الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بِأبي الدَّرْدَاء، يَعْنِي: قَائِل هَذَا الْكَلَام هُوَ أَبُو الدَّرْدَاء الصَّحَابِيّ، وَالْمَقْصُود مِنْهُ أَن الْأُمُور الشَّرْعِيَّة الَّتِي ترد على خلاف الْقيَاس وَلَا يعلم وَجه الْحِكْمَة فِيهَا يجب الِاتِّبَاع بهَا، ويكل الْأَمر فِيهَا إِلَى الشَّارِع، ويتعبد بهَا وَلَا يعْتَرض، وَلَا يَقُول: لم كَانَ كَذَا؟ ألَا ترى أَن فِي حَدِيث قَتَادَة، قَالَ: حَدَّثتنِي معَاذَة أَن امْرَأَة قَالَت لعَائِشَة: أتجزىء إحدانا صلَاتهَا، إِذا طهرت؟ قَالَت: أحرورية أَنْت؟ كُنَّا نحيض مَعَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَلَا يَأْمُرنَا بِهِ، أَو قَالَت: فَلَا نفعله، قد تقدم هَذَا فِي بَاب: لَا تقضي الْحَائِض الصَّلَاة فِي كتاب الْحيض، وَقَالَ بَعضهم: وَقد تقدم فِي كتاب الْحيض سُؤال معَاذَة عَن عَائِشَة عَن الْفرق الْمَذْكُور، وَأنْكرت عَلَيْهَا عَائِشَة السُّؤَال، وخشيت عَلَيْهَا أَن تكون تَلَقَّتْهُ من الْخَوَارِج الَّذين جرت عَادَتهم باعتراض السّنَن بآرائهم، وَلم تزدها على الْحِوَالَة على النَّص، فَكَأَنَّهَا قَالَت لَهَا: دعِي السُّؤَال عَن الْعلَّة إِلَى مَا هُوَ أهم من مَعْرفَتهَا، وَهُوَ الانقياد إِلَى الشَّارِع انْتهى. قلت: قد غلط هَذَا الْقَائِل فِي قَوْله: سُؤال معَاذَة عَن عَائِشَة عَن الْفرق إِلَى آخِره، وَلم يكن السُّؤَال من معَاذَة، وَإِنَّمَا معَاذَة حدثت أَن امْرَأَة قَالَت لعَائِشَة: فَهَذِهِ هِيَ السائلة دون معَاذَة، وَالسُّؤَال وَالْجَوَاب إِنَّمَا كَانَا بَين تِلْكَ الْمَرْأَة وَعَائِشَة، وَلم تكن بَين معَاذَة وَعَائِشَة على مَا لَا يخفى.
قَوْله: (ووجوه الْحق) أَي الْأُمُور الشَّرْعِيَّة، وَاللَّام فِي قَوْله: لتأتي، مَفْتُوحَة للتَّأْكِيد. قَوْله:(على خلاف الرَّأْي) أَي: الْعقل وَالْقِيَاس. قَوْله: (فَمَا يجد الْمُسلمُونَ بدا) أَي: افتراقا وامتناعا من اتباعها. قَوْله: (من ذَلِك) أَي: من جملَة مَا هُوَ أَتَى بِخِلَاف الرَّأْي، قَضَاء الصَّوْم وَالصَّلَاة، فَإِن مُقْتَضَاهُ أَن يكون قضاؤهما متساويين فِي الحكم، لِأَن كلاًّ مِنْهُمَا عبَادَة تركت لعذر، لَكِن قَضَاء الصَّوْم وَاجِب.
وَالْحَاصِل من كَلَامه أَن الْأُمُور الشَّرْعِيَّة الَّتِي تَأتي على خلاف الرَّأْي وَالْقِيَاس لَا يطْلب فِيهَا وَجه الْحِكْمَة، بل يتعبد بهَا، ويوكل أمرهَا إِلَى الله تَعَالَى، لِأَن أَفعَال الله تَعَالَى لَا تَخْلُو عَن حِكْمَة، وَلَكِن غالبها تخفى على النَّاس وَلَا تدركها الْعُقُول، وَمن جملَة مَا قَالُوا فِي الْفرق بَين الصَّوْم وَالصَّلَاة على أَنْوَاع. مِنْهَا: مَا قَالَ الْفُقَهَاء: الْفرق بَينهمَا أَن الصَّوْم لَا يَقع فِي السّنة إلَاّ مرّة وَاحِدَة فَلَا حرج فِي قَضَائِهِ، بِخِلَاف الصَّلَاة، فَإِنَّهَا متكررة كل يَوْم فَفِي قَضَائهَا حرج عَظِيم. وَمِنْهَا: مَا قَالُوا: إِن الْحَائِض لَا تضعف عَن الصّيام فَأمرت بِإِعَادَة الصّيام عملا بقوله: {فَمن كَانَ مِنْكُم مَرِيضا} (الْبَقَرَة: 481) . والنزف مرض بِخِلَاف الصَّلَاة فَإِنَّهَا أَكثر الْفَرَائِض تردادا، وَهِي الَّتِي حطها الله تَعَالَى فِي أصل الْفَرْض من خمسين إِلَى خمس، فَلَو أمرت بإعادتها لتضاعف عَلَيْهَا الْفَرْض. وَمِنْهَا: مَا قَالُوا: إِن الله تَعَالَى وصف الصَّلَاة بِأَنَّهَا كَبِيرَة فِي قَوْله تَعَالَى: {وَإِنَّهَا لكبيرة} (الْبَقَرَة: 45) . فَلَو أمرت بإعادتها لكَانَتْ كَبِيرَة على كَبِيرَة، وَقَالَ إِمَام الْحَرَمَيْنِ: إِن الْمَنْع فِي ذَلِك النَّص، وَإِن كل شَيْء ذَكرُوهُ من الْفرق ضَعِيف، وَزعم الْمُهلب أَن السَّبَب فِي منع الْحَائِض من الصَّوْم أَن خُرُوج الدَّم يحدص ضعفا فِي النَّفس غَالِبا، فَاسْتعْمل هَذَا الْغَالِب فِي جَمِيع الْأَحْوَال، فَلَمَّا كَانَ الضعْف يُبِيح الْفطر وَيُوجب الْقَضَاء كَانَ كَذَلِك الْحيض، وَفِيه نظر، لِأَن الْمَرِيض لَو تحامل فصَام صَحَّ صَوْمه، بِخِلَاف الْحَائِض، فَإِن الْمُسْتَحَاضَة فِي نزف الدَّم أَشد من الْحَائِض، وَقد أُبِيح لَهَا الصَّوْم.
9591 -
حدَّثنا ابنُ أبي مَرْيَمَ قَالَ حدَّثَنا مُحَمَّدُ بنُ جَعْفَرٍ قَالَ حدَّثني زَيْدٌ عنْ عِيَاضٍ عنْ أبِي سَعَيدٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ قَالَ قَالَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم ألَيْسَ إذَا حاضَتْ لَمْ تُصَلِّ ولَمْ تَصُمْ فَذَلِكَ نُقْصَانُ دِينِهَا. .
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: (إِذا حَاضَت لم تصل وَلم تصم) ، والترجمة فِي ترك الصَّوْم وَالصَّلَاة، والْحَدِيث مضى فِي: بَاب ترك الْحَائِض الصَّوْم، فِي كتاب الْحيض، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ بِهَذَا الْإِسْنَاد مطولا، وَذكره هُنَا مقصرا على قَوْله:(أَلَيْسَ إِذا حَاضَت لم تصل؟) إِلَى آخِره، وَزيد هُوَ ابْن أسلم، وعياض ابْن عبد الله، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ مُسْتَوفى هُنَاكَ.
24 -
(بابُ منْ ماتَ وَعلَيْهِ صَوْمٌ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم الشَّخْص الَّذِي مَاتَ، وَالْحَال أَن عَلَيْهِ صوما وَلم يعين الحكم لاخْتِلَاف الْعلمَاء فِيهِ. على مَا يَجِيء بَيَانه، إِن شَاءَ الله تَعَالَى. وَيجوز أَن تكون: من، شَرْطِيَّة، وَجَوَاب الشَّرْط مَحْذُوف، وَالتَّقْدِير: يجوز قَضَاؤُهُ عَنهُ عِنْد من يجوز ذَلِك من الْفُقَهَاء على مَا يَجِيء.
وَقَالَ الحَسَنُ إنْ صَامَ عَنْهُ ثَلاثُونَ رَجُلاٍ يَوْما واحِدا أجازَ
هَذَا الْأَثر عَن الْحسن الْبَصْرِيّ مِمَّا يبين مُرَاده من التَّرْجَمَة المبهمة، وَوجه مطابقته لَهَا أَيْضا، وَهَذَا تَعْلِيق وَصله الدَّارَقُطْنِيّ فِي كتاب المذبح من طَرِيق عبد الله بن الْمُبَارك عَن سعيد بن عَامر وَهُوَ الضبعِي، وَعَن أَشْعَث عَن الْحسن فِيمَن مَاتَ وَعَلِيهِ صَوْم ثَلَاثِينَ يَوْمًا، فَجمع لَهُ ثَلَاثُونَ رجلا فصاموا عَنهُ يَوْمًا وَاحِدًا أَجْزَأَ عَنهُ. قَوْله:(إِن صَامَ عَنهُ)، أَي: عَن الْمَيِّت، والقرينة تدل عَلَيْهِ. قَوْله:(يَوْمًا وَاحِدًا) وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: (فِي يَوْم وَاحِد)، جَازَ أَن يَقع قَضَاء صَوْم رَمَضَان كُله فِي الْيَوْم الْوَاحِد للْمَيت الَّذِي فَاتَ عَنهُ ذَلِك. قَالَ النَّوَوِيّ فِي (شرح الْمُهَذّب) : هَذِه الْمَسْأَلَة لم أر فِيهَا نقلا فِي الْمَذْهَب، وَقِيَاس الْمَذْهَب الْإِجْزَاء، وَفِي التَّوْضِيح أثر الْحسن غَرِيب وَهُوَ فرع لَيْسَ فِي مَذْهَبنَا، وَهُوَ الظَّاهِر، كَمَا لَو اسْتَأْجر عَنهُ بعد مَوته من يحجّ عَنهُ من فرض استطاعته، وَآخر يحجّ عَنهُ عَن قَضَائِهِ، وَآخر عَن نَذره فِي سنة وَاحِدَة فَإِنَّهُ يجوز.
2591 -
حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ خالِدٍ قَالَ حدَّثنا محمَّدُ بنُ مُوسَى بنِ أعْيَنَ قَالَ حدَّثنا أبِي عنْ عَمْرِو ابنِ الحَارِثِ عَنْ عُبَيْدِ الله بنِ جَعْفَرٍ أنَّ مُحَمَّدَ بنَ جَعْفَرٍ حَدَّثَهُ عنْ عُرْوَةَ عنْ عائِشَةَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قَالَ منْ ماتَ وعَلَيْهِ صِيَامٌ صامَ عَنْهُ ولِيُّهُ.
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِنَّه يبين الْإِبْهَام الَّذِي فِيهَا.
ذكر رِجَاله وهم ثَمَانِيَة: الأول: مُحَمَّد بن خَالِد، اخْتلف فِيهِ فَذكر أَبُو عَليّ الجياني أَن أَبَا نصر وَالْحَاكِم قَالَا: هُوَ الذهلي نِسْبَة إِلَى جده، فَإِنَّهُ مُحَمَّد بن يحيى بن عبد الله بن خَالِد، وَقَالَ ابْن عدي: فِي شُيُوخ البُخَارِيّ مُحَمَّد بن خَالِد بن جبلة الرَّافِعِيّ. وَقَالَ ابْن عَسَاكِر: قيل: إِن البُخَارِيّ روى عَنهُ، وَقَالَ أَبُو نعيم فِي (الْمُسْتَخْرج) : رَوَاهُ يَعْنِي: البُخَارِيّ عَن مُحَمَّد بن خَالِد بن خلي عَن مُحَمَّد بن مُوسَى بن أعين، وَكَأَنَّهُ مُنْفَرد بِهَذَا القَوْل، وَجزم الجوزقي بِأَنَّهُ الذهلي، فَإِنَّهُ أخرجه عَن أبي حَامِد بن الشرفي عَنهُ. وَقَالَ: أخرجه البُخَارِيّ عَن مُحَمَّد بن يحيى، وَبِذَلِك جزم الكلاباذي، وَوَافَقَهُ الْمزي وَهُوَ الرَّاجِح، وعَلى هَذَا فقد نسبه البُخَارِيّ هُنَا إِلَى جد أَبِيه لِأَنَّهُ مُحَمَّد بن يحيى بن عبد الله بن خَالِد بن خلي على وزن عَليّ. الثَّانِي: مُحَمَّد بن مُوسَى بن أعين أَبُو يحيى الْجَزرِي. الثَّالِث: أَبوهُ مُوسَى بن أعين الْجَزرِي أَبُو سعيد، مَاتَ سنة خمس، وَقيل: سبع وَتِسْعين وَمِائَة. الرَّابِع: عَمْرو بن الْحَارِث بن يَعْقُوب الْأنْصَارِيّ أَبُو أُميَّة الْمُؤَدب. الْخَامِس: عبيد الله بن أبي جَعْفَر يسَار الْأمَوِي الْقرشِي. السَّادِس: مُحَمَّد بن جَعْفَر بن الزبير بن الْعَوام. السَّابِع: عُرْوَة بن الزبير. الثَّامِن: عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، وَهَذَا الحَدِيث من ثمانيات البُخَارِيّ، وَمثل هَذَا قَلِيل فِي الْكتاب.
ذكر لطائف إِسْنَاده فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع وبصيغة الْإِفْرَاد فِي مَوضِع. وَفِيه: العنعنة فِي أَرْبَعَة مَوَاضِع، وَفِيه: نِسْبَة الرَّاوِي إِلَى جده. وَفِيه: رِوَايَة الإبن عَن الْأَب. وَفِيه: رِوَايَة الرَّاوِي عَن عَمه وَهُوَ مُحَمَّد ابْن جَعْفَر يروي عَن عَمه عُرْوَة. وَفِيه: أَن شَيْخه نيسابوري وَمُحَمّد بن مُوسَى وَأَبوهُ حرانيان وَعَمْرو بن الْحَارِث وَعبيد الله بن جَعْفَر مصريان، وَمُحَمّد بن جَعْفَر وَعُرْوَة مدنيان.
ذكر من أخرجه غَيره: أخرجه مُسلم أَيْضا فِي الصَّوْم عَن هَارُون بن سعيد الْأَيْلِي، وَعَن أَحْمد بن عِيسَى. وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِيهِ عَن أَحْمد بن صَالح عَن ابْن وهب. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن عَليّ بن عُثْمَان النُّفَيْلِي وَإِسْمَاعِيل بن يَعْقُوب الحرانيين.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (من مَاتَ)، أَي: من الْمُكَلّفين بِقَرِينَة قَوْله: (وَعَلِيهِ صِيَام)، لِأَن كلمة: على، للإيحاب وَالْوَاو فِيهِ للْحَال. قَوْله:(صَامَ عَنهُ)، أَي: عَن الْمَيِّت وليُّه، وَاخْتلف المجيزون الصَّوْم عَن الْمَيِّت فِي المُرَاد بالولي، فَقيل: كل قريب، وَقيل: الْوَارِث خَاصَّة، وَقيل: عصبته، وَقَالَ الْكرْمَانِي: الصَّحِيح أَن المُرَاد بِهِ الْقَرِيب، سَوَاء كَانَ عصبَة أَو وَارِثا أَو غَيرهمَا. انْتهى. وَلَو صَامَ عَنهُ أَجْنَبِي. قَالَ فِي (شرح الْمُهَذّب) : إِن كَانَ بِإِذن الْوَلِيّ صَحَّ وإلَاّ فَلَا، وَلَا يجب على الْوَلِيّ الصَّوْم عَنهُ، بل يسْتَحبّ. وَأطلق
ابْن حزم النَّقْل عَن اللَّيْث بن سعد وَأبي ثَوْر وَدَاوُد أَنه فرض على أوليائه، هم أَو بَعضهم، وَبِه صرح القَاضِي أَبُو الطّيب الطَّبَرِيّ فِي تَعْلِيقه بِأَن المُرَاد مِنْهُ الْوُجُوب، وَجزم بِهِ النَّوَوِيّ فِي (الرَّوْضَة) من غير أَن يعزوه إِلَى أحد، وَزَاد فِي (شرح الْمُهَذّب) فَقَالَ: إِنَّه بِلَا خلاف. وَقَالَ شَيخنَا زين الدّين: هَذَا عَجِيب مِنْهُ، ثمَّ قَالَ: وَحكى النَّوَوِيّ فِي (شرح مُسلم) عَن أحد قولي الشَّافِعِي: إِنَّه يسْتَحبّ لوَلِيِّه أَن يَصُوم عَنهُ، ثمَّ قَالَ: وَلَا يجب عَلَيْهِ.
ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ: احْتج بِهِ أَصْحَاب الحَدِيث فأجازوا الصّيام عَن الْمَيِّت، وَبِه قَالَ الشَّافِعِي فِي الْقَدِيم، وَأَبُو ثَوْر وطاووس وَالْحسن وَالزهْرِيّ وَقَتَادَة وَحَمَّاد بن أبي سُلَيْمَان وَاللَّيْث بن سعد وَدَاوُد الظَّاهِرِيّ وَابْن حزم، سَوَاء كَانَ عَن صِيَام رَمَضَان أَو عَن كَفَّارَة أَو عَن نذر، وَرجح الْبَيْهَقِيّ وَالنَّوَوِيّ القَوْل الْقَدِيم للشَّافِعِيّ لصِحَّة الْأَحَادِيث فِيهِ. وَقَالَ النَّوَوِيّ، رحمه الله فِي (شرح مُسلم) : إِنَّه الصَّحِيح الْمُخْتَار الَّذِي نعتقده، وَهُوَ الَّذِي صَححهُ محققو أَصْحَابه الجامعيين بَين الْفِقْه والْحَدِيث لقُوَّة الْأَحَادِيث الصَّحِيحَة الصَّرِيحَة، وَنقل الْبَيْهَقِيّ فِي (الخلافيات) : من كَانَ عَلَيْهِ صَوْم فَلم يقضه مَعَ الْقُدْرَة عَلَيْهِ حَتَّى مَاتَ صَامَ عَنهُ وليه أَو أطْعم عَنهُ على قَوْله فِي الْقَدِيم، وَهَذَا ظَاهر أَن الْقَدِيم تَخْيِير الْوَلِيّ بَين الصّيام وَالْإِطْعَام، وَبِه صرح النَّوَوِيّ فِي (شرح مُسلم) قلت: لَيْسَ القَوْل الْقَدِيم مذهبا لَهُ فَإِنَّهُ غسل كتبه الْقَدِيمَة وَأشْهد على نَفسه بِالرُّجُوعِ عَنْهَا، هَكَذَا نقل ذَلِك عَنهُ أَصْحَابه.
ثمَّ إعلم أَن فِي هَذَا الْبَاب اخْتِلَافا كثيرا وأقوالاً. الأول: مَا ذَكرْنَاهُ الْآن. وَالثَّانِي: هُوَ أَن يطعم الْوَلِيّ عَن الْمَيِّت كل يَوْم مِسْكينا مدا من قَمح، وَهُوَ قَول الزُّهْرِيّ وَمَالك وَالشَّافِعِيّ فِي الْحَدِيد، وَأَنه لَا يَصُوم أحد عَن أحد، وَإِنَّمَا يطعم عَنهُ عِنْد مَالك إِذا أوصى بِهِ. وَالثَّالِث: يطعم عَنهُ كل يَوْم نصف صَاع، روى ذَلِك عَن ابْن عَبَّاس، وَهُوَ قَول سُفْيَان الثَّوْريّ. وَالرَّابِع: يطعم عَنهُ عَن كل يَوْم صَاعا من غير الْبر، وَنصف صَاع من الْبر، وَهُوَ قَول أبي حنيفَة، وَهَذَا إِذا أوصى بِهِ، فَإِن لم يوصِ فَلَا يطعم عَنهُ. الْخَامِس: التَّفْرِقَة بَين صَوْم رَمَضَان وَبَين صَوْم النّذر، فيصوم عَنهُ وليه مَا عَلَيْهِ من نذر. وَيطْعم عَنهُ عَن كل يَوْم من رَمَضَان مدا، وَهُوَ قَول أَحْمد وَإِسْحَاق، وَحَكَاهُ النَّوَوِيّ عَن أبي عبيد أَيْضا. وَالسَّادِس: أَنه لَا يَصُوم عَنهُ الْأَوْلِيَاء إلَاّ إِذا لم يَجدوا مَا يطعم عَنهُ، وَهُوَ قَول سعيد بن الْمسيب وَالْأَوْزَاعِيّ.
وَحجَّة أَصْحَابنَا الْحَنَفِيَّة، وَمن تَبِعَهُمْ فِي هَذَا الْبَاب، فِي أَن: من مَاتَ وَعَلِيهِ صِيَام لَا يَصُوم عَنهُ أحد، وَلكنه إِن أوصى بِهِ أطْعم عَنهُ وليه كل يَوْم مِسْكين نصف صَاع من بر أَو صَاعا من تمر أَو شعير، مَا رَوَاهُ النَّسَائِيّ (عَن ابْن عَبَّاس: أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: (لَا يُصَلِّي أحد عَن أحد، وَلَكِن يطعم عَنهُ) . وَعَن ابْن عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: (من مَاتَ وَعَلِيهِ صَوْم شهر فليطعم عَنهُ مَكَان كل يَوْم مِسْكين) . قَالَ الْقُرْطُبِيّ فِي (شرح الْمُوَطَّأ) إِسْنَاده حسن. قلت: هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ، وَقَالَ: حَدثنَا قُتَيْبَة حَدثنَا عَبْثَر بن الْقَاسِم عَن أَشْعَث عَن مُحَمَّد عَن نَافِع عَن ابْن عمر عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم ثمَّ قَالَ: (لَا نعرفه مَرْفُوعا إلَاّ من هَذَا الْوَجْه، وَالصَّحِيح عَن ابْن عمر مَوْقُوف، وَرَوَاهُ ابْن مَاجَه أَيْضا عَن مُحَمَّد بن يحيى عَن قُتَيْبَة، إلَاّ أَنه قَالَ: عَن مُحَمَّد بن سِيرِين عَن نَافِع، وَقَالَ الْحَافِظ الْمزي: وَهُوَ وهم، وَقَالَ شَيخنَا: وَقد شكّ عَبْثَر فِي مُحَمَّد هَذَا فَلم يعرف من هُوَ، كَمَا رَوَاهُ ابْن عدي فِي (الْكَامِل) من رِوَايَة الْوَلِيد بن شُجَاع عَن عَبْثَر بن أبي زبيد عَن الْأَشْعَث عَن مُحَمَّد، لَا يدْرِي أَبُو زبيد عَن مُحَمَّد، فَذكر الحَدِيث، ثمَّ قَالَ ابْن عدي بعده، وَمُحَمّد هُوَ ابْن عبد الرَّحْمَن بن أبي ليلى، قَالَ: وَهَذَا الحَدِيث لَا أعلمهُ يرويهِ عَن أَشْعَث غير عَبْثَر، وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من رِوَايَة يزِيد بن هَارُون عَن شريك عَن مُحَمَّد بن عبد الْوَارِث بن عبد الرَّحْمَن بن أبي ليلى عَن نَافِع (عَن ابْن عَبَّاس عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم فِي الَّذِي يَمُوت وَعَلِيهِ رَمَضَان وَلم يقضه، قَالَ: يطعم عَنهُ لكل يَوْم نصف صَاع من بر، قَالَ الْبَيْهَقِيّ: هَذَا خطأ من وَجْهَيْن. أَحدهمَا: رَفعه الحَدِيث إِلَى النَّبِي صلى الله عليه وسلم، وَإِنَّمَا هُوَ من قَول ابْن عمر. وَالْآخر: قَوْله: نصف صَاع، وَإِنَّمَا قَالَ: مدا من حِنْطَة، وَضَعفه عبد الْحق فِي أَحْكَامه بأشعث وَابْن أبي ليلى.
وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ فِي (علله) : الْمَحْفُوظ مَوْقُوف، هَكَذَا رَوَاهُ عبد الْوَهَّاب بن بخت عَن نَافِع عَن ابْن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي (الْمعرفَة) ؛ لَا يَصح هَذَا الحَدِيث، فَإِن مُحَمَّد بن أبي ليلى كثير الْوَهم، وَرَوَاهُ أَصْحَاب نَافِع عَن نَافِع عَن ابْن عمر. قَوْله: قلت: رفع هَذَا الحَدِيث قُتَيْبَة فِي رِوَايَة التِّرْمِذِيّ عَن عَبْثَر
ابْن الْقَاسِم، قَالَ أَحْمد: صَدُوق ثِقَة، وَقَالَ أَبُو دَاوُد: ثِقَة ثِقَة، وروى لَهُ الْجَمَاعَة. وَهُوَ يروي عَن الْأَشْعَث وَهُوَ ابْن سوار الْكِنْدِيّ الْكُوفِي، نَص عَلَيْهِ الْمزي، وَثَّقَهُ يحيى فِي رِوَايَته، وروى لَهُ مُسلم فِي المتابعات، وَالْأَرْبَعَة وَمُحَمّد بن عبد الرَّحْمَن بن أبي ليلى قَالَ الْعجلِيّ: كَانَ فَقِيها صَاحب سنة صَدُوقًا جَائِز الحَدِيث، وروى لَهُ الْأَرْبَعَة، فَمثل هَؤُلَاءِ إِذا رفعوا الحَدِيث لَا يُنكر عَلَيْهِم. لِأَن مَعَهم زِيَادَة علم، مَعَ أَن الْقُرْطُبِيّ حسن إِسْنَاده.
وَأما قَول الْبَيْهَقِيّ: هَذَا خطأ، فمجرد حط وَدَعوى من غير بَيَان وَجه ذَلِك، على أَن ابْن سِيرِين قد تَابع ابْن أبي ليلى على رَفعه، فلقائل أَن يمْنَع الْوَقْف. وَأما الْجَواب عَن حَدِيث الْبَاب فقد قَالَ مهنىء: سَأَلت أَحْمد عَن حَدِيث عبيد الله بن أبي جَعْفَر عَن مُحَمَّد بن جَعْفَر عَن عُرْوَة عَن عَائِشَة مَرْفُوعا: (من مَاتَ وَعَلِيهِ صِيَام؟) فَقَالَ أَبُو عبد الله: لَيْسَ بِمَحْفُوظ، وَهَذَا من قبل عبيد الله بن أبي جَعْفَر، وَهُوَ مُنكر الْأَحَادِيث، وَكَانَ فَقِيها، وَأما الحَدِيث فَلَيْسَ هُوَ فِيهِ بِذَاكَ، وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَرَأَيْت بعض أَصْحَابنَا ضعف حَدِيث عَائِشَة بِمَا رُوِيَ عَن عمَارَة بن عُمَيْر عَن امْرَأَة عَن عَائِشَة فِي امْرَأَة مَاتَت وَعَلَيْهَا الصَّوْم، قَالَت: يطعم عَنْهَا. قَالَ: وَرُوِيَ من وَجه آخر عَن عَائِشَة أَنَّهَا قَالَت: لَا تَصُومُوا عَن مَوْتَاكُم وأطعموا عَنْهُم، ثمَّ قَالَ: وَفِيهِمَا نظر، وَلم يزدْ عَلَيْهِ. قلت: قَالَ الطَّحَاوِيّ: (حَدثنَا روح بن الْفرج حَدثنَا يُوسُف بن عدي حَدثنَا عبيد بن حميد عَن عبد الْعَزِيز بن رفيع عَن عمْرَة بنت عبد الرَّحْمَن قلت لعَائِشَة: إِن أُمِّي توفيت وَعَلَيْهَا صِيَام رَمَضَان، أيصلح أَن أَقْْضِي عَنْهَا؟ فَقَالَت: لَا، وَلَكِن تصدقي عَنْهَا مَكَان كل يَوْم على مِسْكين خير من صيامك) وَهَذَا سَنَد صَحِيح.
وَقد أحمعوا على أَنه لَا يُصَلِّي أحد عَن أحد، فَكَذَلِك الصَّوْم، لِأَن كلاًّ مِنْهُمَا عبَادَة بدنية، وَقَالَ ابْن الْقصار: لما لم يجز الصَّوْم عَن الشَّيْخ ألهم فِي حَيَاته فَكَذَا بعد مماته، فَيرد مَا اخْتلف فِيهِ إِلَى مَا أجمع عَلَيْهِ، وَحكى ابْن الْقصار أَيْضا فِي (شرح البُخَارِيّ) عَن الْمُهلب أَنه قَالَ: لَو جَازَ أَن يَصُوم أحد عَن أحد فِي الصَّوْم لجَاز أَن يُصَلِّي النَّاس عَن النَّاس، فَلَو كَانَ ذَلِك سائغا لجَاز أَن يُؤمن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم عَن عَمه أبي طَالب لِحِرْصِهِ على إيمَانه، وَقد أَجمعت الْأمة على أَنه لَا يُؤمن أحد عَن أحد، وَلَا يُصَلِّي أحد عَن أحد، فَوَجَبَ أَن يرد مَا اخْتلف فِيهِ إِلَى مَا أجمع عَلَيْهِ. قلت: فِيهِ بعض غَضَاضَة وَترك محَاسِن الْأَدَب ومصادمة الْأَخْبَار الثَّابِتَة فِيهِ، وَالْأَحْسَن فِيهِ أَن يسْلك فِيهَا مَا سلكنا من الْوُجُوه الْمَذْكُورَة.
وَلنَا قَاعِدَة أُخْرَى فِي مثل هَذَا الْبَاب، وَهِي أَن الصَّحَابِيّ إِذا روى شَيْئا ثمَّ أفتى بِخِلَافِهِ فَالْعِبْرَة لما رَآهُ، وَقَالَ بَعضهم: الرَّاجِح أَن الْمُعْتَبر مَا رَوَاهُ لَا مَا رَآهُ، لاحْتِمَال أَن يُخَالف ذَلِك لاجتهاد مُسْتَنده فِيهِ لم يتَحَقَّق، وَلَا يلْزم من ذَلِك ضعف الحَدِيث عِنْده، وَإِذا تحققت صِحَة الحَدِيث لم يتْرك بِهِ الْمُحَقق للمظنون انْتهى. قلت: الِاحْتِمَال الَّذِي ذكره بَاطِل لِأَنَّهُ لَا يَلِيق بجلالة قدر الصَّحَابِيّ أَن يُخَالف مَا رَوَاهُ من النَّبِي صلى الله عليه وسلم لأجل اجْتِهَاده فِيهِ، وحاشى الصَّحَابِيّ أَن يجْتَهد عِنْد النَّص بِخِلَافِهِ لِأَنَّهُ مصادمة للنَّص، وَذَا لَا يُقَال فِي حق الصَّحَابِيّ، وَإِنَّمَا فتواه بِخِلَاف مَا رَوَاهُ إِنَّمَا يكون لظُهُور نسخ عِنْده، وَقَوله: ومستنده فِيهِ لم يتَحَقَّق، كَلَام واهٍ لِأَنَّهُ لَو لم يتَحَقَّق عِنْده مَا يُوجب ترك الْعَمَل بِهِ لما أفتى لخلافه، وإلَاّ يلْزم نِسْبَة الصَّحَابِيّ الْعدْل الموثوق إِلَى الْعَمَل بِخِلَاف مَا رَوَاهُ. وَقَوله: وَإِذا تحققت
…
إِلَى آخِره، يسْتَلْزم الْعَمَل بالأحاديث الصَّحِيحَة المنسوخة الثَّابِت نسخهَا، وَلَا يلْزم الْعَمَل بِحَدِيث تحققت صِحَّته ونسخه حَدِيث آخر، وَقَوله: للمظنون، يَعْنِي لأجل المظنون، قُلْنَا: المظنون الَّذِي يسْتَند بِهِ هَذَا الْقَائِل هُوَ المظنون عِنْده لَا عِنْد الصَّحَابِيّ الَّذِي أفتى بِخِلَاف مَا روى، لِأَن حَاله يَقْتَضِي أَن لَا يتْرك الحَدِيث الَّذِي رَوَاهُ بِمُجَرَّد الظَّن وَالله أعلم.
تابَعَهُ ابنُ وَهْبٍ عنْ عَمْرٍ
وَأي: تَابع وَالِد مُحَمَّد بن مُوسَى عبد الله بن وهب عَن عَمْرو بن الْحَارِث الْمَذْكُور فِي سَنَد الحَدِيث الْمَذْكُور، وَوصل هَذِه الْمُتَابَعَة مُسلم وَأَبُو دَاوُد وَغَيرهمَا فَقَالَ مُسلم: حَدثنَا هَارُون بن سعيد الْأَيْلِي وَأحمد بن عِيسَى قَالَا: حَدثنَا ابْن وهب، قَالَ: أخبرنَا عَمْرو بن الْحَارِث عَن عبيد الله بن أبي جَعْفَر عَن مُحَمَّد بن جَعْفَر بن الزبير عَن عُرْوَة عَن عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ:(من مَاتَ وَعَلِيهِ صِيَام صَامَ عَنهُ وليه) .
ورَوَاهُ يَحْيَى بنُ أيُّوبَ عنِ ابنِ أبِي جَعْفَرٍ
أَي: روى الحَدِيث الْمَذْكُور يحيى بن أَيُّوب الغافقي الْمصْرِيّ أَبُو الْعَبَّاس عَن عبيد الله بن أبي جَعْفَر بِسَنَدِهِ الْمَذْكُور، وَطَرِيق
يحيى هَذَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ عَن أبي عبد الله الْحَافِظ، وَأبي بكر بن الْحسن، وَأبي زَكَرِيَّا والسلمي، قَالُوا: حَدثنَا أَبُو الْعَبَّاس مُحَمَّد ابْن يَعْقُوب، حَدثنَا مُحَمَّد بن إِسْحَاق الصغاني، حَدثنَا عَمْرو بن الرّبيع بن طَارق أَنبأَنَا يحيى بن أَيُّوب عَن عبيد الله بن أبي جَعْفَر عَن مُحَمَّد بن جَعْفَر عَن عُرْوَة
…
الحَدِيث، وَأخرجه أَبُو عوَانَة وَالدَّارَقُطْنِيّ من طَرِيق عَمْرو بن الرّبيع عَن يحيى بن أَيُّوب، وَأخرجه ابْن خُزَيْمَة من طَرِيق سعيد بن أبي مَرْيَم عَن يحيى بن أَيُّوب، وَأَلْفَاظهمْ متوافقة، وَرَوَاهُ الْبَزَّار من طَرِيق ابْن لَهِيعَة عَن عبيد الله بن أبي جَعْفَر، فَزَاد فِي آخر الْمَتْن: إِن شَاءَ.
3591 -
حَدثنَا مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ قَالَ حدَّثنا مُعاوِيةُ بنُ عَمْرٍ وَقَالَ حَدثنَا زَائِدَةُ عنِ الأعْمَشِ عنْ مُسْلِمٍ الْبَطِينِ عنْ سَعِيدِ بنِ جُبَيْرٍ عنِ ابنِ عَبَّاسٍ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا قَالَ جاءَ رجُلٌ إلَى النبيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ يَا رسولَ الله إنَّ أُمِّي ماتَتْ وعَلَيْهَا صَوْمُ شَهْرٍ أفأقْضِيهِ عَنْها قَالَ نَعَمْ قَالَ فَدَيْنُ الله أحَقُّ أنْ يُقْضَى.
مطابقته للتَّرْجَمَة مثل مُطَابقَة حَدِيث عَائِشَة لَهَا.
ذكر رِجَاله وهم سَبْعَة: الأول: مُحَمَّد بن عبد الرَّحِيم أَبُو يحيى، كَانَ يُقَال لَهُ: صَاعِقَة، لجودة حفظه، مَاتَ سنة خمس خمسين وَمِائَتَيْنِ. الثَّانِي: مُعَاوِيَة بن عَمْرو بن الْمُهلب الْأَزْدِيّ، مر فِي أول إقبال الإِمَام على النَّاس. الثَّالِث: زَائِدَة بن قدامَة أَبُو الصَّلْت الثَّقَفِيّ الْبكْرِيّ. الرَّابِع: سُلَيْمَان الْأَعْمَش. الْخَامِس: مُسلم، بِلَفْظ اسْم الْفَاعِل من الْإِسْلَام، البطين، بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة وَكسر الطَّاء الْمُهْملَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفِي آخِره نون: وَهُوَ مُسلم بن أبي عمرَان، وَيُقَال: ابْن عمرَان، يكنى أَبَا عبد الله. السَّادِس: سعيد بن جُبَير السَّابِع عبد الله بن عَبَّاس.
ذكر لطائف إِسْنَاده فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع. وَفِيه: العنعنة فِي أَرْبَعَة مَوَاضِع. وَفِيه: القَوْل فِي مَوضِع. وَفِيه: أَن شَيْخه من أَفْرَاده وَأَنه وَمُعَاوِيَة بغداديان وَأَن زَائِدَة وَمن بعده كوفيون. وَفِيه: أَن مُعَاوِيَة من قدماء شُيُوخ البُخَارِيّ، حدث عَنهُ بِغَيْر وَاسِطَة فِي أَوَاخِر كتاب الْجُمُعَة، وَحدث عَنهُ هُنَا وَفِي الْجِهَاد وَفِي الصَّلَاة بِوَاسِطَة، وَكَانَ طلب مُعَاوِيَة هَذَا للْحَدِيث وَهُوَ كَبِير وإلَاّ فَلَو كَانَ طلبه على قدر سنه لَكَانَ من أَعلَى شيخ البُخَارِيّ، وَقد لَقِي البُخَارِيّ جمَاعَة من أَصْحَاب زَائِدَة الْمَذْكُور.
ذكر من أخرجه غَيره: أخرجه مُسلم فِي الصَّوْم أَيْضا عَن أَحْمد بن عمر الوكيعي، وَعَن أبي سعيد الْأَشَج، وَعَن إِسْحَاق بن مَنْصُور وَابْن أبي خلف وَعبد بن حميد وَعَن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم. وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِي الْأَيْمَان وَالنُّذُور عَن مُسَدّد عَن يحيى بِهِ، وَعَن مُحَمَّد بن الْعَلَاء عَن أبي مُعَاوِيَة بِهِ. وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي الصَّوْم عَن أبي سعيد الْأَشَج وَأبي كريب. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن الْأَشَج بِإِسْنَاد مُسلم، وَعَن الْقَاسِم بن زَكَرِيَّا وَعَن قُتَيْبَة وَعَن الْحسن بن مَنْصُور وَعَن عَمْرو بن يحيى. وَأخرجه ابْن مَاجَه فِيهِ عَن الْأَشَج بِإِسْنَاد مُسلم.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (جَاءَ رجل) ، لم يدر اسْمه، وَكَذَا فِي رِوَايَة مُسلم وَالنَّسَائِيّ من رِوَايَة زَائِدَة عَن الْأَعْمَش عَن مُسلم البطين عَن سعيد بن جُبَير (عَن ابْن عَبَّاس: جَاءَ رجل) إِلَى آخِره نَحْو رِوَايَة البُخَارِيّ، وَزَاد مُسلم:(فَقَالَ: لَو كَانَ على أمك دين أَكنت قاضية عَنْهَا؟ فَقَالَ: نعم) وَفِي رِوَايَة أُخْرَى لمُسلم من رِوَايَة عِيسَى بن يُونُس عَن الْأَعْمَش عَن سعيد ابْن جُبَير (عَن ابْن عَبَّاس: أَن امْرَأَة أَتَت النَّبِي، صلى الله عليه وسلم، فَقَالَت: إِن أُمِّي مَاتَت وَعَلَيْهَا صَوْم شهر) الحَدِيث وَفِي رِوَايَة أُخْرَى لمُسلم وَالنَّسَائِيّ من رِوَايَة عبيد الله بن عَمْرو الرقي عَن زيد بن أبي أنيسَة عَن الحكم عَن سعيد عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: (جَاءَت امْرَأَة إِلَى رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم، فَقَالَت: يَا رَسُول الله إِن أُمِّي مَاتَت وَعَلَيْهَا صَوْم نذر) الحَدِيث، وَفِي رِوَايَة التِّرْمِذِيّ عَن الْأَشَج: حَدثنَا أَبُو خَالِد الْأَحْمَر عَن الْأَعْمَش عَن سَلمَة بن كهيل وَمُسلم البطين عَن سعيد بن جُبَير وَعَطَاء وَمُجاهد (عَن ابْن عَبَّاس، قَالَ: جَاءَت امْرَأَة إِلَى النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَقَالَت: إِن أُخْتِي مَاتَت وَعَلَيْهَا صَوْم شَهْرَيْن مُتَتَابعين، قَالَ: أَرَأَيْت لَو كَانَ على أختك دين أَكنت تقضيه؟ قَالَت: نعم. قَالَ: فَحق الله أَحَق أَن يُقضى. قَوْله: (إِن
أُمِّي) خَالِد أَبُو خَالِد جَمِيع من رَوَاهُ فَقَالَ: (إِن أُخْتِي) كَمَا ذَكرْنَاهُ، وَاخْتلف عَن أبي بشر عَن سعيد بن جُبَير فَقَالَ هشيم عَنهُ: ذَات قرَابَة لَهَا، وَقَالَ شُعْبَة عَنهُ: إِن أُخْتهَا، أخرجهُمَا أَحْمد. وَقَالَ حَمَّاد عَنهُ: ذَات قرَابَة لَهَا، إِمَّا أُخْتهَا وَإِمَّا ابْنَتهَا. قَوْله:(وَعَلَيْهَا شهر صَوْم) ، هَكَذَا فِي أَكثر الرِّوَايَات، وَفِي رِوَايَة أبي جرير:(خَمْسَة عشر يَوْمًا)، وَفِي رِوَايَة أبي خَالِد:(شَهْرَيْن مُتَتَابعين) ، وَرِوَايَته هَذِه تَقْتَضِي أَن لَا يكون الَّذِي عَلَيْهَا صَوْم شهر رَمَضَان بِخِلَاف رِوَايَة غَيره، فَإِنَّهَا مُحْتَملَة إلَاّ رِوَايَة زيد بن أبي أنيسَة، فَقَالَ:(إِن عَلَيْهَا صَوْم نذر) ، وَهَذَا ظَاهر فِي أَنه غير رَمَضَان. وَبَين أَبُو بشر فِي رِوَايَته سَبَب النّذر، فروى أَحْمد من طَرِيق شُعْبَة لَا (عَن أبي بشر أَن امْرَأَة ركبت الْبَحْر فنذرت أَن تَصُوم شهرا، فَمَاتَتْ قبل أَن تَصُوم فَأَتَت أُخْتهَا إِلَى النَّبِي صلى الله عليه وسلم الحَدِيث. قَوْله: (أفأقاضيه؟) الْهمزَة للاستفهام. قَوْله: (فدين الله)، تَقْدِير الْكَلَام: حق العَبْد يُقضى فَحق الله أَحَق، كَمَا فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى هَكَذَا:(فَحق الله أَحَق) .
ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ: اجتج بِهِ من ذَكَرْنَاهُمْ مِمَّن احْتج بِحَدِيث عَائِشَة السَّابِق فِي جَوَاز الصَّوْم عَن الْمَيِّت، وَجَوَاب المانعين عَن ذَلِك هُوَ مَا قَالَه ابْن بطال: ابْن عَبَّاس رَاوِيه وَقد خَالفه بفتواه، فَدلَّ على نسخ مَا رَوَاهُ وتشبيهه صلى الله عليه وسلم بدين الْعباد حجَّة لنا لِأَنَّهَا قَالَت: أفأقاضيه عَنْهَا؟ وَقَالَ: (أَرَأَيْت لَو كَانَ على أمك دين أَكنت قاضيته؟) وَإِنَّمَا سَأَلَهَا هَل كنت تقضيه؟ لِأَنَّهُ لَا يجب عَلَيْهَا أَن تقضي دين امها. وَقَالَ ابْن عبد الْملك: فِيهِ اضْطِرَاب عَظِيم يدل على وهم الروَاة، وَبِدُون هَذَا يقبل الحَدِيث. وَقَالَ بَعضهم، مَا ملخصه: إِن الِاضْطِرَاب لَا يقْدَح فِي مَوضِع الِاسْتِدْلَال من الحَدِيث، ورد بِأَنَّهُ كَيفَ لَا يقْدَح وَالْحَال أَن الِاضْطِرَاب لَا يكون إلَاّ من الْوَهم؟ كَمَا مر، أَو هُوَ مِمَّا يضعف الحَدِيث؟ وَقَالَ هَذَا الْقَائِل أَيْضا فِي دفع الِاضْطِرَاب فِيمَن قَالَ: إِن السُّؤَال وَقع عَن نذر: فَمنهمْ من فسره بِالصَّوْمِ وَمِنْهُم من فسره بِالْحَجِّ، وَالَّذِي يظْهر أَنَّهُمَا قضيتان وَيُؤَيِّدهُ أَن السائلة فِي نذر الصَّوْم خثعمية. وَعَن نذر الْحَج جُهَيْنَة، ورد عَلَيْهِ بقوله أَيْضا: وَقد قدمنَا فِي أَوَاخِر الْحَج أَن مُسلما روى من حَدِيث بُرَيْدَة أَن امْرَأَة سَأَلت عَن الْحَج وَعَن الصَّوْم مَعًا، فَهَذَا يدل على اتِّحَاد الْقَضِيَّة.
وَأما حَدِيث بُرَيْدَة فَأخْرجهُ مُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن مَاجَه من رِوَايَة عبد الله بن عَطاء عَن عبد الله بن بُرَيْدَة عَن أَبِيه قَالَ: (بَيْنَمَا أَنا جَالس عِنْد النَّبِي، صلى الله عليه وسلم، إِذا أَتَتْهُ امْرَأَة فَقَالَت: إِنِّي تَصَدَّقت على أُمِّي بِجَارِيَة وَأَنَّهَا مَاتَت، قَالَ: فقد وَجب أجرك، وردهَا عَلَيْك الْمِيرَاث. قَالَت: يَا رَسُول الله! إِنَّه كَانَ عَلَيْهَا صَوْم شهر، أفأصوم عَنْهَا؟ قَالَ: صومي عَنْهَا. قَالَت: إِنَّهَا لم تحج قطّ، أفأحج عَنْهَا؟ قَالَ: حجي عَنْهَا) . لفظ مُسلم.
وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ: إِنَّمَا لم يقل مَالك بِحَدِيث ابْن عَبَّاس لأمور: أَحدهَا: أَنه لم يجد عَلَيْهِ عمل أهل الْمَدِينَة. الثَّانِي: أَنه حَدِيث اخْتلف فِي إِسْنَاده وَمَتنه. الثَّالِث: أَنه رَوَاهُ الْبَزَّار وَقَالَ فِي آخِره: لمن شَاءَ، وَهَذَا يرفع الْوُجُوب الَّذِي قَالُوا بِهِ. الرَّابِع: أَنه معَارض لقَوْله تَعَالَى {وَلَا تكسب كل نفس إِلَّا عَلَيْهَا} (الْأَنْعَام: 461) . وَقَوله تَعَالَى: {وَلَا تزر وَازِرَة وزر أُخْرَى} (الْأَنْعَام، 461، الْإِسْرَاء: 51، فاطر: 81، وَالزمر: 7) . وَقَوله تَعَالَى: {وَإِن لَيْسَ للْإنْسَان إِلَّا مَا سعى} (النَّجْم: 93) . الْخَامِس: أَنه معَارض لما أخرجه النَّسَائِيّ عَن ابْن عَبَّاس عَن النَّبِي، صلى الله عليه وسلم، أَنه قَالَ:(لَا يُصَلِّي أحد عَن أحدٍ وَلَا يَصُوم أحدٌ عَن أحدٍ، وَلَكِن يطعم عَنهُ مَكَان كل يَوْم مدا من طَعَام) . السَّادِس: أَنه معَارض للْقِيَاس الْجَلِيّ، وَهُوَ أَنه عبَادَة بدنية، فَلَا مدْخل لِلْمَالِ فِيهَا، وَلَا يفعل عَمَّن وَجب عَلَيْهِ كَالصَّلَاةِ، وَلَا ينْقض هَذَا بِالْحَجِّ، لِأَن لِلْمَالِ فِيهِ مدخلًا انْتهى.
وَقد اعْترض عَلَيْهِ فِي بعض الْوُجُوه، فَمن ذَلِك فِي قَوْله: اخْتلف فِي إِسْنَاده وَمَتنه، قيل: هَذَا لَا يضرّهُ، فَإِن من أسْندهُ أَئِمَّة ثِقَات. وَأجِيب: بِأَن الْكَلَام لَيْسَ فِي الروَاة، وَالْكَلَام فِي اخْتِلَاف الْمَتْن فَإِنَّهُ يُورث الوهن. وَمِنْه: فِي قَوْله: رَوَاهُ الْبَزَّار، قيل: الَّذِي زَاده الْبَزَّار من طَرِيق ابْن لَهِيعَة وَيحيى بن أَيُّوب، وحالهما مَعْلُوم. وَأجِيب: بِمَا حَالهمَا: فَابْن لَهِيعَة حدث عَنهُ أَحْمد بِحَدِيث كثير، وَعنهُ من كَانَ مثل ابْن لَهِيعَة بِمصْر فِي كَثْرَة حَدِيثه وَضَبطه وإتقانه، وروى عَنهُ مثل سُفْيَان الثَّوْريّ وَشعْبَة وَعبد الله بن الْمُبَارك وَاللَّيْث بن سعد، وَهُوَ من أقرانه، وروى لَهُ مُسلم مَقْرُونا بِعَمْرو بن الْحَارِث وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن مَاجَه، وَأما يحيى بن أَيُّوب الغافقي الْمصْرِيّ فَإِن الْجَمَاعَة رووا لَهُ. وَمِنْه فِي قَوْله: إِنَّه معَارض لقَوْله تَعَالَى، الْآيَات الثَّلَاث، قيل: هَذِه فِي قوم إِبْرَاهِيم ومُوسَى، عَلَيْهِمَا الصَّلَاة وَالسَّلَام، وَأجِيب: بِأَن
الْعبْرَة لعُمُوم اللَّفْظ. وَمِنْه: فِي قَوْله: إِنَّه معَارض لما أخرجه النَّسَائِيّ، قيل: مَا فِي (الصَّحِيح) هُوَ الْعُمْدَة. وَأجِيب: بِأَن مَا رَوَاهُ النَّسَائِيّ أَيْضا صَحِيح، فَيدل على نسخ ذَاك كَمَا قُلْنَا.
وَمِمَّا يُسْتَفَاد من الحَدِيث الْمَذْكُور أَن قَوْله: (لَو كَانَ على أمك دين أَكنت قاضيته؟) مشْعر بِأَن ذَلِك على النّدب إِن طاعت بِهِ نَفسه لِأَنَّهُ لَا يجب، على ولي الْمَيِّت أَن يُؤَدِّي من مَاله عَن الْمَيِّت دينا بالِاتِّفَاقِ، لَكِن من تبرع بِهِ انْتفع بِهِ الْمَيِّت وبرئت ذمَّته، وَقَالَ ابْن حزم: من مَاتَ وَعَلِيهِ صَوْم فرض من قَضَاء رَمَضَان أَو نذر أَو كَفَّارَة وَاجِبَة فَفرض على أوليائه أَن يصوموه عَنهُ، هم أَو بَعضهم، وَلَا إطْعَام فِي ذَلِك أصلا، أوصى بذلك أَو لم يوصِ بِهِ، وَيبدأ بِهِ على دُيُون النَّاس. وَفِيه: صِحَة الْقيَاس. وَفِيه: قَضَاء الدّين عَن الْمَيِّت، وَقد أَجمعت الْأَئِمَّة عَلَيْهِ، فَإِن مَاتَ وَعَلِيهِ دين لله وَدين لآدَمِيّ قدم دين الله لقَوْله:(فدين الله أَحَق)، وَفِيه: ثَلَاثَة أَقْوَال للشَّافِعِيّ: الأول: أَصَحهَا تَقْدِيم دين الله تَعَالَى. الثَّانِي: تَقْدِيم دين الْآدَمِيّ. الثَّالِث: هما سَوَاء فَيقسم بَينهمَا.
قَالَ سُلَيْمَانُ فَقَالَ الحَكَمُ وسَلَمَةُ ونَحْنُ جَمِيعا جُلُوسٌ حِينَ حدَّثَ مُسْلِمٌ بِهَذَا الحَدِيثَ قالَا سَمِعْنا مُجَاهِدا يَذْكُرُ هَذَا عنِ ابنِ عَبَّاسٍ سُلَيْمَان الْأَعْمَش يَعْنِي، قَالَ بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُور فِي الحَدِيث الْمَذْكُور. قَوْله:(فَقَالَ الحكم)، ويروى: قَالَ، بِدُونِ الْفَاء، و: الحكم، بِفَتْح الْكَاف: هُوَ ابْن عتيبة تَصْغِير عتبَة الْبَاب وَسَلَمَة، فتحات: هُوَ ابْن كهيل مصغر: الكهل الْحَضْرَمِيّ الْكُوفِي. قَوْله: (وَنحن جُلُوس) جملَة إسمية وَقعت حَالا، وَهِي فِي نفس الْأَمر مقول سُلَيْمَان، و: جُلُوس، بِالضَّمِّ: جمع جَالس، وَالْمرَاد: ثَلَاثَتهمْ أَعنِي: سُلَيْمَان وَحكما وَسَلَمَة وَالْحَاصِل أَن هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَة كَانُوا حاضرين حِين حدث مُسلم بن عمرَان البطين الْمَذْكُور فِي سَنَد الحَدِيث الْمَذْكُور. قَوْله: (قَالَا) أَي: الحكم وَسَلَمَة (سمعنَا مُجَاهدًا يذكر هَذَا) الحَدِيث (عَن ابْن عَبَّاس) فآل الْأَمر إِلَى أَن الْأَعْمَش سمع هَذَا الحَدِيث من ثَلَاثَة أنفس فِي مجْلِس وَاحِد، من مُسلم البطين أَولا عَن سعيد بن جُبَير، ثمَّ من الحكم وَسَلَمَة عَن مُجَاهِد.
ويُذْكَرُ عَن أبِي خالِدٍ قَالَ حدَّثنا الأعْمشُ عنِ الحَكَمِ ومُسْلِمٍ الْبَطِينِ وسلَمَةَ بنِ كُهَيْلٍ عنْ سَعِيدِ ابنِ جُبَيْرٍ وعطاءٍ ومُجاهِدٍ عنِ ابنِ عَبَّاسٍ قالَتِ امْرَأةٌ لِلنَّبيِّ صلى الله عليه وسلم إنَّ أُخْتِي ماتَتْ
أَبُو خَالِد هُوَ الْأَحْمَر ضد الْأَبْيَض واسْمه: سُلَيْمَان بن حَيَّان، بتَشْديد الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفِي آخِره نون، ذكره بِصِيغَة التمريض، وَأَشَارَ إِلَى مُخَالفَة أبي خَالِد زَائِدَة الَّذِي يروي عَن الْأَعْمَش فِي الحَدِيث الْمَذْكُور، وَفِيه أَيْضا اشارة إِلَى أَن الشَّمْس جمع بَين الشُّيُوخ الثَّلَاثَة فِيهِ وهم الحكم وَمُسلم ومسلمة وَجمع هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَة ايضا بَين الشُّيُوخ الثَّلَاثَة وهم: سعيد بن جُبَير وَعَطَاء بن أبي رَبَاح وَمُجاهد بن جُبَير. وَقَالَ بَعضهم: أَبُو خَالِد جمع بَين شُيُوخ الْأَعْمَش الثَّلَاثَة فَحدث بِهِ عَنْهُم عَن شُيُوخ ثَلَاثَة، وَظَاهره أَنه عِنْد كل مِنْهُم عَن كل مِنْهُم، وَيحْتَمل أَن يكون أَرَادَ بِهِ اللف والنشر بِغَيْر تَرْتِيب، فَيكون: شيخ الحكم عَطاء، وَشَيخ البطين سعيد بن جُبَير، وَشَيخ سَلمَة مُجَاهدًا. قلت: قَالَ الكماني فَإِن قلت: هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَة رووا عَن الثَّلَاثَة وَهُوَ على سَبِيل التَّوْزِيع بِأَن يروي بَعضهم عَن بعض؟ قلت: الْمُتَبَادر إِلَى الذَّهَب رِوَايَة الْكل عَن الْكل انْتهى. قلت: حق الْكَلَام الَّذِي تَقْتَضِيه الْعبارَة مَا قَالَه الْكرْمَانِي، وَوصل هَذَا التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا أَبُو سعيد الأشح حَدثنَا أَبُو خَالِد الْأَحْمَر عَن الْأَعْمَش عَن سَلمَة بن كهيل وَمُسلم البطين عَن سعيد بن جُبَير وَعَطَاء وَمُجاهد (عَن ابْن عَبَّاس، قَالَ: جَاءَت امْرَأَة إِلَى النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَقَالَت: إِن أُخْتِي مَاتَت وَعَلَيْهَا صَوْم شَهْرَيْن مُتَتَابعين، قَالَ: أَرَأَيْت لَو كَانَ على أختك دين أَكنت تقضيه؟ قَالَت: نعم. قَالَ فَحق الله أَحَق) . قَالَ التِّرْمِذِيّ: حَدِيث حسن صَحِيح، وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه وَابْن خُزَيْمَة وَالدَّارَقُطْنِيّ، كَذَلِك، وَرَوَاهُ مُسلم: حَدثنَا أَبُو سعيد الْأَشَج، قَالَ: حَدثنَا أَبُو خَالِد الْأَحْمَر، قَالَ: حَدثنَا الْأَعْمَش عَن سَلمَة بن كهيل وَالْحكم بن عتيبة وَمُسلم البطين عَن سعيد بن جُبَير وَمُجاهد وَعَطَاء عَن ابْن عَبَّاس عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم بِهَذَا الحَدِيث، يَعْنِي: حَدِيث زَائِدَة الَّذِي رَوَاهُ قبله فأحاله عَلَيْهِ وَلم يسق الْمَتْن.