الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قَوْله " { [فصل}
{الْمَنْدُوب لُغَة: الْمَدْعُو لمهم، [من النّدب وَهُوَ: الدُّعَاء] } .
قَالَ الشَّاعِر:
(لَا يسْأَلُون أَخَاهُم حِين يندبهم
…
فِي النائبات على مَا قَالَ برهاناً)
وَهُوَ الطّلب، وَمِنْه الحَدِيث " " انتدب الله لمن يخرج فِي سَبيله "،
أَي: أجَاب لَهُ طلب مغْفرَة ذنُوبه.
يُقَال: ندبته فَانْتدبَ.
وَيُطلق أَيْضا على التَّأْثِير، وَمِنْه حَدِيث مُوسَى عليه السلام:" وَإِن بِالْحجرِ ندبا بِفَتْح الدَّال سِتَّة أَو سَبْعَة ضرب مُوسَى " وَأَصله: الْجرْح.
قَالَ فِي " الْمِصْبَاح الْمُنِير ": (ندبته إِلَى الْأَمر ندبا من بَاب قتل -: دَعوته، وَالْفَاعِل نادب، وَالْمَفْعُول مَنْدُوب، وَالْأَمر مَنْدُوب إِلَيْهِ، وَالِاسْم الندبة، مثل غرفَة، وَمِنْه الْمَنْدُوب فِي الشَّرْع، وَالْأَصْل الْمَنْدُوب إِلَيْهِ، لَكِن حذفت الصِّلَة مِنْهُ لفهم الْمَعْنى.
وانتدبته لِلْأَمْرِ فَانْتدبَ، يسْتَعْمل لَازِما ومتعدياً، وندبت الْمَرْأَة الْمَيِّت ندبا من بَاب قتل أَيْضا وَهِي نادبة، وَالْجمع نوادب، لِأَنَّهُ كالدعاء، فَإِنَّهَا تقبل على تعديد محاسنه كَأَنَّهُ يسْمعهَا) انْتهى.
وَقَالَ الْآمِدِيّ: (النّدب فِي اللُّغَة: هُوَ الدُّعَاء إِلَى أَمر مُهِمّ "، وَهُوَ أخص مِمَّا ذَكرْنَاهُ.
قَالَ الطوفي: (وَهُوَ أنسب وَأشهر فِي لِسَان الْعَرَب وأغلب، وَعَلِيهِ يحمل كَلَام غَيره، - ثمَّ قَالَ -: النّدب فِي الأَصْل مصدر ندبته ندبا، وَالْمَفْعُول مَنْدُوب، وَهُوَ المُرَاد؛ لِأَنَّهُ الْمُقَابل للْوَاجِب، وَيُقَال لَهُ: ندب، إطلاقاً للمصدر على الْمَفْعُول مجَازًا) انْتهى.
وَقَالَ فِي " الْقَامُوس ": (نَدبه إِلَى الْأَمر، كنصره: دَعَاهُ وحثه، وَالْمَيِّت: بكاه وَعدد محاسنه) انْتهى.
قَوْله: {وَشرعا: مَا [أثبت] فَاعله وَلَو قولا [وَعمل قلب] ، وَلم يُعَاقب تَاركه مُطلقًا} .
فَخرج بِقَيْد الثَّوَاب: الْحَرَام، وَالْمَكْرُوه، وَخلاف الأولى، والمباح.
وَقَوْلنَا: (وَلَو قولا وَعمل قلب)، أَعنِي: أَن من الْمَنْدُوب مَا يكون فعلا، وَمَا يكون عملَا بِالْقَلْبِ.
فالفعل: كسنن الْأَفْعَال فِي الصَّلَاة وَالْحج وَغَيرهمَا.
وَالْقَوْل أَيْضا -: كسنن الْأَقْوَال فِي الصَّلَاة وَالصِّيَام وَالْحج وَالِاعْتِكَاف وَغَيرهَا.
وَعمل الْقلب: كالخشوع فِي الصَّلَاة، وَالنِّيَّة لفعل الْخَيْر وَالذكر.
وَهُوَ كثير من الْأَقْسَام الثَّلَاثَة، حَتَّى قيل فِي النِّيَّة:(يُمكن أَن لَا يزَال فِي طَاعَة مَا دَامَ نَاوِيا للخير) .
وَخرج بقوله: (وَلم يُعَاقب تَاركه) ، الْوَاجِب الْمعِين.
وب (مُطلقًا) ، الْوَاجِب الْمُخَير وَفرض الْكِفَايَة.
قَوْله: {وَيُسمى: سنة ومستحباً} .
فَهُوَ مرادف لَهما، أَي: يساويهما فِي الْحَد والحقيقة، وَإِنَّمَا اخْتلفت الْأَلْفَاظ وَالْمعْنَى وَاحِد.
والمترادف: هُوَ اللَّفْظ المتعدد لمسمى وَاحِد، كَمَا تقدم بَيَانه.
وَقَالَ ابْن حمدَان فِي " مقنعه ": ( {و} يُسمى النّدب: {تَطَوّعا، وَطَاعَة، ونفلاً، وقربة، أجماعاً) } .
و {قَالَ ابْن قَاضِي الْجَبَل} فِي " أُصُوله ": (وَمن أَسْمَائِهِ: النَّفْل، والتطوع، و { [والمرغب فِيهِ] } ، وَالْمُسْتَحب، { [وَالْإِحْسَان] } ) انْتهى.
وَرَأَيْت بَعضهم قيد قَوْله: إحساناً، إِن كَانَ نفعا للْغَيْر مَقْصُودا.
وَرَأَيْت فِي كَلَام الشَّافِعِيَّة: أَن من أَسْمَائِهِ: الأولى.
وَقَالَ الشَّيْخ أَبُو طَالب مدرس المستنصرية من أَئِمَّة أَصْحَابنَا فِي " حاويه الْكَبِير ": (إِن الْمَنْدُوب يَنْقَسِم ثَلَاثَة أَقسَام: أَحدهَا: مَا يعظم أجره يُسمى سنة.
وَالثَّانِي: مَا يقل أجره يُسمى نَافِلَة.
وَالثَّالِث: مَا يتوسط فِي الْأجر بَين هذَيْن، فيسمى فَضِيلَة ورغيبة.
وَمَا واظب على فعله غير مظهر لَهُ، فَفِيهِ وَجْهَان:
أَحدهمَا: تَسْمِيَته سنة، نظرا إِلَى الْمُوَاظبَة.
وَالثَّانِي: تَسْمِيَة فَضِيلَة، نظرا إِلَى ترك إِظْهَاره.
وَهَذَا كركعتي الْفجْر) انْتهى.
قلت: رَكعَتَا الْفجْر يسميان سنة بِلَا نزاع، وهما من أَعلَى السّنَن لعظم أجرهما، وَقد قَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ -:" رَكعَتَا الْفجْر خير من الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا "، وهما آكِد السّنَن، فَذكر الْوَجْهَيْنِ فِي ذَلِك، كَونهَا سنة أَو فَضِيلَة، وَأَن الْفَضِيلَة أحط رُتْبَة من السّنة غير صَحِيح.
فَإِن الْأَصْحَاب نصوا على أَنَّهَا أفضل السّنَن الرَّوَاتِب.
{و} قَالَ {فِي " الْمُسْتَوْعب "} بعد أَن قَالَ: (قَالَ القَاضِي فِي الغسلات الثَّلَاث فِي الْوضُوء: الأولى: فَرِيضَة، وَالثَّانيَِة: فَضِيلَة، وَالثَّالِثَة: سنة) -: (إِذا قيل لَك: أَي مَوضِع تقدم فِيهِ الْفَضِيلَة على السّنة؟ فَقل: هُنَا) .