الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ابْن أبي مَرْيَم فَيكون مُعَلّقا وعَلى كل تَقْدِير ففائدة ذكر هَذَا الطَّرِيق بَيَان سَماع حميد لهَذَا الحَدِيث من أنس لِأَنَّهُ قد اشْتهر أَن حميدا كَانَ رُبمَا دلّس عَن أنس رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وَقَالَ صَاحب التَّلْوِيح وَقَالَ ابْن أبي مَرْيَم إِلَى آخِره كَذَا فِي بعض النّسخ وَكَذَا نَص أَصْحَاب لاطراف عَلَيْهِ وَفِي أصل سَمَاعنَا وَغَيره حَدثنَا ابْن أبي مَرْيَم وَهُوَ سعيد بن أبي مَرْيَم الجُمَحِي الْمصْرِيّ وَيحيى هُوَ ابْن أَيُّوب الغافقي الْمصْرِيّ أَبُو الْعَبَّاس وَفِي بعض النّسخ وَقع يحيى بن أَيُّوب بنسبته إِلَى أَبِيه -
26 -
(بابُ الصَّوْمِ آخِرَ الشَّهْرِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان فضل الصَّوْم فِي آخر الشَّهْر، وَفِي بعض النّسخ: من آخر الشَّهْر، وَقَوله هَذَا يُطلق على آخر كل شهر من الْأَشْهر، وَمَعَ هَذَا الحَدِيث مُقَيّد بِشَهْر شعْبَان، وَالْوَجْه إِطْلَاقه إِشَارَة إِلَى أَن ذَلِك لَا يخْتَص بشعبان، بل يُؤْخَذ من الحَدِيث النّدب إِلَى صِيَام أَوَاخِر كل شهر ليَكُون عَادَة للمكلف. فَإِن قلت: يُعَارض هَذَا النَّهْي بتقدم رَمَضَان بِصَوْم يَوْم أَو يَوْمَيْنِ؟ قلت: لَا مُعَارضَة لقَوْله فِي حَدِيث النَّهْي: (إلَاّ رجل كَانَ يَصُوم صوما فليصمه) .
3891 -
حدَّثنا الصَّلْتُ بنُ مُحَمَّدٍ قَالَ حدَّثنا مَهْدِيٌّ عنْ غَيْلَانَ وحدَّثنا أبُو النُّعْمَانِ قَالَ حدَّثنا مَهْدِيُّ بنُ مَيْمُونٍ قَالَ حدَّثنا غَيْلانُ بنُ جَرِيرٍ عنْ مُطَرِّفٍ عنْ عِمْرَانَ بنِ حُصَيْنٍ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا عنِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنَّهُ سَألَهُ أوْ سألَ رَجُلاٍ وعِمْرَانُ يَسْمَعُ فَقَالَ يَا أبَا فُلانٍ أمَا صُمْتَ سَرَرَ هَذا الشَّهْرِ قَالَ أظُنُّهُ قَالَ يَعْنِي رَمَضَانَ قَالَ الرَّجُلُ لَا يَا رسولَ الله قَالَ فإذَا أفْطَرْتَ فَصُمْ يَوْمَيْنِ لَمْ يَقُلِ الصَّلْتُ أظُنُّهُ يَعْنِي رمَضَانَ.
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ مِمَّا ذكرنَا الْآن فِي أول الْبَاب.
ذكر رِجَاله وهم سِتَّة: الأول: الصَّلْت، بِفَتْح الصَّاد الْمُهْملَة وَسُكُون اللَّام وَفِي آخِره تَاء مثناة من فَوق: ابْن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن أَبُو همام الخاركي. الثَّانِي: مهْدي، بِفَتْح الْمِيم وَكسر الدَّال الْمُهْملَة: ابْن مَيْمُون المعولي الْأَزْدِيّ. الثَّالِث: غيلَان، بِفَتْح الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف: ابْن جرير المعولي الْأَزْدِيّ. الرَّابِع: أَبُو النُّعْمَان مُحَمَّد بن الْفضل السدُوسِي، الْخَامِس: مطرف بِلَفْظ اسْم الْفَاعِل من التطريف بإهمال الطَّاء ابْن عبد الله بن الشخير الْحَرَشِي العامري. السَّادِس: عمرَان بن حُصَيْن، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
ذكر لطائف إِسْنَاده فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي خَمْسَة مَوَاضِع. وَفِيه: العنعنة فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع. وَفِيه: أَن رُوَاته كلهم بصريون. وَفِيه: إِضَافَة رِوَايَة أبي النُّعْمَان إِلَى الصَّلْت لما وَقع فِيهَا من تَصْرِيح مهْدي بِالتَّحْدِيثِ من غيلَان.
ذكر من أخرجه غَيره: أخرجه مُسلم فِي الصَّوْم أَيْضا عَن هدبة بن خَالِد. وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِيهِ عَن مُوسَى بن إِسْمَاعِيل. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن زَكَرِيَّا بن يحيى عَن عبد الْأَعْلَى بن حَمَّاد.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (أَنه سَأَلَ) أَي: أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم سَأَلَ عمرَان أَو سَأَلَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم رجلا قَوْله: (أَو سَأَلَ رجلا) ، شكّ من مطرف وثابت، رَوَاهُ عَنهُ بِنَحْوِهِ على الشَّك أَيْضا، وَأخرجه مُسلم كَذَلِك، وَأخرجه مُسلم أَيْضا من وَجْهَيْن آخَرين عَن مطرف بِدُونِ شكّ على الْإِبْهَام أَنه: قَالَ لرجل، وَزَاد أَبُو عوَانَة فِي (مستخرجه) : من أَصْحَابه، وَرَوَاهُ أَحْمد من طَرِيق سُلَيْمَان التَّيْمِيّ بِهِ: قَالَ لعمران، بِغَيْر شكّ. قَوْله:(وَعمْرَان يسمع)، جملَة إسمية وَقعت حَالا. قَوْله:(فَقَالَ: يَا أَبَا فلَان) ، بالكنية، فِي رِوَايَة أبي ذَر وَفِي رِوَايَة الْأَكْثَرين:(يَا فلَان) قَوْله: (سرر هَذَا الشَّهْر) ، بِالسِّين الْمُهْملَة وَفتحهَا وَفتح الرَّاء، وَقَالَ النَّوَوِيّ: ضبطوه بِفَتْح السِّين وَكسرهَا، وَحكي ضمهَا، وَيُقَال أَيْضا: سرار، بِكَسْر السِّين وَفتحهَا، وَكله من الاستسرار. وَقَالَ الْجُمْهُور: المُرَاد بِهِ آخر الشَّهْر لاستسرار الْقَمَر فِيهِ، وَقَالَ بَعضهم: هُوَ وسط الشَّهْر، وسرر كل شَيْء وَسطه، والسرة الْوسط، وَهِي الْأَيَّام الْبيض، وروى أَبُو دَاوُد عَن الْأَوْزَاعِيّ أَن سرره أَوله، وَقَالَ ابْن قرقول: سرر، بِفَتْح السِّين عِنْد الكافة وَعند العذري: سرر بِضَم السِّين، وَقَالَ أَبُو عبيد: سرار الشَّهْر آخِره، حَيْثُ يسْتَتر الْهلَال، وسرره أَيْضا، وَأنْكرهُ غَيره، وَقَالَ: لم يَأْتِ فِي صَوْم آخر الشَّهْر حض، وسرار كل شَيْء وَسطه وأفضله، فَكَأَنَّهُ يُرِيد الْأَيَّام الغر من وسط الشَّهْر، وَقَالَ عبد الْملك
ابْن حبيب: السرر آخر الشَّهْر حِين يستسر الْهلَال لثمان وَعشْرين ولتسع وَعشْرين، وَإِن كَانَ تَاما فليلة ثَلَاثِينَ، وتبويب البُخَارِيّ يدل على أَنه عِنْده آخر الشَّهْر، وَقَالَ الْخطابِيّ: يتَأَوَّل أمره إِيَّاه بِصَوْم السرر على أَن الرجل كَانَ أوجبه على نَفسه نذرا فَأمره بِالْوَفَاءِ أَو أَنه كَانَ اعتاده، فَأمره بالمحافظة عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا تأولناه للنَّهْي عَن تقدم رَمَضَان بِصَوْم يَوْم أَو يَوْمَيْنِ.
فَائِدَة: أَسمَاء ليَالِي الشَّهْر عشرَة، لكل ثَلَاث مِنْهَا اسْم. فالثلاث الأولى: غرر، لِأَن غرَّة كل شَيْء أَوله. وَالثَّانيَِة: نفل على وزن صرد ونغر لزيادتها على الْغرَر، وَالنَّفْل الزِّيَادَة. وَثَلَاث تسع إِذْ آخرهَا تَاسِع. وَثَلَاث عشر لِأَن أَولهَا عَاشر، وزنهما وزن زحل. وَثَلَاث تبع. وَثَلَاث درع ووزنهما كزحل أَيْضا لاسوداد أوائلها وابيضاض أواخرها. وَثَلَاث ظلم لإظلامها. وَثَلَاث حنادس لشدَّة سوادها. ثَلَاث دآدىء كسلالم لِأَنَّهَا بقايا. وَثَلَاث محاق بِضَم الْمِيم، لانمحاق الْقَمَر أول الشَّهْر والمحق المحو، وَيُقَال لَهما سرر أَيْضا عِنْد الْجُمْهُور، كَمَا ذكرنَا.
قَوْله: (أَظُنهُ)، يَعْنِي: هَذِه اللَّفْظَة غير مَحْفُوظَة، وَهَذَا الظَّن من أبي النُّعْمَان لتصريح البُخَارِيّ فِي آخِره بِأَن ذَلِك لم يَقع فِي رِوَايَة الصَّلْت، وَكَانَ ذَلِك وَقع من أبي النُّعْمَان لما حدث بِهِ البُخَارِيّ وإلَاّ فقد رَوَاهُ الجوزقي من طَرِيق أَحْمد بن يُوسُف السّلمِيّ عَن أبي النُّعْمَان بِدُونِ ذَلِك، وَهُوَ الصَّوَاب، وَنقل الْحميدِي عَن البُخَارِيّ أَنه قَالَ: شعْبَان أصح، وَقيل: إِن ذَلِك ثَابت فِي بعض الرِّوَايَات فِي (الصَّحِيح) وَقَالَ الْخطابِيّ: ذكر رَمَضَان هُنَا وهم لِأَن رَمَضَان يتَعَيَّن صَوْم جَمِيعه، وَكَذَا قَالَ الدَّاودِيّ وَابْن الْجَوْزِيّ. فَإِن قلت: روى مُسلم: حَدثنَا أَبُو بكر بن أبي شُعْبَة قَالَ: حَدثنَا يزِيد بن هَارُون عَن الْجريرِي عَن الْعَلَاء عَن مطرف (عَن عمرَان بن حُصَيْن أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ لرجل: هَل صمت من سرر هَذَا الشَّهْر شَيْئا؟ قَالَ: لَا. فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: (فَإِذا أفطرت من رَمَضَان فَصم يَوْمَيْنِ مَكَانَهُ) . قلت: روى مُسلم أَيْضا من حَدِيث هداب بن خَالِد (عَن عمرَان بن حُصَيْن أَن رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم، قَالَ لَهُ أَو لآخر: أصمت من سرر شعْبَان؟ قَالَ: لَا. قَالَ: فَإِذا أفطرت فَصم يَوْمَيْنِ) . فَهَذَا يدل على أَن المُرَاد من قَوْله فِي رِوَايَة البُخَارِيّ: (أما صمت سرر هَذَا الشَّهْر إِنَّه شعْبَان؟) وَقَول أبي النُّعْمَان: أَظُنهُ يَعْنِي رَمَضَان، وهم كَمَا ذكرنَا، وَقيل: يحْتَمل أَن يكون قَوْله: (رَمَضَان) فِي قَوْله (رَمَضَان) ظرفا لِلْقَوْلِ الصَّادِر مِنْهُ، صلى الله عليه وسلم، لَا لصيام الْمُخَاطب بذلك، فيوافق رِوَايَة الْجريرِي عَن الْعَلَاء عَن مطرف، وَقد ذَكرْنَاهُ الْآن. قلت: التَّحْقِيق فِيهِ أَن المُرَاد من قَوْله، صلى الله عليه وسلم:(أصمت سرر هَذَا الشَّهْر؟) فِي رِوَايَة البُخَارِيّ أَنه شعْبَان، يُؤَيّدهُ ويوضحه رِوَايَة مُسلم من حَدِيث هداب عَن عمرَان، وَكَذَلِكَ يُوضح حَدِيث هداب رِوَايَة مُسلم من حَدِيث مطرف، فَإِنَّهُ لَيْسَ فِيهَا ذكر شعْبَان، وَالْأَحَادِيث يُفَسر بَعْضهَا بَعْضًا، وَبَقِي الْكَلَام فِي قَوْله:(فَإِذا أفطرت من رَمَضَان فَصم يَوْمَيْنِ)، فَنَقُول: هَذَا ابْتِدَاء كَلَام، مَعْنَاهُ: أَنَّك إِذا تركت السرر من رَمَضَان الَّذِي هُوَ فرض، فَصم يَوْمَيْنِ عوضه لِأَن السرر يَوْمَانِ من آخر الشَّهْر، كَمَا ذَكرْنَاهُ، بِخِلَاف سرر شعْبَان، فَإِنَّهُ لَيْسَ بمتعين عَلَيْهِ، فَلذَلِك لم يَأْمُرهُ بِالْقضَاءِ بعد قَول الرجل: يَا رَسُول الله! يَعْنِي: مَا صمت سرر هَذَا الشَّهْر الَّذِي هُوَ شعْبَان. فَإِن قلت: كَيفَ قَالَ: (فَصم يَوْمَيْنِ)، وَفِي رِوَايَة مُسلم بعد قَوْله:(فَإِذا فطرت رَمَضَان؟) وَالَّذِي يفْطر رَمَضَان هَل يَكْتَفِي فِي قَضَائِهِ بيومين؟ قلت: تَقْدِيره من رَمَضَان، وحذفت لَفْظَة: من، وَهِي مُرَادة كَمَا فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى، وَهُوَ من قبيل قَوْله تَعَالَى:{وَاخْتَارَ مُوسَى قومه} (الْأَعْرَاف: 551) . أَي: من قومه، وَهَذَا هُوَ تَحْرِير هَذَا الْموضع الَّذِي لم أر أحدا من شرَّاح البُخَارِيّ وَمن شرَّاح مُسلم حرر هَذَا الْموضع كَمَا يَنْبَغِي، وَلَا سِيمَا من يَدعِي فِي هَذَا الْفَنّ بدعاوى عريضة بمقدمات لَيْسَ لَهَا نتيجة.
قَالَ أبُو عَبْدِ الله وَقَالَ ثابِتٌ عنْ مُطَرِّفٍ عنْ عِمْرَانَ عنِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم مِنْ سَرَرِ شَعْبَانَ
أَبُو عَبد الله هُوَ البُخَارِيّ، وَلَيْسَ فِي بعض النّسخ هَذَا، وَأَرَادَ بِالتَّعْلِيقِ أَن المُرَاد من قَوْله:(أصمت سرر هَذَا الشَّهْر) هُوَ سرر شعْبَان وَلَيْسَ هُوَ برمضان. كَمَا ظَنّه أَبُو النُّعْمَان، وَقد وصل هَذَا التَّعْلِيق مُسلم: حَدثنَا هداب بن خَالِد قَالَ: حَدثنَا حَمَّاد بن سَلمَة عَن ثَابت، وَلم أفهم مطرفا من هداب (عَن عمرَان بن حُصَيْن أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ لَهُ أَو لآخر) الحَدِيث، وَقد ذَكرْنَاهُ عَن قريب، وَالله أعلم.