الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هُوَ ابْن يزِيد النَّخعِيّ، وَقد تقدّمت مبَاحث هَذَا الحَدِيث فِي بَاب مُبَاشرَة الْحَائِض، فَإِنَّهُ أخرج هُنَاكَ عَن قبيصَة عَن سُفْيَان عَن إِبْرَاهِيم عَن الْأسود عَن عَائِشَة الحَدِيث. وَأخرج بعضه أَيْضا فِي: بَاب غسل الْحَائِض زَوجهَا وترجيله.
قَوْله: (فاغسله) وَفِي رِوَايَة للنسائي (فأغسله بخطمي) .
5 -
(بابُ الاعْتِكافِ لَيْلاً)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم الِاعْتِكَاف
لَيْلًا بِغَيْر نَهَار.
2302 -
حدَّثنا مُسَدَّدٌ قَالَ حدَّثنا يَحْيَى بنُ سَعِيدٍ عنْ عُبَيْدِ الله قَالَ أخبرَنِي نافِعٌ عنِ ابنِ عُمَرَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا أنَّ عُمَرَ سألَ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ كُنْتُ نَذَرْتُ فِي الجَاهِلِيَّةِ أنْ أعْتَكِفَ لَيْلَةً فِي المَسْجِدِ الحَرَامِ قَالَ فَأوْفِ بِنَذْرِكَ..
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (كنت نذرت فِي الْجَاهِلِيَّة أَن أعتكف لَيْلَة) ، وَيحيى بن سعيد هُوَ الْقطَّان، وَعبيد الله هُوَ ابْن عمر الْعمريّ.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الِاعْتِكَاف: عَن إِسْمَاعِيل بن عبد الله على مَا سَيَأْتِي، إِن شَاءَ الله تَعَالَى. وَأخرجه مُسلم فِي الْأَيْمَان وَالنُّذُور عَن أبي بكر وَأبي كريب وَإِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم. وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِيهِ عَن أَحْمد بن حَنْبَل عَن يحيى ابْن سعيد. وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِيهِ عَن إِسْحَاق بن مَنْصُور عَن يحيى بِهِ. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ وَفِي الِاعْتِكَاف عَن إِسْحَاق بن مُوسَى الْأنْصَارِيّ وَعَن يَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم. وَأخرجه ابْن مَاجَه فِي الصّيام عَن إِسْحَاق بن مُوسَى الخطمي. وَفِي الْكَفَّارَات عَن أبي بكر بن أبي شيبَة بِهِ.
قَوْله: (حَدثنَا مُسَدّد) كَذَا رَوَاهُ مُسَدّد من مُسْند ابْن عمر، وَوَافَقَهُ الْمقدمِي وَغَيره عِنْد مُسلم وَغَيره، وَخَالفهُم يَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم عَن يحيى، فَقَالَ: عَن ابْن عمر عَن عمر، أخرجه النَّسَائِيّ، وَكَذَا أخرجه أَبُو دَاوُد، لكنه فِي الْمسند كَمَا قَالَ مُسَدّد. قَوْله:(أَن عمر سَأَلَ النَّبِي، صلى الله عليه وسلم وَلم يذكر مَوضِع السُّؤَال، وَسَيَأْتِي فِي النّذر من وَجه آخر أَن ذَلِك كَانَ بالجعرانة لما رجعُوا من حنين، وَفِيه الرَّد على من زعم أَن اعْتِكَاف عمر كَانَ قبل الْمَنْع من الصّيام فِي اللَّيْل، لِأَن غَزْوَة حنين مُتَأَخِّرَة عَن ذَلِك. قَوْله: (كنت نذرت فِي الْجَاهِلِيَّة)، وَفِي رِوَايَة مُسلم من طَرِيق حَفْص بن غياث عَن عبيد الله: فَلَمَّا أسلمت سَأَلت وَفِي رِوَايَة الدَّارَقُطْنِيّ: (مَوضِع فِي الْجَاهِلِيَّة فِي الشّرك) . قَوْله: (أَن اعْتكف لَيْلَة)، قَالَ الْكرْمَانِي: فِيهِ أَنه لَا يشْتَرط الصَّوْم لصِحَّة الِاعْتِكَاف. انْتهى. لِأَن اللَّيْل لَيْسَ ظرفا للصَّوْم، فَلَو كَانَ شرطا لأَمره النَّبِي، صلى الله عليه وسلم، بِهِ. وَيرد عَلَيْهِ بِأَن فِي رِوَايَة شُعْبَة عَن عبيد الله عِنْد مُسلم: يَوْمًا، بدل: لَيْلَة، وَقد جمع ابْن حبَان وَغَيره بَين الرِّوَايَتَيْنِ: بِأَنَّهُ نذر اعْتِكَاف يَوْم وَلَيْلَة، فَمن أطلق لَيْلَة أَرَادَ بيومها، وَمن أطلق يَوْمًا أَرَادَ بليلته. على أَنه ورد الْأَمر بِالصَّوْمِ فِي رِوَايَة عَمْرو بن دِينَار عَن ابْن عمر صَرِيحًا. رَوَاهُ النَّسَائِيّ، قَالَ: أخبرنَا أَبُو بكر بن عَليّ، قَالَ: حَدثنَا الْحسن بن حَمَّاد الْوراق، قَالَ: أخبرنَا عَمْرو بن مُحَمَّد العبقري عَن عبد الله بن بديل بن وَرْقَاء عَن عَمْرو بن دِينَار عَن ابْن عمر: (أَن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، سَأَلَ النَّبِي، صلى الله عليه وسلم، عَن اعْتِكَاف عَلَيْهِ، فَأمره أَن يعْتَكف ويصوم) . وَقد مضى الْكَلَام فِيهِ فِي آخر: بَاب الْعَمَل فِي الْعشْر الْأَوَاخِر. وَقَالَ بَعضهم: عبد الله بن بديل ضَعِيف. قلت: قد وثق وعلق لَهُ البُخَارِيّ. فَإِن قلت: قَالَ ابْن حزم: وَلَا يعرف هَذَا الْخَبَر من مُسْند عَمْرو بن دِينَار أصلا، وَلَا يعرف لعَمْرو بن دِينَار عَن ابْن عمر حَدِيث مُسْند إلَاّ ثَلَاث لَيْسَ هَذَا مِنْهَا. قلت: لعَمْرو بن دِينَار فِي (الصَّحِيح) نَحْو عشرَة أَحَادِيث عَن ابْن عمر، فَمَا هَذَا الْكَلَام؟
6 -
(بابُ اعْتِكَافِ النِّساءِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم اعْتِكَاف النِّسَاء.
3302 -
حدَّثنا أبُو النُّعْمَانِ قَالَ حدَّثنا حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ قَالَ حَدثنَا يَحْيَى عنْ عَمْرَةَ عنْ عائِشَةَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا قالَتْ كانَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم يَعْتَكِفُ فِي الْعَشْرِ الأوَاخِرِ مِنْ رَمَضانَ
فكُنْتُ أضرِبُ لَهُ خِبَاءً فَيُصَلِّي الصُّبْحَ ثُمَّ يَدْخُلُهُ فاسْتَأذَنَتْ حَفْصَةُ عائِشَةَ أنْ تَضْربَ خباءً فأذِنَتْ لَهَا فَضَرَبَتْ خِبَاءً فلَمَّا رَأتْهُ زَيْنَبُ ابْنَةُ جَحْشٍ ضرَبَتْ خِبَاءً آخَرَ فَلَمَّا أصْبَحَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم رَأى الأخْبِيَةَ فَقَالَ مَا هَذَا فأُخْبِرَ فقَالَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم آلْبِرُّ تُرَوْنَ بِهِنَّ فتَرَكَ الاعْتِكَافَ ذَلِكَ الشَّهْرَ ثُمَّ اعْتَكَفَ عَشْرا مِنْ شَوَّالٍ..
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي ضرب حَفْصَة وَزَيْنَب خباء فِي مَسْجِد رَسُول الله صلى الله عليه وسلم للاعتكاف، وَأَبُو النُّعْمَان مُحَمَّد بن الْفضل السدُوسِي، وَيحيى هُوَ ابْن سعيد الْأنْصَارِيّ، وَعمرَة بنت عبد الرَّحْمَن الْأَنْصَارِيَّة، وَقد مرت غير مرّة.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الصَّوْم عَن عبد الله بن يُوسُف عَن مَالك وَعَن مُحَمَّد بن سَلام عَن مُحَمَّد بن فُضَيْل وَعَن مُحَمَّد بن مقَاتل عَن عبد الله عَن الْأَوْزَاعِيّ على مَا سَيَأْتِي كُله، وَأخرجه مُسلم فِيهِ ن يحيى بن يحيى وَعَن ابْن أبي عَمْرو عَن سَلمَة بن شبيب وَعَن عَمْرو ابْن سَواد وَعَن مُحَمَّد بن رَافع وَعَن زُهَيْر بن حَرْب وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِيهِ عَن عُثْمَان بن أبي شيبَة. وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِيهِ عَن هناد. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الصَّلَاة عَن أبي دَاوُد الْحَرَّانِي. وَفِي الِاعْتِكَاف عَن مُحَمَّد بن مَنْصُور وَعَن أَحْمد بن سُلَيْمَان. وَأخرجه ابْن مَاجَه فِي الصَّوْم عَن أبي بكر بن أبي شيبَة، وَفِي ألفاظهم اخْتِلَاف، وَالْمعْنَى مُتَقَارب.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (عَن عمْرَة)، وَفِي رِوَايَة الْأَوْزَاعِيّ الَّتِي تَأتي فِي أَوَاخِر الِاعْتِكَاف:(عَن يحيى بن سعيد حَدَّثتنِي عمْرَة بنت عبد الرَّحْمَن) . قَوْله: (عَن عَائِشَة) وَفِي رِوَايَة أبي عوَانَة من طَرِيق عَمْرو بن الْحَارِث: (عَن يحيى ابْن سعيد عَن عمْرَة حَدَّثتنِي عَائِشَة) . قَوْله: (خباء)، بِكَسْر الْخَاء الْمُعْجَمَة وبالمد: هُوَ الْخَيْمَة من وبر أَو صُفُوف، وَلَا يكون من الشّعْر، وَهُوَ على عمودين أَو ثَلَاثَة، وَيجمع على الأخبية نَحْو: الْخمار والأخمرة. قَوْله: (فَيصَلي الصُّبْح ثمَّ يدْخلهُ)، أَي: الخباء. وَفِي رِوَايَة ابْن فُضَيْل عَن يحيى بن سعيد الَّتِي تَأتي فِي: بَاب الِاعْتِكَاف فِي شَوَّال: (كَانَ يعْتَكف فِي كل رَمَضَان، فَإِذا صلى الْغَدَاة دخل) . وَاسْتدلَّ بِهِ على أَن مبدأ الِاعْتِكَاف من أول النَّهَار، وَفِيه خلاف يَأْتِي. قَوْله:(فاستأذنت حَفْصَة عَائِشَة أَن تضرب خباء) ، فحفصة هُوَ الْفَاعِل، وَعَائِشَة هُوَ الْمَفْعُول، وَكلمَة: أَن، مَصْدَرِيَّة، وَالْأَصْل: بِأَن تضرب، أَي: تضرب خباء، وَفِي رِوَايَة الْأَوْزَاعِيّ على مَا يَأْتِي:(فاستأذنته عَائِشَة فَأذن لَهَا، وَسَأَلت حَفْصَة عَائِشَة أَن تستأذن لَهَا فَفعلت) . وَفِي رِوَايَة ابْن فُضَيْل على مَا يَأْتِي: (فاستأذنته عَائِشَة أَن تعتكف فَأذن لَهَا فَضربت قبَّة، فَسمِعت بهَا حَفْصَة فَضربت قبَّة) . وَزَاد فِي رِوَايَة عَمْرو بن الْحَارِث (لتعتكف مَعَه) . وَهَذَا يشْعر بِأَنَّهَا فعلت ذَلِك بِغَيْر إِذن، وَلَكِن جَاءَ فِي رِوَايَة ابْن عُيَيْنَة عِنْد النَّسَائِيّ:(ثمَّ استأذنته حَفْصَة فَأذن لَهَا) . قَوْله: (فَلَمَّا رَأَتْهُ زَيْنَب بنت جحش ضربت خباء) . وَفِي رِوَايَة ابْن فُضَيْل: وَسمعت بهَا زَيْنَب فَضربت قبَّة أُخْرَى، وَفِي رِوَايَة عَمْرو بن الْحَارِث:(فَلَمَّا رَأَتْهُ زَيْنَب ضربت مَعَهُنَّ، وَكَانَت امْرَأَة غيورا) . قَوْله: (فَلَمَّا أصبح النَّبِي، صلى الله عليه وسلم، رأى الأخبية)، وَفِي رِوَايَة مَالك الَّتِي بعد هَذِه:(فَلَمَّا انْصَرف إِلَى الْمَكَان الَّذِي أَرَادَ أَن يعْتَكف فِيهِ، إِذا أخبية) . وَفِي رِوَايَة ابْن فُضَيْل: (فَلَمَّا انْصَرف من الْغَدَاة أبْصر أَربع قباب)، يَعْنِي: قبه لَهُ وَثَلَاثًا للثلاث. وَفِي رِوَايَة الْأَوْزَاعِيّ: (وَكَانَ رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم، إِذا صلى انْصَرف إِلَى بنائِهِ) أَي: الَّذِي بنى لَهُ ليعتكف فِيهِ، وَوَقع فِي رِوَايَة أبي مُعَاوِيَة عِنْد مُسلم وَأبي دَاوُد:(فَأمرت زَيْنَب بخبائها فَضرب، وَأمر غَيرهَا من أَزوَاج النَّبِي، صلى الله عليه وسلم، بخبائها فَضرب) . قَالَ بَعضهم: وَهَذَا يَقْتَضِي تَعْمِيم الْأزْوَاج بذلك، وَلَيْسَ كَذَلِك، وَقد فسرت الْأزْوَاج فِي الرِّوَايَات الْأُخْرَى: بعائشة وَحَفْصَة وَزَيْنَب فَقَط، وَبَين ذَلِك قَوْله فِي هَذِه الرِّوَايَات: أَربع قباب، وَفِي رِوَايَة ابْن عُيَيْنَة عِنْد النَّسَائِيّ: فَلَمَّا صلى الصُّبْح إِذا هُوَ أَرْبَعَة أبنية، قَالَ: لمن هَذِه؟ قَالُوا: لعَائِشَة وَحَفْصَة وَزَيْنَب، انْتهى. قلت: هَذَا الْقَائِل كَأَنَّهُ نسي كلمة: من، هَهُنَا. فَإِن، من، فِي قَوْله: من أَزوَاج النَّبِي، صلى الله عليه وسلم، للتَّبْعِيض، فَمن أَيْن يَأْتِي التَّعْمِيم؟ وَمعنى قَوْله:(وَأمر غَيرهَا) أَي: غير زَيْنَب وَهِي حَفْصَة. قَوْله: (آلبر ترَوْنَ بِهن؟) الْهمزَة فِيهِ للاستفهام على سَبِيل الْإِنْكَار، وَالْبر هُوَ: الطَّاعَة وَالْخَيْر، وَهُوَ مَنْصُوب بِلَفْظ: ترَوْنَ، الْمَعْلُوم من الرَّأْي، وبلفظ الْمَجْهُول بِمَعْنى: تظنون، وَيجوز الرّفْع وإلغاء الْفِعْل لِأَنَّهُ توَسط بَين المفعولين
قَالَه الْكرْمَانِي. قلت: وَجه النصب على أَنه مفعول ترَوْنَ مقدما، وَوجه الرّفْع، وَفِي رِوَايَة مَالك:(آلبر تَقولُونَ بِهن؟) أَي: تظنون، وَالْقَوْل يُطلق على الظَّن، وَوَقع فِي رِوَايَة الْأَوْزَاعِيّ:(آلبر أردن بِهَذَا؟) وَفِي رِوَايَة ابْن فُضَيْل: (مَا حَملهنَّ على هَذَا؟ آلبر؟ انزعوها فَلَا أَرَاهَا، فنزعت) . وَكلمَة: مَا، استفهامية. وَقَوله:(آلبر؟) بِهَمْزَة الِاسْتِفْهَام مَرْفُوع على الِابْتِدَاء وَخَبره مَحْذُوف تَقْدِيره: آلبر يردنه؟ قَوْله: (فَلَا أَرَاهَا) الْفَاء يجوز أَن تكون زَائِدَة أَي: لَا أرى الأخبية الْمَذْكُورَة. وَقَالَ ابْن التِّين: الصَّوَاب حذف الْألف من: أَرَاهَا، لِأَنَّهُ مجزوم. قلت: لَيْسَ كَذَلِك، لِأَنَّهُ نفي وَلَيْسَ بنهي. قَوْله:(فَترك الِاعْتِكَاف)، وَفِي رِوَايَة أبي مُعَاوِيَة:(فَأمر بخبائه فقوض) ، بِضَم الْقَاف وَتَشْديد الْوَاو الْمَكْسُورَة وَفِي آخِره ضاد مُعْجمَة، أَي: نقض. وَقَالَ القَاضِي عِيَاض: إِنَّمَا قَالَ صلى الله عليه وسلم هَذَا الْكَلَام إنكارا لفعلهن، لِأَنَّهُ خَافَ أَن يكن مخلصات فِي الِاعْتِكَاف، بل أردن الْقرب مِنْهُ المباهاة بِهِ، وَلِأَن الْمَسْجِد يجمع النَّاس ويحضره الْأَعْرَاب والمنافقون، وَهن محتاجات إِلَى الدُّخُول وَالْخُرُوج فيبتذلن بذلك، وَلِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم إِذا رآهن عِنْده فِي الْمَسْجِد فَصَارَ كَأَنَّهُ فِي منزله بِحُضُورِهِ مَعَ أَزوَاجه، وَذهب الْمَقْصُود من الِاعْتِكَاف، وَهُوَ التخلي عَن الْأزْوَاج ومتعلقات الدُّنْيَا، أَو لِأَنَّهُنَّ ضيقن الْمَسْجِد بأخبيتهن وَنَحْوهَا. قَوْله:(فَترك الِاعْتِكَاف. .) إِلَى آخِره، وَفِي رِوَايَة ابْن فُضَيْل:(فَلم يعْتَكف فِي رَمَضَان حَتَّى اعْتكف فِي آخر الْعشْر من شَوَّال) . وَفِي رِوَايَة أبي مُعَاوِيَة: (حَتَّى اعْتكف فِي الْعشْر الأول من شَوَّال)، والتوفيق بَين الرِّوَايَتَيْنِ هُوَ أَن المُرَاد بقوله:(آخر الْعشْر من شَوَّال) انْتِهَاء اعْتِكَافه، وَقَالَ الْإِسْمَاعِيلِيّ: فِيهِ دَلِيل على جَوَاز الِاعْتِكَاف بِغَيْر صَوْم، لِأَن أول شَوَّال هُوَ يَوْم الْفطر، وصومه حرَام. قلت: لَيْسَ فِيهِ دَلِيل لما قَالَه، لِأَن المُرَاد من قَوْله:(اعْتكف فِي الْعشْر الأول)، أَي: كَانَ ابتداؤه فِي الْعشْر الأول، فَإِذا اعْتكف من الْيَوْم الثَّانِي من شَوَّال يصدق عَلَيْهِ أَنه ابْتَدَأَ فِي الْعشْر الأول، وَالْيَوْم الأول مِنْهُ يَوْم أكل وَشرب، وَيُقَال، كَمَا ورد فِي الحَدِيث: وَالِاعْتِكَاف هُوَ التخلي لِلْعِبَادَةِ فَلَا يكون الْيَوْم الأول محلا لَهُ بِالْحَدِيثِ.
ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ فِيهِ: فِي قَوْله: (فَيصَلي الصُّبْح ثمَّ يدْخلهُ) احتجاج من يَقُول يبْدَأ بالاعتكاف من أول النَّهَار، وَبِه قَالَ الْأَوْزَاعِيّ وَاللَّيْث فِي أحد قوليه، وَاخْتَارَهُ ابْن الْمُنْذر، وَذَهَبت الْأَرْبَعَة وَالنَّخَعِيّ إِلَى جَوَاز دُخُوله قبيل الْغُرُوب إِذا أَرَادَ اعْتِكَاف عشر أَو شهر، وَأولُوا الحَدِيث على أَنه دخل الْمُعْتَكف وَانْقطع فِيهِ وتخلى بِنَفسِهِ بعد صَلَاة الصُّبْح، لِأَن ذَلِك فِي وَقت ابْتِدَاء الِاعْتِكَاف أول اللَّيْل، وَلم يدْخل الخباء إلَاّ بعد ذَلِك، وَقَالَ أَبُو ثَوْر: إِن أَرَادَ الِاعْتِكَاف عشر ليَالِي دخل قبل الْغُرُوب. وَهل يبيت لَيْلَة الْفطر فِي مُعْتَكفه وَلَا يخرج مِنْهُ إلَاّ أذا خرج لصَلَاة الْعِيد فَيصَلي؟ وَحِينَئِذٍ يخرج إِلَى منزله، أَو يجوز لَهُ أَن يخرج عِنْد الْغُرُوب من آخر يَوْم من شهر رَمَضَان؟ قَولَانِ للْعُلَمَاء: الأول: قَول مَالك وَأحمد وَغَيرهمَا، وسبقهم أَبُو قلَابَة وَأَبُو مجلز. وَاخْتلف أَصْحَاب مَالك إِذا لم يفصل هَل يبطل اعْتِكَافه أم لَا يبطل؟ قَولَانِ، وَذهب الشَّافِعِي وَاللَّيْث وَالزهْرِيّ وَالْأَوْزَاعِيّ فِي آخَرين: إِلَى أَنه يجوز خُرُوجه لَيْلَة الْفطر، وَلَا يلْزمه شَيْء. وَفِيه: أَن الْمَسْجِد شَرط للاعتكاف، لِأَن النِّسَاء شرع لَهُنَّ الاحتجاب فِي الْبيُوت، فَلَو لم يكن الْمَسْجِد شرطا مَا وَقع مَا ذكر من الْإِذْن وَالْمَنْع، وَقَالَ إِبْرَاهِيم بن عبلة فِي قَوْله:(آلبر يردن؟) دلَالَة على أَنه لَيْسَ لَهُنَّ الِاعْتِكَاف فِي الْمَسْجِد، إِذْ مَفْهُومه لَيْسَ ببر لَهُنَّ. وَقَالَ بَعضهم: وَلَيْسَ مَا قَالَه بواضح قلت: بلَى، هُوَ وَاضح لِأَنَّهُ إِذا لم يكن برا لَهُنَّ يكون فعله غير بر، أَي: غير طَاعَة، وارتكاب غير الطَّاعَة حرَام، وَيلْزم من ذَلِك عدم الْجَوَاز. وَفِيه: جَوَاز ضرب الأخبية فِي الْمَسْجِد. وَفِيه: شُؤْم الْغيرَة لِأَنَّهَا ناشئة عَن الْحَسَد المفضي إِلَى ترك الْأَفْضَل لأَجله. وَفِيه: ترك الْأَفْضَل إِذا كَانَ فِيهِ مصلحَة، وَأَن من خشِي على عمله الرِّيَاء جَازَ لَهُ تَركه وقطعه.
وَقَالَ بَعضهم: وَفِيه: أَن الِاعْتِكَاف لَا يجب بِالنِّيَّةِ، وَأما قَضَاؤُهُ صلى الله عليه وسلم لَهُ فعلى طَرِيق الِاسْتِحْبَاب، لِأَنَّهُ كَانَ إِذا عمل عملا أثْبته، وَلِهَذَا لم ينْقل أَن نِسَاءَهُ اعتكفن مَعَه فِي شَوَّال. انْتهى. قلت: قَوْله: (إِن الِاعْتِكَاف لَا يجب بِالنِّيَّةِ، لَيْسَ بمقتصر على الِاعْتِكَاف، بل كل عمل يَنْوِي الشَّخْص أَن يعمله لَا يلْزمه بِمُجَرَّد النِّيَّة: بل إِنَّمَا يلْزمه بِالشُّرُوعِ) .
وَقَالَ التِّرْمِذِيّ: اخْتلف