الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عبد الله بن عَمْرو خص بِالْمَنْعِ لما اطلع النَّبِي صلى الله عليه وسلم من مُسْتَقْبل حَاله، فيلتحق بِهِ من فِي مَعْنَاهُ مِمَّن يتَضَرَّر بسرد الصَّوْم وَيبقى غَيره على حكم الْجَوَاز لعُمُوم التَّرْغِيب فِي مُطلق الصَّوْم، كَمَا فِي حَدِيث أبي سعيد مَرْفُوعا:(من صَامَ يَوْمًا فِي سَبِيل الله باعد الله وَجهه عَن النَّار) ، وَسَيَجِيءُ فِي الْجِهَاد إِن شَاءَ الله تَعَالَى.
6791 -
حدَّثنا أبُو اليَمَانِ قَالَ أخبرنَا شُعَيْبٌ عنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ أخبرَنِي سَعِيدُ بنُ المُسَيَّبِ وأبُو سلَمَةَ بنُ عَبْدِ الرَّحْمانِ أنَّ عبْدَ الله بنَ عَمْرٍ وَقَالَ أُخْبِرَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أنِّي أقولُ وَالله لأَصُومَنَّ النَّهَارَ وَلأَقُومَنَّ اللَّيْلَ مَا عِشْتُ فَقُلْتُ لَهُ قَدْ قُلْتُهُ بأبِي أنْتَ وأُمِّي قَالَ فإنَّكَ لَا تَسْتَطِيعُ ذَلِكَ فَصُمْ وأفْطِرْ وقُمْ ونَمْ وصُمْ مِنَ الشَّهْرِ ثَلاثَةَ أيَّامٍ فإنَّ الحَسَنَةَ بِعَشْرِ أمْثَالِهَا وذَلِكَ مِثْلُ صِيَامُ الدَّهْرِ قلْتُ إنِّي أُطِيقُ أفْضَلَ مِنْ ذلِكَ قَالَ فَصُمْ يَوْما وأفْطِرْ يَوْمَيْنِ قُلْتُ أنِّي أُطِيقُ أفضَلَ مِنْ ذَلِكَ قَالَ فَصُمْ يَوْما وأفْطِرْ يَوْما فذلِكَ صِيامُ داوُدَ عليه السلام وهْوَ أفْضَلُ الصِّيَامِ فَقُلْتُ أُطِيقُ أفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ فَقَالَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم لَا أفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ. .
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (وَذَلِكَ مثل صِيَام الدَّهْر) ، وَأَبُو الْيَمَان الحكم بن نَافِع وَشُعَيْب بن أبي حَمْزَة الحمصيان، وَالزهْرِيّ هُوَ مُحَمَّد بن مُسلم.
قَوْله: (أخبر) على صِيغ الْمَجْهُول، و:(رَسُول الله) مَرْفُوع بِهِ قَوْله: (بِأبي وَأمي) أَي: أَنْت مفدىً بِأبي وَأمي. قَوْله: (فَإنَّك لَا تَسْتَطِيع ذَلِك)، أَي: مَا ذكرته من قيام اللَّيْل وَصِيَام النَّهَار، وَقد علم صلى الله عليه وسلم باطلاع الله إِيَّاه أَنه يعجز ويضعف عَن ذَلِك عِنْد الْكبر، وَقد اتّفق لَهُ ذَلِك، وَيجوز أَن يُرَاد بِهِ الْحَالة الراهنة، لما علمه صلى الله عليه وسلم من أَنه يتَكَلَّف ذَلِك وَيدخل بِهِ على نَفسه الْمَشَقَّة، ويفوت مَا هُوَ أهم من ذَلِك. قَوْله:(وصم من الشَّهْر ثَلَاثَة أَيَّام)، بعد قَوْله:(فَصم وَأفْطر)، لبَيَان مَا أجمل من ذَلِك. قَوْله:(مثل صِيَام الدَّهْر) يَعْنِي فِي الْفَضِيلَة واكتساب الْأجر، والمثلية لَا تَقْتَضِي الْمُسَاوَاة من كل وَجه، لِأَن المُرَاد بِهِ هُنَا أصل التَّضْعِيف دون التَّضْعِيف الْحَاصِل من الْفِعْل، وَلَكِن يصدق على فَاعل ذَلِك أَنه صَامَ الدَّهْر مجَازًا. قَوْله:(أفضل من ذَلِك) أَي: من صَوْم ثَلَاثَة أَيَّام من الشَّهْر، وَكَذَلِكَ الْمَعْنى فِي أفضل من ذَلِك الثَّانِي وَالثَّالِث، وَالْأَفْضَل هُنَا بِمَعْنى: الأزيد وَالْأَكْثَر ثَوابًا. قَوْله: (لَا أفضل من ذَلِك) أَي: من صِيَام دَاوُد، عليه السلام. فَإِن قلت: هَذَا لَا ينفس المساوة صَرِيحًا؟ قلت: حَدِيث عَمْرو بن أَوْس عَن عبد الله بن عَمْرو: (أحب الصّيام إِلَى الله تَعَالَى صِيَام دَاوُد، عَلَيْهِ وَالسَّلَام) يَقْتَضِي الْأَفْضَلِيَّة مُطلقًا، وَهَهُنَا أفضل بِمَعْنى: أَكثر فَضِيلَة، قَالَ الْكرْمَانِي: قَوْله: (لَا أفضل)، فَإِن قلت: مَاذَا يكون أفضل من صِيَام الدَّهْر؟ قلت: ذَاك لَيْسَ صِيَام الدَّهْر حَقِيقَة، بل هُوَ مثله، وَالْفرق ظَاهر بَين من صَامَ يَوْمًا وَمن صَامَ عشرَة أَيَّام. إِذْ الأول جَاءَ بِالْحَسَنَة وَإِن كَانَت بِعشر، وَهَذَا جَاءَ بِعشر حَسَنَات حَقِيقَة، وَقَالَ بَعضهم: لَا أفضل من ذَلِك فِي حَقك، وَأما صَوْم الدَّهْر فقد اخْتلف الْعلمَاء فِيهِ، فَذهب أهل الظَّاهِر إِلَى مَنعه لظَاهِر أَحَادِيث النَّهْي عَن ذَلِك، وَذهب جَمَاهِير الْعلمَاء إِلَى جَوَازه إِذا لم يصم الْأَيَّام الْمنْهِي عَنْهَا: كالعيدين والتشريق، وَهُوَ مَذْهَب الشَّافِعِي بِغَيْر كَرَاهَة، بل هُوَ مُسْتَحبّ، وَفِي (سنَن الْكَجِّي) : من حَدِيث أبي تَمِيمَة الهُجَيْمِي: عَن أبي مُوسَى، قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم:(من صَامَ الدَّهْر ضيقت عَلَيْهِ جَهَنَّم هَكَذَا، وَضم أَصَابِعه على تسعين) وروى ابْن مَاجَه بِسَنَد فِيهِ ابْن لَهِيعَة عَن ابْن عَمْرو، قَالَ: قَالَ رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم: صَامَ نوح، عليه السلام، الدَّهْر إلَاّ يَوْمَيْنِ: الْأَضْحَى وَالْفطر. وَكَانَ جمَاعَة من الصَّحَابَة يسردون الصَّوْم، مِنْهُم عمر بن الْخطاب وَابْنه عبد الله بن عمر، وَعَائِشَة وَأَبُو طَلْحَة وَأَبُو أُمَامَة. فَإِن قلت: مَا الْفرق بَين صِيَام الْوِصَال وَصِيَام الدَّهْر؟ قلت: هما حقيقتان مُخْتَلِفَتَانِ، فَإِن من صَامَ يَوْمَيْنِ أَو أَكثر وَلم يفْطر ليلتهما فَهُوَ مواصل، وَلَيْسَ هَذَا صَوْم الدَّهْر، وَمن صَامَ عمره وَأفْطر جَمِيع لياليه هُوَ صَائِم الدَّهْر، وَلَيْسَ بمواصل، وَالله أعلم بِالصَّوَابِ.
75 -
(بابُ حَقِّ الأهْلِ فِي الصَّوْمِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حق أهل الرجل فِي الصَّوْم، وَقد ذكرنَا بِأَن المُرَاد بالأهل: الْأَوْلَاد والقرابة وَمن حَقهم الرِّفْق بهم والإنفاق عَلَيْهِم.
رَوَاهُ أبُو جُحَيْفَةَ عنِ النبيِّ
أَي: روى حق الْأَهْل أَبُو جُحَيْفَة وهب بن عبد الله السوَائِي، وَقد مر حَدِيثه فِي قصَّة سلمَان وَأبي الدَّرْدَاء، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، فِي: بَاب من أقسم على أَخِيه ليفطر فِي التَّطَوُّع، وفيهَا قَول سلمَان لأبي الدَّرْدَاء: وَإِن لأهْلك عَلَيْك حَقًا، وَأقرهُ النَّبِي صلى الله عليه وسلم على ذَلِك.
85 -
(حَدثنَا عَمْرو بن عَليّ قَالَ أخبرنَا أَبُو عَاصِم عَن ابْن جريج سَمِعت عَطاء أَن أَبَا الْعَبَّاس الشَّاعِر أخبرهُ أَنه سمع عبد الله بن عَمْرو رضي الله عنهما يَقُول بلغ النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ - أَنِّي أسرد الصَّوْم وأصلي اللَّيْل فإمَّا أرسل إِلَيّ وَإِمَّا لَقيته فَقَالَ ألم أخبر أَنَّك تَصُوم وَلَا تفطر وَتصلي وَلَا تنام فَصم وَأفْطر وقم ونم فَإِن لعينيك عَلَيْك حظا وَإِن لنَفسك وَأهْلك عَلَيْك حظا قَالَ وَإِنِّي لأقوى لذَلِك قَالَ فَصم صِيَام دَاوُد عليه السلام قَالَ وَكَيف قَالَ كَانَ يَصُوم يَوْمًا وَيفْطر يَوْمًا وَلَا يفر إِذا لَاقَى قَالَ من لي بِهَذِهِ يَا نَبِي الله قَالَ عَطاء لَا أَدْرِي كَيفَ ذكر صِيَام الْأَبَد قَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ - لَا صَامَ من صَامَ الْأَبَد مرَّتَيْنِ) مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله " وَأهْلك عَلَيْك حظا " وَعَمْرو بن عَليّ بن بَحر بن كثير الْبَاهِلِيّ أَبُو حَفْص الْبَصْرِيّ الصَّيْرَفِي الفلاس الْحَافِظ وَأَبُو عَاصِم النَّبِيل الضَّحَّاك بن مخلد وَهُوَ من شُيُوخ البُخَارِيّ الَّذين أَكثر عَنْهُم وَرُبمَا روى عَنهُ بِوَاسِطَة مَا فَاتَهُ مِنْهُ كَمَا فِي هَذَا الْموضع وَابْن جريج هُوَ عبد الْملك بن عبد الْعَزِيز الْمَكِّيّ وَعَطَاء هُوَ ابْن أبي رَبَاح الْمَكِّيّ وَأَبُو الْعَبَّاس بِالْبَاء الْمُوَحدَة وَالسِّين الْمُهْملَة اسْمه السَّائِب بن فروخ الشَّاعِر الْأَعْمَى الْمَكِّيّ وَقد مر فِي بَاب مَا يكره من التَّشْدِيد فِي كتاب التَّهَجُّد قَالَه الْكرْمَانِي وَلَيْسَ كَذَلِك بل هُوَ مَذْكُور فِي بَاب مُجَرّد عَن التَّرْجَمَة عقيب بَاب مَا يكره من ترك قيام اللَّيْل وَفِيه قِطْعَة من هَذَا الحَدِيث قَوْله " بلغ النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ - أَنِّي أسرد الصَّوْم " الَّذِي بلغ النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ - هُوَ عَمْرو بن الْعَاصِ وَالِد عبد الله صَاحب الْقَضِيَّة وأسرد بِضَم الرَّاء أَي أَصوم مُتَتَابِعًا وَلَا أفطر بِالنَّهَارِ قَوْله " فإمَّا أرسل إِلَيّ وَإِمَّا لَقيته " يَعْنِي من غير إرْسَال وَكلمَة إِمَّا للتفصيل وَلَا تَفْصِيل إِلَّا بَين الشَّيْئَيْنِ وهما هُنَا إِمَّا إرْسَال النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ - إِلَيْهِ لما بلغه أَبوهُ قصَّته وَإِمَّا أَنه لَقِي النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ - من غير طلب قَوْله " ألم أخبر " على صِيغَة الْمَجْهُول قَوْله " فَإِن لعينك " بِالْإِفْرَادِ فِي رِوَايَة السَّرخسِيّ والكشميهني وَفِي رِوَايَة غَيرهمَا " لعينيك " بالتثنية قَوْله " حظا " أَي نَصِيبا كَذَا هُوَ فِي الْمَوْضِعَيْنِ وَكَذَا وَقع فِي رِوَايَة مُسلم وَعند الْإِسْمَاعِيلِيّ " حَقًا " بِالْقَافِ وَعِنْده وَعند مُسلم من الزِّيَادَة " وصم من كل عشرَة أَيَّام يَوْمًا وَلَك أجر التِّسْعَة " قَوْله " وَإِنِّي لأقوى " بِلَفْظ الْمُتَكَلّم من الْمُضَارع قَوْله " لذَلِك " أَي لسرد الصَّوْم دَائِما ويروى على ذَلِك وَفِي رِوَايَة مُسلم " إِنِّي أجدني أقوى من ذَلِك يَا نَبِي الله " قَوْله " وَكَيف " أَي قَالَ عبد الله كَيفَ صِيَام دَاوُد عليه السلام وَفِي رِوَايَة مُسلم " قَالَ وَكَيف كَانَ دَاوُد عليه السلام يَصُوم يَا نَبِي الله " قَوْله " وَلَا يفر إِذا لَاقَى " أَي لَا يهرب إِذا لَاقَى الْعَدو قيل فِي ذكر هَذَا عقيب ذكر صَوْمه إِشَارَة إِلَى أَن الصَّوْم على هَذَا الْوَجْه لَا ينهك الْبدن وَلَا يُضعفهُ بِحَيْثُ يُضعفهُ عَن لِقَاء الْعَدو بل يَسْتَعِين يفْطر يَوْم على صِيَام يَوْم فَلَا يضعف عَن الْجِهَاد وَغَيره من الْحُقُوق ويجد مشقة الصَّوْم فِي يَوْم الصّيام لِأَنَّهُ لم يعتده بِحَيْثُ يصير الصّيام لَهُ عَادَة فَإِن الْأُمُور إِذا صَارَت عَادَة سهلت مشاقها قَوْله " وَقَالَ من لي بِهَذِهِ يَا نَبِي الله " أَي قَالَ عبد الله من تكفل لي بِهَذِهِ الْخصْلَة الَّتِي لداود عليه السلام لَا سِيمَا عدم الْفِرَار قَوْله " قَالَ عَطاء " أَي قَالَ عَطاء بن أبي رَبَاح بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُور قَوْله " لَا أَدْرِي كَيفَ ذكر صِيَام الْأَبَد " يَعْنِي أَن عَطاء لم يحفظ كَيفَ جَاءَ ذكر صِيَام الْأَبَد فِي هَذِه الْقِصَّة إِلَّا أَنه حفظ فِيهَا أَنه صلى الله عليه وسلم َ - قَالَ " لَا صَامَ من صَامَ الْأَبَد " وَقد روى النَّسَائِيّ وَأحمد هَذِه الْجُمْلَة وَحدهَا من طرق عَن عَطاء قَوْله " لَا صَامَ