الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
{ورد} بعض أَصْحَابنَا مَا قَالَ الْمجد، وَقد صرح القَاضِي وَابْن عقيل وَغَيرهمَا بِالْفرقِ لظَاهِر النَّص، وَالْكَفَّارَة هِيَ الدَّلِيل لوُجُوبهَا بِالْحِنْثِ، فَمَا أَدَّاهُ سبق وُجُوبه، كَذَا هُنَا.
وَقَالَ ابْن عقيل: (التَّعْمِيم يزِيل معنى توسعة التَّخْيِير فِي التَّكْفِير، وتوسعة قيام شخص مقَام آخر فِي الْكِفَايَة بِالْبَعْضِ، وَهنا لم تزل الرُّخْصَة، وَفِيه فَائِدَة هِيَ: تعلق المأثم بِالتّرْكِ فِي كل الْوَقْت لَا يخْتَص بالأخير) .
لنا على الْمَذْهَب الأول وَهُوَ الصَّحِيح قَول الله تَعَالَى: {أقِم الصَّلَوَات} الْآيَة، قيد بِجَمِيعِ وَقتهَا.
وَصلى صلى الله عليه وسلم َ -
أَوله وَآخره وَقَالَ: " الْوَقْت مَا بَينهمَا "، وَقَالَهُ لَهُ
جِبْرِيل - أَيْضا عليه السلام.
وَلِأَنَّهُ لَو تعين جُزْء لم يَصح قبله، وَبعده قَضَاء فيعصي، وَهُوَ خلاف الْإِجْمَاع كَمَا تقدم.
وَلِأَن وجوب الْعَزْم، والتخيير بَينه وَبَين الْفِعْل، وَتَعْيِين وَقت، تحكم لَا دَلِيل عَلَيْهِ.
وَمن دَلِيل المنكرين للموسع: أَنه لَو وَجب لم يجز تَأْخِيره، إِذْ التَّأْخِير
ترك، وَالْوَاجِب لَا يتْرك، كَمَا سبق نَظِيره فِي خِصَال الْكَفَّارَة.
وَيُجَاب عَن هَذَا كَمَا هُنَاكَ -: أَن كل فَرد من الْمُخَير وكل جُزْء من الْوَقْت لَهُ جِهَة عُمُوم، وَهِي كَونه أحد أَشْيَاء، وجهة خُصُوص، وَهُوَ الشَّخْص الَّذِي يتَمَيَّز بِهِ عَن غَيره، ومتعلق الْوُجُوب: جِهَة الْعُمُوم، وَلَا تَخْيِير فِيهِ، وَلَا يجوز تَركه، أَي: بِأَن يخلي جَمِيع الْوَقْت مِنْهُ، أَو يتْرك جَمِيع الْخِصَال، وَمحل التَّخْيِير: جِهَة الْخُصُوص، وبتركه لَا يكون تَارِكًا للْوَاجِب.
الْقَائِل بالعزم: كخصال الْكَفَّارَة.
رد: بِأَنَّهُ ممتثل، لِأَنَّهُ مصل، لَا لأحد الْأَمريْنِ، وَبِأَنَّهُ يلْزم سُقُوط الْمُبدل إِذا أَتَى بِالْبَدَلِ كَسَائِر الأبدال، وَأَن يعم الْعَزْم جَمِيع الْوَقْت كمبدله، وَبِأَن فِي وُجُوبه فِي جُزْء ثَان يَقْتَضِي تعدده، والمبدل وَاحِد، وَبِأَن وجوب الْعَزْم لَا يدل على التَّخْيِير لوُجُوبه فِي كل أَمر ديني إِجْمَاعًا، وَبِأَنَّهُ يجب قبل دُخُول وَقت الْمُبدل.
وَبَعْضهمْ منع هَذَا، وَبَعْضهمْ أوجب الْعِبَادَة قبل وَقتهَا.
وَقَول الشَّيْخ فِي " الرَّوْضَة ": لَا يتْرك الْعَزْم على الْفِعْل إِلَّا عَازِمًا على التّرْك مُطلقًا) ، مَمْنُوع، فَلهَذَا أثمه بالتردد مَبْنِيّ على وجوب الْعَزْم، وَإِنَّمَا لم يعْص بِتَأْخِيرِهِ أول الْوَقْت لِأَنَّهُ كقضاء رَمَضَان وخصال الْكَفَّارَة.
فَائِدَة: قَالَ الطوفي فِي " شَرحه ": (الْخطاب الموسع والمخير وَفرض الْكِفَايَة جَمِيعًا مُتَعَلق بِالْقدرِ الْمُشْتَرك، فَيجب تَحْصِيله وَيحرم تعطيله.
فالمشترك فِي الموسع: مَفْهُوم الزَّمَان ومطلقه من الْوَقْت الْمُقدر الْمَحْدُود شرعا، بِمَعْنى: أَن الْوَاجِب إِيقَاعه [فِيمَا] يصدق عَلَيْهِ اسْم زمن من أزمنة الْوَقْت الشَّرْعِيّ، فَمَتَى أوقعهَا فِي هَذَا الزَّمَان الْمُطلق كَانَ آتِيَا بالمشترك فَيخرج عَن عُهْدَة الْوَاجِب [إداء] .
والمشترك فِي الْمُخَير: هُوَ مَفْهُوم أحد الْخِصَال، فَهُوَ مُتَعَلق الْوُجُوب، وَأما مُتَعَلق التَّخْيِير، فَهُوَ خصوصيات الْخِصَال من إطْعَام أَو كسْوَة أَو عتق كَمَا تقدم، فَالْوَاجِب الْإِتْيَان بِإِحْدَى الْخِصَال وَهُوَ الْمُشْتَرك بَين جَمِيعهَا، وَلَا يتْرك الْجَمِيع لِئَلَّا يتعطل الْمُشْتَرك، لِأَن الْجَمِيع أَعم من الْمُشْتَرك، وتارك الْأَعَمّ تَارِك الْأَخَص ومعطل لَهُ، وَله الْخِيَار بَين خصوصيات الْخِصَال، فَالْوَاجِب وَهُوَ الْمُشْتَرك لَا تَخْيِير فِيهِ، إِذْ لَا قَائِل: بِأَنَّهُ إِن شَاءَ فعل إِحْدَى الْخِصَال، وَإِن شَاءَ ترك، والمخير فِيهِ وَهُوَ خصوصيات الْخِصَال لَا وجوب فِيهِ، إِذْ لَا قَائِل بِأَن الْوَاجِب عَلَيْهِ جَمِيع الْخِصَال على الْجمع.
والمشترك فِي فرض الْكِفَايَة: مَفْهُوم أَي طوائف الْمُكَلّفين كَانَ، كإحدى الْخِصَال.
وَالْفرق بَين الْأَبْوَاب الثَّلَاثَة: أَن الْمُشْتَرك فِي فرض الْكِفَايَة: هُوَ الْوَاجِب عَلَيْهِ، وَهُوَ الْمُكَلف، وَفِي الْمُخَير: هُوَ الْوَاجِب نَفسه، وَهُوَ إِحْدَى الْخِصَال، وَفِي الموسع هُوَ الْوَاجِب فِيهِ، وَهُوَ الزَّمَان) انْتهى مُلَخصا.
الصَّحِيح من الْمَذْهَب: أَن الْوُجُوب يسْتَقرّ بِأول الْوَقْت، وَعَلِيهِ الْأَكْثَر، وَقَالَهُ بعض الشَّافِعِيَّة.
قَالَ ابْن مُفْلِح فِي " فروعه ": (وَإِن دخل الْوَقْت بِقدر تَكْبِيرَة وَأطْلقهُ أَحْمد، فَلهَذَا قيل: بِجُزْء) انْتهى.
لِأَن دُخُول الْوَقْت سَبَب للْوُجُوب فترتب عَلَيْهِ حكمه عِنْد وجوده؛ لِأَنَّهَا صَلَاة وَجَبت عَلَيْهِ فَوَجَبَ قَضَاؤُهَا إِذا فَاتَتْهُ كَالَّتِي أمكن أَدَاؤُهَا.
وَعنهُ " لَا يسْتَقرّ الْوُجُوب إِلَّا بِإِمْكَان الْأَدَاء من الْوَقْت، وَهُوَ قَول الشَّافِعِي وَأكْثر أَصْحَابه، وَاخْتَارَهُ جمَاعَة من أَصْحَابنَا مِنْهُم: ابْن بطة، وَابْن أبي مُوسَى، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لم يدْرك من الْوَقْت مَا يُمكنهُ الصَّلَاة فِيهِ، أشبه مَا لَو لم يدْرك شَيْئا.
ورد الْقيَاس، لِأَن قِيَاس الْوَاجِب على مَا لم يجب لَا يَصح.
وَعند الشَّافِعِيَّة وَجه آخر: أَنه لَا يسْتَقرّ حَتَّى يدْرك مَعَ الْوَقْت أَدَاء جُزْء، وَهُوَ قَول لِابْنِ سُرَيج، قَالَ:(وَإِلَّا لما جَازَ أَن يقصرها إِذا سَافر آخر وَقتهَا لاستقرار فَرضهَا) .
ورد: بِأَن الْقصر من صِفَات الْأَدَاء.
وَقَالَ الإِمَام مَالك وَالشَّيْخ تَقِيّ الدّين: لَا يسْتَقرّ الْوُجُوب إِلَّا بِضيق الْوَقْت، نَقله ابْن مُفْلِح فِي " فروعه ".
وَتظهر فَائِدَة الْمَسْأَلَة: إِذا طَرَأَ جُنُون أَو حيض، هَل تقضي أم لَا؟ على الْخلاف الْمُتَقَدّم.