الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والجاه: مقلوب من الوجه، قال الراغب: لكن الوجه يقال في العضو والحظوة والجاه لا يقال إلا في الحظوة. قوله تعالى: {وكان عند الله وجيهًا} أي ذو جاهٍ ووجاهةٍ.
وكذا قوله تعالى: {وجيهًا في الدنيا والآخرة} [آل عمران: 45] لأن الناس يشتركون في وجاهة الدنيا، ولا يفوز بوجاهة الآخرة إلا الخلص كالأنبياء ومن قاربهم في الحظوة. وعن عائشة:"كان لعلي وجه من الناس حياة فاطمة" رضي الله تعالى عنهم أجمعين يعني أنه كان ذا جاهٍ مدة حياة فاطمة الزهراء قد فقده بعدها. وكذا والله كان.
وفي الحديث: "وذكر فتنا كوجوه البقر" يعني متشابهة، فإذا قصد التساوي في الأشياء قيل: كوجوه البقر. قيل أخذوه من قوله تعالى: {إن البقرة تشابه علينا} [البقرة: 70] وفي حديث أهل البيت: "لا يحبنا الأحدب الموجه" قال أبو العباس: هو صاحب الحدبتين؛ واحدة من الخلف وأخرى من قدام. والمعنى: ذو الوجهين. ومنه الحديث الآخر: "ذو الوجهين لا يكون عند الله وجهيًا" ويعبر به عن النفاق. والكلام الموجه المحتمل الأمرين فصاعدًا. ومنه أن رجلا أعور عابه إنسان فقال: جعل الله عينيك سواء. يحتمل أنه يريد: سواء في السلامة أو في العور. فهو دعاء له أو عليه. والتوجيه في الشعر: الحرف الذي بين ألف التأسيس وحرف الروي.
فصل الواو والحاء
وح د:
قوله تعالى: {قل هو الله أحد} [الإخلاص: 1] أي لا ثاني له. وهذا همزته مبدلة من واو الوحدة، وهي الانفراد. وهذا بخلاف أحدٍ المستعمل في النفي، نحو: لا
أحد فيها. فإنه همزته أصلية. وقد أتقنت هذا في غير هذا. والمفسرون يقولون في قوله تعالى {قل هو الله أحد} أحد بمعنى واحد. وقال الأزهري: الفرق بين الواحد والأحد في صفاته تعالى أن الأحد بني لنفي ما يذكر معه العدد. والواحد اسم لمفتتح العدد. وتقول: ما أتاني من أحدٍ، وجاءني منهم واحد، والواحد بني على انقطاع النظير وعوز المثل، والوحيد بني على الوحدة والانفراد عن الأصحاب.
وقوله: {ذرني ومن خلقت وحيدًا} [المدثر: 11] من صفة المخلوق، أي خلقته منفردًا لا مال له ولا ولد، ثم جعلت له ذلك. والوحدة: الانفراد. قال بعضهم: الواحد في الحقيقة هو الشيء الذي لا جزء له البتة. ثم يطلق في كل موجودٍ، حتى إنه ما من عددٍ إلا ويصح وصفه به؛ فيقال: عشرة واحدة، ومئة واحدة. قال: فالواحد لفظ مشترك يستعمل في ستة أوجهٍ:
الأول ما كان واحدًا في الجنس أو في النوع كقولنا: الإنسان والفرس واحد في الجنس وزيد وعمر واحد في النوع.
الثاني: ما كان واحدًا بالاتصال؛ إما من حيث الخلقة كقولك: شخص واحد، وإما من حيث الصناعة كقولك: حرفة واحدة.
الثالث: ما كان واحدًا لعدم نظيره، إما في الخلقة كقولك: الشمس واحدة، وإما في دعوى الفضيلة كقولك: فلان واحد دهره مثل: نسيج وحده.
الرابع: ما كان واحدًا لامتناع التجزيء فيه إما لصغره كالهباء، وإما لصلابته كالألماس.
الخامس: للمبدأ؛ إما لمبدأ الأعداد كقولك: واحد، اثنان، أو لمبدأ الخط كقولك: النقطة الواحدة. والوحدة في كلها عارضة.
قال: وإذا وصف الله تعالى: بالواحد فمعناه أنه الذي لا يجري عليه التجزيء ولا التكثير، ولصعوبة هذه الوحدة قال تعالى: {وإذا ذكر الله وحده اشمأزت قلوب الذين لا
يؤمنون بالآخرة} [الزمر: 45]. والوحد: المفرد، ويوصف به غير الباري، والوحد بمعناه. وأنشد للنابغة:[من البسيط]
1789 -
بذي الجليل، على مستأنسٍ وحد
قال: وأحد مطلقًا لا يوصف به غير الباري تعالى. ويقال في المدح: هو نسيج وحده. وفي الذم: عبير وحده، وجحيش وحده. فإن أريد أقل من ذلك في الذم قيل: رجيل وحده. وقولهم: جليس وحده نصب على الحال لأنه في قوة التنكير، إذ المعنى جلس منفردًا. وهو من الأسماء اللازمة للإضافة إلى المضمرات. قوله:{لستن كأحدٍ من النساء} [الأحزاب: 32] إنما أتي بأحد هنا دون واحدة لأن "أحد" نفي عام للمذكر والمؤنث والجماعة.
قوله: {قل إنما أعظكم بواحدةٍ} [سبأ: 46] قيل: بأن توحدوا الله. وقيل: بخصلة ٍ واحدة. وهو عظة واحدة، وهي {أن تقوموا لله مثنى وفرادى} أي تجتمعون فتذكرون أمر النبي صلى الله عليه وسلم. ثم ينفرد كل منكم فينظر في عاقبة ما قال وما قيل له فيظهر لكم أن محمد صلى الله عليه وسلم لم يكن به جنة {بل جاء بالحق وصدق المرسلين} [الصافات: 37].
وح ش:
قوله تعالى: {وإذا الوحوش حشرت} [التكوير: 5] الوحوش: جمع وحشٍ. والوحش خلاف الإنس. والحيوانات التي لا خلطة لها بالإنس ولا أنس لها يقال لها الوحش. والوحش أيضًا المكان القفر؛ قال الراغب: يقال: لقيته بوحشٍ إصمت، أي ببلدٍ قفرٍ. فظاهر هذا أن بين هذين الاسمين لمكانٍ خالٍ غير معين. فظاهر عبارة غيره من أهل اللغة أن "وحش" المذكور هو الحيوان المتوحش على الأصل. وإصمت: اسم لمكانٍ بعينه أضيف إليه الوحش. وأنشدوا: [من البسيط]
1790 -
بوحش إصمت في أصلابها أود
ويقولون: إن إصمت منقول من فعل الأمر مجردًا من ضميرٍ بديل منعه الصرف،
وفيه بحث حققناه في غير هذا. والوحش: الرجل لا طعام له؛ يقال: رجل وحش وجمعه أوحاش. وفي الحديث: "لقد بتنا وحشين ما لنا طعام". وتوحش الوحشات للدواء، أي احتمى له. وفي الحديث:"وحشوا برماحهم" أي رموا بها. وفيه أيضًا: "لا تحقرن شيئًا من المعروف ولو أن تؤنس الوشحان". يقال: رجل وحشان، أي مغتم، وجمعه وحاشى، على حد عطشان وعطاشى.
والوحشي من الإنسان يضاد الإنسي منه، والإنسي منه ما أقبل والوحشي ما أدبر ومنه: وحشي القوس وإنسيه أيضًا. والوحشي مطلقًا ما نسب إلى الوحش. وتوحش، أي صار كالوحش نحو تأنس، أي صار كالإنس.
وح ي:
قوله تعالى: {فأوحى إلى عبده ما أوحى} [النجم: 10]. الإيحاء من الله تعالى إلى رسله إما بواسطة ملكٍ كريمٍ يليق بجلاله حسبما يشهد بذلك كتابه العزيز. وأصل الوحي في اللغة الإشارة الشريفة، هذا قول الراغب: وقال الهروي: أصله في اللغة إعلام في إخفاءٍ. قال الراغب. ولتضمنه معنى السرعة قيل: أمر وحي، وذلك يكون بالكلام على سبيل الرمز والتعرض. وقد يكون بصوتٍ مجردٍ عن التركيب وبإشارة بعض الجوارح وبالكتابة. وقد حمل على ذلك قوله:{فأوحى إليهم أن سبحوا بكرة وعشيًا} [مريم: 11] قيل: رمز، وقيل: كتب، وقيل: اعتبار. وعلى هذه الوجوه المذكورة حمل قوله: {يوحى بعضهم إلى بعضٍ زخرف القول غرورًا} [الأنعام: 112].
قال: ويقال للكلمة الإلهية التي تلقى إلى أنبيائه وأوليائه وحي، وذلك أضرب حسبما دل عليه قوله تعالى:{وما كان لبشرٍ أن يكلمه الله إلا وحيًا أو من وراء حجابٍ أو يرسل رسولاً فيوحي بإذنه ما يشاء} [الشورى: 51] ذلك إما برسولٍ مشاهدٍ يرى
ذاته ويسمع كلامه؛ كتبليغ جبريل عليه الصلاة والسلام للنبي صلى الله عليه وسلم في صورة معينةٍ، وإما بسماع كلامٍ من معاينةٍ كسماع موسى عليه السلام كلام الله، وإما بإلقاءٍ في الروع كما ذكر عليه الصلاة والسلام "إن روح القدس نفث في روعي" وإما بإلهامٍ نحو:{وأوحينا إلى أم موسى أن أرضعيه} [القصص: 7]. وإما بتسخير نحو قوله تعالى: {وأوحى ربك إلى النحل} [النحل: 68]، أو بمنامٍ كقوله عليه الصلاة والسلام:"انقطع الوحي وبقيت المبشرات رؤيا المؤمن".
قال: فالإلهام والتسخير والنوم دل عليه قوله: {إلا وحيًا أو من وراء حجاب} ، وتبيلغ جبريل في صورةٍ معينةٍ دل عليه قوله تعالى:{أو يرسل رسولاً} انتهى. يعني: أن الوحي يقع على أوجه أحدها: الوحي من الله لأنبيائه على لسان ملكٍ أو من غير ملكٍ، وهذا الوحي الخاص لا يشرك الأنبياء فيه غيرهم من الشر. وقد وقع لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم على أوجهٍ حسبما هو مذكور عنه عليه الصلاة والسلام في الأحاديث المشهورة. وثانيها أن يكون إلهامًا. وثالثها أن يكون إشارة. ورابعها أن يكون كتابةً. قيل: خط لهم في الأرض: {سبحوا بكرةً وعشيًا} . وخامسها أن يكون بالقهر والتسخير. وسادسها أن يكون أمرًا: {وإذ أوحيت إلى الحواريين} [المائدة: 111] أي أمرتهم.
وهل ذلك بطريق الاشتراك أو الحقيقة والمجاز؟ يجوز الأمران. والمرجح عند الأصوليين أنه إذا دار الأمر بين الاشتراك وبين الحقيقة والمجاز فالثاني أولى. وقيل: بالعكس.
ويقال: وحى وأوحى بمعنى وومى وأومى. وأنشد للعجاج: [من الرجز]
1791 -
وحى لها القرار فاستقرت
وقوله تعالى: {وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم} [الأنعام: 121] أي يوصلون ذلك بالوسوسة. وهذا كما أشار إليه بقوله تعالى: {الذي يوسوس في صدور الناس} [الناس: 5] وقد يطلق الإيحاء على أصوات الحيوانات غير الأناسي. وأنشد