الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
04 -
(بابُ التِّجَارَةِ فِيمَا يُكْرَهُ لُبْسُهُ لِلرِّجَالِ والنِّساءِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم التِّجَارَة فِي الشَّيْء الَّذِي يكره لبسه للرِّجَال وَالنِّسَاء، وَالْمرَاد من قَوْله: لبسه يَعْنِي: إستعماله، وَيذكر اللّبْس وَيُرَاد بِهِ الِاسْتِعْمَال. كَمَا فِي حَدِيث أنس:(فَقُمْت إِلَى حَصِير لنا قد اسودَّ من طول مَا لبس) . أَي: من طول مَا اسْتعْمل، وَالَّذِي يكره اسْتِعْمَاله للرِّجَال وَالنِّسَاء مثل النمرقة الَّتِي فِيهَا تصاوير، فَإِن اسْتِعْمَالهَا يكره للرِّجَال وَالنِّسَاء جَمِيعًا، وَبِهَذَا ينْدَفع اعْتِرَاض من قَالَ: جعل البُخَارِيّ هَذِه التَّرْجَمَة فيمَ يكره لبسه للرِّجَال وَالنِّسَاء، وَقد قَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم فِي قصَّة عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، شفقها خمرًا بَين الفواطم، وَكَانَ على زَيْنَب بنت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم حلَّة سيراء، فَإِنَّمَا الْمَعْنى: من لَا خلاق لَهُ من الرِّجَال، فَأَما النِّسَاء فَلَا. فَإِن أَرَادَ شِرَاء مَا فِيهِ تصاوير فَحَدِيث عمر لَا يدْخل فِي هَذِه التَّرْجَمَة. انْتهى. قلت: بل يدْخل، لِأَن التَّرْجَمَة لَهَا جزآن: أَحدهمَا: قَوْله للرِّجَال، وَالْآخر: قَوْله للنِّسَاء، فَحَدِيث عمر يدْخل فِي الْجُزْء الأول، وَحَدِيث عَائِشَة يدْخل فِي الْجُزْء الثَّانِي إِن كَانَ اللّبْس على مَعْنَاهُ الْأَصْلِيّ. وَإِن جَعَلْنَاهُ بِمَعْنى: الِاسْتِعْمَال، كَمَا ذَكرْنَاهُ، يدْخل فِي الجزأين جَمِيعًا. فَافْهَم. فَإِنَّهُ مَوضِع تعسف فِيهِ الشُّرَّاح، وَهَذَا الَّذِي ذكرته فتح لي من الْأَنْوَار الإل هية والفيوض الربانية.
4012 -
حدَّثنا آدَمُ قَالَ حدَّثنا شُعْبَةُ قَالَ حَدثنَا أَبُو بكرِ بنُ حَفْصٍ عنْ سالِمِ بنِ عَبْدِ الله ابْن عُمَرَ عنْ أبِيه قَالَ أرسَلَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم إِلَى عُمَرَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ بِحُلَّةِ حَرِيرٍ أوْ سِيَرَاءَ فَرَآهَا عَلَيْهِ فَقَالَ إنِّي لَمْ أُرْسلِ بِهَا إلَيْكَ لِتَلْبَسها إنَّمَا يَلْبَسُها منْ لَا خَلَاقَ لَهُ إنَّمَا بَعثْتُ إلَيْكَ لِتَسْتَمْتِعَ بِها يَعْنِي تَبِيعُها. .
مطابقته للجزء الأول من التَّرْجَمَة، وَقد ذَكرْنَاهُ الْآن. وَرِجَاله قد ذكرُوا، وَأَبُو بكر بن حَفْص هُوَ عبد الله بن حَفْص ابْن عمر بن سعد بن أبي وَقاص الزُّهْرِيّ، مر فِي أول الْغسْل.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم بِأَلْفَاظ مُخْتَلفَة، فَفِي لفظ:(إِنِّي لم أبْعث لَهَا لتلبسها وَلَكِن بعثن إِلَيْك بهَا لتصيب بهَا)، وَفِي لفظ:(تبيعها وتصيب بهَا حاجتم)، وَفِي لفظ:(إِنَّمَا بعثت بهَا إِلَيْك لتستمتع بهَا)، وَفِي لفظ:(إِنَّمَا بعث بهَا إِلَيْك لتنتفع بهَا، وَلم أبْعث إِلَيْك لتلبسها) . وَفِي لفظ: (إِنَّمَا بعث بهَا إِلَيْك لتصيب بهَا مَالا.)
قَوْله: (بحلة) ، بِضَم الْحَاء الْمُهْملَة، وَهِي وَاحِدَة الْحلَل، وَهِي برود الْيمن، وَلَا تسمى حلَّة، إلَاّ أَن تكون ثَوْبَيْنِ من جنس وَاحِد. قَوْله:(أوسيراء) ، بِكَسْر السِّين الْمُهْملَة وَفتح الْيَاء آخر الْحُرُوف وبالمد، وَهُوَ برد فِيهِ خطوط صفر، وَقيل: هِيَ المضلعة بالحرير، وَقيل: إِنَّهَا حَرِير مَحْض. وَقَالَ ابْن الْأَثِير: هُوَ نوع من الْبرد يخالطه حَرِير كالسيور، فَهُوَ فعلاء من السّير: الْقد، هَكَذَا يرْوى على الصّفة، وَقَالَ بعض الْمُتَأَخِّرين: إِنَّمَا هُوَ حلَّة سيراء على الْإِضَافَة، وَاحْتج بِأَن سِيبَوَيْهٍ، قَالَ: لم يَأْتِ فعلاء صفة لَكِن اسْما، وَقد مر فِي كتاب الْجُمُعَة حَدِيث عمر بأطول من هَذَا من وَجه آخر.
5012 -
حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ يُوسفَ قَالَ أخبرنَا مالِكٌ عنْ نافِعٍ عنِ الْقاسِمِ بنِ مُحَمَّدٍ عَن عائِشَةَ أُمِّ المُؤْمِنِينَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا أنَّها أخْبَرَتْهُ أَنَّهَا اشْتَرَتْ نُمْرُقَةَ فِيها تَصَاوِيرُ فَلَمَّا رَآها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم قامَ عَلَى الْبابِ فَلَمْ يَدْخلْهُ فعَرَفْتُ فِي وجْهِهِ الكَرَاهِيَةَ فَقُلْتُ يَا رسولَ الله أتُوبُ إلَى الله وإلَى رسولِهِ صلى الله عليه وسلم ماذَا أذْنَبْتُ فَقَالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم مَا بالُ هاذِهِ النُّمْرُقَةِ قلْتُ اشْتَرَيْتُها لَكَ لِتَقْعُدَ عَلَيْهَا وتَوَسَّدَها فَقَالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إنَّ أصْحَابَ هَذِه الصُّوَرِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُعَذَّبُونَ فَيُقالُ لَهُمْ أحْيُوا مَا خَلَقْتُمْ وَقَالَ إنَّ الْبَيْتَ الَّذِي فِيهِ الصُّوَرُ لَا تَدْخُلُهُ المَلائِكَة. .
وَجه الْمُطَابقَة بَين الحَدِيث والترجمة قد مر فِي أول الْبَاب. وَقَالَ الْكرْمَانِي: الاشتراء أَعم من التِّجَارَة، فَكيف يدل على الْخَاص الَّذِي هُوَ التِّجَارَة الَّتِي عقد عَلَيْهَا الْبَاب؟ فَأجَاب: بِأَن حُرْمَة الْجُزْء مستلزمة لحُرْمَة الْكل، وَهُوَ من بَاب إِطْلَاق الْكل
وَإِرَادَة الْجُزْء.
وَرِجَاله مَشْهُورُونَ مذكورون غير مرّة.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي النِّكَاح عَن إِسْمَاعِيل بن عبد الله وَفِي اللبَاس عَن القعْنبِي، وَفِي اللبَاس أَيْضا عَن حجاج بن منهال، وَفِي بَدْء الْخلق عَن مُحَمَّد هُوَ ابْن سَلام عَن مخلد هُوَ ابْن يزِيد، وَأخرجه مُسلم فِي اللبَاس عَن يحيى بن يحيى عَن مَالك بِهِ وَعَن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم وَعَن عبد الْوَارِث بن عبد الصَّمد وَعَن قُتَيْبَة بن سعيد وَعَن مُحَمَّد بن رمح وَعَن هَارُون بن سعيد وَعَن أبي بكر بن إِسْحَاق.
قَوْله: (نمرقة) ، بِضَم النُّون وَالرَّاء، ضَبطه ابْن السّكيت هَكَذَا، وضبطها أَيْضا بِكَسْر النُّون وَالرَّاء وَبِغير هَاء، وَجَمعهَا: نمارق. وَقَالَ ابْن التِّين: ضبطناها فِي الْكتب بِفَتْح النُّون وَضم الرَّاء. وَقَالَ عِيَاض وَغَيره: هِيَ وسَادَة، وَقيل: مرفقة، وَقيل: هِيَ الْمجَالِس، وَلَعَلَّه يَعْنِي: الطنافس. وَفِي (الْمُحكم) : النمرق والنمرقة، قد قيل: هِيَ الَّتِي يلبسهَا الرجل. وَفِي (الْجَامِع) : النمرق تجْعَل تَحت الرحل. وَفِي (الصِّحَاح) : النمرقة وسَادَة صَغِيرَة، وَرُبمَا سموا الطنفسة الَّتِي تَحت الرحل نمرقة. قَوْله:(الصُّور)، بِضَم الصَّاد وَفتح الْوَاو جمع: صُورَة. الصُّورَة ترد فِي كَلَام الْعَرَب على ظَاهرهَا وعَلى معنى حَقِيقَة الشَّيْء وهيئته، وعَلى معنى صفته. يُقَال: صُورَة الْفِعْل كَذَا وَكَذَا، أَي هَيئته، وَصُورَة الْأَمر كَذَا وَكَذَا: أَي صفته. قَوْله: (أحيوا)، بِفَتْح الْهمزَة أَمر تعجيز من الْإِحْيَاء. قَوْله:(مَا خلقْتُمْ)، أَي: صورتم كصورة الْحَيَوَان. قَوْله: (لَا تدخله الْمَلَائِكَة) أَي: غير الْحفظَة. وَقيل: مَلَائِكَة الْوَحْي. وَأما الْحفظَة فَلَا تُفَارِقهُ إلَاّ عِنْد الْجِمَاع والخلاء، كَمَا أخرجه ابْن عدي وَضَعفه.
ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ وَهُوَ على وُجُوه: الأول: أَن بيع الثِّيَاب الَّتِي فِيهَا الصُّور الْمَكْرُوهَة، فَظَاهر حَدِيث عَائِشَة أَن بيعهَا لَا يجوز، لَكِن قد جَاءَت آثَار مَرْفُوعَة عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم تدل على جَوَاز بيع مَا تمتهن فِيهَا الصُّورَة، مِنْهَا: ستر عَائِشَة فِيهِ تصاوير فهتكه صلى الله عليه وسلم فَجَعَلته قطعتين، فاتكأ صلى الله عليه وسلم على إِحْدَاهمَا، رَوَاهُ وَكِيع عَن أُسَامَة بن زيد عَن عبد الرَّحْمَن بن الْقَاسِم عَن أَبِيه عَنْهَا، فَإِذا تَعَارَضَت الْآثَار فَالْأَصْل الْإِبَاحَة حَتَّى برد الْحَظْر، وَيحْتَمل أَن يكون معنى حَدِيث عَائِشَة فِي النمرقة لَو لم يُعَارضهُ غَيره مَحْمُولا على الْكَرَاهَة دون التَّحْرِيم، بِدَلِيل أَنه صلى الله عليه وسلم لم يفْسخ البيع فِي النمرقة الَّتِي اشترتها عَائِشَة؟
الثَّانِي: أَن تَصْوِير الْحَيَوَان حرَام، وَاخْتلفُوا فِي هَذَا الْبَاب، فَقَالَ قوم من أهل الحَدِيث وَطَائِفَة من الظَّاهِرِيَّة: التَّصْوِير حرَام سَوَاء فِي ذَلِك ظَاهر حَدِيث عبد الله، قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: (أَشد النَّاس عذَابا يَوْم الْقِيَامَة المصورون) . رَوَاهُ مُسلم وَغَيره، وَقَالَ الْجُمْهُور من الْفُقَهَاء وَأهل الحَدِيث: كل صُورَة لَا تشبه صُورَة الْحَيَوَان كصور الشّجر وَالْحجر والجبل وَنَحْو ذَلِك، فَلَا بَأْس بهَا. وَاحْتَجُّوا فِي ذَلِك بِمَا رَوَاهُ مُسلم: قَالَ: قَرَأت على نصر بن عَليّ الْجَهْضَمِي عَن عبد الْأَعْلَى، قَالَ: حَدثنَا يحيى بن إِسْحَاق (عَن سعيد بن أبي الْحسن، قَالَ: جَاءَ رجل إِلَى ابْن عَبَّاس، فَقَالَ: إِنِّي رجل أصور هَذِه الصُّور، فافتني فِيهَا، فَقَالَ: ادنُ مني ثمَّ قَالَ: أدن مني، فَدَنَا مِنْهُ حَتَّى وضع يَده على رَأسه. قَالَ: أنبئك بِمَا سَمِعت من رَسُول الله صلى الله عليه وسلم؟ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول: كل مُصَور فِي النَّار يَجْعَل لَهُ بِكُل صُورَة صورها نفسا فيعذبه فِي جَهَنَّم وَقَالَ: إِن كنت لَا بُد فَاعِلا فَاصْنَعْ الشّجر وَمَا لَا نفس لَهُ) . فَأقر بِهِ نصر بن عَليّ. وَالدَّلِيل على ذَلِك مَا رَوَاهُ الطَّحَاوِيّ من حَدِيث مُجَاهِد عَن أبي هُرَيْرَة، قَالَ:(اسْتَأْذن جِبْرِيل، عليه السلام، على رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: أَدخل فَقَالَ: كَيفَ أَدخل وَفِي بَيْتك ستر فِيهِ تماثيل خيل وَرِجَال؟ فإمَّا أَن تقطع رؤوسها وَإِمَّا أَن تجعلها بساطا، فَإنَّا معشر الْمَلَائِكَة لَا ندخل بَيْتا فِيهِ تماثيل) . قَالَ الطَّحَاوِيّ: فَلَمَّا أبيحت التماثيل بعد قطع رؤوسها الَّذِي لَو قطع من ذِي الرّوح لم يبْق، دلّ ذَلِك على إِبَاحَة تَصْوِير مَا لَا روح لَهُ، وعَلى خُرُوج مَا لَا روح لمثله من الصُّور مِمَّا قد نهى عَنهُ فِي الْآثَار.
الثَّالِث: فِيهِ أَن الْمَلَائِكَة لَا تدخل بَيْتا فِيهِ صُورَة، وَقد مر عَن قريب أَن المُرَاد من الْمَلَائِكَة غير الْحفظَة. وَقَالَ النَّوَوِيّ: أما الْمَلَائِكَة الَّذين لَا يدْخلُونَ بَيْتا فِيهِ كلب أَو صُورَة فهم مَلَائِكَة يطوفون بِالرَّحْمَةِ وَالِاسْتِغْفَار. وَقَالَ الْخطابِيّ: إِنَّمَا لَا تدخل الْمَلَائِكَة بَيْتا فِيهِ كلب أَو صُورَة مِمَّا يحرم اقتناؤه من الْكلاب والصور، فَأَما مَا لَيْسَ بِحرَام من كلب الصَّيْد وَالزَّرْع والماشية وَالصُّورَة الَّتِي تمتهن فِي الْبسَاط والوسادة وَغَيرهمَا فَلَا يمْنَع دُخُول الْمَلَائِكَة بِسَبَبِهِ، وَأَشَارَ القَاضِي إِلَى نَحْو مَا قَالَ الْخطابِيّ، وَالْأَظْهَر أَنه عَام فِي كل كلب وكل صُورَة، وَأَنَّهُمْ يمْنَعُونَ من الْجَمِيع لإِطْلَاق الْأَحَادِيث. قَالَه النَّوَوِيّ. وَقَالَ أَيْضا: وَلِأَن الْجَرّ وَالَّذِي كَانَت فِي بَيت النَّبِي صلى الله عليه وسلم تَحت