الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
من طَرِيق مَالك عَن يحيى بن سعيد الْأنْصَارِيّ، وَوَقع فِي أَكثر الرِّوَايَات: عَن عمْرَة عَن عَائِشَة، وَسقط قَوْله: عَن عَائِشَة، فِي رِوَايَة النَّسَفِيّ والكشميهني، وَكَذَا هُوَ فِي الموطآت كلهَا.
وَأخرجه أَبُو نعيم فِي الْمُسْتَخْرج من طَرِيق عبد الله بن يُوسُف شيخ البُخَارِيّ مُرْسلا أَيْضا، وَجزم بِأَن البُخَارِيّ أخرجه عَن عبد الله بن يُوسُف مَوْصُولا. وَقَالَ التِّرْمِذِيّ: رَوَاهُ مَالك، وَعَن غير وَاحِد عَن يحيى مُرْسلا، وَقَالَ أَبُو عمر فِي (التَّمْهِيد) : رُوَاة الْمُوَطَّأ اخْتلفُوا فِي قطعه وَإِسْنَاده، فَمنهمْ من يرويهِ عَن مَالك عَن يحيى بن سعيد أَن رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم، لَا يذكر غَيره، وَمِنْهُم من يرويهِ عَن مَالك عَن يحيى بن سعيد عَن عمْرَة عَن عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، وَخَالفهُم يحيى بن يحيى فَرَوَاهُ عَن مَالك، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، عَن ابْن شهَاب عَن عمْرَة، قَالَ فِي (التَّمْهِيد) : وَهُوَ غلط وَخطأ مفرط لم يُتَابِعه أحد على ذَلِك، وَلَا يعرف هَذَا الحَدِيث لِابْنِ شهَاب لَا من حَدِيث مَالك وَلَا من حَدِيث غَيره من أَصْحَاب ابْن شهَاب، وَهُوَ من حَدِيث يحيى بن سعيد مَحْفُوظ صَحِيح أخرجه البُخَارِيّ فَذكره.
قَوْله: (إِذا أخبية) كلمة: إِذا، للمفاجأة وَخبر الْمُبْتَدَأ مَحْذُوف تَقْدِيره: إِذا أخبية مَضْرُوبَة، وَنَحْوهَا. قَوْله:(خباء عَائِشَة) خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف، أَي: أَحدهَا خباء عَائِشَة، وَالثَّانِي خباء حَفْصَة، وَالثَّالِث خباء زَيْنَب. قَوْله:(آلبر)، قد مر تَفْسِيره. قَوْله:(تَقولُونَ) أَي: تعتقدون أَو تظنون، وَالْعرب تجْرِي: تَقول، فِي الِاسْتِفْهَام مجْرى الظَّن فِي الْعَمَل، وَكَانَ الْقيَاس أَن يُقَال: يقلن، بِلَفْظ جمع الْمُؤَنَّث وَلَكِن الْخطاب للنَّاس الْحَاضِرين الشَّامِل للرِّجَال وَالنِّسَاء، وَالْمَفْعُول الثَّانِي لقَوْله:(تَقولُونَ) هُوَ قَوْله: (بِهن)، إِذْ تَقْدِيره: ملتبسا بِهن.
8 -
(بابٌ هَلْ يَخْرُجُ المُعْتَكِفُ لِحَوَائِجِهِ إِلَى بابِ المَسْجِدِ)
أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ: هَل يخرج الْمُعْتَكف من مُعْتَكفه لأجل حَوَائِجه، إِلَى بَاب الْمَسْجِد الَّذِي هُوَ فِيهِ معتكف؟ وَلم يذكر جَوَاب الِاسْتِفْهَام اكْتِفَاء بِمَا فِي الحَدِيث.
5302 -
حدَّثنا أبُو اليَمانِ قَالَ أخبرنَا شُعَيْبٌ عنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَخْبرنِي عَلِيُّ بنُ الحُسَيْنِ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا أنَّ صَفِيَّةَ زَوْجَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم أخْبَرَتْهُ أنَّهَا جاءَتْ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم تَزُورُهُ فِي اعْتِكَافِهِ فِي المَسْجِدِ فِي الْعَشْرِ الأوَاخِرِ منْ رَمضانَ فتَحَدَّثَتْ عِنْدَهُ ساعَةً ثُمَّ قامَتْ تَنْقَلِبُ فقامَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم معَهَا يَقْلِبُهَا حتَّى إذَا بلَغَتْ بابَ الْمَسْجِدِ عِنْدَ بابِ أمِّ سلَمَةَ مَرَّ رَجُلانِ مِنَ الأنصْارِ فسَلَّمَا عَلى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم فَقَالَ لَهُمَا النبيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَى رِسْلِكُمَا إنَّمَا هِيَ صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَيٍّ فقَالَا سُبْحَانَ الله يَا رسولَ الله وكَبُرَ عَلَيْهِمَا فَقَالَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم إنَّ الشَّيْطَانَ يَبْلُغُ منَ الإنْسَانِ مَبْلَغَ الدَّمِ وإنِّي خَشِيتُ أنْ يَقْذِفَ فِي قُلُوبِكُما شَيْئا. .
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (فَقَامَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم مَعهَا يقلبها حَتَّى إِذا بلغت بَاب الْمَسْجِد) .
وَرِجَاله: أَبُو الْيَمَان الحكم ابْن نَافِع الْحِمصِي، وَشُعَيْب بن أبي حَمْزَة الْحِمصِي، وَمُحَمّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ قد ذكرُوا غير مرّة، وَعلي بن الْحُسَيْن بن عَليّ بن أبي طَالب الْقرشِي الْهَاشِمِي أَبُو الْحُسَيْن الْمدنِي زين العابدين، ولد سنة ثَلَاث وَعشْرين. وَعَن الزُّهْرِيّ: كَانَ مَعَ أَبِيه يَوْم قتل وَهُوَ ابْن ثَلَاث وَعشْرين سنة، وَمَات سنة اثْنَتَيْنِ وَتِسْعين بِالْمَدِينَةِ، وَقيل غير ذَلِك، وَصفِيَّة بنت حييّ، بِضَم الْحَاء الْمُهْملَة مُصَغرًا، ابْن أَخطب، وَكَانَ أَبوهَا رَئِيس خَيْبَر، وَكَانَت تكنى أم يحيى.
ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره: أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الْأَدَب عَن أبي الْيَمَان أَيْضا وَفِي صفة إِبْلِيس عَن مُحَمَّد عَن عبد الرَّزَّاق وَفِي الِاعْتِكَاف أَيْضا عَن إِسْمَاعِيل بن عبد الله وَفِي الْأَحْكَام عَن عبد الْعَزِيز بن عبد الله وَفِي الِاعْتِكَاف أَيْضا عَن عَليّ بن عبد الله، وَفِيه وَفِي الْخمس عَن سعيد بن عفير وَعَن عبد الله بن مُحَمَّد، وَأخرجه مُسلم فِي
الاسْتِئْذَان عَن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم وَعبد بن حميد وَعَن عبد الله بن عبد الرَّحْمَن عَن أبي الْيَمَان بِهِ. وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِي الصَّوْم وَفِي الْأَدَب عَن أَحْمد بن مُحَمَّد شبويه الْمروزِي وَعَن مُحَمَّد بن يحيى. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الِاعْتِكَاف عَن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم بِهِ وَعَن مُحَمَّد بن خَالِد وَعَن مُحَمَّد بن يحيى وَعَن مُحَمَّد بن حَاتِم. وَأخرجه ابْن مَاجَه فِي الصَّوْم عَن إِبْرَاهِيم ابْن الْمُنْذر الْحزَامِي.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (أَنَّهَا جَاءَت) أَي: أَن صَفِيَّة جَاءَت إِلَى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم. قَوْله: (تزوره) ، من الْأَحْوَال الْمقدرَة، وَفِي رِوَايَة معمر الَّتِي تَأتي فِي صفة إِبْلِيس، فَأَتَيْته أَزورهُ لَيْلًا، وَفِي رِوَايَة هِشَام بن يُوسُف عَن معمر عَن الزُّهْرِيّ:(كَانَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم فِي الْمَسْجِد وَعِنْده أَزوَاجه. فرحن وَقَالَ لصفية: لَا تعجلِي حَتَّى أنصرف مَعَك) ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ خشِي عَلَيْهَا، وَكَانَ مَشْغُولًا فَأمرهَا بالتأخر ليفرغ من شغله ويشيعها، وروى عبد الرَّزَّاق من طَرِيق مَرْوَان بن سعيد بن الْمُعَلَّى: أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم كَانَ معتكفا فِي الْمَسْجِد فَاجْتمع إِلَيْهِ نساؤه ثمَّ تفرقن، فَقَالَ لصفية: أقلبك إِلَى بَيْتك، فَذهب مَعهَا حَتَّى أدخلها بَيتهَا. وَفِي رِوَايَة هِشَام الْمَذْكُورَة (وَكَانَ بَيتهَا فِي دَار أُسَامَة)، زَاد: وَفِي رِوَايَة عبد الرَّزَّاق عَن معمر: (وَكَانَ مَسْكَنهَا فِي دَار أُسَامَة بن زيد) أَي الدَّار الَّتِي صَارَت بعد ذَلِك لأسامة بن زيد، لِأَن أُسَامَة إِذْ ذَاك لم يكن لَهُ دَار مُسْتَقلَّة بِحَيْثُ تسكن فِيهَا صَفِيَّة، وَكَانَت بيُوت أَزوَاج النَّبِي، صلى الله عليه وسلم، حوالى أَبْوَاب الْمَسْجِد. قَوْله:(فتحدثت عِنْده سَاعَة)، أَي: فتحدثت صَفِيَّة عِنْد النَّبِي، صلى الله عليه وسلم، وَفِي الْأَدَب عَن الزُّهْرِيّ: سَاعَة من الْعشَاء. قَوْله: (ثمَّ قَامَت تنْقَلب) أَي: ترد إِلَى بَيتهَا، (فَقَامَ مَعهَا يقلبها) بِفَتْح الْيَاء وَسُكُون الْقَاف أَي: يردهَا إِلَى منزلهَا، يُقَال: قلبه يقلبه وانقلب هُوَ إِذا انْصَرف. قَوْله: (فَلَقِيَهُ رجلَانِ من الْأَنْصَار) قيل: هما أسيد بن حضير وَعباد بن بشر. وَقَالَ ابْن التِّين فِي رِوَايَة سُفْيَان عِنْد البُخَارِيّ: (فَأَبْصَرَهُ رجل من الْأَنْصَار)، وَقَالَ: لَعَلَّه وهم، لِأَن أَكثر الرِّوَايَات:(فَأَبْصَرَهُ رجلَانِ، وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ: يحْتَمل أَن يكون هَذَا مرَّتَيْنِ، وَيحْتَمل أَن يكون صلى الله عليه وسلم أقبل على أَحدهمَا بالْقَوْل بِحَضْرَة الآخر، فَتَصِح على هَذَا نِسْبَة الْقِصَّة إِلَيْهِمَا جَمِيعًا وإفرادا. وَفِي رِوَايَة مُسلم من حَدِيث أنس بِالْإِفْرَادِ، فوجهه مَا ذكره الْقُرْطُبِيّ بِالِاحْتِمَالِ الثَّانِي. قَوْله: (فسلما على رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم . وَفِي رِوَايَة معمر: (فَنَظَرا إِلَى النَّبِي صلى الله عليه وسلم ثمَّ أجازا)، أَي: مضيا. يُقَال: جَازَ وَأَجَازَ بِمَعْنى، وَيُقَال: جَازَ الْموضع: إِذا سَار فِيهِ، وَأَجَازَهُ إِذا قطعه وَخَلفه، وَفِي رِوَايَة ابْن أبي عَتيق:(ثمَّ نفذا) ، وَهُوَ بِالْفَاءِ وبالذال الْمُعْجَمَة، أَي: خلفاه، وَفِي رِوَايَة معمر:(فَلَمَّا رَأيا النَّبِي صلى الله عليه وسلم أَسْرعَا) أَي: فِي الْمَشْي. وَفِي رِوَايَة عبد الرَّحْمَن بن إِسْحَاق عَن الزُّهْرِيّ عِنْد ابْن حبَان: (فَلَمَّا رأياه استحييا فَرَجَعَا) . قَوْله: (على رِسْلكُمَا) ، بِكَسْر الرَّاء، أَي: على هيئتكما. وَقَالَ ابْن فَارس: الرُّسُل السّير السهل، وَضَبطه بِالْفَتْح وَجَاء فِيهِ الْكسر وَالْفَتْح بِمَعْنى: التؤدة، وَترك العجلة، وَقيل: بِالْكَسْرِ: التؤدة، وبالفتح الرِّفْق واللين، وَالْمعْنَى مُتَقَارب. وَفِي رِوَايَة معمر:(فَقَالَ لَهما النَّبِي صلى الله عليه وسلم تعاليا)، بِفَتْح اللَّام. قَالَ الدَّاودِيّ: أَي قفا. ذكره بَعضهم بِالنِّسْبَةِ إِلَى الدَّاودِيّ. وَفِي (التَّلْوِيح) : قَالَ النَّوَوِيّ: مَعْنَاهُ: قفا. وَلم يرد الْمَجِيء إِلَيْهِ، وَقَالَ ابْن التِّين: فَأخْرجهُ عَن مَعْنَاهُ بِغَيْر دَلِيل وَاضح. وَقَالَ الْجَوْهَرِي: التعالى الِارْتفَاع، تَقول مِنْهُ إِذا أمرت: تعال يَا رجل، بِفَتْح اللَّام وللمرأة: تَعَالَى. وَقَالَ ابْن قُتَيْبَة: تَعَالَى تفَاعل من عَلَوْت، وَقَالَ الْفراء: أَصله عَال الْبناء، وَهُوَ من الْعُلُوّ. ثمَّ إِن الْعَرَب لِكَثْرَة استعمالهم إِيَّاهَا صَارَت عِنْدهم بِمَنْزِلَة: هَلُمَّ، حَتَّى استجازوا أَن يَقُولُوا: لرجل وَهُوَ فَوق شرف: تَعَالَى أَي: إهبط، وَإِنَّمَا أَصْلهَا الصعُود. قَوْله:(إِنَّمَا هِيَ صَفِيَّة بنت حييّ) فِي رِوَايَة سُفْيَان (هَذِه صَفِيَّة) . قَوْله: (فَقَالَا: سُبْحَانَ الله) إِمَّا حَقِيقَة: أَي أنزه الله تَعَالَى عَن أَن يكون رَسُوله مُتَّهمًا بِمَا لَا يَنْبَغِي، أَو كِنَايَة عَن التَّعَجُّب من هَذَا القَوْل. قَوْله:(وَكبر)، بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة أَي: عظم وشق عَلَيْهِمَا، وَسَيَأْتِي فِي الْأَدَب:(وَكبر عَلَيْهِمَا مَا قَالَ) . وَعَن معمر: (فَكبر ذَلِك عَلَيْهِمَا) وَفِي رِوَايَة هشيم: (فَقَالَ: يَا رَسُول الله! وَهل نظن بك إلَاّ خيرا؟) قَوْله: (إِن الشَّيْطَان يبلغ من ابْن آدم مبلغ الدَّم) أَي: كمبلغ الدَّم. وَوجه الشّبَه بَين طرفِي التَّشْبِيه شدَّة الِاتِّصَال وَعدم الْمُفَارقَة، وَفِي رِوَايَة معمر:(يجْرِي من الْإِنْسَان مجْرى الدَّم) . وَكَذَا فِي رِوَايَة ابْن مَاجَه من طَرِيق عُثْمَان ابْن عمر التَّيْمِيّ عَن الزُّهْرِيّ، وَزَاد عبد الْأَعْلَى:(فَقَالَ: إِنِّي خفت أَن تظنا ظنا، إِن الشَّيْطَان يجْرِي) إِلَى آخِره. وَفِي رِوَايَة
عبد الرَّحْمَن بن إِسْحَاق: (مَا أَقُول لَكمَا هَذَا أَن تَكُونَا تظنان شرا، وَلَكِن قد علمت أَن الشَّيْطَان يجْرِي من بن آدم مجْرى الدَّم) . قَوْله: (وَإِنِّي خشيت أَن يقذف فِي قُلُوبكُمَا شَيْئا) . وَفِي رِوَايَة معمر: (سوأ، أَو قَالَ: شَيْئا) . وَفِي رِوَايَة مُسلم وَأبي دَاوُد وَأحمد فِي حَدِيث معمر: (شرا)، بشين مُعْجمَة وَرَاء بدل سوأ. وَفِي رِوَايَة هشيم:(إِنِّي خفت أَن يدْخل عَلَيْكُمَا شَيْئا) وَقَالَ الشَّافِعِي فِي مَعْنَاهُ: إِنَّه خَافَ عَلَيْهِمَا الْكفْر لَو ظنا بِهِ ظن التُّهْمَة، فبادر إِلَى إعلامهما بمكانهما نصيحة لَهما فِي أَمر الدّين قبل أَن يقذف الشَّيْطَان فِي قلوبهما أمرا يهلكان بِهِ.
وَفِي (التَّلْوِيح) : ظن السوء بالأنبياء، عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام، كفر بِالْإِجْمَاع، وَلِهَذَا إِن الْبَزَّار لما ذكر حَدِيث صَفِيَّة هَذَا قَالَ: هَذِه أَحَادِيث مَنَاكِير، لِأَن النَّبِي، صلى الله عليه وسلم، كَانَ أطهر وَأجل من أَن يَرى أَن أحدا يظنّ بِهِ ذَلِك، وَلَا يظنّ برَسُول الله، صلى الله عليه وسلم، ظن السوء إلَاّ كَافِر أَو مُنَافِق. وَقَالَ بَعضهم: وغفل الْبَزَّار فطعن فِي حَدِيث صَفِيَّة هَذَا، واستبعد وُقُوعه وَلم يَأْتِ بطائل. قلت: كَيفَ لم يأتِ بطائل؟ لِأَنَّهُ ذب عَن رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم، وكل من ذب عَن رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم، أينكر عَلَيْهِ؟ فِي (التَّلْوِيح) : فَإِن قَالَ قَائِل هَذِه الْأَخْبَار قد رَوَاهَا قوم ثِقَات، ونقلها أهل الْعلم بالأخبار، قيل لَهُ الْعلَّة الَّتِي بيناها لَا خَفَاء بهَا، وَيجب على كل مُسلم القَوْل بهَا، والذب عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم، وَإِن كَانَ الراوون لَهَا ثِقَات، فَلَا يعرون عَن الْخَطَأ وَالنِّسْيَان والغلط. وَقَالَ أَبُو الشَّيْخ، عِنْد ذكر هَذَا الحَدِيث، وَبَوَّبَ لَهُ، قَالَ: إِنَّه غير مَحْفُوظ قَوْله فِي رِوَايَة معمر: يجْرِي من ابْن آدم مجْرى الدَّم، قيل: هُوَ على ظَاهره، وَأَن الله، عز وجل، جعل لَهُ قُوَّة على ذَلِك، وَقيل: هُوَ على الإستعارة لِكَثْرَة أعوانه ووسوسته، فَكَأَنَّهُ لَا يُفَارق الْإِنْسَان كَمَا لَا يُفَارِقهُ دم، وَقيل: إِنَّه يلقِي وسوسته فِي مسام لَطِيفَة من الْبدن فتصل الوسوسة إِلَى الْقلب، وَزعم ابْن خالويه فِي كتاب (لَيْسَ) : أَن الشَّيْطَان لَيْسَ لَهُ تسلط على النَّاس، وعَلى أَن يَأْتِي العَبْد من فَوْقه قَالَ الله تَعَالَى:{ثمَّ لآتينهم من بَين أَيْديهم وَمن خَلفهم وَعَن أَيْمَانهم وَعَن شمائلهم} (الْأَعْرَاف: 71) . وَلم يقل من فَوْقهم، لِأَن رَحْمَة الله تَعَالَى تنزل من فَوق.
ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ فِيهِ: جَوَاز اشْتِغَال الْمُعْتَكف بالأمور الْمُبَاحَة من تشييع زَائِره وَالْقِيَام مَعَه والْحَدِيث مَعَه، وَله قِرَاءَة الْقُرْآن والْحَدِيث وَالْعلم والتدريس وَكِتَابَة أُمُور الدّين وَسَمَاع الْعلم. وَقَالَ أَبُو الطّيب فِي (الْمُجَرّد) : قَالَ الشَّافِعِي فِي (الْأُم) و (الْجَامِع الْكَبِير) : لَا بَأْس بِأَن يقص فِي الْمَسْجِد: لِأَن الْقَصَص وعظ وتذكير. وَقَالَ النَّوَوِيّ: مَا قَالَه الشَّافِعِي مَحْمُول على الْأَحَادِيث الْمَشْهُورَة والمغازي، وَالرَّقَائِق مِمَّا لَيْسَ فِيهِ مَوضِع كَلَام، وَلَا مَا لَا تحتمله عقول الْعَوام، وَلَا مَا يذكرهُ أهل التواريخ، وقصص الْأَنْبِيَاء وحكاياتهم أَن بعض الْأَنْبِيَاء جرى لَهُ كَذَا من فتْنَة وَنَحْوهَا، فَإِن كل هَذَا يمْنَع مِنْهُ، وَاسْتدلَّ الطَّحَاوِيّ بشغله صلى الله عليه وسلم مَعَ صَفِيَّة على جَوَاز اشْتِغَال الْمُعْتَكف بالمباح من الْأَفْعَال، وَفِي (جَوَامِع الْفِقْه) : يكره التَّعْلِيم فِيهِ بِأَجْر، أَي: فِي الْمَسْجِد، وَكَذَا كِتَابَة الْمُصحف بِأَجْر، وَقيل: إِن كَانَ الْخياط يحفظ الْمَسْجِد فَلَا بَأْس بِأَن يخيط وَلَا يَسْتَطْرِقهُ إلَاّ لعذر، وَيكرهُ على سطحه مَا يكره فِيهِ، بِخِلَاف مَسْجِد الْبَيْت. قلت: هَذَا فِي غير الْمُعْتَكف، فَفِي حق الْمُعْتَكف بطرِيق الأولى. وَمن الْمُبَاح للمعتكف أَن يَبِيع وَيَشْتَرِي من غير أَن يحضر السّلْعَة، وَفِي (الذَّخِيرَة) : لَهُ أَن يَبِيع وَيَشْتَرِي، قَالَ: أَرَادَ بِهِ الطَّعَام وَمَا لَا بُد مِنْهُ، وَأما إِذا أَرَادَ أَن يتَّخذ ذَلِك متجرا يكره لَهُ ذَلِك. وَفِيه: إِبَاحَة خلْوَة الْمُعْتَكف بِالزَّوْجَةِ. وَفِيه: إِبَاحَة زِيَارَة الْمَرْأَة للمعتكف. وَفِيه: بَيَان شفقته صلى الله عليه وسلم على أمته وإرشادهم إِلَى مَا يدْفع عَنْهُم الْإِثْم. وَفِيه: اسْتِحْبَاب التَّحَرُّز من التَّعَرُّض لسوء الظَّن وَطلب السَّلامَة والاعتذار بالأعذار الصَّحِيحَة تَعْلِيما للْأمة. وَفِيه: جَوَاز خُرُوج الْمَرْأَة لَيْلًا. وَفِيه: قَول: سُبْحَانَ الله، عِنْد التَّعَجُّب. وَقَالَ بَعضهم: وَاسْتدلَّ بِهِ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد فِي جَوَاز تمادي الْمُعْتَكف إِذا خرج من مَكَان اعْتِكَافه لِحَاجَتِهِ، وَأقَام زَمنا يَسِيرا زَائِدا عَن الْحَاجة، وَلَا دلَالَة فِيهِ لِأَنَّهُ لم يثبت أَن منزل صَفِيَّة كَانَ بَينه وَبَين الْمَسْجِد فاصل زَائِد، وَقد حدوا الْيَسِير بِنصْف يَوْم، وَلَيْسَ: فِي الْخَبَر مَا يدل عَلَيْهِ. انْتهى. قلت: لَيْسَ مَذْهَب أبي يُوسُف وَمُحَمّد فِي حد الْيَسِير بِنصْف يَوْم، وَإِنَّمَا مَذْهَبهمَا أَنه إِذا خرج أَكثر النَّهَار يفْسد اعْتِكَافه، لِأَن فِي الْقَلِيل ضَرُورَة، وَالْعجب مِنْهُم أَنهم ينقلون عَن أحد من أَصْحَابنَا مَا هُوَ لَيْسَ مذْهبه، ثمَّ يردون عَلَيْهِ بِمَا لَا وَجه لَهُ، فَفِي أَي كتاب من كتب أَصْحَابنَا ذكر أَنَّهُمَا حدَّا الْيَسِير