الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الشَّافِعِي: فِي قَوْله هَذَا أَرْبَعَة أَقْوَال: أَحدهَا: أَنه عَامَّة، فَإِن لَفظهَا لفظ عُمُوم يتَنَاوَل كل بيع، أَو يَقْتَضِي إِبَاحَة جَمِيعهَا إلَاّ مَا خصّه الدَّلِيل. قَالَ فِي (الْأُم) : وَهَذَا أظهر مَعَاني الْآيَة الْكَرِيمَة، وَقَالَ صَاحب (الْحَاوِي) : وَالدَّلِيل لهَذَا القَوْل أَن النَّبِي، صلى الله عليه وسلم، نهى عَن بُيُوع كَانُوا يعتادونها وَلم يبين الْجَائِز، فَدلَّ على أَن الْآيَة تناولت إِبَاحَة جَمِيع الْبيُوع إلَاّ مَا خص مِنْهَا وَبَين صلى الله عليه وسلم الْمَخْصُوص. القَوْل الثَّانِي: إِن الْآيَة مجملة لَا يعتقل مِنْهَا صِحَة بيع من فَسَاده إلَاّ بِبَيَان من سيدنَا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم. القَوْل الثَّالِث: يتناولهما جَمِيعًا، فَيكون عُمُوما دخله التَّخْصِيص، ومجملاً لحقه التَّفْسِير لقِيَام الدّلَالَة عَلَيْهِمَا. القَوْل الرَّابِع: أَنَّهَا تناولت بيعا معهودا، وَنزلت بعد أَن أحل النَّبِي، صلى الله عليه وسلم، بيوعا وَحرم بيوعا فَقَوله:{أحل الله البيع} (الْبَقَرَة: 752) . أَي: البيع الَّذِي بَينه صلى الله عليه وسلم من قبل، وعرفه الْمُسلمُونَ مِنْهُ، فتناولت الْآيَة بيعا معهودا، وَلِهَذَا دخلت الْألف وَاللَّام لِأَنَّهُمَا للْعهد، وأجمعت الْأمة على أَن الْمَبِيع بيعا صَحِيحا يصير بعد انْقِضَاء الْخِيَار ملكا للْمُشْتَرِي قَالَ الْغَزالِيّ: أَجمعت الْأمة على أَن البيع سَبَب لإِفَادَة الْملك.
ثمَّ إِن البُخَارِيّ ذكر هَذِه الْقطعَة من الْآيَة الْكَرِيمَة الَّتِي أَولهَا: {الَّذين يَأْكُلُون الربوا} إِلَى قَوْله: {هم فِيهَا خَالدُونَ} إِشَارَة إِلَى أُمُور: مِنْهَا: أَن مَشْرُوعِيَّة البيع بِهَذِهِ. وَمِنْهَا: أَن البيع سَبَب للْملك. وَمِنْهَا: أَن الرِّبَا الَّذِي يعْمل بِصُورَة البيع حرَام. قَوْله: وَقَوله: {إلَاّ أَن تكون} (الْبَقَرَة: 282) . إِلَى آخِره، عطف على قَوْله:(وَقَول الله عز وجل وَهَذِه قِطْعَة من آيَة المداينة، وَهِي أطول آيَة فِي الْقُرْآن. أَولهَا قَوْله: {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا إِذا تداينتم بدين} (الْبَقَرَة: 282) . وأخراها: {وَالله بِكُل شَيْء عليم} وَقَالَ الثَّعْلَبِيّ: أَي: لَكِن إِذا كَانَت تِجَارَة، وَهُوَ اسْتثِْنَاء مُنْقَطع، أَي: إلَاّ التِّجَارَة، فَإِنَّهَا لَيست بباطل إِذا كَانَ البيع بالحاضر يدا بيد، فَلَا بَأْس بِعَدَمِ الْكِتَابَة لانْتِفَاء الْمَحْذُور فِي تَركهَا. وَقَرَأَ أهل الْكُوفَة: تِجَارَة، بِالنّصب وَهُوَ اخْتِيَار أبي عبيد، وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالرَّفْع، وَاخْتَارَهُ أَبُو حَاتِم، وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيّ: قرىء: {تِجَارَة حَاضِرَة} (الْبَقَرَة: 282) . بِالرَّفْع على كَانَ التَّامَّة. وَقيل: هِيَ النَّاقِصَة، على أَن الِاسْم: تِجَارَة، وَالْخَبَر {تديرونها} (الْبَقَرَة: 282) . وَبِالنَّصبِ على إلَاّ أَن تكون التِّجَارَة تِجَارَة حَاضِرَة. قَوْله: {حَاضِرَة} يَعْنِي: يدا بيد {تديرونها بَيْنكُم} وَلَيْسَ فِيهَا إِجْمَال. أَبَاحَ الله ترك الْكِتَابَة فِيهَا لِأَن مَا يخَاف من النِّسَاء والتأجيل يُؤمن فِيهِ، وَأَشَارَ بِهَذِهِ الْقطعَة من الْآيَة أَيْضا إِلَى مَشْرُوعِيَّة البيع بِهَذِهِ، وَالله أعلم.
1 -
(بابُ مَا جاءَ فِي قَوْلِ الله تعَالى {فإذَا قُضَيْتِ الصَّلَاةُ فانْتَشِرُوا فِي الأرْضِ وابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ الله واذْكُرُوا الله كثِيرا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ وإذَا رَأوْا تجَارَةً أوْ لَهْوا انْفَضُّوا إلَيْهَا وتَرَكُوكَ قائِما قُلْ مَا
عِنْدَ الله خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ ومِنَ التِّجَارَةِ وَالله خَيْرُ الرَّازِقِينَ وقوْلِهِ لَا تأكُلُوا أمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطلِ إلَاّ أنْ تَكُونَ تِجَارَةً عنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} (الْجُمُعَة: 01، 11) .)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان مَا جَاءَ فِي قَوْله عز وجل: {فَإِذا قضيت الصَّلَاة} (الْجُمُعَة: 01، 11) . إِلَى آخرالآية هَذِه، وَالَّتِي بعْدهَا من سُورَة الْجُمُعَة، وَهِي مَدَنِيَّة، وَهِي سَبْعمِائة وَعِشْرُونَ حرفا وَمِائَة وَثَمَانُونَ كلمة، وَإِحْدَى عشرَة آيَة قَوْله:{فإذَا قضيت الصَّلَاة} (الْجُمُعَة: 01، 11) . أَي: فَإِذا أدّيت، وَالْقَضَاء يَجِيء بِمَعْنى: الْأَدَاء، وَقيل: مَعْنَاهُ إِذا فرغ مِنْهَا: {فَانْتَشرُوا فِي الأَرْض} (الْجُمُعَة: 01، 11) . للتِّجَارَة وَالتَّصَرُّف فِي حوايجكم {وابتغوا من فضل الله} (الْجُمُعَة: 01، 11) . أَي: الرزق، ثمَّ أطلق لَهُم مَا حظر عَلَيْهِم بعد قَضَاء الصَّلَاة من الانتشار وابتغاء الرِّبْح مَعَ التوصية بإكثار الذّكر، وَأَن لَا يلهيهم شَيْء من التِّجَارَة وَلَا غَيرهَا عَنهُ، وَالْأَمر فيهمَا للْإِبَاحَة والتخيير كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى:{وَإِذا حللتم فاصطادوا} (الْمَائِدَة: 2) . وَقيل: هُوَ أَمر على بَابه، وَقَالَ الدَّاودِيّ، هُوَ على الْإِبَاحَة لمن لَهُ كفاف أَو لَا يُطيق التكسب، وَفرض على من لَا شَيْء لَهُ ويطيق التكسب، وَقيل: من يعْطف عَلَيْهِ بسؤال أَو غَيره لَيْسَ طلب الكفاف عَلَيْهِ بفريضة. قَوْله: {واذْكُرُوا الله كثيرا} (الْجُمُعَة: 01، 11) . أَي: على كل حَال، وَلَعَلَّ من الله وَاجِب، والفلاح: الْفَوْز والبقاء. قَوْله: {وَإِذا رَأَوْا تِجَارَة} (الْجُمُعَة: 01، 11) . سَبَب نُزُولهَا مَا رُوِيَ (عَن جَابر بن عبد الله، قَالَ: أَقبلت عير وَنحن نصلي مَعَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم الْجُمُعَة، فانفض النَّاس إِلَيْهَا، فَمَا بَقِي غير اثْنَي عشر رجلا وَأَنا فيهم، فَنزلت: {وَإِذا رَأَوْا تِجَارَة} (الْجُمُعَة: 01، 11) . وَرُوِيَ أَن أهل الْمَدِينَة أَصَابَهُم جوع وَغَلَاء شَدِيد، فَقدم دحْيَة بن خَليفَة بِتِجَارَة من زَيْت الشَّام، وَالنَّبِيّ صلى الله عليه وسلم يخْطب يَوْم الْجُمُعَة فَلَمَّا رَأَوْهُ قَامُوا إِلَيْهِ بِالبَقِيعِ، خَشوا أَن يُسْبَقوا إِلَيْهِ، فَلم يبْق
مَعَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم إلَاّ رَهْط مِنْهُم أَبُو بكر وَعمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، قيل: ثَمَانِيَة، وَقيل: أحد عشر، وَقيل: اثْنَي عشر، وَقيل: أَرْبَعُونَ، فَقَالَ رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم: وَالَّذِي نفس مُحَمَّد بِيَدِهِ، لَو تَتَابَعْتُمْ حَتَّى لم يبقَ مِنْكُم أحد لَسَالَ بكم الْوَادي نَارا، وَكَانُوا إِذا أَقبلت العير استقبلوها بالطبل والتصفيق. فَهُوَ المُرَاد باللهو. وَعَن قَتَادَة: فعلوا ذَلِك ثَلَاث مَرَّات فِي كل مقدم عير. قَوْله: {انْفَضُّوا} (الْجُمُعَة: 01، 11) . أَي: تفَرقُوا. قَوْله: {إِلَيْهَا} (الْجُمُعَة: 01، 11) . أَي: إِلَى التِّجَارَة. فَإِن قلت: الْمَذْكُور شَيْئَانِ: التِّجَارَة وَاللَّهْو، وَكَانَ الْقيَاس أَن يُقَال: إِلَيْهِمَا؟ قلت: تَقْدِيره: وَإِذا رَأَوْا تِجَارَة انْفَضُّوا إِلَيْهَا أَو لهوا انْفَضُّوا إِلَيْهِ، فحذفت إِحْدَاهمَا لدلَالَة الْمَذْكُور عَلَيْهِ. قَوْله:{وَتَرَكُوك} (الْجُمُعَة: 01، 11) . الْخطاب للنَّبِي صلى الله عليه وسلم. {قَائِما} (الْجُمُعَة: 01، 11) . أَي: على الْمِنْبَر، قل يَا مُحَمَّد:{مَا عِنْد الله خير من اللَّهْو} (الْجُمُعَة: 01، 11) . الَّذِي لَا نفع فِيهِ، بل هُوَ خير من التِّجَارَة الَّتِي فِيهَا نفع فِي الْجُمْلَة. قدم اللَّهْو على التِّجَارَة فِي الآخر، وَالتِّجَارَة على اللَّهْو فِي الأول فَإِن الْمقَام يَقْتَضِي هَكَذَا. قَوْله:{وَالله خير الرازقين} (الْجُمُعَة: 01، 11) . لِأَنَّهُ موجد الأرزاق، فإياه فاسألوا، وَمِنْه فَاطْلُبُوا. وَقيل: لم يكن يفوتكم الرزق لَو أقمتم، لِأَن الله خير الرازقين. قَوْله:{لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالكُم بَيْنكُم بِالْبَاطِلِ} (الْجُمُعَة: 01، 11) . أَي: بِغَيْر حق، وَقَامَ الْإِجْمَاع على أَن التَّصَرُّف فِي المَال بالحرام بَاطِل حرَام، سَوَاء كَانَ أكلا أَو بيعا أَو هبة، وَغير ذَلِك، وَالْبَاطِل اسْم جَامع لكل مَا لَا يحل فِي الشَّرْع: كالربا وَالْغَصْب وَالسَّرِقَة والخيانة، وكل محرم ورد الشَّرْع بِهِ. قَوْله:{إلَاّ أَن تكون تِجَارَة} (الْجُمُعَة: 01، 11) . فِيهِ قراءتان: الرّفْع على أَن تكون تَامَّة، وَالنّصب على تَقْدِير إلَاّ أَن تكون الْأَمْوَال أَمْوَال تحارة، فَحذف الْمُضَاف، وَقيل: الأجود الرّفْع لِأَنَّهُ أدل على انْقِطَاع الِاسْتِثْنَاء، وَلِأَنَّهُ يحْتَاج إِلَى إِضْمَار. قَوْله:{عَن ترَاض مِنْكُم} (الْجُمُعَة: 01، 11) . أَي: يرضى كل وَاحِد مِنْكُم بِمَا فِي يَده، وَقَالَ أَكثر الْمُفَسّرين: هُوَ أَن يُخَيّر كل وَاحِد من البائعين صَاحبه بعد العقد عَن ترَاض، وَالْخيَار بعد الصَّفْقَة، وَلَا يحل لمُسلم أَن يغش مُسلما.
ثمَّ إِن الْآيَات الَّتِي ذكرهَا البُخَارِيّ ظَاهِرَة فِي إِبَاحَة التِّجَارَة إلَاّ قَوْله: {وَإِذا رَأَوْا تِجَارَة} (الْجُمُعَة: 01، 11) . فَإِنَّهَا عتب عَلَيْهَا، وَهِي أَدخل فِي النَّهْي مِنْهَا فِي الْإِبَاحَة لَهَا، لَكِن مَفْهُوم النَّهْي عَن تَركه قَائِما اهتماما بهَا يشْعر بِأَنَّهَا لَو خلت من الْعَارِض الرَّاجِح لم يدْخل فِي العتب، بل كَانَت حِينَئِذٍ مُبَاحَة. وَقد أَبَاحَ الله تَعَالَى التِّجَارَة فِي كِتَابه، وَأمر بالابتغاء من فَضله، وَكَانَ أفاضل الصَّحَابَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، كَانُوا يتجرون ويحترفون فِي طلب المعاش، وَقد نهى الْعلمَاء والحكماء عَن أَن يكون الرجل لَا حِرْفَة لَهُ وَلَا صناعَة، خشيَة أَن يحْتَاج إِلَى النَّاس فيذل لَهُم. وَقد رُوِيَ عَن لُقْمَان، عليه السلام، أَنه قَالَ لِابْنِهِ: يَا بني خُذ من الدُّنْيَا بلاغك، وَأنْفق من كسبك لآخرتك، وَلَا ترفض الدُّنْيَا كل الرَّفْض فَتكون عيالاً، وعَلى أَعْنَاق الرِّجَال كلالاً.
7402 -
حدَّثنا أَبُو اليَمَانِ قَالَ حدَّثنا شُعَيْبٌ عنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ أخبرنِي سَعيدُ بنُ المُسَيَّبِ وأبُو سَلَمَة بنُ عَبْدِ الرَّحْمانِ أنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ إنَّكُمْ تَقُولُونَ إنَّ أبَا هُرَيْرَةَ يُكْثِرُ الحَدِيثَ عنْ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم وتقُولُونَ مَا بالُ المهاجِرينَ والأنْصَارِ لَا يُحَدِّثُونَ عنْ رَسولِ الله صلى الله عليه وسلم بِمِثْلِ حَديثِ أبِي هُرَيْرَةَ وإنَّ إخْوَانِي مِنَ المُهَاجِرِينَ كانَ يَشْغَلُهُمْ صَفْقٌ بالأسْوَاقِ وكُنْتُ ألْزَمُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم علَى مِلءِ بَطْنِي فأشْهَدُ إذَا غَابُوا وأحْفَظُ إذَا نَسُوا وكانَ يَشْغَلُ إخْوَانِي مِنَ الأنْصَارِ عَمَلُ أمْوَالِهِمْ وكُنْتُ امْرَءا مِسْكِينا مِنْ مَساكِين الصُّفَّةِ أعِي حِينَ يَنْسَونَ وقَدْ قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فِي حَدِيثٍ يُحَدِّثُهُ إنَّهُ لَنْ يَبْسُطَ أحَدٌ ثَوْبَهُ حَتَّى أقْضِي مَقَالَتِي هَذِهِ ثُمَّ يَجْمَعُ إلَيْهِ ثَوْبَهُ إلَاّ وَعَى مَا أقُولُ فَبَسَطْتُ ثَمِرَةً عَلَيَّ حَتَّى إذَا قَضَى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم مقَالَتَهُ جَمَعْتُهَا إلَى صَدْرِي فَمَا نَسِيتُ مِنْ مَقَالَةِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم تِلْكَ مِنْ شَيءٍ. .
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (صفق بالأسواق) ، وَهُوَ التِّجَارَة، والترجمة مُشْتَمِلَة على التِّجَارَة بنوعيها: أَحدهمَا: التِّجَارَة الْحَاصِلَة بِالتَّرَاضِي وَهِي حَلَال. وَالْآخر: التِّجَارَة الْحَاصِلَة بِغَيْر التَّرَاضِي، وَهِي حرَام دلّ عَلَيْهِ قَوْله عز وجل:{لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالكُم بَيْنكُم بِالْبَاطِلِ} (الْبَقَرَة: 881) . الْآيَة.
وَرِجَاله قد ذكرُوا غير مرّة، وَأَبُو الْيَمَان الحكم بن نَافِع الْحِمصِي، وَشُعَيْب بن أبي حَمْزَة الْحِمصِي، وَالزهْرِيّ هُوَ
مُحَمَّد بن مُسلم.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الْفَضَائِل عَن عبد الله بن عبد الرَّحْمَن الدَّارمِيّ عَن أبي الْيَمَان عَن شُعَيْب عَن الزُّهْرِيّ بِهِ. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الْعلم عَن مُحَمَّد بن خَالِد بن خلي بن بشر بن شُعَيْب عَن أبي حَمْزَة عَن أَبِيه بِهِ.
قَوْله: (يكثر الحَدِيث)، بِضَم الْيَاء من الْإِكْثَار. قَوْله:(مَا بَال الْمُهَاجِرين؟) أَي: مَا حَالهم؟ قَوْله: (وَإِن إخْوَانِي) ويروى: (إِن إخوتي) أَي: فِي الدّين. قَوْله: (يشغلهم) بِفَتْح الْيَاء وَهُوَ فعل مُتَعَدٍّ. قَوْله: (صفق) بالصَّاد الْمُهْملَة، كَذَا فِي رِوَايَة أبي ذَر. وَعند غَيره:(سفق)، بِالسِّين. وَقَالَ الْخَلِيل: كل صَاد تَجِيء قبل الْفَاء، وكل سين تَجِيء بعد الْقَاف، فللعرب فِيهِ لُغَتَانِ: سين وصاد، وَلَا يبالون اتَّصَلت أَو انفصلت بعد أَن تَكُونَا فِي كلمة إلَاّ أَن الصَّاد فِي بعض أحسن وَالسِّين فِي بعض أحسن. وَقَالَ الْخطابِيّ: وَكَانُوا إِذا تبايعوا تصافقوا بالأكف إِمَارَة لانتزاع البيع، وَذَلِكَ أَن الْأَمْلَاك إِنَّمَا تُضَاف إِلَى الْأَيْدِي، والقبوض تبع لَهَا، فَإِذا تصافقت الأكف انْتَقَلت الْأَمْلَاك واستقرت كل يَد مِنْهَا على مَا صَار لكل وَاحِد مِنْهُمَا من ملك صَاحبه، وَكَانَ الْمُهَاجِرُونَ تجارًا وَالْأَنْصَار أَصْحَاب زرع، فيغيبون بهَا عَن حَضْرَة رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فِي أَكثر أَحْوَاله وَلَا يسمعُونَ من حَدِيثه إلَاّ مَا كَانَ يحدث بِهِ فِي أَوْقَات شهودهم، وَأَبُو هُرَيْرَة حَاضر دهره لَا يفوتهُ شَيْء مِنْهَا: إلَاّ مَا شَاءَ الله، ثمَّ لَا يستولي عَلَيْهِ النسْيَان لصدق عنايته بضبطه وَقلة اسْتِعْمَاله بِغَيْرِهِ، وَقد لحقته دَعْوَة رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم، فَقَامَتْ لَهُ الْحجَّة على من أنكر أمره واستغرب شَأْنه. قَوْله:(على ملْء بَطْني) بِكَسْر الْمِيم أَي: مقتنعا بالقوت. قَوْله: (فاشهد) أَي: فأحضر إِذا غَابُوا. قَوْله: (نسوا) ، بِفَتْح النُّون وَضم السِّين المخففة، وَأَصله: نسيوا، فنقلت ضمة الْيَاء إِلَى مَا قبلهَا فَاجْتمع ساكنان فحذفت الْيَاء فَصَارَ: نسوا، على وزن: فعوا. قَوْله: (وَكَانَ يشغل)، بِفَتْح الْيَاء وفاعله قَوْله:(عمل أَمْوَالهم) بِالرَّفْع، وإخواني فِي مَحل النصب على المفعولية. قَوْله:(الصّفة) أَي: صفة مَسْجِد رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم الَّتِي كَانَت منزل غرباء فُقَرَاء أَصْحَابه، وَقَالَ ابْن الْأَثِير: أهل الصّفة، هم فُقَرَاء الْمُهَاجِرين، وَمن لم يكن لَهُ مِنْهُم منزل يسكنهُ، فَكَانُوا يأوون إِلَى مَوضِع يظلل فِي مَسْجِد الْمَدِينَة يسكنونه، وَكَانَ أَبُو هُرَيْرَة رئيسهم. قَوْله:(أعي) أَي: أحفظ، من: وعى يعي وعيا، إِذا حفظ، وَأَصله: أوعى، وحذفت الْوَاو مِنْهُ تبعا ليعي، إِذْ أَصله: يوعى، حذفت الْوَاو مِنْهُ لوقوعها بَين الْيَاء والكسرة. قيل: أعي، حَال عَن فَاعل: كنت، وَالْحَال مُقَارن لَهُ، فَكيف يكون هُوَ مَاضِيا وَهَذَا مُسْتَقْبلا؟ وَأجِيب: بِأَنَّهُ اسْتِئْنَاف، مَعَ أَنه لَو كَانَ حَالا يَصح لِأَن الْمُضَارع يكون لحكاية الْحَال، وَإِنَّمَا اختصر فِي حق الْأَنْصَار بِهَذَا وَترك ذكر: أشهد إِذا غَابُوا، لِأَن غيبَة الْأَنْصَار كَانَت أقل، وَكَيف لَا وَالْمَدينَة بلدهم ومسكنهم، وَوقت الزِّرَاعَة وَقت مَعْلُوم؟ فَلم يعْتد بغيبتهم لقلتهَا أَو أَن هَذَا عَام للطائفتين، كَمَا:(أَن أشهد إِذا غَابُوا وأحفظ إِذا نسوا) يعم بِأَن يقدر فِي قَضِيَّة الْأَنْصَار أَيْضا بِقَرِينَة السِّيَاق. قَوْله: (نمرة) ، بِفَتْح النُّون وَكسر الْمِيم، وَهِي كسَاء ملون، وَلَعَلَّه أَخذ من النمر لما فِيهِ من سَواد وَبَيَاض. وَفِي الحَدِيث (الْحِرْص على التَّعَلُّم وإيثار طلبه على طلب المَال، وفضيلة ظَاهِرَة لأبي هُرَيْرَة وَأَنه، صلى الله عليه وسلم، خصّه ببسط رِدَائه وضمه، فَمَا نسي من مقَالَته شَيْئا، قيل: إِذا كَانَ أَبُو هُرَيْرَة أَكثر أخذا للْعلم يكون أفضل من غَيره، لِأَن الْفَضِيلَة لَيست إلَاّ بِالْعلمِ وَالْعَمَل؟ وَأجِيب: بِأَنَّهُ لَا يلْزم من أكثرية الْأَخْذ كَونه أعلم، وَلَا باشتغالهم عدم زهدهم، مَعَ أَن الْأَفْضَلِيَّة مَعْنَاهَا: أكثرية الثَّوَاب عِنْد الله، وأسبابه لَا تَنْحَصِر فِي أَخذ الْعلم وَنَحْوه، وَقد يكون بإعلاء كلمة الله وَنَحْوه، كَذَا قيل، وَالْأَحْسَن أَن يُقَال: لَا يسْتَلْزم الْأَفْضَلِيَّة فِي نوع، الْأَفْضَلِيَّة فِي كل الْأَنْوَاع، فَافْهَم.
8402 -
حدَّثنا عَبْدُ العَزِيزِ بنُ عَبْدِ الله قَالَ حدَّثنا إبْرَاهِيمُ بنُ سَعْدٍ عنْ أبيهِ عنْ جَدِّهِ قَالَ قَالَ عَبْدُ الرَّحْمانِ بنُ عَوْفٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ لَمَّا قَدِمْنَا المَدِينَةَ آخى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بيْنِي وبَيْنَ سَعْدِ بنِ الرَّبِيعِ فَقَالَ سعْدُ بنُ الرَّبِيعِ إنِّي أكثرُ الأنْصَارِ مَالا فأقْسِمُ لَكَ نِصْفَ مالِي وانْظُر أيَّ زَوْجَتَيَّ هَوَيْتَ نَزَلْتُ لَكَ عَنْهَا فإذَا حَلَّتْ تَزَوَّجْتَهَا قَالَ فقالَ لَهُ عَبْدُ الرَّحْمانِ لَا حاجَةَ لِي فِي ذَلِكَ هلْ مِنْ سُوقٍ فِيهِ تِجارَةٌ قَالَ سُوقُ قَيْنُقَاعَ قَالَ فغَدَا إلَيْهِ عَبْدُ الرَّحْمانِ فأتَى بِأقِطٍ وسَمْنٍ قَالَ ثُمَّ تابعَ الغُدُوَّ فَمَا لَبِثَ
أنْ جاءَ عَبْدُ الرَّحْمانُ عَلَيْهِ أثَرُ صُفْرَةٍ فَقَالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم تَزَوَّجْتَ قالَ نَعَمْ قَالَ ومَنْ؟ قالَ امْرأةً مِنَ الأنْصَارِ قَالَ كَمْ سُقْتَ قَالَ زِنَةَ نَوَاةٍ مِنْ ذَهَبٍ أوْ نَواة مِنْ ذَهَبٍ فَقَالَ لَهُ النبيُّ صلى الله عليه وسلم أوْلِمْ ولَوْ بِشَاةٍ. ا (لحَدِيث 8402 طرفه فِي: 0873) .
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (هَل من سوق فِيهِ تِجَارَة) ، وَعبد الْعَزِيز بن عبد الله بن يحيى بن عَمْرو بن أويس الْقرشِي العامري الأويسي الْمدنِي، وَإِبْرَاهِيم بن سعد بن إِبْرَاهِيم بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف، كَانَ على قَضَاء بَغْدَاد، وَأَبوهُ سعد ابْن إِبْرَاهِيم أَبُو إِسْحَاق الْقرشِي الْمدنِي، وجده إِبْرَاهِيم بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف، أَبُو إِسْحَاق الْمدنِي.
وَرِجَال هَذَا الْإِسْنَاد كلهم مدنيون، وَظَاهره الْإِرْسَال لِأَنَّهُ إِن كَانَ الضَّمِير فِي جده يعود إِلَى إِبْرَاهِيم بن سعد بن إِبْرَاهِيم بن عبد الرَّحْمَن فَيكون الْجد فِيهِ إِبْرَاهِيم بن عبد الرَّحْمَن، وَإِبْرَاهِيم لم يشْهد أَمر المؤاخاة لِأَنَّهُ توفّي بعد التسعين بِغَيْر خلاف، وعمره خمس وَسَبْعُونَ سنة، وعَلى تَقْدِير صِحَة قَول من قَالَ: ولد فِي حَيَاة النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَلم تصح لَهُ رِوَايَة عَنهُ، وَأمر المؤاخاة كَانَ حِين الْهِجْرَة. وَإِن عَاد الضَّمِير إِلَى جد سعد، فَيكون على هَذَا سعد روى عَن جده عبد الرَّحْمَن وَهَذَا لَا يَصح، لِأَن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف توفّي سنة اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ، وَتُوفِّي سعد سنة سِتّ وَعشْرين وَمِائَة، عَن ثَلَاث وَسبعين سنة، وَلَكِن الحَدِيث الْمَذْكُور هُنَا مُتَّصِل، لِأَن إِبْرَاهِيم قَالَ فِيهِ: قَالَ عبد الرَّحْمَن بن عَوْف، يُوضح ذَلِك مَا رَوَاهُ أَبُو نعيم الْحَافِظ عَن أبي بكر الطلحي عَن حُصَيْن الوادعي حَدثنَا يحيى بن عبد الحميد حَدثنَا إِبْرَاهِيم بن سعد عَن إبيه عَن جده عَن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف، قَالَ: لما قدمنَا الْمَدِينَة
…
الحَدِيث، وَكَذَا ذكره أَبُو الْعَبَّاس الطرقي وَأَصْحَاب الْأَطْرَاف.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (آخى)، من المؤاخاة. قَالَ الْقُرْطُبِيّ: المؤاخاة مفاعلة من الْأُخوة وَمَعْنَاهَا أَن يتعاقد الرّجلَانِ على التناصر والمؤاساة حَتَّى يصيرا كالأخوين نسبا. قَوْله: (وَبَين سعد بن الرّبيع) ضد الخريف الْأنْصَارِيّ الخزرجي النَّقِيب العقبي البدري، اسْتشْهد يَوْم أحد، وَهَذِه المؤاخاة ذكرهَا ابْن إِسْحَاق فِي أول سنة من سني الْهِجْرَة بَين الْمُهَاجِرين وَالْأَنْصَار، وَقَالُوا: إِن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم آخى بَين أَصْحَابه مرَّتَيْنِ، مرّة بِمَكَّة قبل الْهِجْرَة، وَأُخْرَى بعد الْهِجْرَة. قَالَ أَبُو عمر: الصَّحِيح أَن المؤاخاة فِي الْمَدِينَة بعد بِنَاء الْمَسْجِد، فَكَانُوا يتوارثون بذلك دون الْقرَابَات حَتَّى نزلت:{وَأولُوا الْأَرْحَام بَعضهم أولي بعض} (الْأَنْفَال: 57) . وَقيل: كَانَ ذَلِك وَالْمَسْجِد يبْنى، وَقيل: بعد قدومه الْمَدِينَة بِخَمْسَة أشهر، وَفِي (تَارِيخ ابْن أبي خَيْثَمَة) عَن زيد بن أوفى: أَنَّهَا كَانَت فِي الْمَسْجِد، وَكَانُوا مائَة: خَمْسُونَ من الْمُهَاجِرين وَخَمْسُونَ من الْأَنْصَار، وَقَالَ أَبُو الْفرج: وللمؤاخاة سببان: أَحدهمَا: أَنه أجراهم على مَا كَانُوا ألفوا فِي الْجَاهِلِيَّة من الْحلف، فَإِنَّهُم كَانُوا يتوارثون بِهِ فَقَالَ صلى الله عليه وسلم:(لَا حلف فِي الْإِسْلَام) ، وَأثبت المؤاخاة، لِأَن الْإِنْسَان إِذا فطم عَمَّا يألفه يخنس. وَالثَّانِي: أَن الْمُهَاجِرين قدمُوا مُحْتَاجين إِلَى المَال وَإِلَى الْمنزل فنزلوا على الْأَنْصَار، فأكد هَذِه المخالطة بالمؤاخاة، وَلم تكن بعد بدر مؤاخاة، لِأَن الْغَنَائِم استغني بهَا. قَوْله:(أَي زَوْجَتي؟) بِلَفْظ الْمثنى الْمُضَاف إِلَى يَاء الْمُتَكَلّم، و: أَي، إِذا أضيف إِلَى الْمُؤَنَّث يذكر وَيُؤَنث، يُقَال: أَي امْرَأَة، وأية امْرَأَة. قَوْله:(هويت) أَي: أردْت من: هوى بِالْكَسْرِ يهوى هوى: إِذا أحب. قَوْله: (نزلت لَك عَنْهَا) أَي: طَلقتهَا لَك. قَوْله: (فَإِذا حلت)، أَي: انْقَضتْ عدتهَا. قَوْله: (سوق قينقاع) ، بِفَتْح الْقَاف الأولى وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَضم النُّون وبالقاف وَفِي آخِره عين مُهْملَة، منصرفا وَغير منصرف: وَهُوَ بطن من الْيَهُود، وَالْمَرْأَة الَّتِي تزَوجهَا عبد الرَّحْمَن هِيَ ابْنة أبي الحيسر أنس بن رَافع بن امرىء الْقَيْس بن زيد بن عبد الْأَشْهَل. قَالَ الزبير: ولدت لَهُ الْقَاسِم وَأَبا عُثْمَان عبد الله بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف. قَوْله: (تَابع الغدوّ) وبلفظ الْمصدر أَي: غَدا الْيَوْم الثَّانِي، والمتابعة إِلْحَاق الشَّيْء بِغَيْرِهِ، ويروى بِلَفْظ: الْغَد، ضد الأمس. قَوْله:(أثر صفرَة)، أَي: الطّيب الَّذِي اسْتعْمل عِنْد الزفاف، وَفِي لفظ لَهُ على مَا يَأْتِي:(وَعَلِيهِ وضر من صفرَة)، بِفَتْح الْوَاو وَالضَّاد الْمُعْجَمَة: هُوَ التلطخ بخلوق أَو طيب لَهُ لون، وَقد صرح بِهِ فِي بعض الرِّوَايَات بِأَنَّهُ: أثر زعفران. فَإِن قلت: جَاءَ النَّهْي عَن التزعفر فَمَا الْجمع بَينهمَا؟ قلت: كَانَ يَسِيرا فَلم يُنكره. وَقيل: إِن ذَلِك علق من ثوب الْمَرْأَة من غير قصد، وَقيل: كَانَ فِي أول الْإِسْلَام أَن
من تزوج لبس ثوبا مصبوغا لسرورة وزواجه. وَقيل: كَانَت الْمَرْأَة تكسوه إِيَّاه. وَقيل: إِنَّه كَانَ يفعل ذَلِك ليعان على الْوَلِيمَة. وَقَالَ ابْن الْعَبَّاس: أحسن الألوان الصُّفْرَة. وَقَالَ عز وجل: {صفراء فَاقِع لَوْنهَا تسر الناظرين} (الْبَقَرَة: 96) قَالَ فقرن السرُور بالصفرة. وَلما سُئِلَ عبد الله عَن الصَّبْغ بهَا، قَالَ: رَأَيْت رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم، يصْبغ بهَا فَأَنا أصبغ بهَا وأحبها، وَقَالَ أَبُو عبيد: كَانُوا يرخصون فِي ذَلِك للشاب أَيَّام عرسه. وَقيل: يحْتَمل أَن ذَلِك كَانَ فِي ثَوْبه دون بدنه، وَمذهب مَالك جَوَازه، وَحَكَاهُ عَن عُلَمَاء بَلَده. وَقَالَ الشَّافِعِي وَأَبُو حنيفَة: لَا يجوز ذَلِك للرِّجَال. قَوْله: (قَالَ: وَمن؟) أَي: وَمن الَّتِي تزوجت بهَا؟ وَفِي لفظ لَهُ: (فَقَالَ لَهُ النَّبِي، صلى الله عليه وسلم: مَهيم؟ قَالَ: تزوجت) و: مَهيم، بميم مَفْتُوحَة وهاء سَاكِنة وَفتح الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفِي آخِره مِيم: وَهِي كلمة يَمَانِية مَعْنَاهَا: مَا هَذَا؟ وَمَا أَمرك؟ ذكره الْهَرَوِيّ وَغَيره. قَوْله: (كم سقت؟) أَي: كم أَعْطَيْت؟ يُقَال: سَاقه إِلَيْهِ كَذَا، أَي أعطَاهُ. قَوْله:(زنة نواة) ، بِكَسْر الزَّاي، أَي: وزن نواة من ذهب. قَالَ أَبُو عبيد: النواة زنة خَمْسَة دَرَاهِم. قَالَ الْخطابِيّ: ذَهَبا كَانَ أَو فضَّة. وَعَن أَحْمد بن حَنْبَل: زنة ثَلَاثَة دَرَاهِم، وَقيل: وزن نواة التَّمْر من ذهب. وَفِي التِّرْمِذِيّ عَن أَحْمد: زنة ثَلَاثَة دَرَاهِم وَثلث، وَقيل: النواة ربع دِينَار. وَعَن بعض الْمَالِكِيَّة: هِيَ ربع دِينَار. قَوْله: (أولم) أَمر، أَي: اتخذ وَلِيمَة، وَهِي الطَّعَام الَّذِي يصنع عِنْد الْعرس. وَمن ذهب إِلَى إِيجَابهَا أَخذ بِظَاهِر الْأَمر، وَهُوَ مَحْمُول عِنْد الْأَكْثَر على النّدب. وَفِي (التَّلْوِيح) : والوليمة فِي الْعرس مُسْتَحبَّة، وَبِه قَالَ الشَّافِعِي، وَفِي رِوَايَة عَنهُ: وَاجِبَة، وَهُوَ قَول دَاوُد، وَقتهَا بعد الدُّخُول، وَقيل: عِنْد العقد، وَعَن ابْن حبيب: استحبابها عِنْد العقد وَعند الدُّخُول، وَأَن لَا ينقص عَن شَاة. قَالَ القَاضِي: الْإِجْمَاع أَنه لَا حد لقدرها المجزىء. وَقَالَ الْخطابِيّ: إِنَّهَا قدر الشَّاة لمن قدر عَلَيْهَا، فَمن لم يقدر فَلَا حرج عَلَيْهِ، فقد أولم رَسُول الله صلى الله عليه وسلم بالسويق وَالتَّمْر على بعض نِسَائِهِ، وكرهت طَائِفَة الْوَلِيمَة أَكثر من يَوْمَيْنِ، وَعَن مَالك أسبوعا.
9402 -
حدَّثنا أحْمَدُ بنُ يُونُسَ قَالَ حَدثنَا زُهَيْرٌ قَالَ حدَّثنا حَمِيدٌ عَن أنسٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ قَالَ قَدِمَ عَبْدُ الرَّحْمانُ بنُ عَوْفٍ المَدِينَةَ فآخى النبيُّ صلى الله عليه وسلم بَيْنَهُ وبَيْنَ سَعْدِ بنِ الرَّبِيعِ الأنْصَارِيِّ وكانَ سَعْدٌ ذَا غِنًى فَقَالَ لِعَبْدِ الرَّحْمانِ أُقَاسِمُكَ مالِي نِصْفَيْن وأُزَوِّجُكَ قَالَ بارَكَ الله لَكَ فِي أهْلِكَ ومالِكَ دُلُّونِي علَى السُّوقِ فَمَا رجَعَ حَتَّى اسْتَفْضَلَ أقِطا وسَمْنا فَأتى بِهِ أهْلَ مَنْزِلِهِ فَمَكَثْنَا يَسيرا أوْ مَا شاءَ الله فجاءَ وَعَلَيْهِ وضَرٌ مِنْ صُفْرَةٍ فَقَالَ لَهُ النبيُّ صلى الله عليه وسلم مَهْيَمْ قَالَ يَا رسولَ الله تَزَوَّجْتُ امْرَأَة مِنَ الأنْصَارِ قَالَ مَا سُقْتُ إلَيْهَا قَالَ نَوَاةً مِنْ ذَهَبٍ أوْ وَزْنَ نَواةٍ مِنْ ذَهَبٍ قَالَ أوْلِمْ ولوْ بِشَاةٍ. .
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (دلوني على السُّوق) ، فَإِنَّهُ مَا طلب السُّوق إلَاّ للتِّجَارَة، وَأحمد بن يُونُس هُوَ أَحْمد بن عبد الله بن يُونُس بن عبد الله، أَبُو عبد الله التَّمِيمِي اليربوي الْكُوفِي، وَزُهَيْر تَصْغِير: زهر بن مُعَاوِيَة الْجعْفِيّ، وَحميد هُوَ الطَّوِيل.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (قدم عبد الرَّحْمَن)، ويروى:(لما قدم) . قَوْله: (فآخى) ، من المؤاخاة، قَوْله:(فَمَا رَجَعَ حَتَّى استفضل)، أَي: ربح. يُقَال: أفضلت مِنْهُ الشَّيْء واستفضلته إِذا أفضلت مِنْهُ شَيْئا. قَوْله: (وَعَلِيهِ وضر من صفرَة)، بِفَتْح الْوَاو وَالضَّاد الْمُعْجَمَة: وَهُوَ التلطخ بخلوق أَو طيب لَهُ لون، وَقد ذَكرْنَاهُ فِي الحَدِيث السَّابِق، وَكَذَا مر تَفْسِير: مَهيم. قَوْله: (أَو وزن نواة) . شكّ من الرَّاوِي.
وَفِي هَذَا الحَدِيث مَا يدل على أَنه لَا بَأْس للشريف أَن يتَصَرَّف فِي السُّوق بِالْبيعِ وَالشِّرَاء، ويتعفف بذلك عَمَّا يبذله من المَال وَغَيره. وَفِيه: الْأَخْذ بالشدة على نَفسه فِي أَمر معاشه. وَفِيه: أَن الْعَيْش من الصناعات أولى بنزاهة الْأَخْلَاق من الْعَيْش من الهبات وَالصَّدقَات وشبههما. وَفِيه: الْبركَة للتِّجَارَة. وَفِيه: المؤاخاة على التعاون فِي أَمر الله تَعَالَى، وبذل المَال لمن يؤاخى عَلَيْهِ.
0502 -
حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ مُحَمَّدٍ قَالَ حَدثنَا سُفْيَانُ عنْ عَمْرٍ وعنِ ابنِ عَبَّاسٍ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا قَالَ كانَتْ عُكَاظٌ ومَجِنَّة وذُو المَجَازِ أسْوَاقا فِي الجاهِلِيَّةِ فَلَمَّا كانِ الإسْلَامُ فكَأنَّهُمْ تَأثَّمُوا فِيهِ