الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَالنَّدْب وَغَيره، فَهَذَا لَا يمْنَع من الصِّيغَة كأسماء الْحَقَائِق: كالأسد، وَالْحمار فَإِنَّهُمَا حقيقتان فِي الْبَهَائِم، وَيُرَاد بهما الرجل بِقَرِينَة، وَمَعَ هَذَا فَلَا يمْتَنع أَن يكون إطلاقهما لحقيقة الْبَهِيمَة.
وَيبْطل بقوله: " فرضت "، وَيرد وَالْمرَاد بِهِ الْوُجُوب، وَيُرَاد المُرَاد بِهِ النّدب، كَقَوْلِه:" غسل الْجُمُعَة وَاجِب على كل محتلم "، وَمَعْنَاهُ: وجوب اخْتِيَار، وَكَذَا " فرضت " يحْتَمل الْوُجُوب وَيحْتَمل التَّقْدِير.
وَيحْتَمل توكيد الِاسْتِحْبَاب، وَحسن الِاسْتِفْهَام فَتَقول: أوجبته إلزاماً أَو اخْتِيَارا؟
وَذكره ابْن عقيل أَيْضا -، وَحمل على ذَلِك قَول النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ -: "
غسل يَوْم الْجُمُعَة وَاجِب على كل محتلم "، كَمَا قَالَ القَاضِي، وَتقول: حَقك عَليّ وَاجِب.
قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين فِي " المسودة ": (وَذهب طَائِفَة من أَصْحَابنَا وَغَيرهم إِلَى أَنَّهَا تحْتَمل توكيد الِاسْتِحْبَاب) انْتهى
.
{وَفِي كَلَام أبي الْفرج [الْمَقْدِسِي] وَأبي الْخطاب [فِي " التَّمْهِيد "] الْأَمْرَانِ أَيْضا} .
يعنيان: أَنَّهُمَا يأتيان لهَذَا الْمَعْنى وَلِهَذَا الْمَعْنى.
قَوْله: {وَإِطْلَاق الْوَعيد نَص فِيهِ} .
أَي: نَص فِي الْوُجُوب، وَهَذَا الصَّحِيح، اخْتَارَهُ القَاضِي وَالْأَكْثَر فَلَا يقبل تَأْوِيله لِأَنَّهُ خَاصَّة الْوَاجِب، وَلَا تُوجد خَاصَّة الشَّيْء بِدُونِهِ.
قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين: (الْوَعيد نَص فِي الْوُجُوب لَا يقبل التَّأْوِيل، فَإِن خَاصَّة الْوَاجِب: " مَا توعد بالعقاب على تَركه "، وَيمْتَنع وجود خَاصَّة الشَّيْء بِدُونِ ثُبُوته إِلَّا فِي كَلَام مجَاز) .
وَذكر القَاضِي - أَيْضا -، وَابْن عقيل: إِطْلَاقه للْوُجُوب، ويعدل عَنهُ لدَلِيل.
قَالَ فِي " المسودة ": (إِطْلَاق الْوَعيد، يَقْتَضِي الْوُجُوب لفعل مَا توعد عَلَيْهِ، فَإِن عدلنا عَنهُ فِي مَوضِع فلدليل، وَكَلَام ابْن عقيل فِي " الْعُمْدَة " يُوَافق ذَلِك) ، ورده الشَّيْخ تَقِيّ الدّين.
وَقَالَ فِي " المسودة " أَيْضا -: قَالَ القَاضِي: (أَلْفَاظ الْوَعيد ترد وَالْمرَاد [بهَا] الْوُجُوب وَالنَّدْب، قَالَ الله تَعَالَى: {فويل للمصلين الَّذين هم عَن صلَاتهم ساهون الَّذين هم يراءون وَيمْنَعُونَ الماعون} [الماعون: 4 - 7] ، وَذَلِكَ مَنْدُوب إِلَيْهِ، وَمَعَ هَذَا إِطْلَاقه يَقْتَضِي الْوُجُوب) .
قَوْله: {و {كتب عَلَيْكُم} [الْبَقَرَة: 178] نَص [فِي الْوُجُوب أَيْضا -] ، ذكره القَاضِي} وَغَيره.
مَأْخُوذ من: " كتب الشَّيْء " إِذا حتمه وألزم بِهِ، وَتسَمى الصَّلَوَات المكتوبات لذَلِك، وَمِنْه حَدِيث:" خمس صلوَات كتبهن الله على العَبْد فِي الْيَوْم وَاللَّيْلَة "، وَقَوله تَعَالَى:{كتب عَلَيْكُم الصّيام} [الْبَقَرَة: 183]، {كتب عَلَيْكُم الْقِتَال} [الْبَقَرَة: 216] .
أما قَوْله تَعَالَى: {كتب عَلَيْكُم إِذا حضر أحدكُم الْمَوْت إِن ترك خيرا الْوَصِيَّة} [الْبَقَرَة: 180] الْآيَة.
فَقيل: المُرَاد: وَجب، وَكَانَت الْوَصِيَّة فرضا وَنسخت.
وَقيل: المُرَاد بِالْوَصِيَّةِ مَا عَلَيْهِ من الدّين والوديعة وَنَحْوهمَا.
وَقيل: المُرَاد فِي اللَّوْح الْمَحْفُوظ، فَلَا يكون مِمَّا نَحن فِيهِ.
قلت: عَن الإِمَام أَحْمد رِوَايَة بِالْوُجُوب للقريب إِذا كَانَ غير وَارِث، اخْتَارَهَا أَبُو بكر من أَصْحَابنَا.
وَنقل فِي " التَّبْصِرَة ": وُجُوبهَا عَن أبي بكر للْمَسَاكِين ووجوه الْبر، لَكِن الْمَذْهَب عدم الْوُجُوب، وَأَجَابُوا عَن الْآيَة: بِأَنَّهَا مَنْسُوخَة، قَالَه الْأَصْحَاب.
قَوْله: {وَفِي " الْحَاوِي " وَغَيره: حتم ولازم كواجب} .
وَهُوَ صَحِيح، فالمحتوم من حتمت الشَّيْء أحتمه حتما إِذا قَضيته وأحكمته، وحتمته أَيْضا: أوجبته، قَالَه الْجَوْهَرِي.
قَالَ تَعَالَى: {كَانَ على رَبك حتما مقضياً} [مَرْيَم: 71]، أَي: وَاجِب الْوُقُوع لوعده الصَّادِق، وَإِلَّا فَهُوَ سبحانه وتعالى لَا يجب عَلَيْهِ شَيْء.
فَيُقَال فِي الْوَاجِب: " حتم "، و " محتوم "، و " محتم "، وَنَحْو ذَلِك.
قَالَ فِي " الْمِصْبَاح ": (حتم عَلَيْهِ الْأَمر حتما من بَاب ضرب -: أوجبه جزما وانحتم: الْأَمر، وتحتم: وَجب وجوبا لَا يُمكن سُقُوطه) انْتهى.
وَقَالَ فِي " الْقَامُوس ": (الحتم: الْخَالِص، قلب المحت، وَالْقَضَاء، وإيجابه، وإحكام الْأَمر، وَجمعه: حتوم، وَقد حتمه يحتمه، والحاتم: القَاضِي) انْتهى.
وَاللَّازِم بِمَعْنى الْوَاجِب، وَلَا يقبل التَّأْوِيل عِنْد الْأَكْثَر، وَهُوَ من اللُّزُوم، وَهُوَ لُغَة: عدم الانفكاك عَن الشَّيْء، فَيُقَال للْوَاجِب: لَازم، وملزوم بِهِ، وَنَحْو ذَلِك، كَمَا فِي حَدِيث الصَّدَقَة:" وَمن لَزِمته بنت مَخَاض وَلَيْسَت عِنْده، أَخذ مِنْهُ ابْن لبون "، أَي: وَجب عَلَيْهِ ذَلِك، وَهُوَ شَائِع كثير، وَنقل عَن البوشنجي كَمَا تقدم من أَصْحَاب الشَّافِعِي: أَن جَمِيع ذَلِك كنايات إِلَّا [لَازم] لي فَإِنَّهُ صَرِيح عِنْد الْأَكْثَر.
فَائِدَة جَامِعَة فِي تَقْسِيم الْوَاجِب: وَهُوَ بِاعْتِبَار مُلَابسَة الْمُكَلف إِيَّاه فِي وقته وخارجاً عَن وقته يَنْقَسِم إِلَى: أَدَاء، وَقَضَاء، وإعادة.
وَبِاعْتِبَار سُقُوطه عَن الْمُكَلف بِفعل غَيره وَعدم سُقُوطه عَنهُ إِلَى: وَاجِب عين، وواجب كِفَايَة.
وَبِاعْتِبَار كَونه أحد الْأَقْسَام المحصورة وَعَدَمه: إِلَى وَاجِب معِين، وَإِلَى وَاجِب مُخَيّر.
وَبِاعْتِبَار كَون وقته الْمُقدر فَاضلا أَو غير فَاضل إِلَى: مضيق، وموسع، فالموسع وَاضح: كأوقات الصَّلَوَات، والمضيق تَارَة يكون مطابقاً: كَالصَّوْمِ، وَتارَة تكون الْعِبَادَة فاضلة: كَمَا لَو أدْرك رَكْعَة من الْمغرب، وَنَحْوهَا، قَالَه ابْن قَاضِي الْجَبَل، وَيَأْتِي ذَلِك مفصلا.