الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عَلَيْهِم مَعَ وجود الْعذر، كَانَ فعله بعد زَوَاله قَضَاء لخُرُوج وَقت الْأَدَاء.
وَكَونه قَضَاء مَبْنِيّ على وُجُوبه عَلَيْهِم حَال الْعذر، وَلنَا فِي وُجُوبه عَلَيْهِم حَالَة الْعذر أَقْوَال، الصَّحِيح: الْوُجُوب، فَيكون قَضَاء بعد ذَلِك.
قَالَ ابْن برهَان: (هُوَ قَول الْفُقَهَاء قاطبة) .
وَلقَوْل عَائِشَة رضي الله عنها: كُنَّا نحيض على عهد رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ -
فنؤمر بِقَضَاء الصَّوْم " مُتَّفق عَلَيْهِ
.
{وَقيل} : يجب {على [الْمُسَافِر وَالْمَرِيض] } دون غَيرهم، فَيكون قَضَاء فِي حَقّهمَا، وَلَا يجب على حَائِض، فَيكون أَدَاء فِي حَقّهَا، وَالْفرق بَينهمَا: إِمْكَان الْفِعْل من الْمُسَافِر وَالْمَرِيض دون الْحَائِض شرعا.
{وَقيل} : يجب {على [الْمُسَافِر] [فَقَط] } ، فَلَا يجب على مَرِيض وحائض، وَلَعَلَّ الْفرق الْقُدْرَة على الْفِعْل من الْمُسَافِر، وَعَدَمه من الْمَرِيض قدرا، وَمن الْحَائِض شرعا.
{وَقيل: لَا يجب} على الْجَمِيع، { [وَحَكَاهُ] } القَاضِي، وَابْن عقيل {عَن الْحَنَفِيَّة} ، لِأَنَّهُ تَكْلِيف بالممتنع، بل يقضون لتقدم السَّبَب.
{وَعَن [الْأَشْعَرِيّ] ، وَأهل الْعرَاق: يلْزمه أحد الشَّهْرَيْنِ} ، يَعْنِي: رَمَضَان، وَالَّذِي يقْضِي فِيهِ، حَكَاهُ ابْن عقيل، والحلواني عَن الأشعرية، وَحَكَاهُ ابْن برهَان عَن أهل الْعرَاق، وَنَقله التَّاج السُّبْكِيّ عَن أبي الْمَعَالِي، وَنَقله ابْن الْعِرَاقِيّ عَن القَاضِي أبي بكر ابْن الباقلاني.
قَوْله: {وَهُوَ لَفْظِي فِي الْأَصَح} .
قطع جمَاعَة أَن الْخلاف لَفْظِي، مِنْهُم: أَبُو إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ فَقَالَ: (لَا فَائِدَة لَهُ، وَتَأْخِير الصَّوْم حَالَة الْعذر جَائِز بِلَا خلاف، وَالْقَضَاء [بعد زَوَاله] وَاجِب بِلَا خلاف.
وَحكى ابْن الرّفْعَة من أَصْحَاب الشَّافِعِي عَن بَعضهم:) أَن فَائِدَة الْخلاف تظهر فِيمَا إِذا قُلْنَا: إِنَّه يجب التَّعَرُّض للْأَدَاء وَالْقَضَاء فِي النِّيَّة) انْتهى.
وَقَالَ الزَّرْكَشِيّ فِي " شرح جمع الْجَوَامِع ": (فَائِدَته: فِي أَنه هَل وَجب بِأَمْر جَدِيد أَو بِالْأَمر الأول؟) .
وَقَالَ ابْن الْعِرَاقِيّ: (وَقد تظهر فَائِدَته فِيمَا إِذا حَاضَت الْمَرْأَة بعد الطّواف، وَقبل أَن تصلي رَكْعَتَيْنِ، هَل تقضيهما؟
وَقد نقل النَّوَوِيّ فِي " شرح الْمُهَذّب " عَن ابْن الْقَاص والجرجاني:
أَنَّهَا تقضيهما وَأَن الشَّيْخ أَبَا عَليّ أنكرهُ، قَالَ:" وَهُوَ الصَّوَاب "، وَلكنه جزم فِي " شرح مُسلم " بمقالة ابْن الْقَاص والجرجاني، وَنَقله عَن الْأَصْحَاب) انْتهى.
قلت: قَالَ صَاحب " الْفُرُوع " من أَصْحَابنَا فِي أول بَاب الْحيض من " فروعه ": (يمْنَع الْحيض الصَّلَاة، وَلَا تقضيها إِجْمَاعًا، ثمَّ قَالَ: وَلَعَلَّ المُرَاد إِلَّا رَكْعَتي الطّواف؛ لِأَنَّهَا نسك لَا آخر لوقته، فيعايا بهَا) انْتهى.
وَقد رد عَلَيْهِ ابْن نصر الله، وَشَيخنَا البعلي فِي " حواشيهما ".
وَالَّذِي يظْهر أَن مُرَاده: أَنَّهَا طافت [وَهِي] حَائِض، فَإِذا طهرت هَل تقضيهما أم لَا؟ أَو أَنَّهَا طافت طَاهِرَة، ثمَّ بعد فراغها مِنْهُ حَاضَت، كَمَا قَالَه جمَاعَة الشَّافِعِيَّة، وَلَعَلَّه أَخذه من كَلَام النَّوَوِيّ فِي " شرح مُسلم "، فَإِنَّهُ كثيرا يَأْخُذ مِنْهُ ليخرج أحكاماً، فَيكون وجود سَبَب الصَّلَاة الطّواف وَهِي طَاهِرَة، وَلم تتمكن من فعلهمَا إِلَّا وَقد حَاضَت، فعلى هَذَا إِذا طهرت، هَل تقضيهما أم لَا؟ وَالله أعلم، وَعِنْده تقضيهما.
[قَوْله] : { [وَعبادَة صَغِير لَا تسمى قَضَاء] [إِجْمَاعًا، قَالَ ابْن حمدَان] : وَلَا أَدَاء} .
قَالَ ابْن حمدَان فِي " الْمقنع ": (مَا لم ينْعَقد سَبَب وُجُوبه فِي الْأَوْقَات الْمقدرَة، فَإِذا فعل خَارج الْوَقْت لَا يُسمى قَضَاء.
قَالَ الْمُؤلف: وَلَا أَدَاة كَظهر صبي) .
قَالَ الطوفي فِي " شَرحه ": (الْفِعْل الْمُقدر وقته إِن لم ينْعَقد سَبَب وُجُوبه لم يكن فعله بعد الْوَقْت قَضَاء إِجْمَاعًا) .
قَالَ الْبرمَاوِيّ فِي " شرح منظومته ": (إِذا لم ينْعَقد سَبَب الْأَمر لم يكن فعله بعد [انْقِضَاء] الْوَقْت قَضَاء إِجْمَاعًا، لَا حَقِيقَة، وَلَا مجَازًا، كَمَا لَو صلى الصَّبِي الصَّلَوَات الْفَائِتَة فِي حَالَة الصِّبَا، وَلَيْسَ الصَّبِي مَأْمُورا بذلك شرعا حَتَّى يقْضِي، فثواب الصَّبِي على عِبَادَته من خطاب الْوَضع) انْتهى.
وَفِي " فروع ابْن مُفْلِح ": (تصح الصَّلَاة من مُمَيّز نفلا، وَيُقَال لما فعله: صَلَاة كَذَا، وَفِي التَّعْلِيق: مجَاز) انْتهى.
تَنْبِيه: الْأَدَاء وَالْقَضَاء إِنَّمَا هُوَ للْفِعْل لَا الْمَفْعُول، كَمَا وَقع ذَلِك فِي عبارتنا، وَعبارَة " مُخْتَصر ابْن الْحَاجِب "، و " منهاج الْبَيْضَاوِيّ "، وَغَيرهمَا، وَإِنَّمَا الْمَفْعُول هُوَ الْمُؤَدى [والمقضي] ، وَقد فعل ذَلِك التَّاج السُّبْكِيّ فِي " جمع الْجَوَامِع " على الأَصْل، فَقَالَ:(الْأَدَاء وَالْقَضَاء الْفِعْل، والمؤدى والمقضي مَا فعل وَهُوَ الْمَفْعُول) .
قَالَ بعض الْمُحَقِّقين: (وَهُوَ تَحْقِيق لَا طائل تَحْتَهُ، [فَإِن] الْقَضَاء وَالْأَدَاء فِي عبارَة الْأُصُولِيِّينَ وَالْفُقَهَاء يُرَاد بِهِ الْمَفْعُول، من إِطْلَاق الْمصدر على الْمَفْعُول، واشتهر ذَلِك فِي استعمالهم حَتَّى صَار حَقِيقَة عرفية، وَأَيْضًا فالعبادة قبل إيقاعها لَيْسَ لَهَا وجود خارجي يَقع الْفِعْل عَلَيْهِ حَتَّى يكون مَفْعُولا حَقِيقَة، وَيَقَع الْفرق فِيهِ بَين الْفِعْل وَالْمَفْعُول.
فَحِينَئِذٍ إِيقَاع الْعِبَادَة ووقوعها وفعلها وذاتها كلهَا وَاحِد، يَصح وصف الْعِبَادَة بِالْأَدَاءِ وبالمؤداة، وبالقضاء والمقضية) . وَالله أعلم.
فَائِدَة: الْعِبَادَة قد تُوصَف بِالْأَدَاءِ وَالْقَضَاء: كالخمس، وَالصَّوْم، وَقد لَا تُوصَف بِهَذَا وَلَا بِهَذَا: كالنوافل الْمُطلقَة وَنَحْوهَا، وَقد تُوصَف بِالْأَدَاءِ وَحده: كَالْجُمُعَةِ، وَعدم الْقَضَاء فِيهَا للتوقيف أَو الْإِجْمَاع، [لَا] لامتناعه عقلا لَا شرعا.
قَوْله: {والإعادة: مَا فعل فِي وقته الْمُقدر ثَانِيًا، [زَاد] الْبَيْضَاوِيّ، وَابْن الْحَاجِب، والطوفي [وَجمع] : لخلل، وَبَعْضهمْ: لعذر، وَفِي مَذْهَب
مَالك: لَا تخْتَص بِالْوَقْتِ، [وَهُوَ ظَاهر]" الرَّوْضَة "} .
ظَاهر [الْعبارَة] الأولى وإطلاقها يَشْمَل: سَوَاء كَانَ الْخلَل فِي الأول، أَو لَا، لعذر، أَو لَا، فَيدْخل فِيهِ لَو صلى الصَّلَاة فِي وَقتهَا صَحِيحَة، ثمَّ أُقِيمَت الصَّلَاة وَهُوَ فِي الْمَسْجِد وصّى، فَإِن هَذِه الصَّلَاة تسمى معادة عِنْد الْأَصْحَاب، إِلَّا أَن يَقُول من يشْتَرط الْعذر: إِن قعوده فِي الْمَسْجِد عذر، وَهُوَ بعيد.
قَالَ الشَّيْخ الْمُوفق: (الْإِعَادَة: فعل الشَّيْء مرّة أُخْرَى) .
قَالَ الطوفي فِي " شَرحه " بعد حِكَايَة قَول الشَّيْخ -: (وَهَذَا أوفق للغة وَالْمذهب.
أما اللُّغَة: فَإِن الْعَرَب على ذَلِك تطلق الْإِعَادَة، يَقُولُونَ: أَعدَدْت الكرة، إِذا كرّ مرّة بعد أُخْرَى، وأعدنا الْحَرْب [جَذَعَة] ، وَرجع عوده على بدئه، أَي: عَاد رَاجعا كَمَا ذهب، وإعادة الله للْعَالم: إنشاؤه مرّة
ثَانِيَة، قَالَ الله تَعَالَى:{كَمَا بَدَأَكُمْ تعودُونَ} [الْأَعْرَاف: 29]، {كَمَا بدأنا أول خلق نعيده} [الْأَنْبِيَاء: 104] ، {وَهُوَ الَّذِي يبدؤا الْخلق ثمَّ يُعِيدهُ} [الرّوم: 27] ، وَلَيْسَ فِي ذَلِك كُله تعرض لوُقُوع الْخلَل فِي الْفِعْل الأول.
وَأما الْمَذْهَب: فَإِن أَصْحَابنَا وَغَيرهم قَالُوا: من صلى ثمَّ حضر جمَاعَة سنّ لَهُ أَن يُعِيد مَعَهم، سَوَاء صلى الأولى مُنْفَردا أَو فِي جمَاعَة، فقد أثبتوا الْإِعَادَة مَعَ عدم الْخلَل فِي الأولى) انْتهى.
وَهَذَا هُوَ الصَّحِيح.
وَقَالَ الْبَيْضَاوِيّ، وَابْن الْحَاجِب، والطوفي فِي " مُخْتَصره "،
وَجمع: (لخلل فِي الأول) ، فخصوا الْإِعَادَة بذلك.
وَقَالَ جمَاعَة من الْعلمَاء: (لعذر) ، فَهُوَ أخص من الَّذِي قبله.
قَالَ ابْن مُفْلِح فِي " أُصُوله ": (مَا فعل فِي وقته الْمُقدر مرّة أُخْرَى، زَاد بَعضهم: لخلل، وَبَعْضهمْ: لعذر) انْتهى.
وَفِي مَذْهَب مَالك: لَا تخْتَص الْإِعَادَة بِالْوَقْتِ، بل هِيَ فِي الْوَقْت لاستدراك المندوبات، وَبعد الْوَقْت لاستدراك الْوَاجِبَات.
وَتقدم كَلَام الشَّيْخ موفق الدّين: أَن الْإِعَادَة فعل الشَّيْء مرّة بعد أُخْرَى، وَظَاهره: وَلَو كَانَ خَارج الْوَقْت.