الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين: (وَهَذَا اخْتِيَار أبي مُحَمَّد أَيْضا -، لَكِن أَبُو مُحَمَّد يفسره بِنَفْي الحكم، وبعدم الْحَرج كاختيار الْجد، وَفَسرهُ ابْن برهَان: " بِأَنَّهُ عندنَا لَا يُوصف بحظر وَلَا إِبَاحَة وَلَا وجوب، بل هِيَ كأفعال الْبَهَائِم "، وَكَذَلِكَ قَالَ أَبُو الطّيب: " لَا يُقَال إِنَّهَا مُبَاحَة أَو محظورة إِلَّا بورود الشَّرْع ") .
قَالَ ابْن حمدَان فِي " نِهَايَة المبتدئين ": (وَلَا حكم لفعل فِي عين قبل وُرُود الشَّرْع) .
وَفِي الْمَسْأَلَة قَول رَابِع: أَن لَهَا حكما وَلَكِن لَا نعلمهُ، اخْتَارَهُ ابْن حمدَان فِي " مقنعه "، فَقَالَ: (قَالَ الشَّيْخ [أَبُو] مُحَمَّد الْمَقْدِسِي فِي " الرَّوْضَة ": " الْوَقْف هُوَ الْأَلْيَق بِالْمذهبِ "، فَيحْتَمل قَوْله: أَنه لَا حكم لَهَا، وَيحْتَمل: أَن لَهَا حكما لَا نعلمهُ، قَالَ: وَهُوَ رَاجِح، وَحكم رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ -
من الله تَعَالَى، لِأَنَّهُ وَحي، وَتَقْرِير لَهُ فِيمَا اجْتهد بِهِ) انْتهى.
وَقَالَ ابْن عقيل أَيْضا -: (الْأَلْيَق بمذهبه أَن يُقَال: لَا نَدْرِي مَا الحكم)
.
وَهَذَا قَول الْأَشْعَرِيّ فِيمَا حَكَاهُ عَنهُ الْبَيْضَاوِيّ، قَالَ:(لِأَن الحكم عِنْده قديم) ، فتفسير الْوَقْف بِعَدَمِ الحكم، يلْزم مِنْهُ حُدُوث الحكم، وَهُوَ خلاف مذْهبه ،
وَكَذَا فسر فِي " الْمَحْصُول " مَذْهَب الْأَشْعَرِيّ فِي الْوَقْف بذلك، ورد.
فعلى الأول لَا إِثْم بالتناول: كَفعل الْبَهِيمَة، لَكِن لَا يُفْتى بِهِ فِي الْأَصَح، اخْتَارَهُ ابْن عقيل، وَابْن حمدَان.
قَالَ ابْن مُفْلِح فِي " أُصُوله ": (وَفِيه خلاف)، أَي: بالإفتاء.
قَوْله: {وَفرض ابْن عقيل الْمَسْأَلَة فِي الْأَفْعَال والأقوال قبل السّمع} .
وطرد ابْن عقيل خلاف الْوَقْف فِي كل الْأَشْيَاء حَتَّى فِي التَّثْنِيَة، والتثليث، وَالسُّجُود للصنم، وَصرف الْعِبَادَة وَالشُّكْر إِلَى غير الله تَعَالَى، الْوَاحِد الْقَدِيم الَّذِي قد عرف وحدته وَقدمه.
قَالَ: (وَيجب القَوْل باستصحاب الْحَال الْعقلِيّ، مثل أَن يدل الدَّلِيل الْعقلِيّ على أَن الْأَشْيَاء على الْحَظْر أَو على الْإِبَاحَة، قبل وُرُود الشَّرْع بذلك، فنستصحب هَذَا الأَصْل حَتَّى يدل دَلِيل الشَّرْع على خِلَافه) انْتهى.
وَالصَّحِيح خلاف ذَلِك.
قَالَ القَاضِي فِي مَسْأَلَة الْأَعْيَان قبل الشَّرْع: (إِنَّمَا يتَصَوَّر هَذَا الِاخْتِلَاف فِي الْأَحْكَام الشرعيات، من تَحْرِيم الْخمر، وَإِبَاحَة لحم الْأَنْعَام، وَمَا أشبه ذَلِك، مِمَّا قد كَانَ يجوز حظره، وَتجوز إِبَاحَته، فَأَما مَا لَا يجوز فِيهِ الْحَظْر بِحَال: كمعرفة الله تَعَالَى، وَمَعْرِفَة وحدانيته، وَمَا لَا تجوز عَلَيْهِ الْإِبَاحَة: كالكفر بِاللَّه، وَجحد التَّوْحِيد، وَغَيره، فَلَا يَقع فِيهِ خلاف، بل هُوَ على صفة وَاحِدَة لَا تَتَغَيَّر وَلَا تنْقَلب، وَإِنَّمَا الِاخْتِلَاف فِيمَا ذكرنَا) انْتهى.
{وَعند الْمُعْتَزلَة: يُبَاح مَا يحْتَاج إِلَيْهِ} .
قسمت الْمُعْتَزلَة الْأَفْعَال غير الاضطرارية كالتنفس مثلا، وَالْحَرَكَة فِي الْجِهَات، فَإِنَّهُ غير مَمْنُوع مِنْهُ، مَعَ عدم نطق الشَّرْع بِهِ إِلَى مَا لَا يقْضِي الْعقل فِيهِ بِحسن وَلَا قبح، [لَا ضَرُورَة وَلَا نظرا] ، وَإِلَى مَا يقْضِي فِيهِ بأحدها ضَرُورَة أَو نظرا.
فَمَا يحْتَاج إِلَيْهِ يُبَاح، {وَمَا حكم الْعقل فِيهِ بِشَيْء} ، وينقسم إِلَى الْأَحْكَام الْخَمْسَة، بِحَسب تَرْجِيح فعله على تَركه، وَعَكسه، وذم فَاعله، وَعَدَمه، واستوائه.
وَمعنى ذَلِك لأبي الْحسن التَّمِيمِي من أَصْحَابنَا.
فَمَا قضى بحسنه إِن لم يتَرَجَّح فعله على تَركه فَهُوَ الْمُبَاح، وَإِن ترجح، فَإِن لحق الذَّم على تَركه فَهُوَ الْوَاجِب، وَإِلَّا فَهُوَ الْمَنْدُوب، وَمَا قضى بقبحه إِن قضى بالذم على فعله [فالحرام] ، وَإِلَّا فالمكروه.
وَمَا لم يحكم الْعقل فِيهِ بِشَيْء فَلهم فِيهِ ثَلَاثَة أَقْوَال:
أَحدهَا: الْحَظْر، وَالثَّانِي: الْإِبَاحَة، وَالثَّالِث: التَّوَقُّف.
فَيُقَال للحاظر مِنْهُم: لَو كَانَت محظورة، وفرضنا ضدين: كالحركة والسكون، لزم التَّكْلِيف بالمحال، وَأَنْتُم لَا تَقولُونَ بِهِ.
وَيُقَال للمبيح: إِن أردْت لَا حرج فِي هَذَا الْقسم من الْفِعْل، فَمُسلم، وَلَا يجديك نفعا، لِأَن انْتِفَاء الْحَرج، إِنَّمَا يتَصَوَّر بأمرين:
عدم الْحَاكِم بالحرج، وسلب الْحَاكِم الْحَرج عَن الْفِعْل، وَالْأول مُسلم، وَالثَّانِي مَمْنُوع اتِّفَاقًا، أما عندنَا فلعدم الشَّرْع، وَأما عنْدكُمْ: فلعدم حكم الْعقل فِي هَذَا الْقسم.
وَيُقَال للْوَاقِف: إِن توقفت فِي الحكم لعدم السّمع فَهُوَ مَذْهَب كثير منا، وَإِن توقفت لتعارض الْأَدِلَّة فَلَا تعَارض.
فَبَطل حكم الْعقل فِي هَذَا الْمَسْأَلَة وَالله تَعَالَى أعلم.
قَالَ ابْن التلمساني: (والقائلون بالحظر لَا يُرِيدُونَ بِاعْتِبَار صفة فِي الْمحل، بل حظر احتياطي، كَمَا يجب اجْتِنَاب الْمَنْكُوحَة إِذا اخْتلطت بأجنبية، والقائلون بِالْوَقْفِ أَرَادوا وقف حيرة) .
هَكَذَا حرر الْآمِدِيّ، وَابْن الْحَاجِب، مَوضِع الْخلاف، وَأطْلقهُ فِي " الْمَحْصُول ".
قَالَ الْقَرَافِيّ: (إِطْلَاقه الْخلاف يُنَافِي قواعدهم، إِذْ الْحَظْر يَقْتَضِي تَحْرِيم إنقاذ الغريق، وَالْإِبَاحَة تَقْتَضِي إِبَاحَة الْقَتْل، أما مَا لَا يطلع الْعقل على مفسدته أَو مصْلحَته فَيمكن أَن يَجِيء فِيهِ الْخلاف، وَحكى أَبُو الْحُسَيْن فِي " الْمُعْتَمد " عَنْهُم الْخلاف من غير تَقْيِيد، وَهُوَ أعلم بمذهبهم، فَرَجَعت إِلَى طَريقَة الرَّازِيّ) .
قَوْله: {تَنْبِيهَات: الأول: قَالَ الخرزي، وَجمع: لَا فَائِدَة لَهَا [- أَي: لهَذِهِ الْمَسْأَلَة -] لِأَنَّهُ لم يخل وَقت من شرع.
قَالَ القَاضِي: وَهُوَ ظَاهر كَلَام أَحْمد} .
لِأَنَّهُ أول مَا خلق آدم، قَالَ لَهُ:{اسكن أَنْت وزوجك الْجنَّة [فكلا] من حَيْثُ شئتما وَلَا تقربا هَذِه الشَّجَرَة} ، أَمرهمَا ونهاهما عقب خلقهما، فَكَذَلِك كل زمَان.
قَالَ الخرزي: (لم تخل الْأُمَم من حجَّة)، وَاحْتج بقوله تَعَالَى:{أيحسب الْإِنْسَان أَن يتْرك سدى} [الْقِيَامَة: 36] والسدى: الَّذِي لَا يُؤمر وَلَا ينْهَى، وَقَوله تَعَالَى:{وَلَقَد بعثنَا فِي كل أمة رَسُولا} [النَّحْل: 36]، وَقَوله تَعَالَى:{وَإِن من أمة إِلَّا خلا فِيهَا نَذِير} [فاطر: 24] .
قَالَ القَاضِي: (هَذَا ظَاهر رِوَايَة عبد الله فِيمَا خرجه فِي محبسه: " الْحَمد الله الَّذِي جعل فِي [كل] زمَان فَتْرَة من الرُّسُل بقايا من أهل الْعلم "، فَأخْبر أَن كل زمَان فِيهِ قوم من أهل الْعلم) .
{قَالَ [القَاضِي] : وتتصور [فائدتها] فِيمَن خلق ببرية [و] لم يعرف شرعا، وَعِنْده فواكه [وأطعمة، وَكَذَا قَالَ] . .
أَبُو الْخطاب.
وَقَالَ أَيْضا [أَبُو الْخطاب] : لَو قَدرنَا خلو شرع عَن [حكمهَا] ، مَا حكمهَا؟} .
[قَالَ القَاضِي] : (وتفيد فِي الْفِقْه أَن من حرم شَيْئا أَبُو أَو أَبَا [حه، فَقَالَ] : بقيت على حكم الْعقل، هَل يَصح ذَلِك؟ وَهل يلْزم خَصمه احتجاجه بذلك؟ وَهَذَا [مِمَّا يحْتَاج] إِلَيْهِ الْفَقِيه) .
وَكَذَا قَالَ فِي " التَّمْهِيد " و " الرَّوْضَة ": [إِن من] حرم شَيْئا أَو أَبَاحَهُ بَقِي] على حكم الأَصْل) .
وَكَذَا قَالَ ابْن عقيل: (من شَرط الْمُفْتى: معرفَة الأَصْل [الَّذِي يَنْبَنِي] عَلَيْهِ اسْتِصْحَاب الْحَال، ليتمسك بِهِ عِنْد عدم الْأَدِلَّة) .
قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين بعد كَلَام ابْن عقيل عَن كَلَام أَحْمد وَالْقَاضِي -: (فقد جعل ابْن عقيل مورد الْخلاف [الَّذِي ذكره القَاضِي فِيمَا سكت عَنهُ] السّمع بعد مَجِيئه، فَصَارَ فِي فائدتها ثَلَاثَة أَقْوَال: [أَحدهَا: عِنْد عدم السّمع، وَالثَّانِي] : بعد مَجِيء [السّمع، وَالثَّالِث] : يعمهما جَمِيعًا) . ذكره فِي [المسودة] .
وَقَالَ [ابْن مُفْلِح فِي]" أُصُوله ": (وَذكر [بعض أَصْحَابنَا]
فِي فائدتها أقوالا:
أَحدهَا: [قبل] السّمع، [وَبعده يُقَاس الْمَسْكُوت] على الْمَنْصُوص، قَالَه الخرزي وَغَيره.
وَالثَّانِي: بعده، قَالَه ابْن عقيل، [على عدم التحسين.
وَالثَّالِث] : يعمهما، قَالَه القَاضِي، وَغَيره) انْتهى. [وَالَّذِي صرح بِهِ الْبرمَاوِيّ عَن أَصْحَابهم] : (أَن مَحل الْأَقْوَال الثَّلَاثَة بعد [وُرُود الشَّرْع، فِي صُورَة لَا يُوجد فِيهَا حكم فِي الشَّرْع] .
أصلا) .
قَوْله: {الثَّانِي: قَالَ [الْحلْوانِي وَغَيره] : عرفنَا [الْإِبَاحَة والحظر بالإلهام] ، وَهُوَ مَا يُحَرك الْقلب بِعلم، ويطمئن بِهِ، [وَيَدْعُو إِلَى]
الْعَمَل بِهِ} .
بعض [الْعلمَاء قَالَ بِأَن] الْأَعْيَان المنتفع بهَا قبل الشَّرْع على الْحَظْر أَو الْإِبَاحَة، مَعَ القَوْل بِأَن الْعقل لَا يُوجب وَلَا يحرم وَلَا يحسن وَلَا يقبح، فِيمَا إِذا حكمنَا عَلَيْهَا بالحظر أَو الْإِبَاحَة [
…
] مِمَّا قَالَ ابْن قَاضِي الْجَبَل فِي " أُصُوله ": قَالَ بعض [الْعلمَاء: من لم يُوَافق الْمُعْتَزلَة فِي] التحسين والتقبيح، وَقَالَ بِالْإِبَاحَةِ أَو [الْحَظْر فقد نَاقض] .
وَقَالَ [غَيره: دلّت] الدَّلَائِل على حظره [فِيمَا سلف
…
] غَيره [.] .
{وَحكى القَاضِي [أَبُو يعلى][فِي الإلهام: هَل هُوَ] .
[طَرِيق شَرْعِي] ؟ [على قَوْلَيْنِ] } .
[وَقَالَ القَاضِي] أَبُو يعلى: (لَا يمْتَنع أَن نقُول قبل وُرُود الشَّرْع: إِن الْعقل يقبح أَو يحسن إِلَى أَن [ورد] الشَّرْع فَمنع ذَلِك؛ إِذْ لَيْسَ قبل وُرُود الشَّرْع مَا يمنعهُ) .
قَالَ: (وَقد قيل: علمناه من طَرِيق شَرْعِي، وَهُوَ إلهام من الله تَعَالَى لِعِبَادِهِ، بحظره وإباحته، كَمَا ألهم أَبَا بكر، وَعمر.
أَشْيَاء ورد الشَّرْع [بموافقتها] .
كَمَا ألهم أَبَا بكر أَن قَالَ: " فِي بطن أم عبد جَارِيَة ") .
وَكَذَلِكَ قَالَ الْحلْوانِي وَغَيره، وضعفها الشَّيْخ تَقِيّ الدّين على هَذَا الأَصْل.
وَحكى فِي " جمع الْجَوَامِع " أَن بعض الصُّوفِيَّة قَالَ بِهِ.
وَقَالَهُ ابْن السَّمْعَانِيّ نقلا عَن أبي زيد الدبوسي فَإِنَّهُ ذكره عقب ذكره إبِْطَال التَّقْلِيد فِي جملَة الِاسْتِدْلَال.
قَالَ الْبرمَاوِيّ: (وَكَانَ الْحَنَفِيَّة لما توسعوا فِي الِاسْتِحْسَان وحدوه
بِأَنَّهُ: دَلِيل ينقدح فِي نفس الْمُجْتَهد تقصر عَنهُ عِبَارَته، فَهُوَ قريب من معنى الإلهام، فاستطرد إِلَى ذكره.
وَلِهَذَا قَالَ أَبُو زيد: " الإلهام: مَا حرك الْقلب بِعلم يَدْعُوك إِلَى الْعَمَل بِهِ، من غير اسْتِدْلَال [بِآيَة] وَلَا نظر فِي حجَّة ".) .
وَقَالَ: (الَّذِي عَلَيْهِ جُمْهُور الْعلمَاء: أَنه خيال، لَا يجوز الْعَمَل بِهِ إِلَّا عِنْد فقد الْحجَج كلهَا، من بَاب مَا أُبِيح [عمله] بِغَيْر علم.
وَقَالَ بعض [الْجَهْمِية] : هُوَ حجَّة بِمَنْزِلَة الْوَحْي المسموع من رَسُول الله صلى الله عليه وسلم َ -، وَاحْتَجُّوا لَهُ بحجج مِنْهَا: قَوْله تَعَالَى: {وَنَفس وَمَا سواهَا فألهمها فجورها وتقواها} [الشَّمْس: 7 8]، أَي: عرفهَا بالإيقاع فِي الْقلب، وَقَوله تَعَالَى: (فَمن يرد الله أَن يهديه