الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لما فَرغْنَا من ذكر مَا يستمد مِنْهُ من اللُّغَة، شرعنا فِي ذكر مَا يستمد مِنْهُ من الْأَحْكَام.
إِذْ لَا بُد من حَاكم، وَحكم، ومحكوم فِيهِ، ومحكوم عَلَيْهِ، وَالْكَلَام الْآن فِي الحكم. فالحسن والقبح يُطلق لثلاث اعتبارات:
أَحدهَا: مَا يلائم الطَّبْع وينافره، كَقَوْلِنَا: إنقاذ الغريق حسن، واتهام البريء قَبِيح، وَالصَّوْت الطّيب حسن بِهَذَا الْمَعْنى، وَالصَّوْت الكريه قَبِيح.
الثَّانِي: صفة الْكَمَال والمقص، كَقَوْلِنَا: الْعلم حسن، وَالْجهل قَبِيح.
[فالحسن والقبح] بِهَذَيْنِ الاعتبارين عقليان بِلَا نزاع، أَي: أَن الْعقل يسْتَقلّ بإدراكهما من غير توقف على الشَّرْع.
الثَّالِث: بِمَعْنى: الْمَدْح وَالثَّوَاب، والذم وَالْعِقَاب، شَرْعِي، فَلَا حَاكم إِلَّا الله، فالعقل لَا يحسن وَلَا يقبح، وَلَا يُوجب وَلَا يحرم، عِنْد الإِمَام أَحْمد، وَأكْثر أَصْحَابه، والأشعرية، وَبَعض الْجَهْمِية.
قَالَ أَبُو الْخطاب وَابْن عقيل: (هُوَ مَذْهَب أَكثر أَصْحَابنَا) .
زَاد ابْن عقيل: (هُوَ مَذْهَب أَحْمد، وَأهل السّنة، وَالْفُقَهَاء، وَالْقَاضِي
أبي يعلى، وَتعلق بقول أَحْمد:(لَيْسَ فِي السّنة قِيَاس، وَلَا تضرب لَهَا أَمْثَال، وَلَا تدْرك بِالْعقلِ، وَإِنَّمَا هُوَ الِاتِّبَاع) ورده أَبُو الْخطاب.
قَالَ الْآمِدِيّ: (وَهُوَ قَول أَكثر الْعُقَلَاء وَأَن عِنْدهم يطلقان بِاعْتِبَار مُوَافقَة الْغَرَض ومخالفته، وَبِاعْتِبَار أَمر الشَّارِع بالثناء على فَاعله فَيعم الْوَاجِب وَالْمَنْدُوب، أَو ذمه فَيخْتَص الْحَرَام. وَبِاعْتِبَار مَا لفَاعِله مَعَ الْعلم وَالْقُدْرَة فعله بِمَعْنى نفي الْحَرج، فَيعم الْمُبَاح زَاد بَعضهم: وَالْمَكْرُوه والقبيح مَا قابله.
وَهَذِه الاعتبارات إضافية لَا ذاتية، لاختلافها باخْتلَاف الْأَغْرَاض، وَأمر الشَّارِع، وأحوال الفاعلين.
أما فعل الله تَعَالَى فَحسن بعد الشَّرْع بِالِاعْتِبَارِ الثَّانِي وَالثَّالِث، وَقَبله بالثالث.
وَفعل الْعَاقِل قبل الشَّرْع حسن بِالْأولِ / وَالثَّالِث وَبعده بِالْجَمِيعِ) .
وَفعل الله تَعَالَى الِاعْتِبَار الأول، هِيَ مَسْأَلَة: فعله وَأمره لعِلَّة أَو حِكْمَة، أَولهمَا، على مَا يَأْتِي قَرِيبا.
وَقَالَ أَبُو الْحسن التَّمِيمِي من أَصْحَابنَا -، وَالشَّيْخ تَقِيّ الدّين، وَابْن الْقيم:(الْعقل يحسن ويقبح، وَيُوجب وَيحرم) .
وَقَالَهُ أَبُو الْخطاب، وَقَالَ:(هُوَ قَول عَامَّة الْعلمَاء من الْفُقَهَاء والمتكلمين وَعَامة الفلاسفة) ، وَقَالَهُ الْحَنَفِيَّة.
[وللمالكية] ، وَالشَّافِعِيَّة، وَأهل الحَدِيث، قَولَانِ وَنَصره [أَبُو إِسْحَاق السجْزِي] وَأَبُو الْقَاسِم.
الزنجاني وَقَالَ: الأول أحدثه الْأَشْعَرِيّ.
وقالته أَيْضا الْمُعْتَزلَة، والكرامية، والرافضة أَيْضا -.
قَالَ ابْن قَاضِي الْجَبَل: (وَقَالَ شَيخنَا يَعْنِي بِهِ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين وَغَيره: الْحسن والقبح ثابتان، والإيجاب وَالتَّحْرِيم بِالْخِطَابِ، والتعذيب مُتَوَقف على الْإِرْسَال، ورد الْحسن والقبح الشرعيين إِلَى الملائمة والمنافرة، لِأَن الْحسن الشَّرْعِيّ تضمن الْمَدْح وَالثَّوَاب الملائمين، والقبح الشَّرْعِيّ تضمن الذَّم وَالْعِقَاب المنافرين.
وَاخْتَارَ ابْن الْخَطِيب فِي آخر كتبه: أَن الْحسن والقبح العقليين ثابتان فِي أَفعَال الْعباد) انْتهى.
قَالَ قدماء الْمُعْتَزلَة: بِغَيْر صفة فِي الْفِعْل بل لذاته.
فَقَالُوا: الْعقل هُوَ المحسن والمقبح والموجب وَالْمحرم لذوات الْأَفْعَال، فَلَيْسَ فِي الْفِعْل صفة تَقْتَضِي حسنه أَو قبحه، بل الْفِعْل يَقْتَضِي لذاته أَحدهمَا.
وَقَالَ بعض الْمُتَأَخِّرين مِنْهُم: إِن حسن الْفِعْل وقبحه لأجل صفة زَائِدَة على الْفِعْل لَازمه لَهُ، تَقْتَضِي تِلْكَ الصّفة اللَّازِمَة حسن الْفِعْل أَو قبحه، مثل: الزِّنَا قَبِيح، لِأَنَّهُ مُشْتَمل على مفْسدَة، لاختلاط النّسَب، المفضي إِلَى ترك تعهد الْأَوْلَاد.
وَالصَّوْم حسن، لِأَنَّهُ يكسر الشَّهْوَة الباعثة على الْمفْسدَة.
وَقَالَ بَعضهم: إِن الْفِعْل الْقَبِيح متصف بِصفة توجب قبحه، دون الْفِعْل الْحسن، فَإِنَّهُ لذاته يَقْتَضِي الْحسن، لِأَن الْفِعْل إِن كَانَ فِيهِ مَا يكون مُؤديا إِلَى الْمفْسدَة يكون قبيحاً، وَإِلَّا فحسناً.
وَقَالَت الجبائية: يحصلان فيهمَا بِصفة عارضة توجبهما، لَكِن الصّفة لَيست حَقِيقَة، يل فِي وُجُوه واعتبارات، فَإِن كَانَت بِالْقِيَاسِ إِلَى شَيْء آخر، فَهِيَ اعْتِبَار لملاحظة الْعقل الْمحل المجاوز عَنهُ إِلَى غَيره، وَإِلَّا فَهُوَ وَجه، تَشْبِيها بِوَجْه الْإِنْسَان لامتيازه بِهِ.
كَالْقَتْلِ قَبِيح بِاعْتِبَار أَنه وَاقع لَا عَن سَبَب سَابق، وَلَا عوض لَاحق، وَيحسن بِاعْتِبَار سبق سَببه كَالْقصاصِ، أَو عوض لَاحق كَالشَّهَادَةِ.
قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين: (لم يقل أحد إِن الْحسن والقبيح لَازم لذات الْفِعْل كَمَا تظن طَائِفَة نقلت قَوْلهم) .
وَقَالَ: - أَيْضا -: (كَون الْفِعْل سَببا للثَّواب وَالْعِقَاب مِمَّا يلائم الْفَاعِل وينافره، وكل ملائمة ومنافرة للْإنْسَان إِنَّمَا تعود إِلَى الملائمة الطبيعية والمنافرة الطبيعية، لَكِن قد يكون الْفِعْل ملائماً من وَجه، منافراً من وَجه، وعقله يَأْمُرهُ بأنفعهما لَهُ، فَمن ادّعى حسنا أَو قبحاً عقلياً أَو شَرْعِيًّا بِغَيْر ملاءمة ومنافرة فقد قَالَ مَا لَا يعرف، وَلم يتَصَوَّر مَا يَقُول، وَلَا دَلِيل لمن نَفَاهُ، كَمَا لَا دَلِيل لمن أثْبته بِغَيْر ملاءمة الْفَاعِل ومنافرته) انْتهى.
قَالَ ابْن قَاضِي الْجَبَل: (لَيْسَ مُرَاد الْمُعْتَزلَة بِأَن الْأَحْكَام عقلية: أَن الْأَوْصَاف مُسْتَقلَّة بِالْأَحْكَامِ، [وَلَا أَن] الْعقل هُوَ الْمُوجب أَو الْمحرم، بل مَعْنَاهُ عِنْدهم: أَن الْعقل أدْرك أَن الله تَعَالَى بِحِكْمَتِهِ الْبَالِغَة كلف بترك الْمَفَاسِد وَتَحْصِيل الْمصَالح، فالعقل أدْرك الْإِيجَاب وَالتَّحْرِيم، لَا أَنه أوجب وَحرم، فالنزاع مَعَهم فِي أَن الْعقل أدْرك ذَلِك أم لَا؟
فخصومهم تَقول: ذَلِك جَائِز على الله، وَلَا يلْزم من الْجَوَاز الْوُقُوع.
وهم يَقُولُونَ: بل هَذَا عِنْد الْعقل من قبل الْوَاجِبَات، فَكَمَا يُوجب الْعقل أَنه يجب أَن يكون الله عليماً قَدِيرًا متصفاً بِصِفَات الْكَمَال، كَذَلِك أدْرك وجوب مُرَاعَاة الله تَعَالَى للْمصَالح والمفاسد.
فَهَذَا مَحل النزاع، وَبَعْضهمْ لَا يفهم عَنْهُم إِلَّا أَن الْعقل هُوَ الْمُوجب) انْتهى.
وَقَالَ أَيْضا -: (إِذا أَمر الله بِفعل فَهُوَ حسن بالِاتِّفَاقِ، وَإِذا نهى عَن فعل فقبيح بالِاتِّفَاقِ، لَكِن حسنه وقبحه إِمَّا أَن ينشأ عَن نفس الْفِعْل وَالْأَمر وَالنَّهْي كَمَا يُقَال، أَو ينشأ عَن تعلق الْأَمر وَالنَّهْي، أَو من الْمَجْمُوع.
فَالْأول قَول الْمُعْتَزلَة، وَلِهَذَا لَا يجوزون نسخ الْعِبَادَة قبل دُخُول وَقتهَا.
وَالثَّانِي: قَول الْأَشْعَرِيّ وَمن وَافقه من الطوائف.
وَالثَّالِث: أَن ذَلِك قد ينشأ عَن الْأَمريْنِ، فَتَارَة يَأْمر بِالْفِعْلِ لحكمة تنشأ من نفس الْأَمر دون الْمَأْمُور بِهِ، وَهَذَا الَّذِي يجوز نسخه قبل التَّمَكُّن من الْفِعْل، كنسخ الصَّلَاة لَيْلَة الْمِعْرَاج إِلَى خمس، وكما نسخ أَمر إِبْرَاهِيم عليه السلام بِذبح وَلَده، وَتارَة لحكمة تنشأ من الْفِعْل نَفسه، وَتارَة لحكمة من الْفِعْل حصلت بِالْأَمر) انْتهى.
وَقَالَ أَيْضا هُوَ وَغَيره: (عِنْد الْمُعْتَزلَة: الْأَدِلَّة الشَّرْعِيَّة مُؤَكدَة لما علم بِالْعقلِ، وَعند غَيرهم: أَن السمعية منشأة للْحكم) انْتهى.
اسْتدلَّ لِلْقَوْلِ الأول: بقوله تَعَالَى: {وَمَا كُنَّا معذبين حَتَّى نبعث رَسُولا} [الْإِسْرَاء: 15]، وَقَوله تَعَالَى:{لِئَلَّا يكون للنَّاس على الله حجَّة بعد الرُّسُل} [النِّسَاء: 165] ، وَيلْزم من ترك الْوَاجِب وَفعل الْمحرم عدم الْأَمْن من الْعَذَاب، لعدم تحققهما دونه، وَاللَّازِم مُنْتَفٍ قبل الشَّرْع بِالْآيَةِ، فَلَا ملزوم، وَاعْتمد عَلَيْهِ الْآمِدِيّ وَغَيره.
وَاعْترض: بِأَن هَذَا فِيمَا طَرِيقه الشَّرْع لَا الْعقل، بِدَلِيل أدلتنا، قَالَه أَبُو الْخطاب، وَلَا يلْزم من الْوُجُوب وَالتَّحْرِيم اسْتِحْقَاق الْعَذَاب، كَمَا سبق من أَنه الطّلب الْجَازِم فَقَط، ثمَّ لَا يلْزم من اسْتِحْقَاق الْعَذَاب وُقُوعه، لجَوَاز الْعَفو، أَو لِأَن السّمع شَرط فِيهِ، وإرسال الرُّسُل أقطع للْعُذْر، ودلالتها مَفْهُوم.
رد: بِعُمُوم الْآيَة، وَتَأْتِي أدلتهم، وَاللَّازِم يلْزم الْمُعْتَزلَة على أصلهم، وَقَالَ بعض أَصْحَابنَا: (لَا يسْتَحق الْعَذَاب إِلَّا بإرسال الرُّسُل فيهم، وَهُوَ
شَرط حُصُوله، فالأمن مِنْهُ حَاصِل، وَلِأَنَّهُ لَا تَكْلِيف قبل الْبلُوغ كَمَا قيل) ، قَالَ ابْن مُفْلِح: وَفِيه نظر.
وَمنعه أَبُو الْخطاب والمعتزلة فِيمَا يُسْتَفَاد بِالْعقلِ إِن عقل الْحسن والقبح، وَأَنه لَو قبح الْكَذِب لذاته أَو صفة لَازِمَة اجْتمع النقيضان فِي صدق من قَالَ لأكذبن غَدا، [وَكَذَا] فِي كذبه، وَلما حسن إِذا تعين لمنع مَعْصُوم من قتل.
ورد هَذَا بِمَنْع تَعْيِينه، ثمَّ بِمَنْع حسنه.
وَقد أَطَالَ ابْن مُفْلِح فِي " أُصُوله "، وَغَيره، من كَلَام الْفَرِيقَيْنِ فِي الْأَدِلَّة والردود.
وَمن قَوَاعِد الْقَائِلين بِأَنَّهُ لَا حَاكم إِلَّا الله: أَن حسن الْفِعْل وقبحه ليسَا لذات الْفِعْل، وَلَا لأمر دَاخل فِي ذَاته، وَلَا لخارج لَازم لذاته، حَتَّى يحكم الْعقل بِحسن الْفِعْل أَو قبحه، بِنَاء على تحقق مَا بِهِ الْحسن والقبح.
وَالْحَنَفِيَّة وَإِن لم يجْعَلُوا الْعقل حَاكما صَرِيحًا، وَلَكِن قَالُوا حسن
بعض الْأَشْيَاء وقبحها لَا يتَوَقَّف على الشَّرْع، بِمَعْنى: أَن الْعقل يحكم فِي بعض الْأَشْيَاء بِأَنَّهَا منَاط للثَّواب وَالْعِقَاب، وَإِن لم يَأْتِ نَبِي وَلَا كتاب. وَبَعض تِلْكَ الْأَحْكَام بديهي، وَبَعضهَا كسبي.
هَذِه الْمَسْأَلَة نقلتها من " مسودة بني تَيْمِية "، [و] من " أصُول ابْن مُفْلِح " ملفقة، وَهِي من تَوَابِع الْمَسْأَلَة الَّتِي قبلهَا.
قَالَ ابْن مُفْلِح فِي " أُصُوله " لما ذكر بحوث الأشعرية فِي الْمَسْأَلَة الَّتِي
قبل هَذِه من الإيرادات والجوابات قَالَ: وَأما أَصْحَابنَا: فَقَالَ أَبُو الْحسن التَّمِيمِي: لَا يجوز أَن يرد الشَّرْع بِمَا يُخَالف حكم الْعقل إِلَّا بِشَرْط مَنْفَعَة تزيد فِي الْعقل على ذَلِك الحكم: كذبح الْحَيَوَان، والبط، والفصد) .
وَقَالَ أَيْضا -: (لَا يجوز أَن يرد بحظر مُوجبَات الْعقل: كشكر الْمُنعم، وَالْعدْل والإنصاف، وَأَدَاء الْأَمَانَة، وَنَحْوه، أَو إِبَاحَة محظوراته نَحْو: الظُّلم، وَالْكذب، وَكفر النِّعْمَة، وَالْجِنَايَة) .
قَالَ أَبُو الْخطاب فِي " التَّمْهِيد ": (وَإِلَى هَذَا ذهب عَامَّة أهل الْعلم من الْفُقَهَاء والمتكلمين وَعَامة الفلاسفة) .
قلت: وَحَكَاهُ الْآمِدِيّ عَن أهل الْكتاب.
وَقَالَ القَاضِي، والحلواني، وَغَيرهمَا:(مَا يعرف ببدائه الْعُقُول وضروراتها: كالتوحيد، وشكر الْمُنعم، وقبح الظُّلم، لَا يجوز أَن يرد الشَّرْع بِخِلَافِهِ، وَمَا يعرف بتوليد الْعقل استنباطاً واستدلالاً فَلَا يمْتَنع أَن يرد بِخِلَافِهِ) .
وَمَعْنَاهُ لأبي الْخطاب فَإِنَّهُ قَالَ: (مَا يثبت بِالْعقلِ يَنْقَسِم قسمَيْنِ: فَمَا كَانَ مِنْهُ وَاجِبا لعَينه: كشكر الْمُنعم، والإنصاف، وقبح الظُّلم، فَلَا يَصح أَن يرد الشَّرْع بِخِلَاف ذَلِك.
وَمَا كَانَ وَجب لعِلَّة أَو دَلِيل مثل: الْأَعْيَان المنتفع بهَا الَّتِي فِيهَا الْخلاف، فَيصح أَن يرْتَفع الدَّلِيل وَالْعلَّة، فيرتفع ذَلِك الحكم، وَهَذَا غير مُمْتَنع، كفروع الدّين كلهَا تثبت بأدلة، ثمَّ تنسخ الْأَدِلَّة فيرتفع الحكم) . وَقَالَ:(وَقد قيل: إِن الشَّرْع يرد بِمَا لَا يَقْتَضِيهِ الْعقل، إِذا كَانَ الْعقل لَا يحيله: كتكليف مَا لَا يُطَاق، وَأَن الله سُبْحَانَهُ يُرِيد جَمِيع أَفعَال الْعباد حسنها وقبيحها، ويعاقبهم على الْقَبِيح، وَغير ذَلِك) انْتهى.
قَالَ القَاضِي وَغَيره [فِيمَا] لَا يجوز أَن يرد الشَّرْع بِخِلَاف الْعقل: لَا يَقع فِيهِ الْخلاف الْآتِي فِي مَسْأَلَة الْأَعْيَان، بل هُوَ على صفة وَاحِدَة لَا تَتَغَيَّر: كمعرفة الله تَعَالَى، وَمَعْرِفَة وحدانيته، وَمَا لَا يجوز عَلَيْهِ الْإِبَاحَة: كالكفر بِاللَّه، وَجحد التَّوْحِيد، وَغَيره.
وطرد ابْن عقيل قَول الْوَقْف فِيهَا فِي الْجَمِيع، وأبطل قَول الْحَظْر وَالْإِبَاحَة قبل السّمع، بِاتِّفَاق الْعلمَاء أَنه لَا يجوز وُرُوده قبله إِلَّا بِمَا يُجِيزهُ
الْعقل لَا بِمَا يُخَالِفهُ، فَلَمَّا ورد بِإِبَاحَة بَعْضهَا، وحظر بَعْضهَا، علم بُطْلَانه، والواقف المنتظر للشَّرْع لَا يلْزمه شَيْء، وَهُوَ يَأْتِي بالعجائب مِمَّا لَا يَهْتَدِي إِلَيْهِ عقل: كإباحة كلمة الْكفْر للإكراه، وَوُجُوب الثَّبَات للْمَوْت فِي صف الْمُشْركين لإعلاء كلمة التَّوْحِيد.