الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
متحدان ذاتاً، فبينهما عُمُوم وخصوص مُطلق، فَكل متحدين مفهوماً متحدان ذاتاً وَلَا عكس لغوياً.
إِذا علم ذَلِك؛ فَالصَّحِيح عِنْد أَصْحَابنَا، وَالشَّافِعِيَّة، وَالْأَكْثَر: أَنَّهُمَا مُتَرَادِفَانِ، لقَوْله تَعَالَى:{فَمن فرض فِيهِنَّ الْحَج} [الْبَقَرَة: 197]، أَي: أوجبه، وَالْأَصْل تنَاوله حَقِيقَة وَعدم غَيره، نفيا للمجاز والاشتراك.
فِي " الصَّحِيحَيْنِ " أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ -
قَالَ: " يَقُول الله تَعَالَى: مَا تقرب إِلَيّ عَبدِي بِمثل أَدَاء مَا افترضت عَلَيْهِ
".
وَإِطْلَاق الْأمة الْفَرْض على الْوَاجِب، وَأَيْضًا دخولهما تَحت الْحَد لِأَن كلا مِنْهُمَا يذم تَاركه، وَلِأَن التزايد لَا يتَحَقَّق فِي الْوَاجِب، لِأَن الاستدعاء لَا يقبل التزايد كجائز، ولازم، وصادق، وكاذب، فَلَا يُقَال: أصدق، وأكذب، وَأعلم، لِأَنَّهُ انتظمه حد وَاحِد وَهُوَ حَقِيقَة وَاحِدَة.
فَإِن قيل: اشتقاق الْفَرْض من التَّقْدِير، وَالْوُجُوب من السُّقُوط، فَاقْتضى تَأْكِيد الْفَرْض شرعا ليُوَافق مُقْتَضَاهُ لُغَة.
قيل: إِن روعي هَذَا ترجح الْوُجُوب، إِذْ السُّقُوط آكِد من التَّقْدِير، لَكِن نمْنَع أَن تفَاوت الطَّرِيق لُغَة يُوجب التَّأْكِيد شرعا.
{ [وَعَن أَحْمد] : الْفَرْض آكِد، [و][اخْتَارَهَا من أَصْحَابنَا] ابْن شاقلا، والحلواني، [وَحَكَاهُ ابْن عقيل عَن أَصْحَابنَا، وَهُوَ
مَذْهَب الْحَنَفِيَّة [و [ابْن] الباقلاني.
وللقاضي [من أَصْحَابنَا] : الْقَوْلَانِ} .
قَالَ أَصْحَاب هَذَا القَوْل: الْوُجُوب لُغَة: السُّقُوط، وَالْفَرْض: التَّأْثِير، والتأثير أخص من السُّقُوط كَمَا تقدم، فَوَجَبَ اخْتِصَاصه
- لقُوته حكما كَمَا اخْتصَّ لُغَة، حملا للمسميات الشَّرْعِيَّة على مقتضياتها اللُّغَوِيَّة، إِذا الأَصْل عدم التَّغْيِير.
قَالُوا: وَلِأَن مَا دَلِيله قَطْعِيّ يُنَاسِبه الْفَرْض، لِأَن التَّقْدِير قد علم أَن الشَّارِع قدره فيناسبه، والمظنون يُنَاسِبه الْوُجُوب لِأَنَّهُ السُّقُوط فَكَأَنَّهُ سَاقِط علينا، وَلم نعلم أَن الله تَعَالَى قدره علينا أم لَا؟
وَالْجَوَاب: أَن الْفَرْض الْمُقدر أَعم أَن يكون علما، وَالْوَاجِب السَّاقِط أَعم مِنْهُمَا، فَلم تظهر مناسبته.
بل قَالَ بعض الشَّافِعِيَّة: (لَو عكسوا الِاصْطِلَاح لَكَانَ أولى، لِأَن الْوُجُوب لَا يحْتَمل غَيره بِخِلَاف الْفَرْض) ، وَيُوَافِقهُ كَلَام ابْن عقيل الْمُتَقَدّم.
قَالَ الْآمِدِيّ وَمن تبعه: (وَالْمَسْأَلَة لفظية) ، وَهُوَ ظَاهر كَلَامه فِي " الرَّوْضَة "، وَأخذ مَعْنَاهُ الطوفي فَقَالَ: (النزاع لَفْظِي، إِذْ لَا نزاع فِي
انقسام الْوَاجِب إِلَى ظَنِّي وقطعي، فليسموا هم الْقطعِي مَا شاؤوا، إِذْ لَا حجر فِي الِاصْطِلَاح بعد فهم الْمَعْنى) .
قَوْله: { [فعلى الثَّانِي] } اخْتلفُوا.
أَي: على القَوْل بِأَن الْفَرْض آكِد.
فَروِيَ عَن أَحْمد وَهُوَ قَول الْحَنَفِيَّة: أَن {الْفَرْض مَا ثَبت بِدَلِيل قَطْعِيّ} ، وَالْوَاجِب مَا ثَبت بِدَلِيل ظَنِّي.
والانقسام إِلَى مَقْطُوع ومظنون لَا يقبل خلافًا، وَلِهَذَا قَالَ الْمُوفق فِي " الرَّوْضَة ":(لَا خلاف فِيهِ) .
ومثلت الْحَنَفِيَّة الْمَقْطُوع: كالصلوات الْخمس، وَصَوْم رَمَضَان، والمظنون: كالوتر، وَزَكَاة الْفطر.
{وَقيل} الْفَرْض: {مَا لَا يسْقط فِي عمد وَلَا سَهْو} كأركان الصَّلَاة،
وَالْحج، وَالْوَاجِب: مَا يسْقط بالسهو: كواجبات الصَّلَاة، وواجبات الْحَج تجبر بِدَم.
وَأما قَول أَصْحَاب الشَّافِعِي فِي بَاب الْحَج: (إِن الْوَاجِب مَا جبر بِدَم، والركن مَا لم يجْبر) ، فتفرقه بَين الْوَاجِب والركن، لَا بَين الْفَرْض وَالْوَاجِب. قَالَه الْبرمَاوِيّ.
قلت: فَكَانَ عِنْدهم: أَن الْفَرْض لَا يُسمى ركنا وَلَا عَكسه، وَأما أَصْحَابنَا فَإِنَّهُم سموا مَا لَا يسْقط فِي عمد وَلَا سَهْو فِي الصَّلَاة: ركنا، وَمَا يسْقط سَهوا وَاجِبا، وَفِي الْحَج، مَا يجْبر بِدَم: وَاجِبا، والركن: مَا لَا يَصح الْحَج إِلَّا بِهِ، وَسموا الرُّكْن فرضا أَيْضا.
{ [وَعَن أَحْمد: الْفَرْض] : مَا لزم بِالْقُرْآنِ} .
فَالْوَاجِب مَا لزم بِالسنةِ.
قَالَ الإِمَام أَحْمد فِي رِوَايَة الْأَثْرَم:.
(لَا أَقُول فرضا إِلَّا مَا كَانَ فِي كتاب الله) .
وَفِي رِوَايَة الْأَثْرَم: قيل لَهُ: (هَل يُقَال: بر الْوَالِدين فرض؟)، فَقَالَ:(لَا، وَلَكِن أَقُول وَاجِب مَا لم يكن مَعْصِيّة) .
قلت: وَلِهَذَا اخْتلفت الرِّوَايَة عَنهُ فِي الْمَضْمَضَة وَالِاسْتِنْشَاق، هَل يسميان فرضا أم لَا؟ على الرِّوَايَتَيْنِ عَن الإِمَام أَحْمد، بِنَاء على تنَاول الْقُرْآن لَهَا.
وَكَذَا الرِّوَايَتَانِ فِي زَكَاة الْفطر، فَقَالَ فِي رِوَايَة