الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قَالَ الْإِسْمَاعِيلِيّ وَابْن بطال وَآخَرُونَ: لَيْسَ فِي الحَدِيث الَّذِي أوردهُ البُخَارِيّ فِي هَذَا الْبَاب مَا يُطَابق التَّرْجَمَة، لِأَن الحَدِيث مُطلق فِي ثَلَاثَة أَيَّام من كل شهر، والترجمة مَذْكُورَة بِمَا ذكره. قلت: قد أجبنا عَن هَذَا عِنْد تفسيرنا قَوْله: (ثَلَاث عشرَة وَأَرْبع عشرَة وَخمْس عشرَة) على أَنا قد ذكرنَا عَن قريب عَن أبي هُرَيْرَة فِي بعض طرق حَدِيثه مَا يُوَافق التَّرْجَمَة.
ذكر رِجَاله وهم خَمْسَة: الأول: أَبُو معمر، بِفَتْح الميمين: واسْمه عبد الله بن عَمْرو الْمنْقري المقعد. الثَّانِي: عبد الْوَارِث بن سعيد التَّيْمِيّ. الثَّالِث: أَبُو التياح، بِفَتْح التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق وَتَشْديد الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفِي آخِره حاء مُهْملَة: واسْمه يزِيد بن حميد الضبعِي. الرَّابِع: أَبُو عُثْمَان، هُوَ أَبُو عبد الرَّحْمَن بن مل النَّهْدِيّ. الْخَامِس: أَبُو هُرَيْرَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
ذكر لطائف إِسْنَاده فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع. وبصيغة الْإِفْرَاد فِي مَوضِع. وَفِيه: العنعنة فِي مَوضِع. وَفِيه: القَوْل فِي موضِعين. وَفِيه: ثَلَاثَة من الروَاة مذكورون بالكنى، وَقيل: أَبُو التياح لقب غير كنية، ويكنى أَبَا حَمَّاد. وَفِيه: أَن رُوَاته الثَّلَاثَة الأول كلهم بصريون، وَأَبُو عُثْمَان كُوفِي، وَلكنه سكن الْبَصْرَة، وَقد روى عَن أبي هُرَيْرَة جمَاعَة مِنْهُم أَبُو عُثْمَان لَكِن لم يَقع فِي البُخَارِيّ حَدِيث مَوْصُول من رِوَايَة أبي عُثْمَان عَن أبي هُرَيْرَة إلَاّ من رِوَايَة النَّهْدِيّ، وَلَيْسَ لَهُ فِي البُخَارِيّ سوى هَذَا وَآخر فِي الْأَطْعِمَة، وَوَقع عِنْد مُسلم: عَن شَيبَان عَن عبد الْوَارِث بِهَذَا الْإِسْنَاد، فَقَالَ فِيهِ: حَدثنِي أَبُو عُثْمَان النَّهْدِيّ، وَقد مضى هَذَا الحَدِيث فِي: بَاب صَلَاة الضُّحَى فِي السّفر، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن مُسلم بن إِبْرَاهِيم عَن شُعْبَة عَن عَبَّاس الْجريرِي عَن أبي عُثْمَان النَّهْدِيّ عَن أبي هُرَيْرَة، وَبَين بعض متنيه اخْتِلَاف، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ مُسْتَوفى. قَوْله:(خليلي) أَي: رَسُول الله صلى الله عليه وسلم. قَوْله: (بِثَلَاث)، أَي: بِثَلَاث أَشْيَاء. قَوْله: (صِيَام ثَلَاثَة أَيَّام)، بِالْجَرِّ على أَنه بدل من: ثَلَاث. قَوْله: (وركعتي الْفجْر)، عطف عَلَيْهِ. قَوْله:(وَأَن أوتر) كلمة: أَن، مَصْدَرِيَّة أَي: بِأَن أوتر، أَي: بالوتر، أَي: بِصَلَاتِهِ قبل أَن أَنَام، أَي قبل النّوم، وَإِنَّمَا أفرده بِهَذِهِ الْوَصِيَّة لِأَنَّهُ كَانَ يُوَافقهُ فِي إِيثَار الِاشْتِغَال بِالْعبَادَة على الِاشْتِغَال بالدنيا، لِأَن أَبَا هُرَيْرَة كَانَ يصبر على الْجُوع فِي ملازمته النَّبِي صلى الله عليه وسلم، ألَا ترى كَيفَ قَالَ: أما إخْوَانِي فَكَانَ يشغلهم الصفق بالأسواق، وَكنت ألزم رَسُول الله صلى الله عليه وسلم.
16 -
(بابُ مَنْ زَارَ قَوْما فَلَمْ يُفْطِرْ عِنْدَهُمْ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان من زار قوما وَهُوَ صَائِم فِي التَّطَوُّع فَلم يفْطر عِنْدهم، وَهَذَا الْبَاب يُقَابل الْبَاب الَّذِي قبله بِعشْرَة أَبْوَاب، وَهُوَ بَاب من أقسم على أَخِيه ليفطر فِي التَّطَوُّع.
2891 -
حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ المُثَنَّى قَالَ حدَّثني خالِدٌ هُوَ ابنُ الحَارِثِ قَالَ حدَّثنا حُمَيْدٌ عنْ أنَسٍ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ دَخَلَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَى أُمِّ سُلَيْمٍ فأتَتْهُ بِتَمْرٍ وسَمْنٍ قَالَ أعِيدُوا سَمْنَكُمْ فِي سِقَائِهِ وتَمْرَكُمْ فِي وِعائِهِ فإنِّي صائِمٌ ثُمَّ قامَ إلَى ناحِيَةٍ مِنْ نَوَاحِي الْبَيْتِ فصَلَّى غَيْرَ الْمَكْتُوبَةِ فَدَعا لأُمِّ سُلَيْمٍ وأهْلِ بَيْتِها فقالَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ يَا رسولَ الله إنَّ لِي خُوَيْصَةً قَالَ هِيَ قَالَتْ خادِمُكَ أنَسٌ فَمَا تَرَكَ خَيْرَ آخِرَةٍ ولَا دُنْيَا إلَاّ دَعا لِي بِهِ قَالَ أللَّهُمَّ ارْزُقْهُ مَالا وولَدا وبارِكْ لَهُ فإنِّي لَمِنْ أكْثَرِ الأنْصَارِ مَالا ح وحدَّثَتْنِي ابْنَتِي أُمُيْنةُ أنَّهُ دُفِنَ لِصُلْبي مَقْدَمَ حَجَّاجٍ الْبَصْرَةَ بِضْعٌ وعِشْرُونَ وَمِائةٌ. .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَرِجَاله قد ذكرُوا وهم كلهم بصريون.
قَوْله: (هُوَ ابْن الْحَارِث) بَيَان من البُخَارِيّ لِأَن شَيْخه كَأَنَّهُ قَالَ: حَدثنَا خَالِد، وَأَرَادَ بِالْبَيَانِ رفع الْإِبْهَام لاشتراك من سمي خَالِدا فِي الرِّوَايَة عَن حميد، وَلَكِن هَذَا غير مطرد لَهُ فَإِنَّهُ كثيرا مَا يَقع لَهُ ولمشايخه مثل هَذَا الْإِبْهَام وَلَا يلْتَفت إِلَى بَيَانه. وَهَذَا الحَدِيث من أَفْرَاده. قَوْله:(على أم سليم)، بِضَم السِّين الْمُهْملَة وَفتح اللَّام: وَاسْمهَا الغميصاء، وَقيل: الرميصاء، وَقَالَ أَبُو دَاوُد: الرميصاء أم سليم سهلة، وَيُقَال: وصيلة، وَيُقَال: رميئة، وَيُقَال: أنيفة، وَيُقَال: مليكَة. وَقَالَ ابْن التِّين: كَانَ صلى الله عليه وسلم يزور أم سليم لِأَنَّهَا خَالَته من الرضَاعَة، وَقَالَ أَبُو عمر: إِحْدَى خالاته من
النّسَب، لِأَن أم عبد الْمطلب سلمى بنت عَمْرو بن زيد بن أَسد بن خِدَاش بن عَامر بن غنم بن عدي بن النجار، وَأُخْت أم سليم أم حرَام بنت ملْحَان بن زيد بن خَالِد بن حرَام بن جُنْدُب بن عَامر بن غنم، وَأنكر الْحَافِظ الدمياطي هَذَا القَوْل، وَذكر أَن هَذِه خؤلة بعيدَة لَا تثبت حُرْمَة وَلَا تمنع نِكَاحا. قَالَ: وَفِي (الصَّحِيح) أَنه، صلى الله عليه وسلم، كَانَ لَا يدحل على أحد من النِّسَاء إلَاّ على أَزوَاجه إلَاّ على أم سليم، فَقيل لَهُ فِي ذَلِك، قَالَ: أرحمها، قُتِلَ أَخُوهَا حرَام معي، فَبين تخصيصها بذلك، فَلَو كَانَ ثمَّة عِلّة أُخْرَى لذكرها، لِأَن تَأْخِير الْبَيَان عَن وَقت الْحَاجة لَا يجوز، وَهَذِه الْعلَّة مُشْتَركَة بَينهَا وَبَين أُخْتهَا أم حرَام. قَالَ: وَلَيْسَ فِي الحَدِيث مَا يدل على الْخلْوَة بهَا، فَلَعَلَّهُ كَانَ ذَلِك مَعَ ولد أَو خَادِم أَو زوج أَو تَابع، وَأَيْضًا فَإِن قتل حرَام كَانَ يَوْم بِئْر مَعُونَة فِي صفر سنة أَربع، ونزول الْحجاب سنة خمس، فَلَعَلَّ دُخُوله عَلَيْهَا. كَانَ قبل ذَلِك، وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ: يُمكن أَن يُقَال: إِنَّه صلى الله عليه وسلم كَانَ لَا تستتر مِنْهُ النِّسَاء لِأَنَّهُ كَانَ مَعْصُوما، بِخِلَاف غَيره. قَوْله:(فَأَتَتْهُ بِتَمْر وَسمن) أَي: على سَبِيل الضِّيَافَة. قَوْله: (فِي سقائه)، بِكَسْر السِّين: وَهُوَ ظرف المَاء من الْجلد، وَالْجمع أسقية، وَرُبمَا يَجْعَل فِيهَا السّمن وَالْعَسَل. قَوْله:(فصلى غير الْمَكْتُوبَة)، يَعْنِي: التَّطَوُّع، وَفِي رِوَايَة أَحْمد عَن ابْن أبي عدي عَن حميد:(فصلى رَكْعَتَيْنِ وصلينا مَعَه) . وَكَانَت هَذِه الْقِصَّة غير الْقِصَّة الَّتِي تقدّمت فِي أَبْوَاب الصَّلَاة الَّتِي صلى فِيهَا على الْحَصِير وَأقَام أنسا خَلفه وَأم سليم من وَرَائه، وَوَقع لمُسلم من طَرِيق سُلَيْمَان بن الْمُغيرَة عَن ثَابت:(ثمَّ صلى رَكْعَتَيْنِ تَطَوّعا فَأَقَامَ أم حرَام وَأم سليم خلفنا، وأقامني عَن يَمِينه)، وَهَذَا ظَاهر فِي تعدد الْقِصَّة من وَجْهَيْن: أَحدهمَا: أَن الْقِصَّة الْمُتَقَدّمَة لَا ذكر فِيهَا لأم حرَام. وَالْآخر: أَنه صلى الله عليه وسلم هُنَا لم يَأْكُل وَهُنَاكَ أكل. قَوْله: (خويصة) ، تَصْغِير الْخَاصَّة، وَهُوَ مِمَّا اغتفر فِيهِ التقاء الساكنين، وَفِي رِوَايَة (خويصتك أنس) ، فصغرته لصِغَر سنه يَوْمئِذٍ، وَمَعْنَاهُ: هُوَ الَّذِي يخْتَص بخدمتك. قَوْله: (قَالَ: مَا هِيَ؟) أَي: قَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم مَا الخويصة؟ (قَالَت: خادمك أنس)، وَقَالَ بَعضهم: قَوْله: (خادمك أنس) هُوَ عطف بَيَان أَو بدل، وَالْخَبَر مَحْذُوف. قلت: تَوْجِيه الْكَلَام لَيْسَ كَذَلِك. بل قَوْله: (خادمك) مَرْفُوع على أَنه خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف تَقْدِيره: هُوَ خادمك، لِأَنَّهَا لما قَالَت: إِن لي خويصة، قَالَ صلى الله عليه وسلم: مَا هِيَ؟ قَالَت: خادمك، يَعْنِي: هَذِه الخويصة هُوَ خادمك، ومقصودها أَن وَلَدي أنسا لَهُ خُصُوصِيَّة بك، لِأَنَّهُ يخدمك فَادع لَهُ دَعْوَة خَاصَّة. وَقَوله:(أنس) مَرْفُوع لِأَنَّهُ عطف بَيَان أَو بدل، وَوَقع فِي رِوَايَة أَحْمد من رِوَايَة ثَابت (عَن أنس: لي خويصة، خويدمك أنس ادْع الله لَهُ) . قَوْله:(فَمَا ترك خير آخِرَة) أَي: مَا ترك خيرا من خيرات الْآخِرَة، وتنكير آخِرَة يرجع إِلَى الْمُضَاف وَهُوَ الْخَيْر، كَأَنَّهُ قَالَ: مَا ترك خيرا من خيور الْآخِرَة وَلَا من خيور الدُّنْيَا إلَاّ دَعَا لي بِهِ. وَقَوله: (اللَّهُمَّ ارزقه مَالا وَولدا وَبَارك لَهُ) بَيَان لدعائه صلى الله عليه وسلم لَهُ، وَيدل عَلَيْهِ رِوَايَة أَحْمد من رِوَايَة عُبَيْدَة بن حميد عَن حميد:(إلَاّ دَعَا لي بِهِ، فَكَانَ من قَوْله: أللهم) إِلَى آخِره. فَإِن قلت: المَال وَالْولد من خير الدُّنْيَا، فَأَيْنَ ذكر خير الْآخِرَة فِي الدُّعَاء لَهُ؟ قلت: الظَّاهِر أَن الرَّاوِي اخْتَصَرَهُ، يدل عَلَيْهِ مَا رَوَاهُ ابْن سعد بِإِسْنَاد صَحِيح عَن الْجَعْد (عَن أنس، قَالَ: أللهم أَكثر مَاله وَولده وأطل عمره واغفر ذَنبه)، وَوَقع فِي رِوَايَة مُسلم عَن الْجهد (عَن أنس: فَدَعَا لي بِثَلَاث دعوات، قد رَأَيْت مِنْهَا اثْنَتَيْنِ فِي الدُّنْيَا، وَأَنا أَرْجُو الثَّالِثَة فِي الْآخِرَة) ، فَلم يبين الثَّالِثَة وَهِي الْمَغْفِرَة، كَمَا بَينهَا ابْن سعد فِي رِوَايَته، وَقَالَ الْكرْمَانِي: وَلَفظ: (بَارك) إِشَارَة إِلَى خير الْآخِرَة، وَالْمَال وَالْولد الصالحان من جملَة خير الْآخِرَة أَيْضا لِأَنَّهُمَا يستلزمانها. قَوْله:(وَبَارك لَهُ) وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: (وَبَارك فِيهِ) ، وَإِنَّمَا أفرد الضَّمِير نظرا إِلَى الْمَذْكُور من المَال وَالْولد، وَفِي رِوَايَة أَحْمد فيهم نظرا إِلَى الْمَعْنى. قَوْله:(فَإِنِّي لمن أَكثر الْأَنْصَار مَالا) الْفَاء فِيهَا معنى التَّفْسِير فَإِنَّهَا تفسر معنى الْبركَة فِي مَاله، وَاللَّام فِي: لمن، للتَّأْكِيد و: مَالا، نصب على التَّمْيِيز. فَإِن قلت: وَقع عِنْد أَحْمد من رِوَايَة ابْن أبي عدي أَنه لَا يملك ذَهَبا وَلَا فضَّة غير خَاتمه، وَفِي رِوَايَة ثَابت عِنْد أَحْمد، (قَالَ أنس: وَمَا أصبح رجل من الْأَنْصَار أَكثر مني مَالا، قَالَ: يَا ثَابت! وَمَا أملك صفرا وَلَا بيضًا إلَاّ خَاتمِي؟) قلت: مُرَاده أَن مَاله كَانَ من غير النَّقْدَيْنِ، وَفِي (جَامع التِّرْمِذِيّ) قَالَ أَبُو الْعَالِيَة: كَانَ لأنس بُسْتَان يحمل فِي السّنة مرَّتَيْنِ، وَكَانَ فِيهِ ريحَان يَجِيء مِنْهُ رَائِحَة الْمسك، وَفِي (الْحِلْية) لأبي نعيم من طَرِيق حَفْصَة بنت سِيرِين (عَن أنس، قَالَ: وَإِن أرضي لتثمر فِي السّنة مرَّتَيْنِ، وَمَا فِي الْبَلَد شَيْء يُثمر مرَّتَيْنِ غَيرهَا) .
قَوْله: (وحدثتني ابْنَتي أمينة)، بِضَم الْهمزَة وَفتح الْمِيم وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفتح النُّون: وَهُوَ تَصْغِير: آمِنَة، وَفِيه رِوَايَة الْأَب عَن بنته لِأَن أنسا روى هَذَا عَن بنته أمينة، وَهُوَ من قبيل رِوَايَة
الْآبَاء عَن الْأَبْنَاء. قَوْله: (إِنَّه دفن لصلبي) أَي: من وَلَده دون أسباطه وأحفاده. قَوْله: (مقدم الْحجَّاج) هُوَ: ابْن يُوسُف الثَّقَفِيّ وَكَانَ قدومه الْبَصْرَة سنة خمس وَسبعين، وَعمر أنس حِينَئِذٍ نَيف وَثَمَانُونَ سنة، وَقد عَاشَ أنس بعد ذَلِك إِلَى سنة ثَلَاث وَيُقَال: اثْنَتَيْنِ، وَيُقَال: إِحْدَى وَتِسْعين، وَقد قَارب الْمِائَة. فَإِن قلت: الْبَصْرَة مَنْصُوبَة بِمَاذَا؟ وَلَا يجوز أَن يكون الْعَامِل فِيهَا لفظ مقدم لِأَنَّهُ اسْم زمَان وَهُوَ لَا يعْمل؟ كَذَا قَالَه الْكرْمَانِي قلت: فِيهِ مُقَدّر تَقْدِيره زمَان قدومه الْبَصْرَة، والمقدم هُنَا مصدر ميمي فالكرماني لما رَآهُ على وزن اسْم الْفَاعِل ظن أَنه اسْم زمَان، فَلذَلِك تكلّف فِي السُّؤَال وَالْجَوَاب، وَأما لفظ مقدم فَإِنَّهُ مَنْصُوب بِنَزْع الْخَافِض تَقْدِيره: إِلَى مقدم الْحجَّاج أَي: إِلَى قدومه، أَي: إِلَى وَقت قدومه حَاصله أَن من مَاتَ من أول أَوْلَاده إِلَى وَقت قدوم الْحجَّاج الْبَصْرَة، بضع وَعِشْرُونَ وَمِائَة، وفْق رِوَايَة ابْن أبي عدي: نيفا على عشْرين وَمِائَة، وَفِي رِوَايَة الْبَيْهَقِيّ، من رِوَايَة الْأنْصَارِيّ عَن حميد: تسع وَعِشْرُونَ وَمِائَة، وَعند الْخَطِيب فِي رِوَايَة الْآبَاء عَن الْأَوْلَاد، من هَذَا الْوَجْه: ثَلَاث وَعِشْرُونَ وَمِائَة، وَفِي رِوَايَة حَفْصَة بنت سِيرِين:(وَلَقَد دفنت من صلبي سوى ولد وَلَدي خَمْسَة وَعشْرين وَمِائَة) ، وَفِي (الْحِلْية) أَيْضا من طَرِيق عبد الله بن أبي طَلْحَة (عَن أنس، قَالَ: دفنت مائَة لَا سقطا وَلَا ولد ولد) . وَلأَجل هَذَا الِاخْتِلَاف جَاءَ فِي رِوَايَة البُخَارِيّ: (بضع وَعِشْرُونَ وَمِائَة) ، فَإِن الْبضْع مَا بَين الثَّلَاث إِلَى التسع، وَقَالَ ابْن الْأَثِير: الْبضْع فِي الْعدَد، بِالْكَسْرِ، وَقد يفتح: مَا بَين الثَّلَاث إِلَى التسع، وَقيل: مَا بَين الْوَاحِد إِلَى الْعشْرَة لِأَنَّهُ قِطْعَة من الْعدَد، وَقَالَ الْجَوْهَرِي: تَقول بضع سِنِين وَبضْعَة عشر رجلا فَإِذا جَاوَزت لفظ الْعشْر لَا تَقول: بضع وَعِشْرُونَ. قلت: الَّذِي جَاءَ فِي الحَدِيث يرد عَلَيْهِ وَهُوَ سَهْو مِنْهُ، وَكَيف لَا وَأنس من فصحاء الْعَرَب، وَأما الَّذين بقوا، فَفِي رِوَايَة إِسْحَاق ابْن أبي طَلْحَة (عَن أنس: وَأَن وَلَدي وَولد وَلَدي ليتعادون على نَحْو الْمِائَة) ، رَوَاهُ مُسلم.
ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ فِيهِ: حجَّة لمَالِك والكوفيين مِنْهُم أَبُو حنيفَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، أَن الصَّائِم المتطوع لَا يَنْبَغِي لَهُ أَن يفْطر بِغَيْر عذر وَلَا سَبَب يُوجب الْإِفْطَار. فَإِن قلت: هَذَا يُعَارض حَدِيث أبي الدَّرْدَاء حِين زَارَهُ سلمَان، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَقد تقدم قلت: لَا مُعَارضَة بَينهمَا لِأَن سلمَان امْتنع أَن يَأْكُل إِن لم يَأْكُل أَبُو الدَّرْدَاء مَعَه، وَهَذِه عِلّة للفطر، لِأَن للضيف حَقًا، كَمَا قَالَ النَّبِي، صلى الله عليه وسلم:(إِن الصَّائِم إِذا دعِي إِلَى طَعَام فَليدع لأَهله بِالْبركَةِ) . ويؤنسهم بذلك لِأَن فِيهِ جبر خاطر المزور إِذا لم يُؤْكَل عِنْده. وَفِيه: جَوَاز التصغير على معنى التعطف لَهُ والترحم عَلَيْهِ والمودة لَهُ، بِخِلَاف مَا إِذا كَانَ للتحقير فَإِنَّهُ لَا يجوز. وَفِيه: جَوَاز رد الْهَدِيَّة إِذا لم يشق ذَلِك على الْمهْدي، وَإِن أَخذ من ردَّتْ عَلَيْهِ لَيْسَ من الْعود فِي الْهِبَة. وَفِيه: حفظ الطَّعَام وَترك التَّفْرِيط. وَفِيه: التلطف بقولِهَا: خادمك أنس. وَفِيه: جَوَاز الدُّعَاء بِكَثْرَة الْوَلَد وَالْمَال. وَفِيه: التَّارِيخ بِولَايَة الْأُمَرَاء، لقَوْله: مقدم الْحجَّاج، وَقد بَينا وَقت قدومه. وَفِيه: مَشْرُوعِيَّة الدُّعَاء عقيب الصَّلَاة. وَفِيه: تَقْدِيم الصَّلَاة أَمَام طلب الْحَاجة. وَفِيه: زِيَارَة الإِمَام بعض رَعيته. وَفِيه: دُخُول بَيت الرجل فِي غيبته لِأَنَّهُ لم يقل فِي طرق هَذِه الْقِصَّة: إِن أَبَا طَلْحَة كَانَ حَاضرا. قلت: يَنْبَغِي أَن يكون هَذَا بالتفصيل، وَهُوَ أَنه إِذا علم أَن الرجل لَا يصعب عَلَيْهِ ذَلِك جَازَ، وإلَاّ لم يجز وَلَيْسَ أحد من النَّاس مثل سيد الْأَوَّلين والآخرين. وَفِيه: التحديث بنعم الله تَعَالَى والإخبار عَنْهَا عِنْد الْإِنْسَان، والإعلام بمواهبه وَأَن لَا يجْحَد نعمه، وَبِذَلِك أَمر الله فِي كِتَابه الْكَرِيم حَيْثُ قَالَ:{وَأما بِنِعْمَة رَبك فَحدث} (الضُّحَى: 11) . وَفِيه: بَيَان معْجزَة الرَّسُول صلى الله عليه وسلم فِي دُعَائِهِ لأنس ببركة المَال وَكَثْرَة الْوَلَد مَعَ كَون بستانه صَار يُثمر مرَّتَيْنِ فِي السّنة دون غَيره. وَفِيه: كَرَامَة أنس، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ. وَفِيه: إِيثَار الْوَلَد على النَّفس وَحسن التلطف فِي السُّؤَال. وَفِيه: أَن كَثْرَة الْمَوْت فِي الْأَوْلَاد لَا تنَافِي إِجَابَة الدُّعَاء بِطَلَب كثرتهم. وَفِيه: التَّارِيخ بِالْأَمر الشهير.
90 -
(حَدثنَا ابْن أبي مَرْيَم قَالَ أخبرنَا يحيى قَالَ حَدثنِي حميد قَالَ سمع أنسا رضي الله عنه عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ -) هَذَا طَرِيق آخر وَقع هَكَذَا بقوله حَدثنَا فِي رِوَايَة كَرِيمَة والأصيلي فَيكون مَوْصُولا وَفِي رِوَايَة غَيرهمَا وَقع هَكَذَا قَالَ