الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
9891 -
حدَّثنا يَحْيَى بنُ سُلَيْمانَ قَالَ حَدثنَا ابنُ وَهْبٍ أوْ قُرِيءَ عَلَيْهِ قَالَ أَخْبرنِي عَمْرٌ وعنْ بُكَيْرٍ عَن كريب عنْ مَيْمُونةَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا أنَّ النَّاسَ شَكُّوا فِي صِيام النبيِّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ عَرَفَةَ فأرْسَلَتْ إليْهِ بِحلَابٍ وَهْوَ وَاقِفٌ فِي المَوْقِفِ فَشَرِبَ منْهُ والنَّاسُ يَنْظُرُونَ.
مطابقته للتَّرْجَمَة مثل مَا ذكرنَا فِي وَجه مُطَابقَة الحَدِيث الَّذِي قبله.
ذكر رِجَاله وهم سِتَّة: الأول: يحيى ابْن سُلَيْمَان بن يحيى أَبُو سعيد الْجعْفِيّ، قدم مصر وَحدث بهَا وَتُوفِّي بهَا سنة ثَمَان، وَيُقَال: سبع وَثَلَاثِينَ وَمِائَتَيْنِ. الثَّانِي: عبد الله ابْن وهب. الثَّالِث: عَمْرو بن الْحَارِث. الرَّابِع: بكير بن عبد الله بن الإشج. الْخَامِس: كريب بن أبي مُسلم الْقرشِي مولى عبد الله بن عَبَّاس. السَّادِس: مَيْمُونَة بنت الْحَارِث زوج النَّبِي صلى الله عليه وسلم.
ذكر لطائف إِسْنَاده فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين والإخبار بِصِيغَة الْإِفْرَاد فِي مَوضِع. وَفِيه: العنعنة فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع. وَفِيه: اثْنَان من الروَاة مصغران: بكير وكريب. وَفِيه: أَن شَيْخه من أَفْرَاده وَهُوَ كُوفِي الأَصْل وَابْن وهب وَعَمْرو مصريان، والبقية مدنيون، وَفِيه: قَوْله: أَو قرىء عَلَيْهِ، شكّ من يحيى فِي أَن الشَّيْخ قَرَأَ، أَو قرىء على الشَّيْخ؟ .
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الصَّوْم أَيْضا عَن هَارُون بن سعيد الْأَيْلِي، رَحمَه الله تَعَالَى.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (شكوا) ، بتَشْديد الْكَاف فِي صِيَام النَّبِي، صلى الله عليه وسلم، مِنْهُم من قَالَ: إِنَّه صَائِم بِنَاء على عَادَتهم فِي الْحَضَر، وَمِنْهُم من قَالَ: إِنَّه غير صَائِم لكَونه مُسَافِرًا، وَقد عرف نَهْيه عَن صَوْم الْفَرْض فِي السّفر فضلا عَن النَّفْل. قَوْله:(بحلاب) ، بِكَسْر الْحَاء الْمُهْملَة وَتَخْفِيف اللَّام، وَهُوَ الْإِنَاء الَّذِي يحلب فِيهِ اللَّبن، وَقيل: الحلاب اللَّبن المحلوب، وَقد يُطلق على الْإِنَاء وَلَو لم يكن فِيهِ لبن.
ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ: اسْتدلَّ بِهَذَيْنِ الْحَدِيثين على اسْتِحْبَاب الْفطر يَوْم عَرَفَة بِعَرَفَة، وَفِيه نظر، لِأَن فعله الْمُجَرّد لَا يدل على نفي الِاسْتِحْبَاب، إِذْ قد يتْرك الشَّيْء الْمُسْتَحبّ لبَيَان الْجَوَاز، وَيكون فِي حَقه أفضل لمصْلحَة التَّبْلِيغ، نعم يتم الِاسْتِدْلَال بِمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ من طَرِيق عِكْرِمَة:(أَن أَبَا هُرَيْرَة حَدثهمْ أَن رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم، نهى عَن صَوْم يَوْم عَرَفَة بِعَرَفَة) ، وَصَححهُ ابْن خُزَيْمَة وَالْحَاكِم، وَأخذ بِظَاهِرِهِ بعض السّلف فَنقل عَن يحيى بن سعيد الْأنْصَارِيّ أَنه قَالَ: يجب فطر يَوْم عَرَفَة للْحَاج، وَقَالَ الطَّبَرِيّ: إِنَّمَا أفطر، صلى الله عليه وسلم، بِعَرَفَة ليدل على الِاخْتِيَار للحجاج، لَكِن بِأَن لَا يضعف عَن الدُّعَاء وَالذكر الْمَطْلُوب يَوْم عَرَفَة، وَقيل: إِنَّمَا أفطر لموافقته يَوْم الْجُمُعَة، وَقد نهى عَن إِفْرَاده بِالصَّوْمِ، وَقيل: لِأَنَّهُ يَوْم عيد لأهل الْموقف لِاجْتِمَاعِهِمْ فِيهِ، وَيُؤَيّد مَا رَوَاهُ أَصْحَاب السّنَن عَن عقبَة بن عَامر مَرْفُوعا، يَوْم عَرَفَة وَيَوْم النَّحْر وَأَيَّام منى وعيدنا أهل الْإِسْلَام.
وَفِيه: أَن العيان أقطع للحجة، وَأَنه فَوق الْخَبَر. وَفِيه: أَن الْأكل وَالشرب فِي المحافل مُبَاح، وَلَا كَرَاهَة فِيهِ للضَّرُورَة، وَفِيه: تأسي النَّاس بِأَفْعَال النَّبِي صلى الله عليه وسلم. وَفِيه: الْبَحْث وَالِاجْتِهَاد فِي حَيَاته، صلى الله عليه وسلم، والمناظرة فِي الْعلم بَين الرِّجَال وَالنِّسَاء، والتحيل على الِاطِّلَاع على الحكم بِغَيْر سُؤال. وَفِيه: فطنة مَيْمُونَة وَأم الْفضل أَيْضا لاستكشافهما عَن الحكم الشَّرْعِيّ بِهَذِهِ الْوَسِيلَة اللائقة بِالْحَال، لِأَن ذَلِك كَانَ فِي يَوْم حر بعد الظهيرة، قيل: لم ينْقل أَنه، صلى الله عليه وسلم، ناول فَضله أحدا، فَلَعَلَّهُ علم أَنَّهَا خصته بِهِ، فَيُؤْخَذ مِنْهُ مَسْأَلَة التَّمْلِيك الْمُقَيد، وَفِيه نظر، وَقد وَقع فِي حَدِيث مَيْمُونَة (فَشرب مِنْهُ) ، فَهَذَا يدل على أَنه لم يستوفِ شربه، وَالله أعلم.
66 -
(بابُ صَوْمِ يَوْمِ الفِطْرِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان صَوْم يَوْم الْفطر مَا حكمه؟ لم يُصَرح بالحكم اكْتِفَاء بِمَا يذكر فِي الحَدِيث على عَادَته، قيل: لَعَلَّه أَشَارَ إِلَى الْخلاف فِيمَن نذر صَوْم يَوْم فَوَافَقَ يَوْم الْعِيد، هَل ينْعَقد نَذره أم لَا؟ قلت: إِذا قَالَ: لله عَليّ صَوْم يَوْم النَّحْر، أفطر وَقضى، فَهَذَا النّذر صَحِيح عندنَا مَعَ إِجْمَاع الْأمة على أَن صَوْمه وَصَوْم الْفطر منهيان. قَالَ مَالك: لَو نذر صَوْم يَوْم فَوَافَقَ يَوْم
فطر أَو نحر يَقْضِيه فِي رِوَايَة ابْن الْقَاسِم وَابْن وهب عَنهُ، وَهُوَ قَول الْأَوْزَاعِيّ، وَالْأَصْل عندنَا أَن النَّهْي لَا يَنْفِي مَشْرُوعِيَّة الأَصْل. وَقَالَ صَاحب الْمَحْصُول: أَكثر الْفُقَهَاء على أَن النَّهْي لَا يُفِيد الْفساد، وَقَالَ الرَّازِيّ: لَا يدل النَّهْي على الْفساد أصلا، وَأطَال الْكَلَام فِيهِ، وعَلى هَذَا الأَصْل مَشى أَصْحَابنَا فِيمَا ذَهَبُوا إِلَيْهِ، وَيُؤَيّد هَذَا مَا رَوَاهُ البُخَارِيّ من حَدِيث زِيَاد بن جُبَير، قَالَ:(جَاءَ رجل إِلَى ابْن عمر فَقَالَ: نذر رجل صَوْم الْإِثْنَيْنِ فَوَافَقَ يَوْم عيد؟ فَقَالَ ابْن عمر: أَمر الله بوفاء النّذر، وَنهى رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم، عَن صَوْم هَذَا الْيَوْم، فتوقف فِي الْفتيا) . وَسَيَجِيءُ فِي الْبَاب الَّذِي بعده، وَقَالَ ابْن عبد الْملك: لَو كَانَ صَوْمه مَمْنُوعًا مِنْهُ لعَينه، مَا توقف ابْن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ. وَقَالَ الشَّافِعِي وَزفر وَأحمد: لَا يَصح صَوْم يومي الْعِيدَيْنِ وَلَا النّذر بصومهما، وَهُوَ رِوَايَة أبي يُوسُف وَابْن الْمُبَارك عَن أبي حنيفَة، وروى الْحسن عَن أبي حنيفَة أَنه إِن نذر صَوْم يَوْم النَّحْر لَا يَصح، وَإِن نذر صَوْم غَد وَهُوَ يَوْم النَّحْر صَحَّ، وَاحْتج بِحَدِيث أبي سعيد الْخُدْرِيّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، الْآتِي هُنَا، إِن شَاءَ الله تَعَالَى.
0991 -
حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ يُوسفَ قَالَ أخبرنَا مالِكٌ عنِ ابنِ شِهَابٍ عَن أبي عُبَيْدٍ مولَى ابنِ أزْهَرَ قَالَ شَهِدْتُ الْعِيدَ معَ عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ فَقَالَ هَذَانِ يَوْمَانِ نَهَى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عنْ صِيَامِهِما يَوْمُ فِطْرِكُمُ مِنْ صِيَامِكُمْ والْيَوْمُ الآخَرُ تأكُلُونَ فِيهِ مِنْ نُسُكِكُمْ. (الحَدِيث 0991 طرفه فِي: 1755) .
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِنَّه يبين إِبْهَام التَّرْجَمَة، وَهُوَ أَن صَوْم يَوْم الْفطر لَا يَصح، وَأَبُو عبيد اسْمه: سعد، مولى ابْن عبد الرَّحْمَن بن الْأَزْهَر بن عَوْف وينسب أَيْضا إِلَى عبد الرَّحْمَن بن عَوْف لِأَنَّهُمَا ابْنا عَم الْقرشِي الزُّهْرِيّ، مَاتَ سنة ثَمَان وَتِسْعين، وَقَالَ ابْن الْأَثِير: قد غلط من جعله ابْن عَم عبد الرَّحْمَن بن عَوْف، بل هُوَ عبد الرَّحْمَن بن أَزْهَر بن عبد عَوْف.
ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره: أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الْأَضَاحِي عَن حبَان عَن ابْن الْمُبَارك. وَأخرجه مُسلم فِي الصَّوْم أَيْضا عَن يحيى بن يحيى عَن مَالك بِهِ، وَفِي الْأَضَاحِي عَن عبد الْجَبَّار بن الْعلي وَعَن حَرْمَلَة بن يحيى، وَعَن زُهَيْر بن حَرْب، وَعَن حسن الْحلْوانِي وَعَن عبد بن حميد وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِي الصَّوْم عَن قُتَيْبَة وَزُهَيْر بن حَرْب. وَأخرجه التِّرْمِذِيّ عَن مُحَمَّد بن عبد الْملك. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم، وَفِي الذَّبَائِح عَن يَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم الدَّوْرَقِي. وَأخرجه ابْن مَاجَه فِي الصَّوْم عَن سهل بن أبي سهل.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (مولى ابْن أَزْهَر)، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني:(مولى بني أَزْهَر)، وَكَذَا فِي رِوَايَة مُسلم. قَوْله:(شهِدت الْعِيد) ، زَاد يُونُس عَن الزُّهْرِيّ فِي رِوَايَته الَّتِي تَأتي فِي الْأَضَاحِي، (يَوْم الْأَضْحَى) . قَوْله:(هَذَانِ يَوْمَانِ) ، فِيهِ التغليب، وَذَلِكَ أَن الْحَاضِر يشار إِلَيْهِ بِهَذَا وَالْغَائِب يشار إِلَيْهِ بِذَاكَ، فَلَمَّا أَن جَمعهمَا اللَّفْظ قَالَ: هَذَانِ، تَغْلِيبًا، للحاضر على الْغَائِب. قَوْله:(يَوْم فطركم)، مَرْفُوع على أَنه خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف تَقْدِيره: أَحدهمَا يَوْم فطركم، وَقَالَ بَعضهم: أَو على الْبَدَل من قَوْله: (يَوْمَانِ) . قلت: هَذَا لَيْسَ بِصَحِيح على مَا لَا يخفى. قَوْله: (من صِيَامكُمْ) كلمة: من، بَيَانِيَّة، وَفِي رِوَايَة يُونُس فِي الْأَضَاحِي:(أما أَحدهمَا فَيوم فطركم) . قَوْله: (من نسككم)، بِضَم السِّين وسكونها أَي: أُضْحِيَتكُم، وَفَائِدَة وصف الْيَوْمَيْنِ الْإِشَارَة إِلَى الْعلَّة، وَهِي فِي أَحدهمَا، وجوب الْفطر، وَفِي الآخر الْأكل من الْأُضْحِية.
قَالَ أبُو عَبْدِ الله قَالَ ابنُ عُيَيْنَةَ منْ قالَ مَوْلَى بنِ أزْهَرَ فقَدْ أصابَ ومَنْ قَالَ مَوْلَى عَبْدِ الرَّحْمانِ فقَدْ أصابَ
هَذَا لَيْسَ بموجود فِي كثير من النّسخ: أَبُو عبد الله هُوَ البُخَارِيّ وَابْن عُيَيْنَة هُوَ سُفْيَان بن عُيَيْنَة، وَهَذَا حَكَاهُ عَنهُ عَليّ بن الْمَدِينِيّ فِي (الْعِلَل) وَقد أخرجه ابْن أبي شيبَة فِي (مُسْنده) عَن ابْن عُيَيْنَة عَن الزُّهْرِيّ، فَقَالَ: عَن أبي عبيد مولى ابْن أَزْهَر. وَأخرجه الْحميدِي فِي (مُسْنده) عَن ابْن عُيَيْنَة: حَدثنِي الزُّهْرِيّ سَمِعت أَبَا عبيد، فَذكر الحَدِيث وَلم يصفه بِشَيْء. وَرَوَاهُ عبد الرَّزَّاق فِي (مُصَنفه) : عَن معمر عَن الزُّهْرِيّ، فَقَالَ: عَن أبي عبيد مولى عبد الرَّحْمَن بن عَوْف. وَقَالَ ابْن التِّين: وَجه كَون الْقَوْلَيْنِ صَوَابا مَا رُوِيَ أَنَّهُمَا اشْتَركَا فِي ولائه، وَقيل: يحمل أَحدهمَا على الْحَقِيقَة، وَالْآخر على الْمجَاز، أما بِاعْتِبَار كَثْرَة ملازمته لأَحَدهمَا للْخدمَة، أَو للأخذ عَنهُ، أَو لانتقاله من ملك أَحدهمَا إِلَى الآخر، وَقد مر بعض الْكَلَام فِيهِ عَن قريب.