الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَالْجَوَاب: أَن الْأَحْكَام الَّتِي يتَوَهَّم تعلقهَا بِفعل الصَّبِي إِنَّمَا هِيَ مُتَعَلقَة بِفعل الْوَلِيّ، وَهُوَ الْمَأْمُور، وَهُوَ الآثم بِتَرْكِهَا، المثاب على فعلهَا) انْتهى.
قلت: وَكَذَا الْمَجْنُون كالصغير.
قَوْله: {باقتضاء أَو تَخْيِير) } .
يخرج بهما مَا تعلق بِفعل الْمُكَلف على جِهَة الْإِخْبَار، نَحْو:{وَالله خَلقكُم وَمَا تَعْمَلُونَ} [الصافات: 96]، وَقَوله صلى الله عليه وسلم َ -: "
صلَة الرَّحِم تزيد فِي الْعُمر "؛ فَإِنَّهُ [إِخْبَار بِخلق] الْعَمَل، لَا أنشأ مُتَعَلق بِالْعَمَلِ اقْتِضَاء أَو تخييراً؛ لِأَن الِاقْتِضَاء: هُوَ الطّلب للْفِعْل جزما، أَو غير جزم، أَو التّرْك جزما، أَو غير جزم، بنهي مَقْصُود أَو غَيره، [والتخيير: الْإِبَاحَة]
،
فَتدخل الْأَحْكَام كلهَا، لَكِن كَون الْإِبَاحَة [حكما شَرْعِيًّا] ، فِيهِ خلاف يَأْتِي محرراً إِن شَاءَ الله.
فَإِن قُلْنَا بِالْمَنْعِ، فَلَا حَاجَة إِلَى قَوْلنَا:(أَو تَخْيِير) ، وَإِلَّا فَلَا بُد من الْإِتْيَان بهَا، لِأَنَّهَا حكم شَرْعِي.
وَعبر السُّبْكِيّ " الْكَبِير " عَن هَذَا الْقَيْد بقوله: (على جِهَة الْإِنْشَاء) ، ليتخلص / من وُقُوع " أَو " فِي التَّعْرِيف، لِأَنَّهَا لأحد الشَّيْئَيْنِ، وَذَلِكَ منَاف للْبَيَان.
لَكِن " أَو " هُنَا إِنَّمَا هِيَ للتقسيم، فَلَا ترديد فِيهَا، بل يتَرَجَّح التَّعْيِين لإفادته تنوع الحكم، وسلامته من إِبْهَام لفظ " الْإِنْشَاء " لِأَن لَهُ مَعَاني لَا يدرى مَا المُرَاد مِنْهَا؟
وَاعْترض: شَرط الْحَد وجوده فِي كل فَرد من [الْمَحْدُود] ، وَلَا يُوجد فِي التَّقْسِيم، لِأَنَّهُ وضع لمعْرِفَة الكليات بِوَاسِطَة الجزيئات، وَسمي استقراء، والتحديد وضع بِالْعَكْسِ، وَسمي برهاناً، وليسا بَابا وَاحِدًا ،
رد: الترديد فِي أَقسَام الْمَحْدُود لَا فِي الْحَد، فَلَا يضر.
وَأورد: خطابه قديم، وَحكمه حَادث، لوصفه بِهِ.
رد: لَا يلْزم من يَقُول: يتَكَلَّم إِذا شَاءَ، ثمَّ الْحَادِث [التَّعَلُّق] ،
وَالْحكم مُتَعَلق بِفعل العَبْد لَا صفته، كالقول بمعدوم، وَالْفِعْل يعرف الحكم، كالعالم للصانع، وَلِهَذَا سمي عَالما. قَالَه ابْن مُفْلِح وَغَيره.
قَوْله: {وَقَالَ الرَّازِيّ: أَو [الْوَضع] } .
لما لم يكن الْحَد جَامعا لخُرُوج مَا خرج بخطاب الْوَضع، نَحْو: كَون الشَّيْء دَلِيلا على شَيْء، كزوال الشَّمْس على وجوب الصَّلَاة، أَو سَببا: كَالزِّنَا لوُجُوب الْحَد، أَو شرطا: كَالْوضُوءِ لصِحَّة الصَّلَاة، أَو مَانِعا: كالنجاسة لإفساد الصَّلَاة، أَو البيع لكَونه صَحِيحا أَو فَاسِدا وَنَحْوه، زيد:(أَو الْوَضع) ؛ لكَونه حكما شَرْعِيًّا لِأَنَّهُ لَا يعلم إِلَّا بِوَضْع الشَّرْع، فَكَأَن الشَّارِع أنشأه، وعَلى هَذَا لَا يَسْتَقِيم تَعْرِيف الحكم حَتَّى يُزَاد فِيهِ:(أَو الْوَضع)، وَإِلَيْهِ أَشَارَ ابْن الْحَاجِب بقوله:(فزيد " أَو الْوَضع " فاستقام) .
فَرَأى الْفَخر الرَّازِيّ إِدْخَاله فِي خطاب التَّكْلِيف لِأَن معنى كَون الشَّيْء شرطا: حُرْمَة الْمَشْرُوط بِدُونِ شَرط، نَقله ابْن الْعِرَاقِيّ فِي " شرح جمع الْجَوَامِع " عَنهُ.
قَالَ الكوراني: (أَحْكَام الْوَضع رَاجِعَة إِلَى التَّكْلِيف، فالتكليفي قِسْمَانِ: صَرِيح، وضمني، فأحكام الْوَضع من قبيل الضمني، إِذْ معنى سَبَبِيَّة الدلوك: وجوب / الصَّلَاة عِنْد الدلوك) انْتهى.
وَلذَلِك قيل: (هُوَ دَاخل تَحت الِاقْتِضَاء والتخيير، فَلَا معنى لكَون الدلوك سَببا، إِلَّا وجوب الصَّلَاة، وَلَا لكَون الطَّهَارَة شرطا، إِلَّا إِبَاحَة الْإِقْدَام عِنْد وجودهَا، وَلَا [لصِحَّة] البيع، إِلَّا إِبَاحَة الِانْتِفَاع، وَنَحْو ذَلِك.
فَهُوَ دَاخل بالاستلزام، بِاعْتِبَار الْمَعْنى الْمَقْصُود مِنْهُ، لَا أَنه مِنْهُمَا حَقِيقَة وَلَيْسَ تَحت هَذَا الِاخْتِلَاف كَبِير فَائِدَة.
وعَلى كل حَال، خطاب الْوَضع يتَعَلَّق بِفعل الْمُكَلف، وَفعل غير الْمُكَلف، وَلِهَذَا تجب الزَّكَاة فِي مَال الصَّغِير وَالْمَجْنُون، وَلَا يكون إِلَّا إِخْبَارًا، وخطاب التَّكْلِيف لَا يتَعَلَّق إِلَّا بِفعل الْمُكَلّفين، وَلَا يكون إِلَّا إنْشَاء) .
{وَقَالَ الْآمِدِيّ: خطابه بفائدة شَرْعِيَّة تخْتَص بِهِ، أَي: لَا [تفهم] إِلَّا مِنْهُ} .
لِأَنَّهُ إنْشَاء لَا خَارج لَهُ يفهم مِنْهُ، ليخرج مثل:{غلبت الرّوم} [الرّوم: 2] ، لجَوَاز فهمه من خَارج، قَالَه ابْن حمدَان، وَهُوَ دور وتعريف بالأخفى.
قَالَ الْعَضُد: (قَالَ الْآمِدِيّ: " الحكم: خطاب الشَّارِع بفائدة شَرْعِيَّة "، فَخرج خطابه بغَيْرهَا، كالإخبار بالمحسوسات والمعقولات.
قَالَ فِي " الْمُنْتَهى ": (إِن فسر أَي: الْفَائِدَة الشَّرْعِيَّة بمتعلق الحكم فدور، وَإِن سلم فَلَا دَلِيل عَلَيْهِ أَي: فِي اللَّفْظ وَإِلَّا ورد على [طرده] الْإِخْبَار بِمَا لَا يُحْصى من المغيبات، فزيد: " تخْتَص بِهِ "، أَي: لَا تحصل إِلَّا بالاطلاع عَلَيْهِ، وَلَا دور، لِأَن حُصُول الشَّيْء غير تصَوره، وَهَذَا حكم إنشائي، إِذْ لَيْسَ لَهُ خارجي) .
وَاعْلَم أَن لَهُ أَن يُفَسِّرهَا بتحصيل مَا حُصُولهَا بِالشَّرْعِ دون مَا هُوَ حَاصِل، ورد الشَّرْع بِهِ أم لَا، لكنه يعلم بِالشَّرْعِ، وَحِينَئِذٍ يكون كَمَا قَالَ) انْتهى. { [وَقيل] } : الحكم {تعلق الْخطاب بالأفعال} .
قَالَ بعض الْأَصْحَاب: يلْزمه: أَنه عدمي، لِأَن التَّعَلُّق أَمر عدمي.
قَوْله: {وَالْخطاب: قَول يفهم مِنْهُ من سَمعه شَيْئا مُفِيدا} مُطلقًا.
فَالْقَوْل؛ احْتَرز بِهِ عَن الإشارات والحركات المفهمة.
وَخرج بِقَيْد (الْفَهم) : من لَا يفهم كالصغير وَالْمَجْنُون، إِذْ لَا يتَوَجَّه إِلَيْهِ خطاب.
وَقَوله: (من سَمعه) ، ليعم المواجهة بِالْخِطَابِ وَغَيره، وليخرج النَّائِم والمغمى عَلَيْهِ وَنَحْوهمَا. / وَخرج بقوله:(مُفِيدا) : المهمل.
وَقَوله: (مُطلقًا) ، ليعم حَالَة قصد إفهام السَّامع وَعدمهَا.
{وَقيل} : لابد { [من] قصد إفهامه} ، فَحَيْثُ لم يقْصد إفهامه لَا يُسمى خطابا. {زَاد بَعضهم: من متهيئ للفهم} .
قَالَ الكوراني: (الْخطاب: تَوْجِيه الْكَلَام نَحْو الْغَيْر للإفهام، أَو للْغَيْر المتهيء للفهم، عبارتان) .
قَوْله: {وَيخرج [على ذَلِك] : هَل يُسمى الْكَلَام فِي الْأَزَل خطابا؟} .
قَالَ ابْن مُفْلِح فِي " أُصُوله " لما حكى الْخلاف الْمُتَقَدّم -: (يخرج على ذَلِك: هَل يُسمى الْكَلَام فِي الْأَزَل خطابا؟
وَلقَائِل أَن يَقُول: إِنَّمَا يَصح هَذَا على قدر الْكَلَام الَّذِي هُوَ القَوْل) انْتهى.
قلت: وَهَذَا الَّذِي قَالَه يتَوَجَّه.
فَالَّذِي ذهب إِلَيْهِ { [الأشعريٍ] ، والقشيري} : أَنه {يُسمى} فِي الْأَزَل طاباً.
{و} الَّذِي ذهب إِلَيْهِ القَاضِي أَبُو بكر {الباقلاني، والآمدي} : أَنه {لَا} يُسمى خطابا، لعدم الْمُخَاطب حِينَئِذٍ، بِخِلَاف تَسْمِيَته فِي الْأَزَل أمرا ونهياً وَنَحْوهمَا، لِأَن مثله يقوم بِذَات الْمُتَكَلّم بِدُونِ من يتَعَلَّق بِهِ، كَمَا يُقَال فِي الْوَصِيّ: أَمر فِي وَصيته وَنهى، وَلَا يُقَال: خَاطب.
وَهَذَا جَار على رَأْي الأشعرية فِي الْكَلَام على مَا يَأْتِي تحريره.
وعَلى هَذَا التَّعْلِيل يَنْبَغِي التَّعْبِير بالْكلَام لَا بِالْخِطَابِ.
قَالَ الْبرمَاوِيّ: (وَذهب عبد الله بن سعيد والقلانسي من أَصْحَابنَا إِلَى أَنه لَا يُسمى فِي الْأَزَل أمرا وَلَا نهيا وَلَا خَبرا حَتَّى يُوجد الْمَأْمُور والمنهي والمخبر) انْتهى.
قَالَ الكوراني فِي أصل الْمَسْأَلَة -: (اخْتلف فِي أَن الْكَلَام فِي الْأَزَل، أَي: الْمَعْنى الْقَدِيم الْقَائِم بِذَاتِهِ، هَل يُسمى خطابا أم لَا؟ وَهَذَا بحث لَفْظِي، إِذْ هُوَ مَبْنِيّ على تَفْسِير الْخطاب، فَمن فسر الْخطاب بتوجيه الْكَلَام نَحْو الْغَيْر للإفهام، يُسَمِّيه خطابا، وَمن فسره بالْكلَام الموجه نَحْو المتهيئ للإفهام فَلَا، لِأَن حَاصِل الْمَعْنى الأول: أَنه الَّذِي شَأْنه أَن يفهم فِي الْجُمْلَة، وَحَاصِل الثَّانِي: أَنه الَّذِي أفهم بِالْفِعْلِ، إِذْ اسْم الْفَاعِل حَقِيقَة فِي الْحَال، [فَيلْزم] أَن يكون فِي الْأَزَل مفهماً بِالْفِعْلِ، وَهِي محَال) انْتهى.
وَهُوَ الْوُجُوب وَالْحُرْمَة والحل، الَّذِي هُوَ مُوجب الْإِيجَاب وَالتَّحْرِيم والإحلال وَمُقْتَضَاهُ. /
فَالْحكم صفة ثَابِتَة للْفِعْل، وَالشَّرْع كشفه، كَمَا يَقُولُونَ فِي الحكم الْعقلِيّ: إِن الْعقل كشفه، فَعرف مَا هُوَ حسن فِي نَفسه وقبيح فِي نَفسه.
فوصف الْأَعْيَان بِأَنَّهَا رِجْس، وَإِن كَانَ فِيهَا وصف قبح قبل التَّحْرِيم، فَالَّذِي اتّصف بِهِ بِالتَّحْرِيمِ لم يكن ثَابتا قبل ذَلِك) انْتهى. وَالله أعلم.
{و} قَالَ ابْن حمدَان {فِي " الْمقنع ": ( [و] اسْتِصْحَاب بَرَاءَة الذِّمَّة [حكم شَرْعِي بِلَا خطاب] ، و [كَذَا] الْعرف وَالْعَادَة) } انْتهى.
قلت: بل هُوَ حكم شَرْعِي مَأْخُوذ من خطاب الشَّرْع، إِذْ لَوْلَا خطاب الشَّرْع مَا عرفنَا ذَلِك، وَلَا اهتدينا إِلَيْهِ، وَلَا حكمنَا بِهِ.
قَوْله: {ثمَّ الْخطاب
…
إِلَى آخِره} .