الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَضَربهُ ثَمَانِينَ، ثمَّ ضربه من الْغَد عشْرين، وَقَالَ: ضربناك الْعشْرين لجرأتك على الله تَعَالَى وإفطارك فِي رَمَضَان.
0691 -
حدَّثنا مُسَدَّدٌ قَالَ حدَّثنا بِشْرُ بنُ المُفَضَّلِ قَالَ حدَّثنا خالِدُ ابنُ ذَكْوَانَ عنِ الرُّبَيْعِ بِنْتِ مُعَوَّذٍ قالَتْ أرْسَلَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم غَدَاةَ عاشُورَاءَ إلَى قُرى الأنْصَارِ مَنْ أصْبَحَ مُفْطِرا فَلْيُتِمَّ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ ومَنْ أصْبَحَ صائِما فَلْيَصُمْ قالَتْ فَكُنَّا نَصُومُهُ بَعْد ونُصَوِّمُ صِبْيَانَنا ونَجْعَلُ لَهُمُ اللُّعْبَةَ مِنَ الْعِهْنِ فإذَا بَكَى أحَدُهُمْ عَلَى الطَّعَامِ أعْطَيْناهُ ذَاكَ حَتَّى يَكُونَ عِنْدَ الإفْطَارِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (ونصوم صبياننا) .
ذكر رِجَاله وهم أَرْبَعَة: الأول: مُسَدّد. الثَّانِي: بشر، بِكَسْر الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الشين الْمُعْجَمَة: ابْن الْفضل، بِلَفْظ الْمَفْعُول من التَّفْضِيل بالضاد الْمُعْجَمَة، مر فِي الْعلم، الثَّالِث: خَالِد بن ذكْوَان أَبُو الْحسن. الرَّابِع: الرّبيع، بِضَم الرَّاء وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة وَتَشْديد الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفِي آخِره عين مُهْملَة: بنت معوذ، بِلَفْظ الْفَاعِل من التعويذ بِالْعينِ الْمُهْملَة والذال الْمُعْجَمَة: الْأَنْصَارِيَّة من المبايعات تَحت الشَّجَرَة، وَلها قدر عَظِيم، وَقَالَ الغسائي: معوذ، بِفَتْح الْوَاو، وَيُقَال بِكَسْرِهَا.
ذكر لطائف إِسْنَاده فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع. وَفِيه: العنعنة فِي مَوضِع وَاحِد. وَفِيه: أَن مُسَددًا وَشَيْخه بصريان وَأَن خَالِدا من أهل الْمَدِينَة، سكن الْبَصْرَة. وَفِيه: رِوَايَة التَّابِعِيّ عَن الصحابية وخَالِد تَابِعِيّ صَغِير لَيْسَ لَهُ من الصَّحَابَة سوى الرّبيع هَذِه وَهِي أَيْضا من صغَار الصَّحَابَة وَلم يخرج البُخَارِيّ من حَدِيثه عَن غَيرهَا.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم أَيْضا فِي الصَّوْم عَن أبي بكر بن نَافِع، وَعَن يحيى بن يحيى.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (عَن الرّبيع)، فِي رِوَايَة مُسلم من وَجه آخر: عَن خَالِد سَأَلت الرّبيع. قَوْله: (إِلَى قرى الْأَنْصَار) وَزَاد مُسلم: (الَّتِي حول الْمَدِينَة) . قَوْله: (صبياننا) زَاد مُسلم: (الصغار وَنَذْهَب بهم إِلَى الْمَسْجِد) . قَوْله: (فليصم) أَي: فليستمر على صَوْمه. قَوْله: (كُنَّا نصومه) أَي: نَصُوم عَاشُورَاء. قَوْله: (اللعبة)، بِضَم اللَّام وَهِي الَّتِي يُقَال لَهَا: لعب الْبَنَات. قَوْله: (من العهن) ، بِكَسْر الْعين الْمُهْملَة وَسُكُون الْهَاء وَهُوَ الصُّوف، وَقد فسره البُخَارِيّ فِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي فِي آخر الحَدِيث: قيل: العهن الصُّوف الْمَصْبُوغ. قَوْله: (أعطيناه ذَلِك حَتَّى يكون عِنْد الْإِفْطَار) ، وَهَكَذَا رَوَاهُ ابْن خُزَيْمَة وَابْن حبَان، وَوَقع فِي رِوَايَة مُسلم:(أعطيناها إِيَّاه عِنْد الْإِفْطَار) . وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ: وصنيع اللّعب من العهن وَهُوَ الصُّوف الْأَحْمَر لصوم الصّبيان، وَلَعَلَّ النَّبِي صلى الله عليه وسلم لم يعلم بذلك، وبعيد أَن يكون أَمر بذلك، لِأَنَّهُ تَعْذِيب صَغِير بِعبَادة شاقة غير متكررة فِي السّنة، ورد عَلَيْهِ بِمَا رَوَاهُ ابْن خُزَيْمَة من حَدِيث رزينة (أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم كَانَ يَأْمر برضعائه فِي عَاشُورَاء، ورضعاء فَاطِمَة، فيتفل فِي أَفْوَاههم وَيَأْمُر أمهاتهم أَن لَا يرضعن إِلَى اللَّيْل) . ورزينة، بِفَتْح الرَّاء وَكسر الزَّاي، كَذَا ضَبطه بَعضهم وَضَبطه شَيخنَا بِخَطِّهِ بِضَم الرَّاء، وَقَالَ الذَّهَبِيّ فِي (تَجْرِيد الصَّحَابَة) : رزينة، خادمة رَسُول الله صلى الله عليه وسلم ومولاة زَوجته صَفِيَّة، رَوَت عَنْهَا ابْنَتهَا أمة الله، وروى أَبُو يعلى الْموصِلِي: حَدثنَا عبد الله بن عمر القواريري (حَدَّثتنَا علية عَن أمهَا، قَالَت: قلت لأمة الله بنت رزينة يَا أمة الله حدثتك أمك رزينة أَنَّهَا سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يذكر صَوْم عَاشُورَاء؟ قَالَت: نعم، وَكَانَ يعظمه حَتَّى يَدْعُو برضعائه ورضعاء ابْنَته فَاطِمَة، فيتفل فِي أفواههن وَيَقُول للأمهات: لَا ترضعونهن إِلَى اللَّيْل) . وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فَقَالَ علية بنت الْكُمَيْت عَن أمهَا أُمْنِية.
وَمِمَّا يُسْتَفَاد مِنْهُ أَن صَوْم عَاشُورَاء كَانَ فرضا قبل أَن يفْرض رَمَضَان. وَفِيه: مَشْرُوعِيَّة تمرين الصّبيان. وَفِيه: أَن الصَّحَابِيّ إِذا قَالَ فعلنَا كَذَا فِي عهد النَّبِي صلى الله عليه وسلم، كَانَ حكمه الرّفْع لِأَن سُكُوته صلى الله عليه وسلم عَن ذَلِك يدل على تقريرهم عَلَيْهِ، إِذْ لَو لم يكن رَاضِيا بذلك لأنكر عَلَيْهِم.
84 -
(بابُ الوِصالِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان وصال الصَّائِم صَوْمه بِالنَّهَارِ وبالليل جَمِيعًا، وَلم يذكر حكمه اكْتِفَاء بِمَا ذكره فِي الْبَاب من الْأَحَادِيث.
وَمن قَالَ لَيْسَ فِي اللَّيْلِ صِيَامٌ لِقَوْلِهِ تَعَالى {ثُمَّ أتِمُّوا الصِّيَامَ إلَى اللَّيْلِ} (الْبَقَرَة: 781) . ونَهَى النبيُّ صلى الله عليه وسلم عَنهُ رَحْمَةً لَهُمْ وإبْقَاءً عَلَيْهِمْ ومَا يُكْرَهُ مِنَ التَّعَمُّقِ
كل هَذَا من التَّرْجَمَة، وَهِي تشْتَمل على ثَلَاثَة فُصُول:
الأول: قَوْله: (وَمن قَالَ، وَهُوَ فِي مَحل الْجَرّ عطفا على لفظ الْوِصَال، تَقْدِيره: وَبَاب فِي بَيَان من قَالَ لَيْسَ فِي اللَّيْل صِيَام، يَعْنِي: اللَّيْل لَيْسَ محلا للصَّوْم، لِأَن الله تَعَالَى جعل حد الصَّوْم إِلَى اللَّيْل فَلَا يدْخل فِي حكم مَا قبله، وَاسْتدلَّ عَلَيْهِ بقوله تَعَالَى: {ثمَّ أَتموا الصّيام إِلَى اللَّيْل} (الْبَقَرَة: 781) . وَقد ورد فِيهِ حَدِيث مَرْفُوع رَوَاهُ أَبُو سعيد الْخَيْر: (إِن الله لم يكْتب الصّيام بِاللَّيْلِ، فَمن صَامَ فقد بغى وَلَا أجر لَهُ) ، أخرجه ابْن السكن وَغَيره من الصَّحَابَة، والدولابي وَغَيره فِي (الكنى) كلهم من طَرِيق أبي فَرْوَة الرهاوي عَن معقل الْكِنْدِيّ عَن عبَادَة بن نسى عَنهُ وَقَالَ ابْن مَنْدَه غَرِيب لَا نعرفه إِلَّا من هَذَا الْوَجْه وَقَالَ التِّرْمِذِيّ سَأَلت البُخَارِيّ عَنهُ فَقَالَ: مَا أرى عبارَة سمع من أبي سعيد الْخَيْر، وَقَالَ شَيخنَا زين الدّين: حَدِيث أبي سعيد الْخَيْر لم أَقف عَلَيْهِ، وَقد اخْتلف فِي صحبته، فَقَالَ أَبُو دَاوُد: أَبُو سعيد الْخَيْر صَحَابِيّ، روى عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم، وروى عَنهُ قيس ابْن الْحَارِث الْكِنْدِيّ وفراس الشَّعْبَانِي، وَقَالَ شَيخنَا: وروى عَنهُ مِمَّن لم يذكرهُ يُونُس بن حليس ومهاجر بن دِينَار وَابْن لأبي سعيد الْخَيْر غير مُسَمّى، وَذكره الطَّبَرَانِيّ فِي الصَّحَابَة، وروى لَهُ خَمْسَة أَحَادِيث، وَقيل: هُوَ أَبُو سعيد الْخَيْر بِزِيَادَة يَاء آخر الْحُرُوف، وَهَكَذَا ذكر أَبُو أَحْمد الْحَاكِم فِي (الكنى) فَقَالَ: سعيد الْخَيْر لَهُ صُحْبَة مَعَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم حَدِيثه فِي أهل الشَّام. وَقَالَ الْحَافِظ الذَّهَبِيّ، فِي (تَجْرِيد الصَّحَابَة) : أَبُو سعيد الْخَيْر الْأَنمَارِي، وَقيل: أَبُو سعيد الْخَيْر: اسْمه عَامر بن سعد، شَامي، لَهُ فِي الشَّفَاعَة وَفِي الْوضُوء، روى عَنهُ قيس بن الْحَارِث وَعبادَة بن نسي. وَقَالَ أَبُو أَحْمد الْحَاكِم، بعد أَن روى لَهُ حَدِيثا، قَالَ: أَبُو سعيد الْأَنمَارِي، وَيُقَال: أَبُو سعيد الْخَيْر لَهُ صُحْبَة من النَّبِي صلى الله عليه وسلم، قَالَ: وَلست أحفظ لَهُ إسما وَلَا نسبا إِلَى أقْصَى أَب فجعلهما اثْنَيْنِ، وَجمع الطَّبَرَانِيّ بَين الترجمتين فجعلهما تَرْجَمَة وَاحِدَة، وَقَالَ شَيخنَا: وَقد قيل إِن أَبَا سعيد الْخَيْر هُوَ أَبُو سعيد الحبراني الْحِمصِي الَّذِي روى عَن أبي هُرَيْرَة، وَرُوِيَ عَنهُ حُصَيْن الحبراني، وعَلى هَذَا فَهُوَ تَابِعِيّ، وَهَكَذَا ذكره الْعجلِيّ فِي (الثِّقَات) : فَقَالَ: شَامي تَابِعِيّ، ثِقَة، وَكَذَا ذكره ابْن حبَان فِي (الثِّقَات) التَّابِعين، وَاخْتلف فِي اسْمه، فَيُقَال: إسمه زِيَاد، وَيُقَال: عَامر بن سعد، قَالَ الْحَافِظ الْمزي: وأراهما اثْنَيْنِ، وَالله أعلم.
الْفَصْل الثَّانِي: قَوْله: (وَنهى النَّبِي صلى الله عليه وسلم عَنهُ) أَي عَن الْوِصَال، وَهَذَا التَّعْلِيق وَصله البُخَارِيّ من حَدِيث عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، بِلَفْظ:(نهى النَّبِي صلى الله عليه وسلم رَحْمَة لَهُم) ، على مَا يَأْتِي عَن قريب، إِن شَاءَ الله تَعَالَى. قَوْله:(وإبقاء عَلَيْهِم) أَي: على الْأمة، وَأَرَادَ حفظا لَهُم فِي بَقَاء أبدانهم على قوتها، وروى أَبُو دَاوُد وَغَيره من طَرِيق عبد الرَّحْمَن بن أبي ليلى عَن رجل من الصَّحَابَة، قَالَ:(نهى النَّبِي، صلى الله عليه وسلم، عَن الْحجامَة والمواصلة وَلم يحرمهما إبْقَاء على أَصْحَابه) ، وَإِسْنَاده صَحِيح.
الْفَصْل الثَّالِث: قَوْله: (وَمَا يكره من التعمق)، قَالَ الْكرْمَانِي: هُوَ عطف إِمَّا على الضَّمِير الْمَجْرُور، وَإِمَّا على قَوْله:(رَحْمَة) . أَي: لكَرَاهَة التعمق، وَهُوَ تكلّف مَا لم يُكَلف، وعمق الْوَادي قَعْره، وَقيل: وَمَا يكره من التعمق من كَلَام البُخَارِيّ مَعْطُوف على قَوْله: (الْوِصَال) أَي: بَاب ذكر الْوِصَال وَذكر مَا يكره من التعمق، وَقد روى البُخَارِيّ فِي كتاب التَّمَنِّي، من طَرِيق ثَابت بن قيس (عَن أنس، فِي قصَّة الْوِصَال، فَقَالَ، صلى الله عليه وسلم: لَو مد بِي الشَّهْر لواصلت وصالاً يدع المتعمقون تعمقهم) .
1691 -
حدَّثنا مُسَدَّدٌ قَالَ حدَّثني يَحْيَى عنْ شُعْبَةَ قَالَ حدَّثني قَتَادَةُ عنْ أنَسٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهِ عنِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ لَا تُوَاصِلُوا قالُوا إنَّكَ تُوَاصِلُ قَالَ لَسْتُ كأحَدٍ مِنْكُمْ إنِّي أطعَمُ وأُسْقَى أوْ أنِّي أبيتُ أُطْعَمُ وأُسْقَى. (انْظُر الحَدِيث 1691 وطرفه فِي: 1427) .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة فَإِنَّهُ يُوضح جَوَاب التَّرْجَمَة. وَرِجَاله قد ذكرُوا غير مرّة، وَيحيى بن سعيد الْقطَّان.
وَأخرجه مُسلم من رِوَايَة سُلَيْمَان عَن ثَابت (عَن أنس قَالَ: كَانَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي فِي رَمَضَان) الحَدِيث بِطُولِهِ، وَفِيه: (فَأخذ يواصل
رَسُول الله صلى الله عليه وسلم، وَذَلِكَ فِي آخر الشَّهْر، فَأخذ رجال من أَصْحَابه يواصلون، فَقَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم: مَا بَال رجال يواصلون؟ إِنَّكُم لَسْتُم مثلي. أما وَالله! لَو تماد بِي الشَّهْر لواصلت وصالاً يدع المتعمقون تعمقهم) . وَفِي لفظ لَهُ: (إِنِّي لست مثلكُمْ، إِنِّي أظل يطعمني رَبِّي ويسقيني)، وَفِي لفظ: (إِنِّي لست كهيئتكم.
قَوْله: (إِنِّي: لست كأحدٍ مِنْكُم) . وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: (كأحدكم)، وَفِي حَدِيث ابْن عمر:(إِنِّي لست مثلكُمْ)، وَفِي حَدِيث أبي زرْعَة عَن أبي هُرَيْرَة عِنْد مُسلم:(لَسْتُم فِي ذَلِك مثلي) وَفِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة سَيَأْتِي، (وَأَيكُمْ مثلي) . أَي على صِفَتي أَو منزلتي من رَبِّي. قَوْله:(أَو إِنِّي أَبيت) ، الشَّك من شُعْبَة، وَفِي رِوَايَة أَحْمد عَن بهز عَنهُ:(إِنِّي أظل أَو قَالَ: أَنِّي أَبيت) وَقد رَوَاهُ سعيد بن أبي عرُوبَة عَن قَتَادَة بِلَفْظ: (إِن رَبِّي يطعمني ويسقيني)، أخرجه التِّرْمِذِيّ. قَوْله:(لَا تواصلوا) نهي، وَأَدْنَاهُ يَقْتَضِي الْكَرَاهَة.
وَلَكِن اخْتلفُوا: هَل هِيَ رِوَايَة تَنْزِيه أَو تَحْرِيم؟ على وَجْهَيْن حَكَاهُمَا صَاحب (الْمُهَذّب) وَغَيره، أصَحهمَا عِنْدهم: أَن الْكَرَاهَة للتَّحْرِيم. قَالَ الرَّافِعِيّ: وَهُوَ ظَاهر كَلَام الشَّافِعِي، وَحكى صَاحب (الْمُفْهم) عَن قوم: أَنه يحرم، قَالَ: وَهُوَ مَذْهَب أهل الظَّاهِر. قَالَ: وَذهب الْجُمْهُور وَمَالك وَالشَّافِعِيّ وَأَبُو حنيفَة وَالثَّوْري وَجَمَاعَة من أهل الْفِقْه إِلَى كَرَاهَته، وَذهب آخَرُونَ إِلَى جَوَاز الْوِصَال لمن قوي عَلَيْهِ، وَمِمَّنْ كَانَ يواصل عبد الله بن الزبير وَابْن عَامر وَابْن وضاح من الْمَالِكِيَّة، كَانَ يواصل أَرْبَعَة أَيَّام، حَكَاهُ ابْن حزم. وَقد حكى القَاضِي عِيَاض عَن ابْن وهب وَإِسْحَاق وَابْن حَنْبَل أَنهم أَجَازُوا الْوِصَال، وَالْجُمْهُور ذَهَبُوا إِلَى أَن الْوِصَال من خَواص النَّبِي صلى الله عليه وسلم لقَوْله:(إِنِّي لست كَأحد مِنْكُم) ، وَهَذَا دَال على التَّخْصِيص، وَأما غَيره من الْأمة فَحَرَام عَلَيْهِ. وَفِي (سنَن أبي دَاوُد) (من حَدِيث عَائِشَة: كَانَ يُصَلِّي بعد الْعَصْر وَينْهى عَنْهَا، ويواصل وَينْهى عَن الْوِصَال) ، وَمِمَّنْ قَالَ بِهِ من الصَّحَابَة عَليّ بن أبي طَالب وَأبي هُرَيْرَة وَأَبُو سعيد وَعَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم. وَاحْتج من أَبَاحَ الْوِصَال بقول عَائِشَة:(نَهَاهُم عَن الْوِصَال رَحْمَة لَهُم)، فَقَالُوا: إِنَّمَا نَهَاهُم رفقا لَا إلزاما لَهُم، وَاحْتَجُّوا أَيْضا بِكَوْن النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَاصل بِأَصْحَابِهِ يَوْمَيْنِ حِين أَبَوا أَن ينْتَهوا. قَالَ صَاحب (الْمُفْهم) : وَهُوَ يدل على أَن الْوِصَال لَيْسَ بِحرَام وَلَا مَكْرُوه من حَيْثُ هُوَ وصال، لَكِن من حَيْثُ يذهب بِالْقُوَّةِ. وَأجَاب المحرمون عَن الْحَدِيثين، بِأَن قَالُوا: لَا يمْنَع قَوْله: (رَحْمَة لَهُم) أَن يكون مَنْهِيّا عَنهُ للتَّحْرِيم، وَسبب تَحْرِيمه الشَّفَقَة عَلَيْهِم لِئَلَّا يتكلفوا مَا يشق عَلَيْهِم، قَالُوا: وَأما وصاله بهم فلتأكيد الزّجر وَبَيَان الْحِكْمَة فِي نهيهم والمفسدة المترتبة على الْوِصَال، وَهِي الْملَل من الْعِبَادَة وَخَوف التَّقْصِير فِي غَيره من الْعِبَادَات. وَقَالَ ابْن الْعَرَبِيّ: وتمكينهم مِنْهُ تنكيل لَهُم، وَمَا كَانَ على طَرِيق الْعقُوبَة لَا يكون من الشَّرِيعَة. فَإِن قلت: كَيفَ يحسن قَوْلهم لَهُ بعد النَّهْي عَن الْوِصَال: (فَإنَّك تواصل؟) وهم أَكثر النَّاس آدابا؟ قلت: لم يكن ذَلِك على سَبِيل الِاعْتِرَاض، وَلَكِن على سَبِيل اسْتِخْرَاج الحكم أَو الْحِكْمَة أَو بَيَان التَّخْصِيص.
قَوْله: (إِنِّي أطْعم وأسقى) اخْتلف فِي تَأْوِيله، فَقيل: إِنَّه على ظَاهره وَأَنه يُؤْتى على الْحَقِيقَة بِطَعَام وشراب يتناولهما فَيكون ذَلِك تَخْصِيص كَرَامَة لَا شركَة فِيهَا لأحد من أَصْحَابه، ورد صَاحب (الْمُفْهم) هَذَا وَقَالَ: لِأَنَّهُ لَو كَانَ كَذَلِك لما صدق عَلَيْهِ قَوْلهم: (إِنَّك تواصل) ؟ وَلَا ارْتَفع اسْم الْوِصَال عَنهُ، لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يكون مُفطرا، وَكَانَ يخرج كَلَامه عَن أَن يكون جَوَابا لما سُئِلَ عَنهُ، وَلِأَن فِي بعض أَلْفَاظه:(إِنِّي أظل عِنْد رَبِّي يطعمني ويسقيني) ، وظل إِنَّمَا يُقَال فِيمَن فعل الشَّيْء نَهَارا، وَبَات فِيمَن يَفْعَله لَيْلًا، وَحِينَئِذٍ كَانَ يلْزم عَلَيْهِ فَسَاد صَوْمه، وَذَلِكَ بَاطِل بِالْإِجْمَاع، وَقيل: إِن الله تَعَالَى يخلق فِيهِ من الشِّبَع والري مَا يُغْنِيه عَن الطَّعَام وَالشرَاب، وَاعْترض صَاحب (الْمُفْهم) على هَذَا أَيْضا وَقَالَ: وَهَذَا القَوْل أَيْضا يبعده النّظر إِلَى حَاله، صلى الله عليه وسلم، فَإِنَّهُ كَانَ يجوع أَكثر مِمَّا يشْبع ويربط على بَطْنه الْحِجَارَة من الْجُوع، وَبعده أَيْضا النّظر إِلَى الْمَعْنى، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَو خلق فِيهِ الشِّبَع والري لما وجد لعبادة الصَّوْم روحها الَّذِي هُوَ الْجُوع وَالْمَشَقَّة، وَحِينَئِذٍ كَانَ يكون ترك الْوِصَال أولى. وَقيل: إِن الله تَعَالَى يحفظ عَلَيْهِ قوته من غير طَعَام وشراب، كَمَا يحفظها بِالطَّعَامِ وَالشرَاب، فَعبر بِالطَّعَامِ والسقيا عَن فائدتهما، وَهِي: الْقُوَّة، وَعَلِيهِ اقْتصر ابْن الْعَرَبِيّ، وَحكى الرَّافِعِيّ عَن المَسْعُودِيّ قَالَ: أصح مَا قيل فِي مَعْنَاهُ أَنِّي أعْطى قُوَّة الطاعم والشارب.
2691 -
حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ يُوسُفَ قَالَ أخبرنَا مالِكٌ عَن نافِعٍ عنْ عَبْدِ الله بنِ عُمَرَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا قَالَ نَهَى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عنِ الوِصالِ قالُوا إنَّكَ تُوَاصِلُ قَالَ إنِّي لَسْتُ مِثْلَكُمْ إنِّي أُطْعَمُ وأُسقى. (انْظُر الحَدِيث 2291) .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، والْحَدِيث قد مر فِي: بَاب بركَة السّحُور فَإِنَّهُ رَوَاهُ هُنَاكَ عَن مُوسَى بن إِسْمَاعِيل عَن جوَيْرِية عَن نَافِع (عَن عبد الله بن عمر أَن النَّبِي، صلى الله عليه وسلم، وَاصل فواصل النَّاس فشق عَلَيْهِم فنهاهم. .) الحَدِيث، وَقد مر الْكَلَام هُنَاكَ مُسْتَوفى.
3691 -
حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ يُوسُفَ قَالَ حدَّثنا اللَّيْثُ قَالَ حدَّثني ابنُ الْهَادِ عنْ عَبْدِ الله بنِ خَبَّابٍ عنْ أبِي سَعِيدٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ أنَّهُ سَمِعَ النبيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ لَا تُوَاصِلُوا فأيُّكُمْ إذَا أرَادَ أنْ يُوَاصِلَ فَلْيُوَاصِلْ حَتَّى السَّحَرِ فإنَّكَ تُوَاصِلُ يَا رسولَ الله قَالَ إنِّي لَسْتُ كَهَيْئَتِكُمْ إنِّي أبيتُ لِي مُطْعِمٌ يُطْعِمُنِي وساقٍ يَسْقِينِي. (الحَدِيث 3691 طرفه فِي: 7691) .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَابْن الْهَاد هُوَ يزِيد بن أُسَامَة بن الْهَاد اللَّيْثِيّ الْمدنِي، مر فِي الصَّلَاة، وَعبد الله بن الْخَبَّاب بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة وَتَشْديد الْبَاء الْمُوَحدَة الأولى الْأنْصَارِيّ الْمدنِي، من موَالِي الْأَنْصَار وَلَيْسَ الْخَبَّاب بن الْأَرَت الصَّحَابِيّ، وَلَيْسَت لَهُ رِوَايَة إلَاّ عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ وَلم يذكر لَهُ رِوَايَة عَن غير أبي سعيد الْخُدْرِيّ، وَتوقف الْجوزجَاني فِي معرفَة حَاله، وَوَثَّقَهُ أَبُو حَاتِم الرَّازِيّ، وَأَبُو سعيد هُوَ الْخُدْرِيّ.
والْحَدِيث أخرجه أَبُو دَاوُد من رِوَايَة ابْن الْهَاد أَيْضا وَلم يخرج مُسلم حَدِيث أبي سعيد وعزو الشَّيْخ تَقِيّ الدّين بن دَقِيق الْعِيد إِلَى مُسلم وهم قَوْله: (فليواصل إِلَى السحر)، وَفِيه رد على من قَالَ: إِن الْإِمْسَاك بعد الْغُرُوب لَا يجوز، وَحَقِيقَة الْوِصَال هُوَ أَن يصل صَوْم يَوْم بِصَوْم يَوْم آخر من غير أكل أَو شرب بَينهمَا، هَذَا هُوَ الصَّوَاب فِي تَحْقِيق الْوِصَال، وَقيل: هُوَ الْإِمْسَاك بعد تَحِلَّة الْفطر، وَحكى فِي حكمه ثَلَاثَة أَقْوَال: التَّحْرِيم، وَالْجَوَاز، وَثَالِثهَا أَنه يواصل إِلَى السحر. قَالَه أَحْمد وَإِسْحَاق.
قَوْله: (كهيئتكم) ، الْهَيْئَة صُورَة الشَّيْء وشكله وحالته، وَالْمعْنَى: إِنِّي لست مثل حالتكم وصفتكم فِي أَن من أكل مِنْكُم أَو شرب انْقَطع وصاله، وَإِنِّي لست مثلكُمْ، ولي قرب من الله، وَهُوَ معنى قَوْله:(أَبيت ولي مطعم يطعمني ليَالِي صيامي، وساقٍ يسقيني) ، فَإِن حملناه على الْحَقِيقَة يكون هَذَا كَرَامَة لَهُ من الله تَعَالَى وخصوصية، وإلَاّ يكون هَذَا فيضا من الله تَعَالَى عَلَيْهِ بِحَيْثُ يسد مسد طَعَامه وَشَرَابه من حَيْثُ إِنَّه يشْغلهُ عَن إحساس الْجُوع والعطش ويقويه على الطَّاعَة ويحرسه من تَحْلِيل يُفْضِي إِلَى كلال القوى وَضعف الْأَعْضَاء. وَقَوله:(لي مطعم) ، جملَة إسمية وَقعت حَالا بِدُونِ الْوَاو، وَقَوله:(يطعمني) جملَة فعلية حَال أَيْضا من الْأَحْوَال المتداخلة. قَوْله: (وسَاق) أَي: ولي سَاق، وَالْكَلَام فِيهِ مثل الْكَلَام فِي:(لي مطعم) . فَافْهَم.
4691 -
حدَّثنا عُثْمَانُ بنُ أبِي شَيْبَةَ ومُحَمَّدٌ قالَا أخبرنَا عَبْدَةُ عنْ هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ عنْ أبِيهِ عنْ عائِشَةَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا قالَتْ نَهَى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عنِ الوِصَالِ رَحْمَةً لَهُمْ فقالُوا إنَّكَ تُوَاصِلُ قَالَ أنِّي لَسْتُ كَهَيْئَتِكُمْ إنِّي يُطْعِمُنِي رَبِّي ويَسْقِينِي. (الحَدِيث 3691 طرفه فِي: 7691) .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وعُثْمَانُ بن أبي شيبَة هُوَ أَخُو أبي بكر بن أبي شيبَة، وَكِلَاهُمَا من مَشَايِخ البُخَارِيّ، وَمُحَمّد هُوَ ابْن سَلام وَعَبدَة هُوَ ابْن سُلَيْمَان.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الْإِيمَان عَن مَحْمُود بن غيلَان. وَأخرجه مُسلم فِي الصَّوْم عَن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم وَعُثْمَان بن أبي شيبَة. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم.
قَوْله: (رَحْمَة لَهُم) نصب على التَّعْلِيل، أَي لأجل الترحم لَهُم، وَهَذِه إِشَارَة إِلَى بَيَان السَّبَب فِي مَنعهم عَن الْوِصَال.
قَالَ أبُو عَبْدِ الله لَمْ يَذْكُرْ عُثْمَانُ رَحْمَةً لَهُمْ
أَبُو عبد الله هُوَ البُخَارِيّ. قَوْله: (لم يذكر عُثْمَان) يَعْنِي ابْن أبي شيبَة شَيْخه فِي الحَدِيث الْمَذْكُور. قَوْله: (رَحْمَة لَهُم) يَعْنِي لم يذكر عُثْمَان هَذَا اللَّفْظ فِي رِوَايَته فَدلَّ هَذَا على أَن هَذَا من رِوَايَة مُحَمَّد بن سَلام وَحده، وَقد أخرجه مُسلم عَن إِسْحَاق بن رَاهَوَيْه وَعُثْمَان بن أبي شيبَة جَمِيعًا. وَفِيه:(رَحْمَة لَهُم) وَلم يبين أَنَّهَا لَيست فِي رِوَايَة عُثْمَان، وَقد