الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال أبو عبيدة: هي كلمة معناها القذف، وإنما أراد: يا بن شامة المذاكير، كنى بذلك عن الكمرات، أي أنها تشم كمرًا مختلفة. والوذرة والمذرة بمعنى واحد. وفي الحديث:"فأتينا بثريدةٍ كثيرة الوذر" أي قطع اللحم.
وفي حديث أم زرعٍ: "فإني أخاف ألا أذره" قال أحمد بن عبيدٍ: معناه أخاف ألا أقدر على فراقه لأن لي منه أولادًا. وقال يعقوب: معناه: ألا أذر صفته ولا أقطعها من طولها والله أعلم.
فصل الواو والراء
ور ث:
قوله تعالى: {إنا نحن نرث الأرض} [مريم: 40] أي تنتقل إلينا بما عليها مما كان بأيدي الناس. وهذا على ما يتفاهمونه. وإلا فالباري تعالى لم يزل ملكوت السماوات والأرض بيده. قال بعضهم: وصف الله تعالى نفسه بأنه الوارث من حيث إن الأشياء كلها صائرة إليه.
وقد روي أنه ينادى منادٍ: لمن الملك اليوم؟ فيجاب بأنه لله الواحد القهار، كما صرحت به الآية الكريمة.
وأصل الوراثة انتقال فنية إليك من غيرك، من غير عقدٍ ولا جارٍ مجرى العقد. ثم تطلق الوراثة والإرث على نفس المال المنتقل عن الميت، ويقال لها ميراث وإرث وتراث، كقوله تعالى:{وتأكلون التراث أكلاً لمًا} [الفجر: 19] وأصله وراث، فأبدلت الواو تاءً على حد إبدالها منها في تخمة وتكأة. والإرث: الأصل، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: اثبتوا على مشاعركم فإنه على إرث أبيكم". ومنه قول الشاعر: [من المتقارب]
1800 -
فينظر في صحفٍ كالربا
…
ط فيهن إرث كتابٍ محي
ويتعدى ورث بنفسه لواحدٍ، فإذا دخلت عليه الهمزة أكسبته آخر؛ قال تعالى:{وورث سليمان داود} [النمل: 16]. وقال تعالى: {وأورثناها بني إسرائيل} [الشعراء: 59]. ويعبر بالإرث عن حصول الأشياء بلا تعبٍ. ويقال لكل من خول شيئًا مهنئًا أورث، وما وصل إليه إرث. قال تعالى:{تلك الجنة التي نورث من عبادنا من كان تقيًا} [مريم: 63]. وقيل: إن تلك المنازل كانت لقومٍ من الكفار، فأورثها الله الأتقياء لسبق الشقاوة لأولئك السعادة لهؤلاء. وقد ورد في ذلك حديث.
والإرث قد يكون بمعنى البقاء، ومنه الحديث:"متعني بسمعي وبصري واجعله الوارث مني" أي الباقي. وقال ابن شميلٍ: أي أبقهما معي حتى أموت، ونقل الهروي عن غيره: إنه أراد بالسمع وعي ما يسمع والعمل به، وبالبصر الاعتبار بما يرى من صفاته جل وعز. الوارث هو الباقي بعد فناء خلقه. فيجوز أنه أراد بقاء السمع والبصر وقوتهما عند الكبر وانحلال القوى النفسانية، ويكون السمع والبصر وارثي سائر القوى والباقيين بعدها. ورد الهاء إلى الإمتاع. ولذلك وحدها بمعنى أنه أعاد الضمير مفردًا وإن تقدم شيئان اعتبارًا بالمصدر المدلول عليه الفعل.
وقوله تعالى: {وليًا يرثني ويرث من آل يعقوب} [مريم: 6] أي يرث العلم لأنهم لا يعرفون به ولا يقتنونه إلا بقدر ما تدفع الحاجة، ولا يتنافسون فيه بل ينهون عن الاستكثار منه، وعن الاشتغال به عما الإنسان بصدده من الأمور الأخروية، ويزهدون في الدنيا ويرغبون في الآخرة. فكيف يتمنون أن يورثوا غيرهم ذلك؟ وقد قال عليه الصلاة والسلام:"نحن معاشر الأنبياء لا تورث، ما تركناه صدقة". وقوله عليه الصلاة
والسلام: "العلماء ورثة الأنبياء" إشارة إلى ما يورثونه من العلم، والتقدير عليه والأمر به دون إحداث شريعةٍ أخرى. وفي قوله:"الأنبياء" دقيقة، وذلك أن شأن النبي صلى الله عليه وسلم أن يقرر شريعة من تقدمه من الرسل، ويحمل الناس عليها من غير تشريع جديد بخلاف الرسول فإنه يأتي بشريعةٍ أخرى غير التي كانت لمن قبله. فلذلك قال "ورثة الأنبياء" ولم يقل:"ورثة الرسل" فإن كل رسولٍ نبي من غير عكسٍ.
وقال عليه الصلاة والسلام لابن عمه علي: "أنت أخي ووارثي. قال: وما إرثك؟ قال: ما ورثت الأنبياء قبلي؛ كتاب الله وسنتي" وناهيك بهاتين المنقبيتين لأمير المؤمنين لو لم يكن غيرها لكفتاه فخرًا. قوله: {أن الأرض يرثها عبادي الصالحون} [الأنبياء: 105] أي يتمكنون فيها فيكونون كما أخبر عنهم {الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر} [الحج: 41] لأنهم يتكبرون على أهلها ويرثون عنهم أموالها وخراجها، ويضيقون عليهم مسالكها ومساكنها، ويخيفون سبلها. قال بعضهم في هذه الآية: الوراثة الحقيقية أن يحصل للإنسان شيء لا يكون عليه ولا فيه تبعة ولا عليه محاسبة. وعباد الله الصالحون لا يتناولون شيئًا من الدنيا إلا بقدر ما يجب، وعلى الوجه الذي يجب. ومن تناول الدنيا على هذا الوجه لا يحاسب عليه ولا يعاقب، بل يكون ذلك عفوًا صفوًا. كما وري:"من حاسب نفسه في الدنيا لم يحاسبه الله في الآخرة".
ور د:
قوله تعالى: {ولما ورد ماء مدين} [القصص: 23]. أصل الورود قصد الماء، ثم يستعمل في غيره اتساعًا. قال تعالى:{فأوردهم النار} [هود: 98]. وقال: {وإن منكم إلا واردها} [مريم: 71]. والورود: الماء المرشح للورود. وقيل في قوله تعالى: {وإن منكم إلا واردها} أي حاضرها وإن لم يشرع فيها. وقيل: يقتضي ذلك الشروع إلا
إنه من كان من الأولياء لا يؤثر فيه، بل يكون حاله في الآخرة كحال خليل الرحمن في الدنيا حيث ألقي في النار. قال ابن عرفة: الورد عند العرب موافاة المكان قبل دخوله. وقد يكون الورود دخولاً. قال: ويؤيد كونه ليس بدخولٍ حديث عائشة. وقوله تعالى: {إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئلك عنها مبعدون} [الأنبياء: 101]. وقوله: {ولما ورد ماء مدين} أي بلغه. وأنشد لزهير بن أبي سلمى: [من الطويل]
1801 -
فلما وردن الماء زرقًا جمامه
…
وضعن عصي الحاضر المتخيم
قوله: {وبئس الورد المورود} [هود: 98] الورد هو الماء الذي يورد، ويكون للإبل الواردة، ويكون لحمى تجيء كل وقتٍ، ولجزءٍ من القرآن يجعله القارئ له، ولعبادةٍ موظفةٍ له، كل ذلك يسمى وردًا على الاتساع، قوله تعالى:{ونسوق المجرمين إلى جهنم وردًا} [مريم: 86]. قال الأزهري: مشاة عطاشًا كالإبل التي ترد الماء. وقال ابن عرفة: الورد: القوم يردون الماء، فسمي العطاش وردًا لطلبهم ورود الماء، كقولهم: قوم صوم ورود، يعني أنه من باب وقوع المصدر على العين، فلذلك وحد، وفيه نظر لعدم ظهور المصدرية فيه، بل هو اسم جمع كما تقدم.
قوله تعالى: {فأرسلوا واردهم} [يوسف: 19] هو الذي يتقدم القوم ليستقي لهم الماء. وشعر وارد، أي بلغ العجز أو المتن. قوله تعالى:{فكانت وردةً كالدهان} [الرحمن: 37] أي صارت حمراء، قال ابن عرفة: سمعت أحمد بن يحيى -يعني ثعلبًا- يقول: هي المهرة تنقلب حمراء، بعد أن كانت صفراء. والورد الأحمر. وأنشد الفرزدق يصف الأسد:[من الكامل]
1802 -
ألقى عليه يديه ذو قوميةٍ
…
ورد يدق مجامع الأوصال
وقال الأزهري: كلون الورد تتلون ألوانًا يوم الفزع الأكبر كتلون الدهان المختلفة.
والدهان: جمع دهنٍ، وقد تقدم. والورد: الذي يشم، معروف، قيل: سمي لكونه أول ما يرد من ثمار السنة، قاله الراغب. وفي تسميته ثمرًا نظر ظاهر. ويقال لنور كل
شجرٍ ورد. ورد الشجر توردًا وتوريدًا. أخرج نوره. وبه شبه لون الفرس.
قوله تعالى: {ونحن أقرب إليه من حبل الوريد} [ق: 16] هو عرق مستبطن متصل بالكبد والقلب، وفيه مجاري الروح. وقيل: هما وريدان يستنطنان العنق ينتبضان أبدًا. قال: وكل عرق ينبض فهو من الأوراد. والمراد في الأصل طرق الماء، والواحد -وردة بالتاء- وقد يطلق على الشوارع. ومنه الحديث:"اتقوا البراز في الموارد" يعني الطرق؛ نهاهم عن التخلي فيها. كما نهاهم عنه في النادي وغيره مما في معناه.
ور ق:
قوله تعالى: {وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة} [الأعراف: 22] قيل: هو ورق التين. ويزعمون أن هذه التفاريج التي فيه لمكان أصابعهما، فالله أعلم. والورق: ما أخرجه الشجر غير الثمر، والجمع أوراق، وبه شبه ما يكتب فيه فقيل فيه ورق. ويعبر عن المال الكثير تشبهيًا له بالورق في الكثرة نحو قولهم: مال كالتراب والثرى والسيل. قال الشاعر: [من الراجز]
1803 -
إليك تبت فتقبل ملقي
…
فاغفر خطاياي وثمر ورقي
كذا أنشده الراغب والظاهر ما أنشده غيره بكسر الراء، يعني به الدراهم. ويقال: أورق فلان، أي أخفق. كأنه صار ذا ورق بلا ثمرٍ. ألا ترى أنه عبر عن المال بالثمر في قوله:{وكان له ثمر} [الكهف: 34]. قال ابن عباسٍ: هو المال. قلت: وعلى هذا يكون قولهم: أورق فلان. تحتمل الغنى والفقر، كما قالوا: أترب، أي صار ماله كالتراب. وقيل: لصق جلده بالتراب، وصار ذا ترابٍ. والقولان منقولان أيضًا في قوله:{تربت داك} أي لصقت بالتراب، أو صار مالهما كالتراب.
قوله: {فابعثوا أحدكم بورقكم} [الكهف: 19] وقرئ بسكون الراء، وبكسر
الواو مع سكون الراء، وذلك نحو: كَبْدٍ وكَبِدٍ وكِبْدٍ، وهي الدراهم. وجاء في التفسير أنهم إنما عرفوهم لأن صاحبهم أخرج دينارًا عليه اسم ملكهم فاتهموه، وفيه نظر لقوله:{بورقكم} . والرقة: الدراهم؛ وفي الحديث: "في الرقة ربع العشر"، ومن أمثالهم:"وجدان الرقين يغطي أفن الأفين" أي الغني يغطي الحمق. وفي الحديث: "إن جاءت به أورق" الأورق: الأسمر، ومنه الورقة للسواد. وقيل للرماد أورق، وحمامة ورقاء، كله من السواد.
وورقان: جبل بعينه، وفي الحديث:"سن الكافر مثل ورقان" كما جاء في آخر: "مثل أحدٍ" يعني في النار.
ور ي:
قوله تعالى: {فالموريات قدحًا} [العاديات: 2] أقسم بالخيل في الجهاد، لأنها إذا عدت أصابت سنابكها الحجارة، فتوري منها النار كفعل القادح للزناد. يقال: وري الزند. ووري -بكسر الراء وفتحها- يري فيهما. وأورى: إذا قدح. ويقال: إنه لواري الزناد. رفيع العماد، طويل النجاد. وقوله تعالى:{أفرأيتم النار التي تورون} [الواقعة: 71]. ويقال: قدح فأورى وأثقب: إذا ظفر بحاجته. وفي ضده: قدح فأكبى. وأصله على الاستعارة من ورى الزناد.
وأنشد لجريرٍ يهجو الفرزدق: [من المتقارب]
1804 -
وعرق الفرزدق شر العروق
…
خبيث الثرى كابي الأزند
قوله تعالى: {وأنزل التوراة} [آل عمران: 3] هي فوعلة من ذلك، لأنها ضياء ونور. فأبدلت الواو تاء على حد إبدالها في تولج وتيقورٍ. وقد حققت ذلك فيما تقدم.
قوله تعالى: {وراءهم ملك} [الكهف: 79] قيل: هو هنا بمعنى أمامهم، كذا في التفسير. ومثله قوله تعالى:{من ورائهم محيط} [البروج: 20] قال ابن عرفة: كيف قال: من ورائهم وهو أمامهم؟ فزعم أبو عبيدة وأبو علي قطرب أن هذا من الأضداد وهذا غير محصلٍ لأن أمام ضد وراء، وإنما يصلح هذا في الأماكن والأوقات، يقول الرجل إذا وعد وعدًا لرمضان في رجبٍ ثم قال: من ورائك شعبان، لجاز وإن كان أمامه لأنه مخلفه إلى وقت وعده وأنشد قول لبيد:[من الطويل]
1805 -
أليس ورائي إن تراخت منيتي
…
لزوم العصا تحنى عليها الأصابع؟
قلت: قوله: إنما يصلح هذا في الأماكن والأوقات، فيه نظر لأن وراء ظرف مكانٍ ليس إلا. وقال الأزهري في قوله:{من ورائه جهنم} [إبراهيم: 16] وراء بمعنى خلف وقدام. ومعناه ما توارى عنك واستتر. وأنشد للنابغة: [من الطويل]
1806 -
حلفت فلم أترك لنفسك ريبةٍ
…
وليس وراء الله للمرء مذهب
أي بعد الله.
قوله: {ويكفرون بما وراءه} [البقرة: 91] أي سواه؛ قاله الفراء. قلت: كأن الأزهري جعله متواطئًا، وغيره جعله مشتركًا اشتراكًا لفظيًا لقوله: من الأضداد. {فأواري سوءة أخي} [المائدة: 31] أي أسترها. وكذا قوله: {يواري سوءاتكم} [الأعراف: 26]. ومثله: {حتى تورات بالحجاب} [ص: 32].
والتورية: أن تظهر شيئًا وتريد غيره، كأنه يظهر جزءًا ويستر آخر. وفي الحديث:"إذا أراد غزوًا ورى بغيره". قال بعضهم: ستر ووهم غيره. وأصله من الوراء، أي ألقى