الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حدَّثني يَحْيَى بنُ سَعِيدٍ قَالَ حدَّثَتْنِي عَمْرَةُ بِنْتُ عَبْدِ الرَّحْمانِ عنْ عائِشَةَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم ذَكَرَ أنْ يَعْتَكِفَ الْعَشْرَ الأوَاخِرَ منْ رَمَضَانَ فاسْتَأذَنَتْهُ عائِشَة فأذِنَ لَها وسألَتْ حَفْصَةُ عائِشَةَ أنْ تَسْتَأذِنَ لَها فَفَعَلَتْ فلمَّا رَأتْ ذَلِكَ زَيْنَبُ ابنَةُ جَحْشٍ أمَرَتْ بِبِناءٍ فبُنِيَ لَهَا قالَتْ وكانَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إذَا صَلَّى انْصَرَفَ إلَى بِنَائِهِ فبَصُرَ بالأبْنِيَةِ فَقَالَ مَا هَذَا قالُوا بِناءُ عائِشَةَ وحفْصَةَ وزَيْنَبَ فَقَالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم آلْبِرَّ أرَدْنَ بِهَذَا مَا أنَا بِمُعْتَكِفٍ فرَجَعَ فلَمَّا أفْطَرَ اعْتَكَفَ عَشْرا مِنْ شَوَّالٍ. .
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِنَّه، صلى الله عليه وسلم، ذكر أَن يعْتَكف ثمَّ بدا لَهُ من جِهَة أبنية نِسَائِهِ، فَرجع وَلم يعْتَكف. وَعبد الله هُوَ ابْن لمبارك، وَالْأَوْزَاعِيّ عبد الرَّحْمَن بن عَمْرو، وَيحيى بن سعيد الْأنْصَارِيّ. ومباحث هَذَا الحَدِيث قد مَضَت مستقصاة.
قَوْله: (ذكر) أَي: رَسُول الله صلى الله عليه وسلم، للنَّاس أَنه يُرِيد أَن يعْتَكف. قَوْله:(فاستأذنته عَائِشَة) فِي موافقتها لَهُ فِي الِاعْتِكَاف (فَأذن لَهَا) قَوْله: (أمرت بِبِنَاء)، أَي: بِضَرْب خيمة لَهَا أَيْضا فِي الْمَسْجِد. قَوْله: (بالأبنية) جمع بِنَاء، وَالْمرَاد هِيَ: الخيم. قَوْله: (آلبر؟) بِهَمْزَة الِاسْتِفْهَام وَبِالنَّصبِ بقوله: (أردن؟) أنكر عَلَيْهِنَّ فِي ذَلِك لأحد الْأَسْبَاب الْمَذْكُورَة فِي: بَاب الِاعْتِكَاف لَيْلًا. قَوْله: (فَرجع)، أَي: من الِاعْتِكَاف أَي: تَركه.
قَالَ الْكرْمَانِي: فَإِن قلت: تقدم أَنه اعْتكف الْعشْر الْأَوَاخِر، فَمَا التَّوْفِيق بَينهمَا؟ قلت: لَا بُد من الْتِزَام اخْتِلَاف الْوَقْتَيْنِ جمعا بَين الْحَدِيثين.
وَفِيه: إِشَارَة إِلَى الْجَزْم بِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم لم يدْخل فِي الِاعْتِكَاف ثمَّ خرج مِنْهُ، بل تَركه قبل الدُّخُول فِيهِ وَهُوَ ظَاهر، خلافًا لمن خَالف فِيهِ.
91 -
(بابُ المُعْتَكِفِ يُدْخِلِ رَأسَهُ البَيْتَ لِلْغُسْلِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان شَأْن الْمُعْتَكف الَّذِي يدْخل رَأسه فِي الْبَيْت لأجل غسل الرَّأْس، و: يدْخل، بِضَم الْيَاء من الإدخال، وَالْبَيْت مَنْصُوب على المفعولية، وَاللَّام فِي: الْغسْل، لَام التَّعْلِيل.
6402 -
حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ مُحَمَّدٍ قَالَ حدَّثنا هِشَامٌ قَالَ أخبرنَا مَعْمَرٌ عنِ الزُّهْرِيِّ عنْ عُرْوَةَ عنْ عائِشَةَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا أنَّهَا كانَتْ تُرَجِّلُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم وهْيَ حائِضٌ وهْوَ مُعْتَكِفٌ فِي المَسْجِدِ وهْيَ فِي حُجْرَتِهَا يُنَاوِلُهَا رَأسَهُ..
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، ومباحثه قد مرت فِي: بَاب الْحَائِض ترجل الْمُعْتَكف فِي أَوَائِل كتاب الِاعْتِكَاف، وَعبد الله بن مُحَمَّد الْمَعْرُوف بِابْن الْمَدِينِيّ، وَهِشَام بن يُوسُف الصَّنْعَانِيّ الْيَمَانِيّ.
قَوْله: (ترجل) أَي: تمشط شعر رَأسه، صلى الله عليه وسلم، قَوْله:(وَهِي حَائِض) ، جملَة حَالية، وَكَذَلِكَ قَوْله:(وَهُوَ معتكف) أَي: النَّبِي، صلى الله عليه وسلم، معتكف. قَوْله:(يناولها) أَي: يمِيل رَأسه إِلَيْهَا لتمشطه، وَكَانَ بَاب الْحُجْرَة إِلَى الْمَسْجِد، وَكَانَت عَائِشَة تقعد فِي حُجْرَتهَا من وَرَاء الْقبَّة، وَيقْعد رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فِي الْمَسْجِد خَارج الْحُجْرَة، فيميل رَأسه إِلَيْهَا. وَالله أعلم بِحَقِيقَة الْحَال.
43 -
(كِتَابُ البُيُوعِ)
أَي: هَذَا كتاب فِي بَيَان أَحْكَام الْبيُوع، وَلما فرغ البُخَارِيّ من بَيَان الْعِبَادَات الْمَقْصُود مِنْهَا التَّحْصِيل الأخروي، شرع فِي بَيَان الْمُعَامَلَات الْمَقْصُود مِنْهَا التَّحْصِيل الدنيوي، فَقدم الْعِبَادَات لاهتمامها، ثمَّ ثنى بالمعاملات لِأَنَّهَا ضَرُورِيَّة، وَأخر النِّكَاح لِأَن شَهْوَته مُتَأَخِّرَة عَن الْأكل وَالشرب وَنَحْوهمَا، وَأخر الْجِنَايَات والمخاصمات لِأَن وُقُوع ذَلِك فِي الْغَالِب إِنَّمَا هُوَ بعد الْفَرَاغ من شَهْوَة الْبَطن والفرج، وَأغْرب ابْن بطال فَذكر هُنَا الْجِهَاد، وَأخر البيع إِلَى أَن فرغ من الْأَيْمَان
وَالنُّذُور. وَقَالَ صَاحب (التَّوْضِيح) : وَلَا أَدْرِي لما فعل ذَلِك، وَكَذَلِكَ قدم الصَّوْم على الْحَج أَيْضا قلت: لَعَلَّه نظر إِلَى أَن الْجِهَاد أَيْضا من الْعِبَادَات، لِأَن الْمَقْصُود مِنْهَا التَّحْصِيل الأخروي، لِأَن جلّ الْمَقْصُود ذَلِك لِأَن فِيهِ إعلاء كلمة الله تَعَالَى وَإِظْهَار الدّين وَنشر الْإِسْلَام.
وَبَعض أَصْحَابنَا قدم النِّكَاح على الْبيُوع فِي مصنفاتهم نظرا إِلَى أَنه مُشْتَمل على الْمصَالح الدِّينِيَّة والدنيوية، ألَا ترى أَنه أفضل من التخلي للنوافل؟ وَبَعْضهمْ قدم الْبيُوع على النِّكَاح نظرا إِلَى أَن احْتِيَاج النَّاس إِلَى البيع أَكثر من احتياجهم إِلَى النِّكَاح، فَكَانَ أهم بالتقديم. قلت: لما كَانَ مدَار أُمُور الدّين بِخَمْسَة أَشْيَاء، وَهِي: الاعتقادات، والعبادات، والمعاملات والزواجر، والآداب. فالاعتقادات محلهَا علم الْكَلَام، والعبادات قد بَينهَا، شرع فِي بَيَان الْمُعَامَلَات، وَقدم مِنْهَا الْبيُوع نظرا إِلَى كَثْرَة الِاحْتِيَاج إِلَيْهِ، كَمَا ذَكرْنَاهُ الْآن.
ثمَّ إِنَّه ذكر لفظ الْكتاب لِأَنَّهُ مُشْتَمل على الْأَبْوَاب، وَهِي كَثِيرَة فِي أَنْوَاع الْبيُوع، وَجمع البيع لاخْتِلَاف أَنْوَاعه، وَهِي الْمُطلق: إِن كَانَ بيع الْعين بِالثّمن، والمقايضة: إِن كَانَ عينا بِعَين، وَالسّلم: إِن كَانَ بيع الدّين بِالْعينِ، وَالصرْف: إِن كَانَ بيع الثّمن بِالثّمن، والمرابحة: إِن كَانَ بِالثّمن مَعَ زِيَادَة، وَالتَّوْلِيَة: إِن لم يكن مَعَ زِيَادَة، والوضيعة: إِن كَانَ بِالنُّقْصَانِ، وَاللَّازِم: إِن كَانَ تَاما، وَغير اللَّازِم: إِن كَانَ بِالْخِيَارِ، وَالصَّحِيح، وَالْبَاطِل، وَالْفَاسِد، وَالْمَكْرُوه.
ثمَّ للْبيع تَفْسِير: لُغَة، وَشرعا، وركن، وَشرط، وَمحل، وَحكم، وَحِكْمَة.
أما تَفْسِير لُغَة: فمطلق الْمُبَادلَة، وَهُوَ ضد الشِّرَاء وَالْبيع الشِّرَاء أَيْضا بَاعه الشَّيْء وَبَاعه مِنْهُ جَمِيعًا فيهمَا، وابتاع الشَّيْء اشْتَرَاهُ، وأباعه عرضه للْبيع، وَبَايَعَهُ مبايعة وبياعا عَارضه للْبيع، والبيعان: البَائِع وَالْمُشْتَرِي، وَجمعه: باعة عِنْد كرَاع، وَالْبيع اسْم البيع وَالْجمع بُيُوع، والبياعات الْأَشْيَاء المتبايعة للتِّجَارَة، وَرجل بُيُوع جيد البيع، وبياع كثير البيع، ذكره سِيبَوَيْهٍ فِيمَا قَالَه ابْن سَيّده، وَحكى النَّوَوِيّ عَن أبي عُبَيْدَة: أباع، بِمَعْنى: بَاعَ. قَالَ: وَهُوَ غَرِيب شَاذ. وَفِي (الْجَامِع) أبعته أبيعه إباعة إِذا عرضته للْبيع، وَيُقَال: بِعته وأبعته بِمَعْنى وَاحِد. وَقَالَ ابْن طريف فِي: بَاب فعل وَافْعل، بِاتِّفَاق معنى بَاعَ الشَّيْء وأباعه عَن أبي زيد، وَأبي عُبَيْدَة. وَفِي (الصِّحَاح) : وَالشَّيْء مَبِيع وبيوع، والبياعة السّلْعَة، وَيُقَال: بيع الشَّيْء، على مَا لم يسم فَاعله إِن شِئْت كسرت الْبَاء وَإِن شِئْت ضممتها، وَمِنْهُم من يقلب الْيَاء واوا فَيَقُول: بوع الشَّيْء. وَقَالَ ابْن قُتَيْبَة: بِعْت الشَّيْء بِمَعْنى بِعته، وَبِمَعْنى اشْتَرَيْته، وشريت الشَّيْء اشْتَرَيْته، وَبِمَعْنى بِعته. وَيُقَال: استبعته أَي: سَأَلته البيع، قَالَ الْخَلِيل: الْمَحْذُوف من مَبِيع وَاو مفعول لِأَنَّهَا زَائِدَة فَهِيَ أولى بالحذف. وَقَالَ الْأَخْفَش: الْمَحْذُوف عين الْكَلِمَة، وَقَالَ الْمَازرِيّ: كِلَاهُمَا حسن، وَقَول الْأَخْفَش أَقيس، وَقيل: سمي البيع بيعا لِأَن البَائِع يمد بَاعه إِلَى المُشْتَرِي حَالَة العقد غَالِبا، ورد هَذَا بِأَنَّهُ غلط، لِأَن الباع من ذَوَات الْوَاو، وَالْبيع من ذَوَات الْيَاء.
وَأما تَفْسِيره شرعا فَهُوَ مُبَادلَة المَال بِالْمَالِ على سَبِيل التَّرَاضِي. وَأما رُكْنه: فالإيجاب وَالْقَبُول. وَأما شَرطه: فأهلية الْمُتَعَاقدين. وَأما مَحَله فَهُوَ المَال، لِأَنَّهُ ينبىء عَنهُ شرعا. وَأما حكمه: فَهُوَ ثُبُوت الْملك للْمُشْتَرِي فِي الْمَبِيع، وَللْبَائِع فِي الثّمن إِذا كَانَ تَاما، وَعند الْإِجَازَة إِذا كَانَ مَوْقُوفا. وَأما حكمته: فَهِيَ كَثِيرَة. مِنْهَا: باتساع أُمُور المعاش والبقاء. وَمِنْهَا: إطفاء نَار المنازعات والنهب والسرق والطر والخيانات والحيل الْمَكْرُوهَة. وَمِنْهَا: بَقَاء نظام المعاش وَبَقَاء الْعَالم، لِأَن الْمُحْتَاج يمِيل إِلَى مَا فِي يَد غَيره، فبغير الْمُعَامَلَة يُفْضِي إِلَى التقاتل والتنازع وفناء الْعَالم واختلال نظام المعاش وَغير ذَلِك. وثبوته بِالْكتاب لقَوْله تَعَالَى:{وَأحل لكم البيع وَحرم الرِّبَا} (الْبَقَرَة: 752) . وَالسّنة، وَهِي: أَن النَّبِي، صلى الله عليه وسلم، بعث وَالنَّاس يتعاملون فأقرهم عَلَيْهِ، وَالْإِجْمَاع مُنْعَقد على شرعيته.
وقَوْلِ الله عز وجل {وأحَلَّ الله البَيْعَ وحَرَّمَ الرِّبَا} (الْبَقَرَة: 752) . {إلَاّ أنْ تَكُونَ تِجَارَةً حاضِرَةً تديرُونَهَا بَيْنَكُمْ} (الْبَقَرَة: 282) .
وَقَول الله، بِالرَّفْع عطفا على الْمُضَاف فِي كتاب الْبيُوع، وَقيل: لَيْسَ فِيهِ وَاو الْعَطف، وَإِنَّمَا أصل النُّسْخَة هَكَذَا: كتاب الْبيُوع: قَالَ الله تَعَالَى {وَأحل الله البيع وَحرم الربوا} (الْبَقَرَة: 752) . وَقد ذمّ الله تَعَالَى عز وجل أَكلَة الربوا، بقوله:{الَّذين يَأْكُلُون الربوا} (الْبَقَرَة: 572) . أول الْآيَة، وَكَانُوا اعْترضُوا على أَحْكَام الله تَعَالَى فِي شَرعه، فَقَالُوا: إِنَّمَا البيع مثل الربوا، فَرد الله عَلَيْهِم بقوله:{وَأحل الله البيع وَحرم الربوا} (الْبَقَرَة: 752) . وَقَالَ ابْن كثير قَوْله: {وَأحل الله البيع وَحرم الربوا} (الْبَقَرَة: 752) . يحْتَمل أَن يكون من تَمام كَلَامهم اعتراضا على الشَّرْع (أَي مثل هَذَا وَقد أحل هَذَا وَحرم هَذَا) وَيحْتَمل أَن يكون من كَلَام الله تَعَالَى ردا عَلَيْهِم. وَقَالَ