول في كيفية ذلك ما لم تكن كالعظم والشعر. ومنه المنية أيضًا لأنها أجلٌ مقدرٌ لكل حيً غير المقدر لذلك جل وعز، وجمعها المنايا، والأصل المنائي، وقد نطق به الشاعر في قوله:[من الطويل].
1563 -
فما برحت أقدامنا في مكاننا
…
بليلتنا حتى أديروا المنائيا.
ومنه التمني -أيضًا- لأنه تقدير شيءٍ في النفس وتصويره فيها. وذلك قد يكون عن ظن وتخمينٍ. وقد يكون عن رؤيةٍ وبناءٍ على الأصل. ولكن لما كان أكثره عن تخمينٍ صار المكذب له أملك، فلا جرم كان غالب التمني، كذبً وتصور ما لا حقيقة له. وعليه قوله تعالى:{أم للإنسان ما تمنى} [النجم: 24] ولذلك وقع في المستحيلات عكس الترجي فلا يقع إلا في الممكن، يقال: ليت شبابي يعود، وقال الشاعر:[من الكامل].
1564 -
ليت الشباب هو الرجيع إلى الفتى
…
والشيب كان هو البدئ الأول.
وقال عروة للحجاج ((يابن المتمنية)) يشير إلى أن أمه هي القائلة: [من البسيط].
1565 -
هل من سبيلٍ إلى خمرٍ فأشربها
…
أم من سبيلٍ إلى نصر بن حجاج؟.
وكان نصرٌ جميلًا وسيمًا تفتن به النساء، فلما سمع عمر شعرها نفاه إلى البصرة واسم هذه المرأة فريعة بنت همامٍ، وكانت قبل ذلك تحت المغيرة.
والأمنية: الصورة الحاصلة في النفس من تمني الشيء، وجمعها أماني، وعليه قوله تعالى:{ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب إلا أماني} [البقرة: 78] أي تمنيًا على الله كقولهم: {لن تمسنا النار إلا أيامًا} [البقرة: 80]{نحن أبناء الله وأحبائه} [المائدة: 18]{لكم الدار الآخرة عند الله خالصةٌ} [البقرة: 94]. قال مجاهد: إلا كذبًا، وقال غيره: إلا تلاوةً بلا معرفة معنى تجري عند صاحبها مجرى أمنيةٍ مبنيةٍ على التخمين. قيل: ولما كان الكذب تصور ما لا حقيقة له، وإبرازه بالفظ فقط، صار التمني كالمبدأ للكذب، فعبر به عنه، وعليه فسر مجاهد:{إلا أماني} إلا كذبًا، ومنه قول عثمان رضي الله تعالى عنه:((ما تعنيت ولا تمنيت منذ أسلمت)). وقوله تعالى: {إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته} [الحج: 58]. التمني هو التلاوة، قال الشاعر: يرثي عثمان: [من الطويل].
1566 -
تمنى كتاب الله أول ليلةٍ
…
وآخرها لاقى حمام المقادر.
وقد ذكروا في التفسير والأسباب عند هذه الآية ما لا ينبغي ولا يجوز اعتقاده، وقال الراغب: قد تقدم أن التمني كما يكون في تخمينٍ وظن فقد يكون عن رؤيةٍ وبناءٍ على أصل. ولما كان النبي صلى الله عليه وسلم كثيرًا ما يبادر إلى ما نزل به الروح الأمين على قلبه حتى قيل له: {ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضى إليك وحيه} [طه: 114] سمى تلاوته على ذلك تمنيًا، ونبه أن للشيطان تسلطًا على مثله في أمنيته، وذلك من حيث بين أن العجلة من