الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
جُنْدُبٍ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ قَالَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم رأيْتُ اللَّيْلَةَ رَجُلَيْنِ أتَيَانِي فأخْرَجَانِي إلَى أرْضٍ مُقَدَّسَةٍ فانْطَلَقْنَا حَتَّى أتَيْنَا عَلَى نَهْرٍ منْ دَمٍ فِيهِ رَجُلٌ قائِمٌ وعَلَى وسَطِ النَّهْرِ رَجُلٌ بَيْنَ يَدَيْهِ حِجَارَةٌ فأقْبَلَ الرَّجُلُ الَّذِي فِي النَّهْرِ فإذَا أرَادَ أنْ يَخْرُجَ رَمَى الرَّجلُ بِحَجَرٍ فِي فِيهِ فَرَدَّهُ حَيْثُ كانَ فَجَعَلَ كُلَّمَا جاءَ لِيَخْرُجَ رَمَى فِي فِيهِ بِحَجَرٍ فَيَرْجِعُ كَمَا كانَ فَقُلْتُ مَا هَذَا فَقَالَ الَّذِي رَأيْتَهُ فِي النَّهْرِ آكِلُ الرِّبَا. .
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (الَّذِي رَأَيْته فِي النَّهر آكل الرِّبَا)، وَهَذَا الحَدِيث قد تقدم فِي كتاب الْجَنَائِز بعد: بَاب مَا قيل فِي أَوْلَاد الْمُشْركين فِي: بَاب، كَذَا مُجَردا عَن تَرْجَمَة فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ مطولا بِعَين هَذَا الْإِسْنَاد، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ مَبْسُوطا. وَأَبُو رَجَاء اسْمه عمرَان العطاردي.
قَوْله: (رَأَيْت) من الرُّؤْيَا، ويروى:(أريت)، بِضَم الْهمزَة على صِيغَة الْمَجْهُول. قَوْله:(فِي أَرض مُقَدَّسَة)، بالتنكير للتعظيم. قَوْله:(وعَلى وسط النَّهر) هَكَذَا بِالْوَاو، ويروى:(على وسط النَّهر)، بِلَا: وَاو، فعلى الرِّوَايَة الأولى: الْوَاو، للْحَال وَلَكِن فِيهِ الْمُبْتَدَأ مَحْذُوف تَقْدِيره: وَهُوَ على وسط النَّهر، وعَلى الرِّوَايَة الثَّانِيَة يكون: على، مُتَعَلقَة بقوله:(قَائِم) . فَإِن قلت: لم لَا يجوز أَن يكون: رجل، فِي قَوْله:(رجل بَين يَدَيْهِ حِجَارَة) مُبْتَدأ. وَقَوله: (وعَلى وسط النَّهر) يكون خَبره مقدما؟ قلت: لَا يجوز، لِأَنَّهُ جَاءَ فِي رِوَايَة:(وَرجل بَين يَدَيْهِ حِجَارَة) بِالْوَاو، وَلَا يجوز دُخُول الْوَاو بَين الْمُبْتَدَأ وَالْخَبَر، وَلِأَن الرجل الَّذِي بَين يَدَيْهِ حِجَارَة هُوَ على شط النَّهر لَا على وَسطه، كَمَا تقدم فِي آخر كتاب الْجَنَائِز.
52 -
(بابُ مُوكِلِ الرِّبا)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان إِثْم مُوكل الرِّبَا أَي مطعمه، وَهُوَ بِضَم الْمِيم وَكسر الْكَاف، اسْم فَاعل من مزِيد أكل وَهُوَ: أءكل، بهمزتين، فقلبت الْهمزَة الثَّانِيَة الَّتِي هِيَ من نفس الْكَلِمَة ألفا لانفتاح مَا قبلهَا، فَصَارَ: آكل، على وزن: افْعَل، وَاسم الْفَاعِل مِنْهُ: مُوكل، على وزن: مفعل، وَأَصله، مؤكل، بِهَمْزَة سَاكِنة بعد مِيم فقلبت واوا لضمة مَا قبلهَا.
لقَوْله تَعَالَى، وَفِي بعض النّسخ: لقَوْل الله تَعَالَى، اللَّام فِيهِ للتَّعْلِيل لِأَن مُوكل الرِّبَا وآكلها آثمان، لِأَن الله تَعَالَى نهى عَنهُ بقوله:{وذروا مَا بَقِي من الرِّبَا} (الْبَقَرَة: 872) . فَأمر الله عباده الْمُؤمنِينَ بتقواه ناهيا لَهُم عَمَّا يقربهُمْ إِلَى سخطه ويبعدهم عَن رِضَاهُ، فَقَالَ:{يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا اتَّقوا الله} (الْبَقَرَة: 872) . أَي: خافوه وراقبوه فِيمَا تَفْعَلُونَ: {وذروا} (الْبَقَرَة: 872) . أَي اتْرُكُوا. {مَا بَقِي من الرِّبَا} وَغير ذَلِك، وَقد ذكر زيد بن أسلم وَابْن جريج وَمُقَاتِل بن حبَان وَالسُّديّ أَن هَذَا السِّيَاق نزل فِي بني عَمْرو بن عُمَيْر من ثَقِيف، وَبني الْمُغيرَة من بني مَخْزُوم، كَانَ بَينهم رَبًّا فِي الْجَاهِلِيَّة، فَلَمَّا جَاءَ الْإِسْلَام ودخلوا فِيهِ طلب ثَقِيف أَن يَأْخُذهُ مِنْهُم، فتشاجروا، وَقَالَ بَنو الْمُغيرَة: لَا نُؤَدِّي الرِّبَا فِي الْإِسْلَام، فَكتب فِي ذَلِك عتاب بن أسيد، نَائِب مَكَّة، إِلَى رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم، فَنزلت هَذِه الْآيَة، فَكتب بهَا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم إِلَيْهِ:{يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا اتَّقوا الله وذروا مَا بَقِي من الرِّبَا إِن كُنْتُم مُؤمنين فَإِن لم تَفعلُوا فأْذنوا بِحَرب من الله وَرَسُوله} (الْبَقَرَة: 872) . فَقَالُوا: نتوب إِلَى الله وَنذر مَا بَقِي من الرِّبَا، فَتَركه كلهم. قَوْله:{فأْذنوا بِحَرب من الله} (الْبَقَرَة: 872) . قَالَ ابْن عَبَّاس أَي: استيقنوا بِحَرب من الله وَرَسُوله، وَعَن سعيد بن جُبَير، قَالَ: يُقَال، يَوْم الْقِيَامَة لآكل الرِّبَا: خُذ سِلَاحك للحرب،
ثمَّ قَرَأَ: {فَإِن لم تَفعلُوا فأْذنوا بِحَرب من الله وَرَسُوله} (الْبَقَرَة: 872) . وَقَالَ عَليّ بن أبي طَلْحَة عَن ابْن عَبَّاس: {فَإِن لم تَفعلُوا فاْذنوا بِحَرب من الله وَرَسُوله} (الْبَقَرَة: 872) . فَمن كَانَ مُقيما على الرِّبَا لَا ينْزع مِنْهُ، فَحق على إِمَام الْمُسلمين أَن يستتيبه، فَإِن نزع وإلَاّ ضرب عُنُقه. وَقَالَ ابْن أبي حَاتِم: حَدثنَا عَليّ بن الْحُسَيْن حَدثنَا مُحَمَّد بن بشار حَدثنَا عبد الْأَعْلَى حَدثنَا هِشَام بن حسان عَن الْحسن وَابْن سِيرِين أَنَّهُمَا قَالَا: وَالله إِن هَؤُلَاءِ الصيارفة لآكلة الرِّبَا، وَأَنَّهُمْ قد أذنوا بِحَرب من الله وَرَسُوله، وَلَو كَانَ على النَّاس إِمَام عَادل لاستتابهم، فَإِن تَابُوا وإلَاّ وضع فيهم السِّلَاح. قَوْله:{وَإِن تبتم} (الْبَقَرَة: 872) . أَي: عَن الرِّبَا: {فلكم رُؤُوس أَمْوَالكُم} (الْبَقَرَة: 872) . من غير زِيَادَة، {وَلَا تظْلمُونَ} (الْبَقَرَة: 872) . بِأخذ زِيَادَة {لَا تظْلمُونَ} (الْبَقَرَة: 872) . بِوَضْع رُؤُوس الْأَمْوَال، بل لكم مَا بذلتم من غير زِيَادَة عَلَيْهِ وَلَا نُقْصَان مِنْهُ. قَوْله:{وَإِن كَانَ ذُو عسرة} (الْبَقَرَة: 872) . أَي: وَإِن كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الدّين إِمَّا أَن تقضي وَإِمَّا أَن تربي، ثمَّ ندب الله تَعَالَى إِلَى الْوَضع عَنهُ وحرضه على ذَلِك الْخَيْر وَالثَّوَاب الجزيل. بقوله:{وَإِن تصدَّقوا خير لكم} (الْبَقَرَة: 872) . وروى الطَّبَرَانِيّ من حَدِيث أبي أُمَامَة أَن أسعد بن زُرَارَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: (من سره أَن يظله الله فِي ظله، يَوْم لَا ظلّ إلَاّ ظله فلييسر على كل مُعسر أَو ليضع عَنهُ) . وروى أَحْمد من حَدِيث سُلَيْمَان بن بُرَيْدَة عَن أَبِيه، قَالَ: سَمِعت النَّبِي صلى الله عليه وسلم يَقُول: (من أنظر مُعسرا فَلهُ بِكُل يَوْم مثله صَدَقَة، ثمَّ سمعته يَقُول: من أنظر مُعسرا فَلهُ بِكُل يَوْم مثلاه صَدَقَة، قلت: سَمِعتك يَا رَسُول الله تَقول: من أنظر مُعسرا فَلهُ بِكُل يَوْم مثله صَدَقَة، ثمَّ سَمِعتك تَقول: من أنظر مُعسر فَلهُ بِكُل يَوْم مثلاه صَدَقَة، قَالَ: لَهُ بِكُل يَوْم مثله صَدَقَة، قبل أَن يحل الدّين، فَإِذا حل الدّين فأنظره فَلهُ بِكُل يَوْم مثلاه صَدَقَة)، وروى الْحَاكِم من حَدِيث سهل بن حنيف أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ:(من أعَان مُجَاهدًا فِي سَبِيل الله أَو غازيا أَو غارما فِي عسرته أَو مكَاتبا فِي رقبته أظلهُ الله فِي ظله يَوْم لَا ظلّ إلَاّ ظله) . وَقَالَ: صَحِيح الْإِسْنَاد وَلم يخرجَاهُ، وَالْأَحَادِيث فِي هَذَا الْبَاب كَثِيرَة. قَوْله:{وَاتَّقوا يَوْمًا ترجعون فِيهِ إِلَى الله} (الْبَقَرَة: 872) . أَي: اتَّقوا عَذَاب يَوْم، وَيجوز أَن يكون على ظَاهره، لِأَن يَوْم الْقِيَامَة يَوْم مخوف. قَوْله:{ترجعون فِيهِ} (الْبَقَرَة: 872) . أَي: تردون فِيهِ {إِلَى الله} (الْبَقَرَة: 872) . أَي: إِلَى حسابه وجزائه. قَوْله: {ثمَّ توفَّى كل نفس} (الْبَقَرَة: 872) . أَي: تُجازى كل نفس بِمَا كسبت من الْخَيْر وَالشَّر. {وهم لَا يظْلمُونَ} (الْبَقَرَة: 872) . لِأَن الله عَادل لَا ظلم عِنْده، لايظلم عِنْده.
قَالَ ابنُ عَبَّاسٍ: هَذِهِ آخِرُ آيَةٍ نَزَلَتْ عَلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم
هَذِه إِشَارَة إِلَى آيَة الرِّبَا، وَهَذَا التَّعْلِيق رَوَاهُ البُخَارِيّ مُسْندًا فِي التَّفْسِير، فَقَالَ: حَدثنَا قبيصَة حَدثنَا سُفْيَان عَن عَاصِم عَن الشّعبِيّ عَن ابْن عَبَّاس: آخر آيَة نزلت آيَة الرِّبَا) . وَقَالَ ابْن التِّين عَن الدَّاودِيّ (عَن ابْن عَبَّاس: آخر آيَة نزلت {اتَّقوا يَوْمًا ترجعون فِيهِ إِلَى الله} (الْبَقَرَة: 872) . قَالَ: فإمَّا أَن يكون وهم من الروَاة لقربها مِنْهَا، أَو غير ذَلِك. انْتهى. وَأجِيب: بِأَنَّهُ لَيْسَ بوهم، بل هَاتَانِ الْآيَتَانِ نزلتا جملَة وَاحِدَة، فصح أَن يُقَال لكل مِنْهُمَا آخر آيَة. وروى عَن الْبَراء أَن آخر آيَة نزلت:{يستفتونك! قل الله يفتيكم فِي الْكَلَالَة} (النِّسَاء: 672) . وَقَالَ أبي بن كَعْب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: آخر آيَة نزلت: {لقد جَاءَكُم رَسُول من أَنفسكُم} (التَّوْبَة: 821) . وَقيل: إِن قَوْله تَعَالَى: {وَاتَّقوا يَوْمًا ترجعون فِيهِ إِلَى الله} (الْبَقَرَة: 872) . إِنَّهَا نزلت يَوْم النَّحْر بمنى فِي حجَّة الْوَدَاع، وروى الثَّوْريّ عَن الْكَلْبِيّ عَن أبي صَالح عَن ابْن عَبَّاس، قَالَ: آخر آيَة نزلت: {وَاتَّقوا يَوْمًا ترجعون فِيهِ إِلَى الله} (الْبَقَرَة: 872) . فَكَانَ بَين نُزُولهَا وَبَين موت النَّبِي صلى الله عليه وسلم أحد وَثَلَاثُونَ يَوْمًا. وَقَالَ ابْن جريج: يَقُولُونَ إِن النَّبِي صلى الله عليه وسلم عَاشَ بعْدهَا تسع لَيَال، وبدىء يَوْم السبت وَمَات يَوْم الْإِثْنَيْنِ، رَوَاهُ ابْن جرير، وَقَالَ مقَاتل: توفّي النَّبِي صلى الله عليه وسلم بعد نُزُولهَا بِسبع ليالٍ.
6802 -
حدَّثنا أبُو الوَلِيدِ قَالَ حدَّثنا شُعْبَةُ عنْ عَوْنِ بنِ أبِي جُحَيْفَةَ قَالَ رأيْتُ أبِي اشْتَرَى عَبْدا حَجَّاما فأمَرَ بِمَحَاجِمِهِ فَكُسِرَتْ فَسَألْتُهُ فَقَالَ نَهَى النبيُّ صلى الله عليه وسلم عَن ثَمَنِ الْكَلْبِ وثَمَنِ الدَّمِ ونَهَى عنِ الوَاشِمَةِ والمَوْشُومَةِ وآكِل الرِّبَا ومُوكِلِهِ ولَعَنَ المُصَوِّرَ. .
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (وآكل الرِّبَا وموكله) ، وَأَبُو الْوَلِيد اسْمه هِشَام بن عبد الْملك الطَّيَالِسِيّ الْبَصْرِيّ، وَعون، بِفَتْح
الْعين الْمُهْملَة وَسُكُون الْوَاو وَفِي آخِره نون، وَأَبُو جُحَيْفَة، بِضَم الْجِيم وَفتح الْحَاء الْمُهْملَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفتح الْفَاء، واسْمه وهب بن عبد الله أَبُو جُحَيْفَة السوَائِي، وَقد مر فِيمَا مضى.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الْبيُوع عَن حجاج بن منهال، وَفِي الطَّلَاق عَن آدم، وَفِي اللبَاس عَن سُلَيْمَان بن حَرْب وَعَن أبي مُوسَى عَن غنْدر، وَهَذَا الحَدِيث من أَفْرَاده وَفِي بعض طرقه زِيَادَة: كسب الْأمة، وَفِي أُخْرَى: كسب الْبَغي، وَتفرد مِنْهُ بلعن المصور أَيْضا.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (بمحاجمه)، بِفَتْح الْمِيم جمع: محجم، بِكَسْر الْمِيم وَهُوَ الْآلَة الَّتِي يحجم بهَا الْحجام. قَوْله:(فَسَأَلته)، أَي: فَسَأَلت أبي الظَّاهِر أَن سُؤَاله عَن سَبَب مشتراه، وَلَكِن لَا يُنَاسب جَوَابه بقوله:(نهى النَّبِي صلى الله عليه وسلم . وَلَكِن فِيهِ اخْتِصَار بَينه فِي آخر الْبيُوع من وَجه آخر عَن شُعْبَة بِلَفْظ: (اشْترى حجاما فَأمر بمحاجمه فَكسرت فَسَأَلته عَن ذَلِك) ، فَفِيهِ الْبَيَان بِأَن السُّؤَال إِنَّمَا وَقع عَن كسر المحاجم، وَهُوَ الْمُنَاسب للجواب، وَسَأَلَ الْكرْمَانِي هُنَا بقوله: فلِمَ اشْتَرَاهُ؟ ثمَّ أجَاب: بِأَنَّهُ اشْتَرَاهُ ليكسر محجمه ويمنعه عَن تِلْكَ الصِّنَاعَة قلت: فِيهِ نظر لَا يخفى، بل الصَّوَاب مَا ذَكرْنَاهُ، وَهُوَ أَيْضا تَنْبِيه على هَذَا حَيْثُ قَالَ: وَفِي بعض الرِّوَايَة بعد لفظ حجاما: (فَأمر بمحاجمه فَكسرت فَسَأَلته)، يَعْنِي: عَن الْكسر. قَوْله: (وَثمن الدَّم)، يَعْنِي: أُجْرَة الْحجامَة، وَأطلق الثّمن عَلَيْهِ تجوزا. قَوْله:(الواشمة) ، هِيَ فاعلة، الوشم، والموشومة مَفْعُوله، والوشم أَن يغرز يَده أَو عضوا من أَعْضَائِهِ بإبرة ثمَّ يذر عَلَيْهَا النّيل وَنَحْوه. قَوْله:(وآكل الرِّبَا)، أَي: وَنهى آكل الرِّبَا عَن أكله، وَكَذَا نهى مُوكله عَن إطعامه غَيره، وَيُقَال: المُرَاد من الْآكِل آخذه كالمستقرض، وَمن الْمُوكل معطيه كالمقرض، وَالنَّهْي فِي هَذَا كُله عَن الْفِعْل، وَالتَّقْدِير: عَن فعل الواشمة، وَفعل الموشومة، وَفعل الْآكِل وَفعل الْمُوكل، وَخص الْآكِل من بَين سَائِر الانتفاعات لِأَنَّهُ أعظم الْمَقَاصِد. قَوْله:(وَلعن المصور)، عطف على قَوْله:(نهى) ، وَلَوْلَا أَن المصور أعظم ذَنبا لما لَعنه النَّبِي صلى الله عليه وسلم.
ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ وَهُوَ على وُجُوه:
الأول: فِيهِ جَوَاز شِرَاء العَبْد الْحجام، وسؤال عون بن جُحَيْفَة عَن أَبِيه إِنَّمَا كَانَ عَن كسر محاجمه لَا عَن شِرَائِهِ إِيَّاه، كَمَا ذَكرْنَاهُ.
الثَّانِي: فِيهِ: النَّهْي عَن ثمن الْكَلْب. وَفِيه: اخْتِلَاف الْعلمَاء، فَقَالَ الْحسن وَرَبِيعَة وَحَمَّاد بن أبي سُلَيْمَان وَالْأَوْزَاعِيّ وَالشَّافِعِيّ وَأحمد وَدَاوُد وَمَالك فِي رِوَايَة: ثمن الْكَلْب حرَام. وَقَالَ ابْن قدامَة: لَا يخْتَلف الْمَذْهَب فِي أَن بيع الْكَلْب بَاطِل على كل حَال، وَكره أَبُو هُرَيْرَة ثمن الْكَلْب، وَرخّص فِي كلب الصَّيْد خَاصَّة، وَبِه قَالَ عَطاء وَالنَّخَعِيّ.
وَاخْتلف أَصْحَاب مَالك، فَمنهمْ من قَالَ: لَا يجوز، وَمِنْهُم من قَالَ: الْكَلْب الْمَأْذُون فِي إِمْسَاكه يكره بَيْعه وَيصِح وَلَا تجوز إِجَارَته، نَص عَلَيْهِ أَحْمد، وَهَذَا قَول بعض أَصْحَاب الشَّافِعِي. وَقَالَ بَعضهم: يجوز، وَقَالَ مَالك فِي (الْمُوَطَّأ) : أكره ثمن الْكَلْب الضاري وَغير الضاري لنَهْيه، صلى الله عليه وسلم، عَن ثمن الْكَلْب. وَفِي (شرح الْمُوَطَّأ) لِابْنِ زرقون: وَاخْتلف قَول مَالك فِي ثمن الْكَلْب الْمُبَاح اتِّخَاذه، فَأَجَازَهُ مرّة وَمنعه أُخْرَى، وبإجازته قَالَ ابْن كنَانَة وَأَبُو حنيفَة: قَالَ سَحْنُون: ويحج بِثمنِهِ، وروى عَنهُ ابْن الْقَاسِم أَنه كره بَيْعه. وَفِي (الْمُدَوَّنَة) : كَانَ مَالك يَأْمر بِبيع الْكَلْب الضاري فِي الْمِيرَاث وَالدّين والمغانم، وَيكرهُ بَيْعه للرجل ابْتِدَاء. قَالَ يحيى بن إِبْرَاهِيم. قَوْله:(فِي الْمِيرَاث)، يَعْنِي: للْيَتِيم، وَأما لأهل الْمِيرَاث الْبَالِغين فَلَا يُبَاع إلَاّ فِي الدّين والمغانم، وروى أَبُو زيد عَن ابْن الْقَاسِم: لَا بَأْس باشتراء كلاب الصَّيْد وَلَا يجوز بيعهَا، وَقَالَ أَشهب فِي ديوانه عَن مَالك: يفْسخ بيع الْكَلْب إلَاّ أَن يطول، وَحكى ابْن عبد الحكم: أَنه يفْسخ وَإِن طَال. وَقَالَ ابْن حزم فِي (الْمحلى) : وَلَا يحل بيع كلب أصلا لَا كلب صيد وَلَا كلب مَاشِيَة وَلَا غَيرهمَا. فَإِن اضْطر إِلَيْهِ وَلم يجد من يُعْطِيهِ إِيَّاه فَلهُ ابتياعه، وَهُوَ حَلَال للْمُشْتَرِي حرَام للْبَائِع، ينتزع مِنْهُ الثّمن مَتى قدر عَلَيْهِ كالرشوة فِي دفع الظُّلم. وَفِدَاء الْأَسير ومصانعة الظَّالِم. ثمَّ قَالَ: وَهُوَ قَول الشَّافِعِي وَمَالك وَأحمد وَأبي سُلَيْمَان وَأبي ثَوْر وَغَيرهم انْتهى.
وَقَالَ عَطاء بن أبي رَبَاح وَإِبْرَاهِيم النَّخعِيّ وَأَبُو حنيفَة وَأَبُو يُوسُف وَمُحَمّد وَابْن كنَانَة وَسَحْنُون من الْمَالِكِيَّة: الْكلاب الَّتِي ينْتَفع بهَا يجوز بيعهَا وتباح أثمانها. وَعَن أبي حنيفَة: أَن الْكَلْب الْعَقُور لَا يجوز بَيْعه وَلَا يُبَاح ثمنه، وَفِي (الْبَدَائِع) : وَأما بيع ذِي نَاب من السبَاع سوى الْخِنْزِير: كَالْكَلْبِ والفهد والأسد والنمر وَالذِّئْب والدب والهر وَنَحْوهَا، جَائِز عِنْد أَصْحَابنَا. وَقَالَ الشَّافِعِي: لَا يجوز بيع الْكَلْب. ثمَّ عندنَا: لَا فرق بَين الْمعلم وَغَيره، وَفِي رِوَايَة الْأصيلِيّ: فَيجوز بَيْعه كَيفَ مَا كَانَ وَعَن أبي يُوسُف أَنه: لَا يجوز بيع الْكَلْب الْعَقُور. وَأجَاب الطَّحَاوِيّ عَن النَّهْي الَّذِي فِي