الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قَوْله: {فصل}
أَبُو يُوسُف، والقرافي، وَابْن حمدَان، وَابْن قَاضِي الْجَبَل: مجَاز رَاجع أولى من حَقِيقَة مرجوحة، وَأَبُو حنيفَة، وَابْن الْحَاجِب، وَابْن مُفْلِح: هِيَ مَا لم تهجر، والرازي، والبيضاوي: مُجمل، والأصفهاني: مَحَله إِن منع حمله على حَقِيقَته ومجازه مَعًا، وَابْن الرّفْعَة: مَحَله فِي إِثْبَات، وَفِي نفي يعْمل بالمجاز قطعا} .
إِذا تَعَارَضَت الْحَقِيقَة وَالْمجَاز فالحقيقة أولى فِي الْجُمْلَة؛ لِأَنَّهَا الأَصْل، وَإِنَّمَا مَحل الْخلاف: إِذا ترجح الْمجَاز حَتَّى يصير معادلاً للْحَقِيقَة لاشتهاره، فَيصير حَقِيقَة شَرْعِيَّة أَو عرفية، أَو تدل قَرَائِن على ضعف الْحَقِيقَة اللُّغَوِيَّة بِحَيْثُ لَا تمات أصلا وَإِنَّمَا تتساوى مَعَ الْمجَاز، وَهِي الْمَسْأَلَة الْمَذْكُورَة هُنَا، وفيهَا مَذَاهِب:
أَحدهَا: تقدم الْحَقِيقَة اللُّغَوِيَّة المرجوحة لِأَنَّهَا الأَصْل، وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَمن تبعه، وَذَلِكَ كَمَا لَو حلف ليشربن من هَذَا النَّهر، فَإِن
حَقِيقَته: أَن يكرع مِنْهُ، ومجازه الرَّاجِح المعادل للْحَقِيقَة: أَن يغترف بِإِنَاء مِنْهُ وَيشْرب، فالحقيقة لَيست مماتة أصلا، لِأَن كثيرا من الرُّعَاة وَغَيرهم يكرع بِفِيهِ.
وَالْمذهب الثَّانِي: يقدم الْمجَاز؛ لغلبته، وَهُوَ قَول أبي يُوسُف وَمن تبعه، لِأَنَّهُ الظَّاهِر، والتكليف إِنَّمَا هُوَ بالظهور، وَهُوَ قَول أبي / الْخطاب فِي الْحلف على أكل الرؤوس وَالْبيض، ذكره ابْن حمدَان فِي " مقنعه "، وَنسبه صَاحب " الْقَوَاعِد الْأُصُولِيَّة " إِلَى الْأَصْحَاب، فِيمَا إِذا حلف لَا يشرب من دجلة أَو من الْفُرَات، فَقَالَ:(من قدم الْمجَاز الرَّاجِح يَقُول: يَحْنَث باغترافه مِنْهُ بِإِنَاء وَنَحْوه وشربه مِنْهُ) . - قَالَ وَهَذَا قَول أَصْحَابنَا، وَقَول أبي يُوسُف.
وَمن قَالَ: تقدم الْحَقِيقَة المرجوحة، قَالَ: لَا يَحْنَث إِلَّا بِأَن يكرع مِنْهُ، وَهُوَ قَول أبي حنيفَة) انْتهى.
وَالْمذهب الثَّالِث: أَنه مُجمل، اخْتَارَهُ الرَّازِيّ فِي المعالم،
والبيضاوي وَجمع وعزي إِلَى الشَّافِعِي، للتعارض؛ لِأَن كل وَاحِد مِنْهُمَا رَاجِح من وَجه.
وَقَالَ الْأَصْفَهَانِي: (مَحل الْخلاف إِذا لم يحمل اللَّفْظ على حَقِيقَته ومجازه عِنْد عدم الْقَرِينَة، أما إِذا جَوَّزنَا الْحمل حمل عَلَيْهِمَا مَعًا وَهُوَ الظَّاهِر والأقوى "، وَحَكَاهُ الْبرمَاوِيّ قولا فِي الْمَسْأَلَة: وَالْأولَى: أَن يكون ذَلِك مُقَيّدا لمحل الْخلاف.
وَقيل: مَحل الْخلاف فِي الْإِثْبَات، أما فِي النَّفْي فَيعْمل بالمجاز الرَّاجِح قطعا، قَالَه ابْن الرّفْعَة الشَّافِعِي فِي الْمطلب، فِي بَاب الْإِيلَاء.
فَائِدَة: حرر الْحَنَفِيَّة فِي كتبهمْ مَحل النزاع فِي هَذِه الْمَسْأَلَة، فَإِن مرجعها إِلَيْهِم، فَقَالُوا: الْمجَاز أَقسَام:
أَحدهَا: أَن يكون الْمجَاز مرجوحاً لَا يفهم إِلَّا بِقَرِينَة، كالأسد للشجاع، فَتقدم الْحَقِيقَة.
الثَّانِي: أَن يغلب اسْتِعْمَاله حَتَّى يُسَاوِي الْحَقِيقَة، فاتفق أَبُو حنيفَة،
وَأَبُو يُوسُف على تَقْدِيم الْحَقِيقَة، وَجعل ابْن التلمساني فِي " شرح المعالم " هَذِه الصُّورَة مَحل الْخلاف.
الثَّالِث: أَن يكون راجحاً والحقيقة مماتة لَا ترَاد فِي الْعرف، فقد اتفقَا على تَقْدِيم الْمجَاز؛ لِأَنَّهُ إِمَّا حَقِيقَة شَرْعِيَّة كَالصَّلَاةِ، أَو عرفية كالدابة، وَلَا خلاف فِي تَقْدِيمهَا على الْحَقِيقَة اللُّغَوِيَّة.
مِثَاله: لَو حلف لَا يَأْكُل من هَذِه النَّخْلَة فَأكل من ثَمَرهَا، حنث، وَإِن أكل من خشبها لم يَحْنَث، وَإِن كَانَ / الْخشب هُوَ الْحَقِيقَة؛ لِأَنَّهَا قد أميتت.
الرَّابِع: أَن يكون راجحاً والحقيقة تتعاهد فِي بعض الْأَوْقَات، فَهَذِهِ مَحل الْخلاف عِنْد الْأَكْثَر، كَمَا لَو حلف ليشربن من هَذَا النَّهر، فَهُوَ حَقِيقَة فِي الكرع مِنْهُ بِفِيهِ، وَلَو اغترف بكوز وَشرب فَهُوَ مجَاز، لِأَنَّهُ شرب من الْكوز لَا من النَّهر، لكنه مجَاز رَاجِح متبادر إِلَى الْفَهم، والحقيقة قد ترَاد، لِأَن كثيرا من الرعاء وَغَيرهم يكرع [بِفِيهِ] .
وَقَالَ الْأَصْفَهَانِي فِي " شرح الْمَحْصُول ": (مَحل الْخلاف: أَن يكون
الْمجَاز راجحاً على الْحَقِيقَة، بِحَيْثُ يكون هُوَ الْمُتَبَادر إِلَى الذِّهْن عِنْد الْإِطْلَاق، كالمنقول الشَّرْعِيّ والعرفي، وَورد اللَّفْظ من غير الشَّرْع وَالْعرْف، أما إِن ورد من أَحدهمَا فَإِنَّهُ يحمل على مَا وضع [لَهُ] انْتهى؛ وَهُوَ أظهر، وَالظَّاهِر أَنه مُرَادهم، وَلذَلِك يَقُولُونَ: اللَّفْظ يحمل على عرف الْمُتَكَلّم بِهِ، وَيَأْتِي فِي التَّرْجِيح تَقْدِيم الْمجَاز على الْمُشْتَرك فِي الْأَصَح.
قَوْله: {وَلَو لم يَنْتَظِم الْكَلَام إِلَّا بارتكاب [مجَاز] زِيَادَة أَو نُقْصَان، فالنقصان أولى} .
وَذَلِكَ؛ لِأَن الْحَذف فِي كَلَام الْعَرَب أَكثر من الزِّيَادَة، قَالَه كثير من الْعلمَاء.
وَيتَفَرَّع على ذَلِك: إِذا قَالَ لزوجتيه: إِن حضتما حَيْضَة فأنتما طالقتان، إِذْ لَا شكّ فِي اسْتِحَالَة اشتراكهما فِي حَيْضَة، وَتَصْحِيح الْكَلَام، هُنَا، إِمَّا بِدَعْوَى الزِّيَادَة وَهُوَ قَوْله: حَيْضَة، وَإِمَّا بِدَعْوَى الْإِضْمَار وَتَقْدِيره: إِن حَاضَت كل وَاحِدَة مِنْكُمَا حَيْضَة.
وَفِي الْمَسْأَلَة لِأَصْحَابِنَا أَرْبَعَة أوجه:
أَحدهَا: سلوك الزِّيَادَة، وَيصير التَّقْدِير: إِن حضتما فأنتما طالقتان، فَإِذا طعنتا فِي الْحيض طلقتا، وَهُوَ قَول القَاضِي أبي يعلى وَغَيره، وَهُوَ الْمَشْهُور فِي الْمَذْهَب.
وَالْوَجْه الثَّانِي: سلوك النَّقْص - وَهُوَ الْإِضْمَار - فَلَا تطلق وَاحِدَة مِنْهُمَا، حَتَّى تحيض كل وَاحِدَة حَيْضَة، وَيكون التَّقْدِير كَمَا تقدم: إِن حَاضَت كل وَاحِدَة مِنْكُمَا / حَيْضَة فأنتما طالقتان نَظِيره قَوْله تَعَالَى: {فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جلدَة} [النُّور: 4]، أَي: اجلدوا كل [وَاحِد] مِنْهُم ثَمَانِينَ جلدَة، وَهُوَ قَول الْمُوفق، وَالْمجد، وَالشَّارِح، وَابْن حمدَان، وَغَيرهم، وَهُوَ مُوَافق للقاعدة.
وَالْوَجْه الثَّالِث: تطلقان بِحَيْضَة من إِحْدَاهمَا؛ لِأَنَّهُ لما تعذر وجود الْفِعْل مِنْهُمَا، وَجب إِضَافَته إِلَى إِحْدَاهمَا، كَقَوْلِه تَعَالَى:{يخرج مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤ والمرجان} [الرَّحْمَن: 22] ، وَإِنَّمَا يخرج من أَحدهمَا.
وَالْوَجْه الرَّابِع: لَا يطلقان بِحَال، بِنَاء على أَنه لَا يَقع الطَّلَاق الْمُعَلق على الْمحَال.
الْكَلَام على الْكِنَايَة والتعريض من وَظِيفَة عُلَمَاء الْمعَانِي وَالْبَيَان لَا عُلَمَاء الْأُصُول، لَكِن لما كَانَت مُخْتَلفا فِيهَا هَل هِيَ حَقِيقَة أَو مجَاز؟ ذكر [ا] اسْتِطْرَادًا، وَأَيْضًا فقد يلتبسان على السَّامع، وَلذَلِك لم يذكرهما إِلَّا الْقَلِيل من الْأُصُولِيِّينَ.
فَقَالَ عُلَمَاء هَذَا الْفَنّ: اللَّفْظ يَنْقَسِم إِلَى: تَصْرِيح، وكناية، وتعريض، وَاخْتلف فِي الْكِنَايَة هَل هِيَ حَقِيقِيَّة أم مجَاز، أَو لَا وَاحِد مِنْهُمَا، أَو [فِيهَا] حَقِيقَة ومجاز؟ على أَقْوَال.
أَحدهَا: أَنَّهَا تَنْقَسِم إِلَى حَقِيقَة ومجاز، اخْتَارَهُ السُّبْكِيّ، وَولده التَّاج، والبرماوي، وقبلهم جمَاعَة.
فالكناية: القَوْل الْمُسْتَعْمل فِي مَعْنَاهُ الْمَوْضُوع لَهُ حَقِيقَة، وَلَكِن أُرِيد بِإِطْلَاقِهِ لَازم الْمَعْنى، كَقَوْلِهِم: كثير الرماد، يكنون عَن كرمه، فكثرة الرماد مُسْتَعْمل فِي مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيّ، وَلَكِن أُرِيد بِهِ لَازمه وَهُوَ الْكَرم، وَإِن كَانَ بِوَاسِطَة لَازم آخر؛ لِأَن لَازم كَثْرَة الرماد كَثْرَة الطَّبْخ، ولازم كَثْرَة الطَّبْخ كَثْرَة الضيفان، ولازم كَثْرَة الضيفان / الْكَرم، فَكل ذَلِك عَادَة، فالدلالة على الْمَعْنى الْأَصْلِيّ بِالْوَضْعِ، وعَلى اللَّازِم بانتقال الذِّهْن من الْمَلْزُوم إِلَيْهِ.
وَمثله قَوْلهم: طَوِيل النجاد، كِنَايَة عَن طول الْقَامَة؛ لِأَن نجاد الطَّوِيل يكون طَويلا بِحَسب الْعَادة، وعَلى هَذَا فَهُوَ حَقِيقَة؛ لِأَنَّهُ اسْتعْمل فِي مَعْنَاهُ وَإِن أُرِيد بِهِ اللَّازِم، فَلَا تنَافِي بَينهمَا.
وَإِن لم يرد الْمَعْنى الْحَقِيقِيّ، وَإِنَّمَا عبر بالملزوم عَن اللَّازِم، بِأَن يُطلق الْمُتَكَلّم كَثْرَة الرماد على اللَّازِم وَهُوَ الْكَرم، وَطول النجاد على اللَّازِم وَهُوَ طول الْقَامَة، من غير مُلَاحظَة الْحَقِيقَة أصلا، فَهُوَ مجَاز؛ لِأَنَّهُ اسْتعْمل فِي غير
مَعْنَاهُ، والعلاقة فِيهِ إِطْلَاق الْمَلْزُوم على اللَّازِم.
ورده: الكوراني من وُجُوه: مِنْهَا: (أَن الْمَشْهُور: أَن الْفرق بَين الْمجَاز وَالْكِنَايَة: إِنَّمَا هُوَ بِأَن الِانْتِقَال فِي الْمجَاز من الْمَلْزُوم إِلَى اللَّازِم، وَفِي الْكِنَايَة من اللَّازِم إِلَى الْمَلْزُوم، أطبق عَلَيْهِ الْمُحَقِّقُونَ، وَكَلَام المُصَنّف يُخَالِفهُ صَرِيحًا) .
وَالْقَوْل الثَّانِي: - وَهُوَ الْأَصَح -: أَنه حَقِيقَة فِيهَا، وَإِلَيْهِ جنح كثير من البيانيين، بل قَالَ الكوراني:(الْجُمْهُور أَنَّهَا من الْحَقِيقَة)، وتبعهم ابْن عبد السَّلَام فِي كتاب " الْمجَاز " فَقَالَ: (الظَّاهِر أَن الْكِنَايَة لَيست من الْمجَاز، لِأَنَّهَا وَإِن اسْتعْملت فِيمَا وضع لَهُ لَكِن أُرِيد بهَا الدّلَالَة على غَيره، [كدليل الْخطاب] فِي قَوْله:{فَلَا تقل لَهما أُفٍّ} [الْإِسْرَاء: 23] ، وَكَذَا