الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(المرجئة تَقول: حَسَنَاتنَا متقبلة وسيئاتنا مغفورة) .
وَقَالَ ابْن قَاضِي الْجَبَل: (مَذْهَب المرجئة: تَصْدِيق النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ -
فِي كل أَمر ديني علم مَجِيئه بِهِ ضَرُورَة، فَيكون من الْحَقَائِق الشَّرْعِيَّة نَظِير الصَّوْم وَالصَّلَاة وَالْحج؛ لِأَنَّهُ تَصْدِيق خَاص) انْتهى.
وَقَالَت الْجَهْمِية، والشيعة، أَبُو الْحُسَيْن الصَّالِحِي / من الْقَدَرِيَّة، وَغَيرهم: الْإِيمَان: الْمعرفَة، وَذكره بعض أَصْحَابنَا عَن الْأَشْعَرِيّ وَأكْثر
أَصْحَابه، نَقله ابْن مُفْلِح.
قَالَ فِي " شرح الْمَقَاصِد ": (وَقد يمِيل إِلَيْهِ الْأَشْعَرِيّ) وَبَعْضهمْ فرق بَينهمَا، وَفِيه نظر.
قَالَ ابْن الْعِزّ فِي " شرح عقيدة الطَّحَاوِيّ " وَغَيره: (قَول الْجَهْمِية بَاطِل، فَإِن لَازمه: أَن فِرْعَوْن وَقَومه كَانُوا مُؤمنين، فَإِنَّهُم عرفُوا صدق مُوسَى وَهَارُون صلوَات الله وَسَلَامه عَلَيْهِمَا -، وَلم يُؤمنُوا بهما، وَلِهَذَا قَالَ مُوسَى لفرعون:{قَالَ لقد علمت مَا أنزل هَؤُلَاءِ إِلَّا رب السَّمَوَات وَالْأَرْض بصائر} [الْإِسْرَاء: 102]، وَقَالَ تَعَالَى:{وجحدوا بهَا واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا فَانْظُر كَيفَ كَانَ عَاقِبَة المفسدين} [النَّمْل: 14] .
وَأهل الْكتاب كَانُوا يعْرفُونَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم َ - كَمَا يعْرفُونَ أَبْنَاءَهُم، قَالَ الله تَعَالَى:{الَّذين أتيناهم الْكتاب يعرفونه كَمَا يعْرفُونَ أَبْنَاءَهُم وَإِن فريقاً مِنْهُم ليكتمون الْحق وهم يعلمُونَ} [الْبَقَرَة: 146]، وَقَالَ تَعَالَى: وَإِن الَّذين أُوتُوا الْكتاب ليعلمون أَنه الْحق من رَبهم} [الْبَقَرَة: 144] ، وَلم يَكُونُوا مُؤمنين، بل كَانُوا كَافِرين معاندين لَهُ.
وَكَذَلِكَ أَبُو طَالب يكون مُؤمنا عِنْدهم، فَإِنَّهُ قَالَ:
(وَلَقَد علمت بِأَن دين مُحَمَّد
…
من خير أَدْيَان الْبَريَّة دينا)
(لَوْلَا الْمَلَامَة أَو حذار مسَبَّة
…
لَوَجَدْتنِي سَمحا بِذَاكَ مُبينًا)
بل إِبْلِيس يكون عِنْد جهم مُؤمنا كَامِل الْإِيمَان، فَإِنَّهُ لم يجهل ربه بل هُوَ عَارِف، {قَالَ رب فأنظرني إِلَى يَوْم يبعثون} [الْحجر: 36، ص: 79] ، {قَالَ رب بِمَا أغويتني} [الْحجر: 39] ، {قَالَ فبعزتك لأغوينهم} [ص: 82] .
وَالْكفْر عِنْد الجهم وشيعته هُوَ: الْجَهْل بالرب، وَلَا أحد أَجْهَل مِنْهُ بربه، فَإِنَّهُ جعله الْوُجُود الْمُطلق، وسلب عَنهُ جَمِيع صِفَاته، وَلَا جهل أَكثر من هَذَا، فَيكون كَافِرًا بِشَهَادَتِهِ على نَفسه.
وَقَالَت الكرامية: الْإِيمَان هُوَ: القَوْل بِاللِّسَانِ فَقَط، لتنَاوله الْمُنَافِقين فِي أَحْكَام الدُّنْيَا، فهم عِنْدهم مُؤمنُونَ كاملو الْإِيمَان، ويستحقون الْوَعيد الَّذِي وعدهم الله بِهِ.
قَالَ فِي " شرح الْمَقَاصِد ": / (فَمن أضمر الْكفْر وَأظْهر الْإِيمَان يكون
مُؤمنا، إِلَّا أَنه يسْتَحق الخلود فِي النَّار عِنْدهم، وَمن أضمر الْإِيمَان وَأظْهر الْكفْر لَا يكون مُؤمنا، وَمن أضمر الْإِيمَان وَلم يتَّفق مِنْهُ الْإِظْهَار وَالْإِقْرَار لم يسْتَحق الْجنَّة) .
فَائِدَة: يمتاز التَّصْدِيق عَن الْمعرفَة وَالْعلم بربط الْقلب على الْمُؤمن بِهِ، وَلذَلِك يُثَاب عَلَيْهِ، وَحَاصِله: أَنه لَا يُجَامع الْإِنْكَار، بِخِلَاف الْمعرفَة وَالْعلم، قَالَ تَعَالَى:{يعرفونه كَمَا يعْرفُونَ أَبْنَاءَهُم} [الْبَقَرَة: 146، والأنعام: 20]، وَقَالَ مُوسَى لفرعون:{لقد علمت مَا أنزل هَؤُلَاءِ إِلَّا رب السَّمَوَات وَالْأَرْض} [الْإِسْرَاء: 102] ، فَمن صدق بِقَلْبِه وَلم يتَمَكَّن من التَّلَفُّظ فإيمانه منج عِنْد الله، وَكَذَا الَّذِي بِهِ آفَة كالخرس، وَأما غَيرهمَا من الْقَادِر المتمكن فَلَا يشْتَرط التَّلَفُّظ فِي حَقه إِلَّا لإجراء أَحْكَام الْمُسلمين عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا، من الصَّلَاة عَلَيْهِ، وَدَفنه فِي مَقَابِر الْمُسلمين؛ قَالَه فِي " شرح الْمَقَاصِد ".
وَقَالَت الْمُعْتَزلَة: الْإِيمَان هُوَ فعل الْوَاجِبَات.
قَالَ الْحَافِظ أَبُو الْفضل ابْن حجر: (قَالَت الْمُعْتَزلَة: هُوَ الْعَمَل والنطق والاعتقاد) انْتهى.
وبسببه؛ ذَهَبُوا إِلَى إِثْبَات مرتبَة لِلْفَاسِقِ الملي، بَين مرتبَة الْكفْر وَالْإِيمَان.
قَالَ ابْن قَاضِي الْجَبَل: (وَالْفرق بَين مَذْهَبهم وَمذهب السّلف من وَجْهَيْن:
أَحدهمَا: أَن السّلف لَا يخرجُون الْفَاسِق عَن مُطلق الْإِيمَان.
وَالثَّانِي: اندراج المندوبات فِي مُسَمّى الْإِيمَان) انْتهى.
قَالَ الْحَافِظ أَبُو الْفضل: (والفارق بَينهم وَبَين السّلف: أَنهم جعلُوا الْأَعْمَال شرطا فِي صِحَّته، وَالسَّلَف جعلوها شرطا فِي كَمَاله. - قَالَ -: وَهَذَا كُله كَمَا قُلْنَا بِالنّظرِ إِلَى مَا عِنْد الله، أما بِالنّظرِ إِلَى مَا عندنَا، فالإيمان هُوَ: الْإِقْرَار فَقَط، فَمن أقرّ أجريت عَلَيْهِ الْأَحْكَام فِي الدُّنْيَا، وَلم يحكم عَلَيْهِ بِكفْر إِلَّا أَن اقْترن بِهِ فعل يدل على كفره / كالسجود للصنم، فَإِن كَانَ الْفِعْل لَا يدل على الْكفْر كالفسق، فَمن أطلق عَلَيْهِ الْإِيمَان فبالنظر إِلَى إِقْرَاره، وَمن نفى عَنهُ الْإِيمَان فبالنظر إِلَى كَمَاله، وَمن أطلق عَلَيْهِ الْكفْر فبالنظر إِلَى فعل الْكَافِر، وَمن نَفَاهُ عَنهُ فبالنظر إِلَى حَقِيقَته، وأثبتت الْمُعْتَزلَة الْوَاسِطَة فَقَالُوا: (الْفَاسِق لَا مُؤمن وَلَا كَافِر) انْتهى.
قَوْله: وَعند أبي حنيفَة، وَأَصْحَابه، وَغَيرهم الْجَهْمِية، والمرجئة، والكرامية -: إِيمَان النَّاس كلهم سَوَاء، لَا يزِيد وَلَا ينقص، وَلَا اسْتثِْنَاء فِيهِ، وَقَالَهُ أَبُو الْمَعَالِي فِي الأولى.
فِي ضمن هَذَا الْكَلَام مَسْأَلَتَانِ: مَسْأَلَة زِيَادَة الْإِيمَان ونقصانه، وَمَسْأَلَة الِاسْتِثْنَاء فِيهِ، فَالْكَلَام الْمُتَقَدّم على معنى الْإِيمَان وَهِي الْمَسْأَلَة الأولى.
الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة من الْأَرْبَع، وَهِي: مَسْأَلَة زِيَادَة الْإِيمَان ونقصانه: وَمذهب السّلف قاطبة أَنه يزِيد وَينْقص، وَنَقله ابْن أبي حَاتِم، واللالكائي، بِالْأَسَانِيدِ عَن جمع من الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ، وَحَكَاهُ
الفضيل بن عِيَاض، ووركيع بن الْجراح، عَن أهل السّنة وَالْجَمَاعَة، وَنَقله عبد الرَّزَّاق عَن سُفْيَان الثَّوْريّ وَمَالك بن أنس
وَالْأَوْزَاعِيّ وَابْن جريج وَمعمر وَغَيرهم، وَهَؤُلَاء فُقَهَاء الْأَمْصَار فِي عصرهم. وَنَقله اللالكائي عَن الشَّافِعِي وَأحمد وَإِسْحَاق بن رَاهَوَيْه
وَأبي عبيد وَغَيرهم من الْأَئِمَّة.
وروى بِسَنَدِهِ الصَّحِيح عَن البُخَارِيّ قَالَ: (لقِيت أَكثر من ألف رجل من الْعلمَاء بالأمصار، فَمَا رَأَيْت أحدا مِنْهُم يخْتَلف فِي أَن الْإِيمَان قَول وَعمل يزِيد وَينْقص) .
قَالَ النَّوَوِيّ: (وَالْأَظْهَر الْمُخْتَار: أَن التَّصْدِيق يزِيد وَينْقص بِكَثْرَة النّظر ووضوح الْأَدِلَّة، وَلِهَذَا كَانَ إِيمَان الصديقين أقوى من إِيمَان غَيرهم، بِحَيْثُ لَا يَعْتَرِيه شُبْهَة، وَيُؤَيِّدهُ: أَن كل أحد يعلم أَن مَا فِي قلبه [يتفاضل] حَتَّى إِنَّه يكون فِي بعض الأحيان أعظم يَقِينا وإخلاصاً وتوكلاً مِنْهُ فِي بَعْضهَا، وَكَذَلِكَ فِي التَّصْدِيق / والمعرفة بِحَسب ظُهُور الْبَرَاهِين وَكَثْرَتهَا.
وَقد نقل مُحَمَّد بن نصر الْمروزِي عَن جمَاعَة من الْأَئِمَّة نَحْو
ذَلِك، قَالَه الْحَافِظ أَبُو الْفضل.
وَقَالَ فِي " شرح الْمَقَاصِد ": (هُوَ مَذْهَب الأشاعرة والمعتزلة؛ لِأَن الْيَقِين يقبل التَّفَاوُت؛ لِأَنَّهُ مَرَاتِب من أجلى البديهيات إِلَى خَفِي النظريات، وَكَون التَّفَاوُت رَاجعا إِلَى مُجَرّد الْجلاء والخفاء غير مُسلم، بل عِنْد الْحُضُور وَزَوَال التَّرَدُّد، التَّفَاوُت [بِحَالهِ]، وَكَفاك قَول الْخَلِيل عليه الصلاة والسلام مَعَ مَا كَانَ لَهُ من التَّصْدِيق:{وَلَكِن لِيَطمَئِن قلبِي} [الْبَقَرَة: 260] .
وَعَن عَليّ رضي الله عنه قَالَ: (لَو كشف الغطاء مَا ازدت يَقِينا) . [وَلَو لم] يتَفَاوَت لَكَانَ إِيمَان آحَاد الْأمة، بل المنهمكين فِي الْفسق، مُسَاوِيا لتصديق الْأَنْبِيَاء وَالْمَلَائِكَة، وَاللَّازِم بَاطِل قطعا) .
وَقد وَردت النُّصُوص الْكَثِيرَة جدا بِزِيَادَة الْإِيمَان ونقصانه، وَمَا قيل من الْأَجْوِبَة عَن ذَلِك فمردود، والأدلة على ذَلِك كَثِيرَة، وَقد تقدم النَّقْل عَمَّن قَالَ بهَا.
وَذهب أَبُو حنيفَة، وَأَصْحَابه، وَكثير من الْعلمَاء، وَاخْتَارَهُ إِمَام الْحَرَمَيْنِ: أَنه لَا يزِيد وَلَا ينقص؛ لِأَنَّهُ اسْم للتصديق الْبَالِغ حد الْجَزْم والإذعان، وَلَا تتَصَوَّر فِيهِ الزِّيَادَة وَالنُّقْصَان، والمصدق إِذا ضم الطَّاعَات إِلَيْهِ، أَو ارْتكب الْمعاصِي، فتصديقه بِحَالهِ لم يتَغَيَّر أصلا، وَإِنَّمَا يتَفَاوَت إِذا كَانَ اسْما للطاعات المتفاوتة قلَّة وَكَثْرَة، وَلِهَذَا قَالَ الرَّازِيّ وَغَيره:(هَذَا الْخلاف فرع تَفْسِير الْإِيمَان، فَإِن قُلْنَا: هُوَ التَّصْدِيق فَلَا تفَاوت، وَإِن قُلْنَا: هُوَ الْأَعْمَال فمتفاوت) .
وَقَالَ إِمَام الْحَرَمَيْنِ: (إِذا حملنَا الْإِيمَان على التَّصْدِيق فَلَا يفضل تَصْدِيق تَصْدِيقًا، كَمَا لَا يفضل علم علما، وَمن حمله على الطَّاعَة سرا وعلنا - وَقد مَال إِلَيْهِ / القلانسي فَلَا يبعد إِطْلَاق القَوْل بِأَنَّهُ يزِيد بِالطَّاعَةِ وَينْقص بالمعصية، وَنحن لَا نؤثر هَذَا) .
وَقَالَ الرَّازِيّ: (وَجه التَّوْفِيق: أَن مَا يدل على أَن الْإِيمَان لَا يتَفَاوَت مَصْرُوف إِلَى أَصله، وَمَا يدل على أَنه يتَفَاوَت مَصْرُوف إِلَى الْكَامِل مِنْهُ) .
فَائِدَة: قَالَ الإِمَام أَحْمد: (وَمن قَالَ: الْإِيمَان مَخْلُوق، فقد كفر،
وَمن قَالَ: غير مَخْلُوق، ابتدع) .
وَقيل: بِالْوَقْفِ مُطلقًا، وَقيل: فِي الْأَفْعَال، وَقيل: أَقْوَاله قديمَة وأفعاله مخلوقة، وَهُوَ أصح، ذكر ذَلِك كُله ابْن أبي مُوسَى وَغَيره.
وَقيل: الْإِيمَان غير مَخْلُوق، وَفِي أَفعاله الْخلق، وَعَدَمه، وَالْوَقْف عَنْهَا.
وَقيل: الْوَقْف فِي فعله، وتصديق الله نَفسه وَالْمُؤمنِينَ بِكَلَام غير مَخْلُوق، وَكَذَا تِلَاوَة الْقُرْآن وَذكر الله بِالتَّوْحِيدِ وَالثنَاء عَلَيْهِ غير مَخْلُوق، وَالْأَفْعَال مخلوقة.
وَقيل: الْإِيمَان قديم من غير تَفْصِيل، وَلَيْسَ المُرَاد الْعَمَل، نَقله ابْن حمدَان.
الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة: فِي الِاسْتِثْنَاء فِيهِ:
وَالصَّحِيح: أَنه يدْخلهُ الِاسْتِثْنَاء، فَتَقول: أَنا مُؤمن إِن شَاءَ الله.
وَقد نَص عَلَيْهِ الإِمَام أَحْمد، وَغَيره من الْأَئِمَّة، كَالْإِمَامِ الشَّافِعِي، وَغَيره.
وَحكي عَن ابْن مَسْعُود: أَنه يدْخلهُ الِاسْتِثْنَاء، فَيُقَال: أَنا مُؤمن إِن شَاءَ الله تَعَالَى.
قَالَ ابْن عقيل: (يسْتَحبّ أَن يَقُول: أَنا مُؤمن إِن شَاءَ الله، وَلَا يقطع لنَفسِهِ) .
وَمنعه كثير من الْعلمَاء، وَعَلِيهِ أَبُو حنيفَة، وَأَصْحَابه.
قَالَ فِي " شرح الْمَقَاصِد ": (وَعَلِيهِ الْأَكْثَر؛ لِأَن التَّصْدِيق أَمر مَعْلُوم لَا يتَرَدَّد فِيهِ عِنْد تحَققه، وَمن تردد فِي تحَققه لم يكن مُؤمنا قطعا، وَإِذا لم يكن الشَّك والتردد فَالْأولى أَن يتْرك، بل يَقُول: أَنا مُؤمن حقاًدفعا للإيهام. قَالَ ابْن حمدَان: (وَلَا يكفر من قَالَ: أَنا مُؤمن حَقًا، نَص عَلَيْهِ أَحْمد) .
وَقيل: يكره قَوْله ذَلِك.
وللقائلين بِالْأولِ وُجُوه.
الأول: أَنه للتبرك / بِذكر الله تَعَالَى، والتأدب بإحالة الْأُمُور إِلَى مَشِيئَة الله تَعَالَى، والتبري من تَزْكِيَة النَّفس والإعجاب بِحَالِهَا، والتردد فِي الْعَاقِبَة والمآل، وَهَذَا يُفِيد مُجَرّد الصِّحَّة، لَا إِيثَار قَوْلهم: أَنا مُؤمن إِن شَاءَ الله على أَنا مُؤمن حَقًا، وَلَا يدْفع مَا ذكر من دفع الْإِيهَام، وَلَا يبين وَجه اخْتِصَاص التأدب والتبرك بِالْإِيمَان دون غَيره من الطَّاعَات.
الْوَجْه الثَّانِي: أَن التَّصْدِيق الإيماني المنوط بِهِ النجَاة أَمر قلبِي خَفِي، لَهُ معارضات خُفْيَة كَثِيرَة من الْهوى والشيطان والخذلان، فالمرء وَإِن كَانَ
جَازِمًا بحصوله، لَكِن لَا يُؤمن أَن يشوبه شَيْء من منافيات النجَاة، وَلَا سِيمَا عِنْد تفاصيل الْأَوَامِر والنواهي الصعبة، الْمُخَالفَة للهوى والمستلذات، من غير علم لَهُ بذلك، فَلذَلِك يُفَوض حُصُوله إِلَى مَشِيئَة الله.
وَهَذَا قريب، لَوْلَا مُخَالفَته لما يَدعِيهِ الْقَوْم من الْإِجْمَاع، قَالَه فِي " شرح الْمَقَاصِد ".
الْوَجْه الثَّالِث: - مَا قَالَه إِمَام الْحَرَمَيْنِ -: (أَن الْإِيمَان ثَابت فِي الْحَال قطعا من غير شكّ فِيهِ، لَكِن الْإِيمَان الَّذِي هُوَ علم الْفَوْز وَآيَة النجَاة: إِيمَان الموافاة، فاعتنى السّلف بِهِ وقرنوه بِالْمَشِيئَةِ، وَلم يقصدوا الشَّك فِي الْإِيمَان الناجز) .
وَقَالَ بعض الْمُحَقِّقين: (النَّاس فِي هَذِه الْمَسْأَلَة على ثَلَاثَة أَقْوَال، طرفان ووسط: مِنْهُم من يُوجِبهُ، وَمِنْهُم من يحرمه، وَمِنْهُم من يُجِيزهُ بِاعْتِبَار ويمنعه بِاعْتِبَار، وَهَذَا أصح الْأَقْوَال.
أما من يُوجِبهُ فَلهم مأخذان:
أَحدهمَا: أَن الْإِيمَان هُوَ مَا مَاتَ عَلَيْهِ الْإِنْسَان، وَالْإِنْسَان إِنَّمَا يكون عِنْد الله مُؤمنا أَو كَافِرًا بِاعْتِبَار الموافاة، وَمَا سبق فِي علم الله أَن يكون عَلَيْهِ، وَمَا قبل ذَلِك لَا عِبْرَة بِهِ، وَالْإِيمَان الَّذِي يتعقبه الْكفْر فَيَمُوت صَاحبه كَافِرًا لَيْسَ بِالْإِيمَان، كَالصَّلَاةِ الَّتِي أفسدها صَاحبهَا قبل الْكَمَال، وَالصِّيَام الَّذِي يفْطر صَاحبه قبل الْغُرُوب، وَهَذَا مَأْخَذ كثير من الْكلابِيَّة وَغَيرهم، وَعند