الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(وَأما تشتريه أَو تَجِد رِيحه) وَفِي رِوَايَة أبي أُسَامَة: (إِمَّا أَن يجديك، وَإِمَّا أَن تبْتَاع مِنْهُ) . وَرِوَايَة عبد الْوَاحِد أرجح لِأَن: الإجداء وَهُوَ الْإِعْطَاء. لَا يتَعَيَّن بِخِلَاف الرَّائِحَة، فَإِنَّهَا لَازِمَة سَوَاء وجد البيع أَو لم يُوجد. قَوْله:(وكير الْحداد) إِلَى آخِره، وَفِي رِوَايَة أبي أُسَامَة:(ونافخ الْكِير، إِمَّا أَن يحرق ثِيَابك) .
ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ فِيهِ: النَّهْي عَن مجالسة من يتَأَذَّى بمجالسته، كالمغتاب والخائض فِي الْبَاطِل، وَالنَّدْب إِلَيّ من ينَال بمجالسته الْخَيْر من ذكر الله وَتعلم الْعلم وأفعال الْبر كلهَا. وَفِي الحَدِيث:(الْمَرْء على دين خَلِيله، فَلْينْظر أحدكُم من يخالل) . وَفِيه: دَلِيل على إِبَاحَة المقايسات فِي الدّين، قَالَه ابْن حبَان عِنْد ذكر هَذَا الحَدِيث. وَفِيه: جَوَاز ضرب الْأَمْثَال. وَفِيه: دَلِيل على طَهَارَة الْمسك. وَفِي (صَحِيح مُسلم) : عَن أبي سعيد، قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: (الْمسك أطيب الطّيب) . وَفِي كتاب (الْأَشْرَاف) : روينَا عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم بِسَنَد جيد أَنه كَانَ لَهُ مسك يتطيب بِهِ، وعَلى هَذَا جلّ الْعلمَاء من الصَّحَابَة وَغَيرهم، وَهُوَ قَول عَليّ بن أبي طَالب وَابْن عَبَّاس وَابْن عمر وَأنس وسلمان، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، وَمُحَمّد بن سِيرِين وَسَعِيد بن الْمسيب وَجَابِر بن زيد وَالشَّافِعِيّ وَمَالك وَاللَّيْث وَأحمد وَإِسْحَاق. وَخَالف فِي ذَلِك آخَرُونَ، فَذكر ابْن أبي شيبَة، قَالَ عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: لَا تحنطوني بِهِ، وَكَرِهَهُ. وَكَذَا عمر ابْن عبد الْعَزِيز وَعَطَاء وَالْحسن وَمُجاهد وَالضَّحَّاك، وَقَالَ أَكْثَرهم: لَا يصلح للحي وَلَا للْمَيت، لِأَنَّهُ ميتَة، وَهُوَ عِنْدهم بِمَنْزِلَة مَا أبين من الْحَيَوَان. قَالَ ابْن الْمُنْذر: لَا يَصح ذَلِك إلَاّ عَن عَطاء. قلت: روى ابْن أبي شيبَة عَن عَطاء من طَرِيق جَيِّدَة أَنه سُئِلَ: أطيب الْمَيِّت بالمسك؟ قَالَ: نعم، أوليس الَّذِي تخمرون بِهِ الْمسك؟ فَهُوَ خلاف مَا قَالَه ابْن الْمُنْذر عَنهُ، وَقَوْلهمْ: إِنَّه بِمَنْزِلَة مَا أبين من الْحَيَوَان، قِيَاس غير صَحِيح، لِأَن مَا قطع من الْحَيّ يجْرِي فِيهِ الدَّم، وَهَذَا لَيْسَ سَبِيل نافجة الْمسك لِأَنَّهَا تسْقط عِنْد الاحتكاك كسقوط الشعرة. وَقَالَ أَبُو الْفضل عِيَاض: وَقع الْإِجْمَاع على طَهَارَته وَجَوَاز اسْتِعْمَاله. وَقَالَ أَصْحَابنَا: الْمسك حَلَال بِالْإِجْمَاع بِحل اسْتِعْمَاله للرِّجَال وَالنِّسَاء، وَيُقَال: انقرض الْخلاف الَّذِي كَانَ فِيهِ، وَاسْتقر الْإِجْمَاع على طَهَارَته، وَجَوَاز بَيْعه. وَقَالَ الْمُهلب: أصل الْمسك التَّحْرِيم لِأَنَّهُ دم، فَلَمَّا تغير عَن الْحَالة الْمَكْرُوهَة من الدَّم، وَهِي الزهم، وفاح الرَّائِحَة، صَار حَلَالا بِطيب الرَّائِحَة، وانتقلت حَاله كَالْخمرِ تتخل فَتحل بعد أَن كَانَت حَرَامًا بانتقال الْحَال. وَفِي (شرح الْمُهَذّب) : نقل أَصْحَابنَا عَن الشِّيعَة فِيهِ مذهبا بَاطِلا، وَهُوَ مُسْتَثْنى من الْقَاعِدَة الْمَعْرُوفَة: أَن مَا أبين من حَيّ فَهُوَ ميت أَو يُقَال: هُوَ فِي معنى الْجَنِين وَالْبيض وَاللَّبن، وَذكر المَسْعُودِيّ فِي (مروج الذَّهَب) : أَنه تدفع مواد الدَّم إِلَى سرة الغزال، فَإِذا استحكم لون الدَّم فِيهَا ونضح آذاه ذَلِك وحكه. فَيفزع حِينَئِذٍ إِلَى أحد الصخور والأحجار الحارة من حر الشَّمْس، فيجت بهَا ملتذا بذلك، فينفجر حِينَئِذٍ وتسيل على تِلْكَ الْأَحْجَار كانفجار الْجراح والدمل، ويجد بِخُرُوجِهِ لَذَّة، فَإِذا فرغ مَا فِي نافجته اندمل حِينَئِذٍ ثمَّ اندفعت إِلَيْهِ مواد من الدَّم تَجْتَمِع ثَانِيَة، فَيخرج رجال نبت يقصدون تِلْكَ الْحِجَارَة وَالْجِبَال فيجدونه قد جف بعد إحكام الْموَاد ونضج الطبيعة وجففته الشَّمْس وَأثر فِيهِ الْهوى، فيودعونه فِي نوافج مَعَهم قد أخذوها من غزلان اصطادوها، معدة مَعَهم، ولغزاله نابان صغيران محدودا الْأَعْلَى، مِنْهَا مدلًى على أَسْنَانه السُّفْلى، ويداه قصيرتان وَرجلَاهُ طويلتان، وَرُبمَا رَمَوْهَا بِالسِّهَامِ فيصرعونها ويقطعون عَنْهَا نوافجها وَالدَّم فِي سررها خام لم ينضج، وطري لم يدْرك، فَيكون لرائحته سهولة، فَيبقى زَمَانا حَتَّى تَزُول عَنهُ تِلْكَ الروائح السهلة الكريهة، وتكتسب موادا من الْهوى، وَتصير مسكا.
93 -
(بابُ ذِكْرِ الحجَّامِ)
أَي: هَذَا بَاب فِيمَا جَاءَ من ذكر الْحجام، وَلما ذكر فِي: بَاب مُوكل الرِّبَا، النَّهْي عَن ثمن الدَّم الَّذِي هُوَ الْحجامَة، وَظَاهره التَّحْرِيم. عقد هَذَا الْبَاب هُنَا وَفِيه حديثان يدلان على جَوَاز الْحجامَة، وَأخذ الْأُجْرَة، فذكرهما ليدل على أَن النَّهْي الْمَذْكُور فِيهِ إِمَّا مَنْسُوخ كَمَا ذهب إِلَيْهِ الْبَعْض وَإِمَّا أَنه مَحْمُول على التَّنْزِيه، كَمَا ذهب إِلَيْهِ آخَرُونَ، وَهَذَا الَّذِي يذكر هَهُنَا هُوَ الْوَجْه، لَا مَا ذكره بَعضهم مِمَّا لَا طائل تَحْتَهُ.
2012 -
حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ يُوسُفَ قَالَ أخبرنَا مالِكٌ عنْ حُمَيْدٍ عنْ أنَسِ بنِ مالِكٍ رَضِي الله
تَعَالَى عنهُ قَالَ حَجَمَ أبُو طَيْبَةَ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فأمَرَ لَهُ بِصَاعٍ مِنْ تَمْرٍ وأمَرَ أهْلَهُ أنْ يُخَفِّفُوا مِنْ خَرَاجِهِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن الْمَذْكُور فِيهِ أَن أَبَا طيبَة حجم رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فيطلق عَلَيْهِ أَنه حجام. وَرِجَاله قد ذكرُوا غير مرّة.
والْحَدِيث أخرجه أَبُو دَاوُد فِي الْبيُوع أَيْضا عَن القعْنبِي. وَأَبُو طيبَة، بِفَتْح الطَّاء الْمُهْملَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة، قيل: إسمه دِينَار. وَقيل: نَافِع، وَقيل: ميسرَة. وَقَالَ ابْن الْحذاء: عَاشَ مائَة وَثَلَاثًا وَأَرْبَعين سنة. وَهُوَ مولى محيصة، بِضَم الْمِيم وَفتح الْحَاء الْمُهْملَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وبالصاد الْمُهْملَة: ابْن مَسْعُود الْأنْصَارِيّ، وَأَهله هم بَنو بياضة.
قَوْله: (من خراجه) ، بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة، وَهُوَ مَا يقرره السَّيِّد على عَبده أَن يُؤَدِّيه إِلَيْهِ كل يَوْم.
وَفِيه: دَلِيل على جَوَاز الْحجامَة وَجَوَاز أَخذ الْأُجْرَة عَلَيْهَا. وَفِيه: دَلِيل على إِبَاحَة مقاطعة الْمولى عَبده على خراج مَعْلُوم مياومة أَو مشاهرة. وَفِيه: جَوَاز وضع الضريبة عَنهُ وَالتَّخْفِيف عَلَيْهِ، وَرُوِيَ أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم سَأَلَهُ: كم ضريبتك؟ فَقَالَ: ثَلَاثَة آصَع، فَوضع عَنهُ صَاعا، وَإِنَّمَا أضيف الْوَضع إِلَيْهِ لِأَنَّهُ كَانَ هُوَ الْآمِر بِهِ، وَهَذَا رَوَاهُ الطَّحَاوِيّ فَقَالَ: حَدثنَا فَهد، قَالَ: حَدثنَا أَبُو غَسَّان، قَالَ: حَدثنَا أَبُو عوَانَة عَن أبي بشر عَن سُلَيْمَان بن قيس عَن جَابر بن عبد الله الْأنْصَارِيّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: أَن رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم دَعَا أَبَا طيبَة فحجمه، فَسَأَلَهُ:(كم ضريبتك؟) فَقَالَ: ثَلَاثَة آصَع. فَوضع عَنهُ صَاعا) وَأخرجه أَبُو يعلى فِي (مُسْنده) بِإِسْنَادِهِ إِلَى جَابر وَلَفظه: قَالَ: (بعث رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم، إِلَى أبي طيبَة فحجمه) إِلَى آخِره نَحوه، وَأَبُو بشر اسْمه جَعْفَر بن إِيَاس الْيَشْكُرِي، وَعلل بَعضهم الحَدِيث بِأَنَّهُ لم يسمع من سُلَيْمَان بن قيس، وَأخرج الطَّحَاوِيّ أَيْضا من حَدِيث أبي جميلَة عَن عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، قَالَ:(احْتجم رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم، وَأعْطى أجره) ، وَلَو كَانَ بِهِ بَأْس لم يُعْطه. وَأخرجه ابْن أبي شيبَة فِي (مُصَنفه) وَأَبُو جميلَة اسْمه ميسرَة، وَثَّقَهُ ابْن حبَان. فَإِن قلت: روى الطَّحَاوِيّ عَن الْمُزنِيّ عَن الشَّافِعِي عَن ابْن أبي فديك عَن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن أبي ذِئْب عَن ابْن شهَاب عَن حرَام بن سعد بن محيصة، أحد بني حَارِثَة عَن أَبِيه، (أَنه سَأَلَ رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم، عَن كسب الْحجام؟ فَنَهَاهُ أَن يَأْكُل من كَسبه، ثمَّ عَاد فَنَهَاهُ، ثمَّ عَاد فَنَهَاهُ، فَلم يزل يُرَاجِعهُ حَتَّى قَالَ لَهُ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: أعلف كَسبه ناضحك وأطعمه رقيقك) . قلت: فِي إِبَاحَته، صلى الله عليه وسلم، أَن يطعمهُ الرَّقِيق والناضح دَلِيل على أَنه لَيْسَ بِحرَام، أَلا ترى أَن المَال الْحَرَام الَّذِي لَا يحل للرجل لَا يحل لَهُ أَيْضا أَن يطعمهُ رَقِيقه وَلَا نَاضِحَهُ؟ لِأَن رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم، قد قَالَ فِي الرَّقِيق:(أطعموهم مِمَّا تَأْكُلُونَ) . فَلَمَّا ثَبت إِبَاحَة النَّبِي، صلى الله عليه وسلم، لمحيصة أَن يعلف ذَلِك نَاضِحَهُ وَيطْعم رَقِيقه من كسب حجامه، دلّ ذَلِك على نسخ مَا تقدم من نَهْيه عَن ذَلِك، وَثَبت حل ذَلِك لَهُ وَلغيره، قَالَه الطَّحَاوِيّ ثمَّ قَالَ: وَهَذَا قَول أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف وَمُحَمّد رحمهمَا الله تَعَالَى.
3012 -
حدَّثنا مُسَدَّدٌ قَالَ حدَّثنا خالِدٌ هُوَ ابنُ عَبْدِ الله قَالَ حَدثنَا خالِدٌ عنْ عِكْرِمَةَ عنِ ابنِ عَبَّاسٍ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا قَالَ احْتَجَمَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم وأعْطَى الَّذِي حَجَمَهُ ولَوْ كانَ حَرَاما لَمْ يُعْطِهِ. .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، لِأَن قَوْله:(حجمه) يَقْتَضِي الْحجام، وخَالِد بن عبد الله هُوَ: الطَّحَّان الوَاسِطِيّ، وخَالِد الثَّانِي هُوَ خَالِد بن مهْرَان الْحذاء الْبَصْرِيّ.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الْإِجَارَة عَن مُسَدّد عَن يزِيد بن زُرَيْع. وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِي الْبيُوع عَن مُسَدّد بِهِ.
قَوْله: (أعْطى الَّذِي حجمه) لم يذكر الْمَفْعُول الثَّانِي، وَهُوَ نَحْو: شَيْئا أَو صَاعا من تمر، بِقَرِينَة الحَدِيث السَّابِق. قَوْله:(وَلَو كَانَ)، أَي: الَّذِي أعطَاهُ النَّبِي، صلى الله عليه وسلم، لَهُ حَرَامًا لم يُعْطه، وَهَذَا نَص فِي إِبَاحَة أجر الْحجام.
وَفِيه: اسْتِعْمَال الأحير من غير تَسْمِيَة أحره وإعطاؤه قدرهَا، وَأكْثر، قَالَه الدَّاودِيّ، وَلَعَلَّ محمل الحَدِيث أَنهم كَانُوا يعلمُونَ مقدارها، فَدَخَلُوا على الْعَادة.