الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَرَبِيعَة وَمَالك وَأَبُو حنيفَة وَمُحَمّد بن الْحسن: المُرَاد بالتفرق فِيهِ هُوَ التَّفَرُّق بالأقوال، فَإِذا قَالَ البَائِع: بِعْت، وَقَالَ المُشْتَرِي: قبلت أَو اشْتريت فقد تفَرقا وَلَا يبْقى لَهما بعد ذَلِك خِيَار، وَيتم بِهِ البيع وَلَا يقدر المُشْتَرِي على رد الْمَبِيع إلَاّ بِخِيَار الرُّؤْيَة أَو خِيَار الْعَيْب أَو خِيَار الشَّرْط. وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَعِيسَى بن أبان وَآخَرُونَ: التَّفْرِقَة الَّتِي تقطع الْخِيَار هِيَ الِافْتِرَاق بالأبدان بعد المخاطبة بِالْبيعِ قبل قبُول الآخر، وَذَلِكَ أَن الرجل إِذا قَالَ لآخر: قد بِعْتُك عَبدِي بِأَلف دِرْهَم، فللمخاطب بذلك القَوْل أَن يقبل مَا لم يُفَارق صَاحبه، فَإِذا افْتَرقَا لم يكن لَهُ بعد ذَلِك أَن يقبل. وَقَالَ سعيد بن الْمسيب وَالزهْرِيّ وَعَطَاء بن أبي رَبَاح وَابْن أبي ذِئْب وسُفْيَان بن عُيَيْنَة وَالْأَوْزَاعِيّ وَاللَّيْث بن سعد وَابْن أبي مليكَة وَالْحسن الْبَصْرِيّ وَهِشَام بن يُوسُف وَابْنه عبد الرَّحْمَن وَعبيد الله بن الْحسن القَاضِي وَالشَّافِعِيّ وَأحمد وَإِسْحَاق وَأَبُو ثَوْر وَأَبُو عبيد وَأَبُو سُلَيْمَان وَمُحَمّد بن جرير الطَّبَرِيّ وَأهل الظَّاهِر: الْفرْقَة الْمَذْكُورَة فِي الحَدِيث هِيَ التَّفَرُّق بالأبدان، فَلَا يتم البيع حَتَّى يُوجد التَّفَرُّق بالأبدان، وَالْحَاصِل من ذَلِك أَن أَصْحَابنَا قَالُوا: إِن العقد يتم بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُول وَيدخل الْمَبِيع فِي ملك المُشْتَرِي، وَإِثْبَات خِيَار الْمجْلس لأَحَدهمَا يسْتَلْزم إبِْطَال حق الآخر، فَيَنْتَفِي بقوله صلى الله عليه وسلم:(لَا ضَرَر وَلَا ضرار فِي الْإِسْلَام) ، والْحَدِيث مَحْمُول على خِيَار الْقبُول، فَإِنَّهُ إِذا أوجب أَحدهمَا فَلِكُل مِنْهُمَا الْخِيَار مَا داما فِي الْمجْلس، وَلم يأخذا فِي عمل آخر، وَفِي لَفْظَة إِشَارَة إِلَيْهِ، فَإِنَّهُمَا متبايعان حَالَة البيع حَقِيقَة وَمَا بعده أَو قبله مجَاز، أَو بعد العقد خِيَار الْمجْلس غير ثَابت لقَوْله تَعَالَى:{يَا أَيهَا الدّين آمنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالكُم بَيْنكُم بِالْبَاطِلِ إلَاّ أَن تكون تِجَارَة عَن ترَاض مِنْكُم} (النِّسَاء: 92) . فأباح الْأكل بِوُجُود التَّرَاضِي عَن التِّجَارَة، فَالْبيع تِجَارَة، فَدلَّ على نفي الْخِيَار وَصِحَّة وُقُوع البيع للْمُشْتَرِي بِنَفس العقد، وَجَوَاز تصرفه فِيهِ. وَقَالَ تَعَالَى:{أَوْفوا بِالْعُقُودِ} (الْمَائِدَة: 1) . وَهَذَا عقد يلْزم الْوَفَاء بِظَاهِر الْآيَة، وَفِي إِثْبَات الْخِيَار نفي لُزُوم الْوَفَاء بِهِ، وَفِي الحَدِيث مَا يدل على أَن نصيحة الْمُسلم وَاجِبَة، وَهَذَا هُوَ الأَصْل فِي هَذَا الْبَاب، وَقد كَانَ سيد الْخلق يَأْخُذهَا فِي الْبيعَة على النَّاس كَمَا يَأْخُذ عَلَيْهِم الْفَرَائِض، قَالَ جرير:(بَايَعت رَسُول الله، صلى الله عليه وسلم، على السّمع وَالطَّاعَة، فَشرط عَليّ النصح لكل مُسلم) وَصَحَّ أَنه قَالَ: (لَا يُؤمن أحدكُم حَتَّى يحب لِأَخِيهِ مَا يحب لنَفسِهِ) ، فَحرم بِهَذَا غش الْمُؤمن وخديعته، وَالله أعلم.
02 -
(بابُ بَيْعِ الْخِلْطِ مِنَ التَّمْرِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان بيع الْخَلْط من التَّمْر. الْخَلْط، بِكَسْر الْخَاء الْمُعْجَمَة: التَّمْر الْمُجْتَمع على أَنْوَاع مُتَفَرِّقَة. وَقَالَ الْأَصْمَعِي، هُوَ كل لون من التَّمْر لَا يعرف اسْمه، وَقيل: هُوَ نوع رَدِيء، وَقيل: هُوَ الْمُخْتَلط. وَعَن الْمُطَرز: هُوَ نخل الدقل، يَعْنِي: تمر الدوم، كَذَا ذكره عِيَاض، وَقَالَ ابْن الْأَثِير: الدوم: ضخام الشّجر، وَقيل: هُوَ شجر الْمقل، وَقَالَ ابْن قرقول: هُوَ تمر من تمر النّخل رَدِيء يَابِس، وَكلمَة: من، فِي قَوْله: من التَّمْر، بَيَانِيَّة.
0802 -
حدَّثنا أبُو نُعَيْمٍ قَالَ حدَّثنا شَيْبَانُ عنْ يَحْيَى عنْ أبِي سلَمَةَ عنْ أبِي سَعِيدٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ قَالَ كُنَّا نُرْزَقُ تَمْرَ الجَمْعِ وهْوَ الخِلْطُ مِنَ التَّمْرِ وكُنَّا نَبِيعُ صَاعَيْنِ بِصاعٍ فَقَالَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم لَا صَاعَيْنِ بِصاعٍ ولَا دِرْهَمَيْنِ بِدِرْهَمٍ.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (وَكُنَّا نبيع الصاعين بِصَاع)، يَعْنِي: من تمر الْجمع، وَالْجمع، بِفَتْح الْجِيم وَسُكُون الْمِيم، وَهُوَ كل لون من النخيل لَا يعرف اسْمه، وَفِي (الْمغرب) : الْجمع الدقل، لِأَنَّهُ يجمع من خمسين نَخْلَة، وَقد نهى النَّبِي، صلى الله عليه وسلم، عَن بيع هَذَا بقوله:(لَا صَاعَيْنِ بِصَاع) يَعْنِي: لَا تَبِيعُوا الصاعين بِصَاع، لِأَن التَّمْر كُله جنس وَاحِد رديئه، وجيده فَلَا يجوز التَّفَاضُل فِي شَيْء مِنْهُ على مَا سَيَأْتِي الْكَلَام فِيهِ مفصلا.
ذكر رِجَاله وهم خَمْسَة كلهم ذكرُوا غير مرّة، وَأَبُو نعيم، بِضَم النُّون: الْفضل بن دُكَيْن، وشيبان بن يحيى التَّمِيمِي النَّحْوِيّ، أَصله بَصرِي سكن الْكُوفَة وَيحيى هُوَ ابْن أبي كثير، وَأَبُو سَلمَة هُوَ ابْن عبد الرَّحْمَن، وَأَبُو سعيد هُوَ الْخُدْرِيّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، واسْمه: سعد بن مَالك.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الْبيُوع أَيْضا عَن إِسْحَاق بن مَنْصُور. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن