المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌قَوْله: {فصل}   ‌ ‌{الِاشْتِقَاق}   قَالَ أَئِمَّة هَذَا الشَّأْن: (الِاشْتِقَاق من أشرف عُلُوم الْعَرَبيَّة، - التحبير شرح التحرير - جـ ٢

[المرداوي]

فهرس الكتاب

- ‌فصل

- ‌قَوْله: {فصل}

- ‌ عَن التَّضْحِيَة بالعوراء والعرجاء) انْتهى.وَنَحْوه: النَّهْي عَن الدُّبَّاء، والحنتم، والمقير، فَإِنَّهُ ينصب إِلَى مَا يلْزم مِنْهُ، وَهُوَ النَّبِيذ

- ‌قَوْله: {فصل}

- ‌ قَالَ لوفد عبد الْقَيْس: " آمركُم بِأَرْبَع: الْإِيمَان بِاللَّه، وَهل تَدْرُونَ مَا الْإِيمَان بِاللَّه؟ شَهَادَة أَن لَا إِلَه إِلَّا الله، وإقام الصَّلَاة، وإيتاء الزَّكَاة، وَصَوْم رَمَضَان، وَأَن تعطوا من الْمَغَانِم الْخمس) .وَفِيهِمَا / عَن أبي هُرَيْرَة أَن النَّبِي

- ‌ أَنه قَالَ: " لَا يَزْنِي الزَّانِي حِين يَزْنِي وَهُوَ مُؤمن…" الحَدِيث

- ‌ بَين الْإِسْلَام وَالْإِيمَان، وَأدْخل الْأَعْمَال فِي مُسَمّى الْإِسْلَام، دون مُسَمّى الْإِيمَان.قَالَ الْعَلامَة ابْن رَجَب فِي " شرح النووية ": (وَجه الْجمع بَين النُّصُوص الْمُتَقَدّمَة، وَبَين حَدِيث سُؤال جِبْرِيل، يَتَّضِح بتقرير أصل، وَهُوَ:

- ‌ فسر الْإِيمَان عِنْد ذكره مُفردا فِي حَدِيث وَفد عبد الْقَيْس، بِمَا فسر بِهِ الْإِسْلَام المقرون بِالْإِيمَان، فِي حَدِيث جِبْرِيل، وَفسّر فِي حَدِيث آخر الْإِسْلَام بِمَا فسر بِهِ الْإِيمَان، كَمَا فِي " الْمسند " عَن عَمْرو بن عبسة، قَالَ: جَاءَ رجل إِلَى النَّبِي

- ‌ الْإِيمَان أفضل الْإِسْلَام وَأدْخل فِيهِ الْأَعْمَال. - قَالَ ابْن رَجَب وَبِهَذَا التَّفْصِيل يظْهر تَحْقِيق القَوْل فِي مَسْأَلَة الْإِيمَان وَالْإِسْلَام، هَل هما وَاحِد، أَو مُخْتَلِفَانِ؟) .وَيَأْتِي ذَلِك فِي الْمَسْأَلَة الرَّابِعَة

- ‌ فِي كل أَمر ديني علم مَجِيئه بِهِ ضَرُورَة، فَيكون من الْحَقَائِق الشَّرْعِيَّة نَظِير الصَّوْم وَالصَّلَاة وَالْحج؛ لِأَنَّهُ تَصْدِيق خَاص) انْتهى.وَقَالَت الْجَهْمِية، والشيعة، أَبُو الْحُسَيْن الصَّالِحِي / من الْقَدَرِيَّة، وَغَيرهم: الْإِيمَان: الْمعرفَة، وَذكره بعض أَصْحَابنَا عَن الْأَشْعَرِيّ وَأكْثر

- ‌ حِين وقف على الْمَقَابِر: " وَإِنَّا إِن شَاءَ الله بكم لاحقون

- ‌ عَن الْإِيمَان وَالْإِسْلَام وَالْإِحْسَان، وَتَفْسِير كل وَاحِد بِغَيْر مَا فسر بِهِ الآخر

- ‌ اللَّهُمَّ لَك أسلمت وَبِك آمَنت ".وَقد قَالُوا فِيمَا تقدم: إِن الْإِيمَان هُوَ التَّصْدِيق بِالْقَلْبِ، ثمَّ قَالُوا: الْإِيمَان وَالْإِسْلَام شَيْء وَاحِد، فَيكون الْإِسْلَام هُوَ التَّصْدِيق، وَهَذَا لم يقلهُ أحد من أهل اللُّغَة، وَإِنَّمَا هُوَ الانقياد وَالطَّاعَة، وَفسّر الْإِسْلَام بِالْأَعْمَالِ

- ‌[أَلا وَإِن] فِي الْجَسَد مُضْغَة إِذا صلحت صلح الْجَسَد كُله، وَإِذا فَسدتْ فسد الْجَسَد كُله أَلا وَهِي الْقلب "، فَلَا يتَحَقَّق الْقلب / بِالْإِيمَان إِلَّا وسعت الْجَوَارِح فِي أَعمال الْإِسْلَام، وَلَيْسَ كل مُسلم مُؤمنا، فَإِنَّهُ قد يكون الْإِيمَان ضَعِيفا فَلَا يتَحَقَّق الْقلب بِهِ تحققاً تَاما

- ‌ أَو مُسلم ". انْتهى كَلَام ابْن رَجَب، وَقد أَجَاد وأشفى الغصة، وَقد أطلنا الْكَلَام فِي هَذِه الْمَسْأَلَة وَهِي أهل لذَلِك

- ‌قَوْله: {فصل}

- ‌{الِاشْتِقَاق}

- ‌قَوْله: {فصل}

- ‌قَوْله {فصل}

- ‌قَوْله: {فصل}

- ‌{الْحُرُوف}

- ‌ من حلف على يَمِين "، أَي: يَمِينا.وَأنكر سِيبَوَيْهٍ وُقُوع زيادتها.فَائِدَة: اخْتلف فِي " على "، هَل تكون اسْما أم لَا؟ على مَذَاهِب

- ‌ واشترطي لَهُم الْوَلَاء "، أَن المُرَاد: عَلَيْهِم

- ‌ قَالَ فِي سَالم مولى أبي

- ‌ فِي بنت أم سَلمَة: " لَو لم تكن ربيبتي فِي حجري مَا حلت لي، إِنَّهَا لابنَة أخي من الرضَاعَة "، فَإِن لتحريمها سببين: كَونهَا ربيبته، وَكَونهَا ابْنة أَخِيه من الرضَاعَة.الثَّالِث: أَن يكون أدون مِنْهُ، وَلَكِن يلْحق بِهِ لمشاركته فِي الْمَعْنى، كَقَوْلِك فِي أُخْت النّسَب

- ‌ لعبد الرَّحْمَن بن عَوْف لما قَالَ: تزوجت: " أولم وَلَو بِشَاة ": (المُرَاد بِالشَّاة هُنَا وَالله أعلم للتقليل، أَي: وَلَو بِشَيْء قَلِيل كشاة) انْتهى.قلت: فِيهِ شَيْء، لدلَالَة الْحَال، فَإِن عبد الرَّحْمَن رضي الله عنه لما قدم الْمَدِينَة وَتزَوج هَذِه الْأَنْصَارِيَّة، كَانَ فَقِيرا

- ‌قَوْله: {فصل}

- ‌قَوْله: {فصل}

- ‌ باسم لم يسمه بِهِ أَبوهُ، وَلَا يُسمى بِهِ نَفسه، وَكَذَا كل كَبِير من الْخلق ".قَالَ: " فَإِذا امْتنع فِي حق المخلوقين، فامتناعه فِي حق الله تَعَالَى أولى ".وَاتَّفَقُوا على أَنه لَا يجوز أَن يُطلق عَلَيْهِ اسْم وَلَا صفة توهم نقصا، وَلَو ورد ذَلِك نصا، فَلَا يُقَال: ماهد

- ‌ بَين مُرَاده فِيمَا جَاءَ بِهِ، وَلنَا أَلْفَاظ نقطع بمدلولها بمفردها، وَتارَة بانضمام قَرَائِن، أَو شَهَادَة الْعَادَات، ثمَّ يمْنَع مُعَارضَة الدَّلِيل الْعقلِيّ الْقطعِي للدليل الشَّرْعِيّ.وَقَوْلهمْ: الْمَوْقُوف على المظنون مظنون، بَاطِل، لِأَن الْمَوْقُوف على الْمُقدمَات الظنية قد يكون

- ‌قَوْله: {فصل فِي الْأَحْكَام}

- ‌قَوْله: {فصل شكر الْمُنعم}

- ‌ وشرعها) .وَقَالَ: (وعَلى هَذَا يخرج وجوب معرفَة الله تَعَالَى، هَل هِيَ وَاجِبَة

- ‌قَوْله: {فصل]

- ‌(من أعظم الْمُسلمين جرما من سَأَلَ عَن شَيْء لم يحرم محرملأجل مَسْأَلته ") ، وَقَوله

- ‌ من الله تَعَالَى، لِأَنَّهُ وَحي، وَتَقْرِير لَهُ فِيمَا اجْتهد بِهِ) انْتهى.وَقَالَ ابْن عقيل أَيْضا -: (الْأَلْيَق بمذهبه أَن يُقَال: لَا نَدْرِي مَا الحكم)

- ‌ اتَّقوا فراسة الْمُؤمن فَإِنَّهُ ينظر بِنور الله ".وَقَوله

- ‌ شَهَادَة قلبه بِلَا حجَّة أولى من الْفَتْوَى، فَثَبت أَن الإلهام حق، فَإِنَّهُ وَحي بَاطِن، إِلَّا أَن العَبْد إِذا عصى ربه وَعمل بهواه حرم هَذِه الْكَرَامَة.وَلَا حجَّة فِي شَيْء من ذَلِك، لِأَنَّهُ لَيْسَ المُرَاد الْإِيقَاع فِي الْقلب بِلَا دَلِيل، بل الْهِدَايَة إِلَى الْحق بِالدَّلِيلِ، كَمَا قَالَ عَليّ

- ‌قَوْله: {فصل الحكم الشَّرْعِيّ}

- ‌ لَكِن خطاب الْمَلَائِكَة، وخطاب الرَّسُول دلّت على خطاب الله تَعَالَى.فخطاب جنس، وَهُوَ مصدر خَاطب، لَكِن المُرَاد بِهِ هُنَا الْمُخَاطب بِهِ، لَا معنى الْمصدر الَّذِي هُوَ تَوْجِيه الْكَلَام لمخاطب، فَهُوَ من إِطْلَاق الْمصدر على اسْم الْمَفْعُول.وَخرج: خطاب غير الشَّارِع؛ إِذْ لَا

- ‌ وكالحكم بِشَهَادَة

- ‌ صلَة الرَّحِم تزيد فِي الْعُمر "؛ فَإِنَّهُ [إِخْبَار بِخلق] الْعَمَل، لَا أنشأ مُتَعَلق بِالْعَمَلِ اقْتِضَاء أَو تخييراً؛ لِأَن الِاقْتِضَاء: هُوَ الطّلب للْفِعْل جزما، أَو غير جزم، أَو التّرْك جزما، أَو غير جزم، بنهي مَقْصُود أَو غَيره، [والتخيير: الْإِبَاحَة]

- ‌ استاكوا

- ‌ إِذا تَوَضَّأ أحدكُم فَأحْسن وضوءه، ثمَّ خرج عَامِدًا إِلَى الْمَسْجِد فَلَا يشبك بَين أَصَابِعه فَإِنَّهُ فِي / صَلَاة " رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ، وَابْن

- ‌ لَا يمسك ذكره وَهُوَ يَبُول ".وَإِن ورد الْخطاب بالتخيير فَهُوَ الْإِبَاحَة، كَقَوْلِه

- ‌قَوْله: { [فصل] }

- ‌قَوْله: { [فصل] }

- ‌ قَالَ: " يَقُول الله تَعَالَى: مَا تقرب إِلَيّ عَبدِي بِمثل أَدَاء مَا افترضت عَلَيْهِ

- ‌ فَرضهَا "، فسوى بَينهمَا، وَقَالَ فِي رِوَايَة الْمَرْوذِيّ: (ابْن عمر يَقُول: " فرض رَسُول الله

- ‌ غسل يَوْم الْجُمُعَة وَاجِب على كل محتلم "، كَمَا قَالَ القَاضِي، وَتقول: حَقك عَليّ وَاجِب.قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين فِي " المسودة ": (وَذهب طَائِفَة من أَصْحَابنَا وَغَيرهم إِلَى أَنَّهَا تحْتَمل توكيد الِاسْتِحْبَاب) انْتهى

- ‌قَوْله: {فصل}

- ‌ فنؤمر بِقَضَاء الصَّوْم " مُتَّفق عَلَيْهِ

- ‌قَوْله: {فصل}

- ‌ فَإِنَّهُ

- ‌ بواجبات، ومحظورات، ومباحات، وكرامات) .وَفرض الْكِفَايَة: كالجهاد وَنَحْوه، وَهُوَ كثير، وَقد حصره وعده جمَاعَة من الْعلمَاء.وَسنة الْكِفَايَة: كابتداء السَّلَام، وتشميت الْعَاطِس على قَول

- ‌ شَاتين أَو عشْرين درهما "، وَمثل الْوَاجِب فِي الْمِائَتَيْنِ من الْإِبِل: " أَربع حقاق أَو خمس بَنَات لبون "، وكالتخيير بَين غسل الرجلَيْن فِي الْوضُوء للابس الْخُف أَو الْمسْح عَلَيْهِ، وَنَحْوهَا

- ‌وَقَوله: {فصل}

- ‌ أَوله وَآخره وَقَالَ: " الْوَقْت مَا بَينهمَا "، وَقَالَهُ لَهُ

- ‌قَوْله: {فصل}

- ‌قَوْله: {فصل}

- ‌قَوْله: {فصل}

- ‌قَوْله: {فصل}

- ‌قَوْله: [فصل فِي الشَّخْص الْوَاحِد ثَوَاب وعقاب}

- ‌قَوْله " { [فصل}

- ‌ وَالْمُسْتَحب: مَا فعله مرّة أَو مرَّتَيْنِ. - وَألْحق بذلك بَعضهم: مَا أَمر بِهِ، وَلم ينْقل أَنه فعله والتطوع: مَا لم يرد فِيهِ بِخُصُوصِهِ نقل) .ورده أَبُو الطّيب فِي " منهاجه ": (بِأَن النَّبِي

- ‌ وَالْمُسْتَحب: مَا أَمر بِهِ، سَوَاء فعله، أَو لَا، أَو فعله وَلم يداوم عَلَيْهِ) .وَقيل: (السّنة: مَا ترتبت، كالراتبة مَعَ الْفَرِيضَة، وَالنَّفْل وَالنَّدْب: مَا زَاد على ذَلِك) .وَقَالَت الْمَالِكِيَّة: (مَا أَمر الشَّرْع بِهِ وَبَالغ فِيهِ سنة، وَأول الْمَرَاتِب تطوع ونافلة

- ‌ لَوْلَا أَن أشق على أمتِي لأمرتهم بِالسِّوَاكِ عِنْد كل صَلَاة " مُتَّفق عَلَيْهِ، ولعصى بِتَرْكِهِ.رد: المُرَاد بهَا أَمر الْإِيجَاب، وَلِهَذَا قَيده بالمشقة، وَكَذَا خبر بَرِيرَة الْآتِي فِي أَن الْأَمر للْوُجُوب

- ‌ كَانَ يَنْوِي صَوْم التَّطَوُّع ثمَّ يفْطر "، رَوَاهُ مُسلم وَغَيره

- ‌ قد أبطل تطوعه كَمَا سبق

الفصل: ‌ ‌قَوْله: {فصل}   ‌ ‌{الِاشْتِقَاق}   قَالَ أَئِمَّة هَذَا الشَّأْن: (الِاشْتِقَاق من أشرف عُلُوم الْعَرَبيَّة،

‌قَوْله: {فصل}

{الِاشْتِقَاق}

قَالَ أَئِمَّة هَذَا الشَّأْن: (الِاشْتِقَاق من أشرف عُلُوم الْعَرَبيَّة، وأدقها وأنفعها، وأكثرها ردا إِلَى أَبْوَابهَا، أَلا ترى أَن مدَار علم التصريف فِي معرفَة الزَّائِد من الْأَصْلِيّ عَلَيْهِ) .

قَالَ السراج: (لَو [جمدت] المصادر وارتفع الِاشْتِقَاق من كل

ص: 540

كَلَام، لم تُوجد صفة لموصوف وَلَا فعل لفاعل.

قَالَ: وَجَمِيع النُّحَاة إِذا أَرَادوا أَن يعلمُوا الزَّائِد من الْأَصْلِيّ فِي الْكَلَام، نظرُوا فِي الِاشْتِقَاق) انْتهى.

وَهُوَ مَأْخُوذ من الشق، وَهُوَ الْقطع، وَهُوَ افتعال من قَوْلك: اشتققت كَذَا من كَذَا، أَي: اقتطعته مِنْهُ، وَمِنْه قَول الفرزدق:

(مُشْتَقَّة من رَسُول الله نبعته

)

وَحكى ابْن الخشاب من أَصْحَابنَا وَغَيره فِي جَوَاز الِاشْتِقَاق فِي اللُّغَة ثَلَاثَة أَقْوَال:

أَحدهَا: أَن اللَّفْظ يَنْقَسِم إِلَى جامد ومشتق، وَهَذَا الصَّحِيح، وَعَلِيهِ الْأَكْثَر مِنْهُم: الْخَلِيل، وسيبويه،

ص: 541

والأصمعي، وَأَبُو عبيد، وقطرب، وَغَيرهم، وَالْعَمَل عَلَيْهِ.

وَالْقَوْل الثَّانِي: أَن الْأَلْفَاظ كلهَا جامدة، وَلَيْسَ [شَيْء] مِنْهَا مشتقاً من شَيْء، بل كلهَا مَوْضُوعَات، وَبِه قَالَ نفطويه، واسْمه مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم.

ص: 542

لِأَنَّهُ كَانَ ظاهرياً من أَصْحَاب دَاوُد، فَلذَلِك جنح إِلَيْهِ وَاخْتَارَهُ، وَأَبُو بكر بن مقسم، نَقله عَنهُ ابْن قَاضِي الْجَبَل، لكَون فِيهِ زَعَمُوا عُمُوما، فيشتق مَا يجوز اشتقاقه ويتجاوز إِلَى أَشْيَاء يبعد اشتقاقها أَو يَسْتَحِيل، فعلى هَذَا / التَّعْلِيل كَأَنَّهُمْ إِنَّمَا [منعُوا] من ذَلِك لِئَلَّا يتَجَاوَز الْحَد، حسماً للمادة، مَعَ جَوَازه وَعدم امْتِنَاعه.

ص: 543

وَالْقَوْل الثَّالِث: أَن الْكل مُشْتَقّ، وتكلفوا للجامد اشتقاقاً، وَإِلَيْهِ ذهب ابْن درسْتوَيْه والزجاج، وصنف كتاب ذكر فِيهِ اشتقاق جَمِيع الْأَشْيَاء، حَتَّى قَالَ ابْن جني:(الِاشْتِقَاق يَقع فِي الْحُرُوف، فَإِن نعم حرف جَوَاب، وَنعم وَالنَّعِيم والنعماء وَنَحْوهَا مُشْتَقَّة مِنْهُ) .

إِذا علم ذَلِك؛ فالاشتقاق ثَلَاثَة أَنْوَاع: أَصْغَر، وأوسط، وأكبر، وسمى القَاضِي عضد الدّين الِاشْتِقَاق الْأَوْسَط مِنْهَا بالصغير، وَسَماهُ الكوراني بالكبير، وَلَا مشاحة فِي الِاصْطِلَاح، وَيَأْتِي تفصيلها وأحكامها قَرِيبا.

قَوْله: {رد فرع إِلَى أصل لِمَعْنى جَمعهمَا خَاص فِي أصل الْوَضع بِالْأَصْلِ، قَالَه ابْن الخشاب، وَأولى مِنْهُ: رد لفظ إِلَى آخر لموافقته لَهُ [فِي] الْحُرُوف الْأَصْلِيَّة، ومناسبته فِي الْمَعْنى} .

ص: 544

اخْتلفت عباراتهم فِي حد الِاشْتِقَاق الْأَصْغَر فَإِنَّهُ هُوَ الْمَحْدُود على مَا يَأْتِي.

فَقَالَ ابْن الخشاب من أَصْحَابنَا: (هُوَ رد فرع إِلَى أصل لِمَعْنى جَمعهمَا، هُوَ خَاص فِي أصل الْوَضع بِالْأَصْلِ) .

وَقَالَ الرماني: (هُوَ اقتطاع فرع من أصل يَدُور مَعَه فِي تصاريفه) .

وَقَالَ الميداني: (هُوَ أَن تَجِد بَين اللَّفْظَيْنِ تنَاسبا فِي الْمَعْنى والتركيب، فَترد أَحدهمَا إِلَى الآخر) ، وَنَقله الرَّازِيّ، وَأَتْبَاعه، وارتضوه.

ص: 545

وَلَا شكّ أَن معنى الثَّلَاثَة [مُتَقَارب] ، لَكِن حد الميداني أولى لما سَنذكرُهُ، وَقد نقحه الْبَيْضَاوِيّ وَغَيره، وَهُوَ الَّذِي ارتضيناه بعد تنقيحه.

قَالَ القَاضِي عضد الدّين: (الِاشْتِقَاق يحد تَارَة بِاعْتِبَار الْعلم كَحَد الميداني، وَتارَة بِاعْتِبَار الْعَمَل، بِأَن نَأْخُذ من اللَّفْظ مَا يُنَاسِبه فِي التَّرْكِيب فنجعله دَالا على معنى يُنَاسب مَعْنَاهُ) انْتهى.

فَإِن قيل: إِطْلَاق اللَّفْظ يدْخل فِيهِ الْحَرْف، وَلَيْسَ بمشتق وَلَا مُشْتَقّ مِنْهُ.

قيل: لم يرد كل لفظ بل مُطلق لفظين، فَيحمل على الْمُمكن، فَهُوَ مُطلق لَا عَام، وَفِيه نظر؛ فَإِن مقَام الشَّرْح والتعريف يُنَافِي الْإِبْهَام.

وَالْمرَاد بالتناسب فِي التَّرْكِيب: الْمُوَافقَة فِي الْحُرُوف الْأَصْلِيَّة، احْتِرَاز من الزَّوَائِد، فَإِن التخالف فِيهَا لَا / يضر كنصر وناصر، وَخرج بِهَذَا الْقَيْد: اللفظان المترادفان، فَإِن أَحدهمَا وَإِن وَافق الآخر فِي الْمَعْنى، لكنه لم يُوَافقهُ فِي الْحُرُوف الْأَصْلِيَّة، كالبر والقمح، وَسَوَاء كَانَت الْأُصُول مَوْجُودَة لفظا أَو تَقْديرا، ليدْخل نَحْو: خف، من الْخَوْف، وكل، من الْأكل.

ص: 546

فقولنا: (رد لفظ إِلَى آخر) ، دخل فِيهِ الِاسْم وَالْفِعْل على كل مَذْهَب، فَإِن النُّحَاة اخْتلفُوا فِي الأَصْل، هَل هُوَ الْمصدر، أَو الْفِعْل، أَو كل وَاحِد مِنْهُمَا أصل بِنَفسِهِ؟

فَذهب البصريون: إِلَى أَن الْفِعْل وَالْوَصْف مُشْتَقّ من الْمصدر.

وَذهب الْكُوفِيُّونَ: إِلَى أَن الْمصدر وَالْوَصْف مُشْتَقّ من الْفِعْل.

وَذهب [ابْن] طَلْحَة: إِلَى أَن كلا من الْمصدر وَالْفِعْل أصل بِنَفسِهِ.

وَقيل غير ذَلِك، فقولنا:(رد لفظ إِلَى آخر) يَشْمَل كل مَذْهَب.

وَقَوْلنَا: (ومناسبته فِي الْمَعْنى)، احْتِرَاز عَن مثل: اللَّحْم وَالْملح والحلم، فَإِن كلا [مِنْهَا] يُوَافق الآخر فِي حُرُوفه الْأَصْلِيَّة، وَمَعَ ذَلِك فَلَا اشتقاق [بَينهَا] ، لانْتِفَاء الْمُنَاسبَة فِي الْمَعْنى لقياس مدلولاتها.

وَأورد على هَذَا الْحَد أموراً:

ص: 547

أَحدهَا: المعدول والمصغر ليسَا مشتقين من المعدول عَنهُ والمكبر مَعَ صدق التَّعْرِيف عَلَيْهِمَا، فَلَا يكون الْحَد مَانِعا.

قَالَ ابْن قَاضِي الْجَبَل: (وَنقض بتصغير المصادر وتثنيتها) انْتهى.

وَيرد هَذَا أَيْضا على الحدين الآخرين.

وَجَوَابه: أَن التناسب فِي الْمَعْنى يَقْتَضِي أَن مَعْنَاهُمَا لَيْسَ متحداً من كل وَجه، وَهَذَانِ متحدان فِي الْمَعْنى من كل وَجه.

الثَّانِي: أَن الْحَد يَقْتَضِي أَن الِاشْتِقَاق فعل الْمُتَكَلّم، لِأَنَّهُ قَالَ: رد أَحدهمَا إِلَى الآخر، وَلَكِن هَذَا إِنَّمَا هُوَ لواضع اللُّغَة، وَنحن إِنَّمَا نستدل بأمارات استقرائية على وُقُوع ذَلِك مِنْهُ.

وَيرد - أَيْضا ذَلِك على الحَدِيث.

وَجَوَابه يُؤْخَذ مِمَّا يَأْتِي فِي جَوَاب الَّذِي يعده.

الثَّالِث: أَن قَول الميداني: (أَن تَجِد) ، يَقْتَضِي أَن الِاشْتِقَاق هُوَ الوجدان، وَلَيْسَ كَذَلِك إِنَّمَا الِاشْتِقَاق الرَّد عِنْد الوجدان، لَا نفس الوجدان، وَبِهَذَا الِاعْتِبَار فحد الآخرين أولى لسلامتهما من ذَلِك. /

وَجَوَابه مُتَوَقف على معرفَة المُرَاد بِالرَّدِّ فِي قَوْله: (فَيرد)، فَإِن أَرَادَ: اقتطاع لفظ من لفظ، فَالثَّانِي هُوَ الْمَرْدُود إِلَيْهِ، وَالْمعْنَى: أَنه حول من الأول إِلَى الثَّانِي حَتَّى صَار كَذَلِك، فالرد حِينَئِذٍ عَمَلي، وَحِينَئِذٍ فالإيراد مُتَوَجّه.

وَإِن أَرَادَ بِالرَّدِّ: الِاعْتِبَار وَالْعلم، فَيكون الثَّانِي مردوداً للْأولِ، بِمَعْنى اعْتِبَار أَنه قد أَخذ مِنْهُ، فالرد حِينَئِذٍ علمي لَا عَمَلي، وَلَا إِيرَاد حِينَئِذٍ عَلَيْهِ لَا بِهَذَا وَلَا بِالَّذِي قبله فِي الْإِيرَاد الثَّانِي، فَإِن وجدان التناسب الْمَذْكُور

ص: 548

وَهُوَ الِاشْتِقَاق، أَي: معرفَة أَن الثَّانِي مَأْخُوذ من الأول، لمعْرِفَة مَا بَينهمَا من التناسب المشروح.

وَيرد على حد ابْن الخشاب: كَون فِيهِ إِبْهَام فِي قَوْله: (رد فرع إِلَى أصل) ، وَكَذَا حد الرماني، لَكِن فِيهِ إِشَارَة إِلَى الْمَقْصُود فِي قَوْله:(فِي تصاريفه) ، وحد الميداني سَالم من ذَلِك من هَذِه الْحَيْثِيَّة.

إِذا علم ذَلِك؛ فللاشتقاق أَرْبَعَة أَرْكَان: الأول: الْمُشْتَقّ، وَالثَّانِي: الْمُشْتَقّ مِنْهُ، وَالثَّالِث: الْمُوَافقَة فِي الْحُرُوف الْأَصْلِيَّة، وَتقدم الِاحْتِرَاز بِهِ، وَالرَّابِع: يُؤْخَذ من التناسب وَمن الْمُشْتَقّ مِنْهُ.

قَالَ الْإِسْنَوِيّ: (قَوْله: ومناسبة الْمَعْنى، هُوَ من تَتِمَّة الرُّكْن الرَّابِع) .

وَقَالَ التَّاج السُّبْكِيّ: (يُؤْخَذ الرُّكْن الرَّابِع من الرُّكْن الثَّانِي وَهُوَ الْمُشْتَقّ مِنْهُ وَهُوَ " التَّغْيِير "، لِأَنَّهُ لَو انْتَفَى التَّغْيِير بَينهمَا لم يصدق أَنه لفظ آخر بل هُوَ هُوَ، فعدوا الْأَركان: الْمُشْتَقّ، والمشتق مِنْهُ، والموافقة فِي الْحُرُوف الْأَصْلِيَّة، والمناسبة فِي الْمَعْنى، والتغيير) انْتهى.

لَكِن ذكر التَّغْيِير بعد تَمام الْحَد يدل على أَنه لَيْسَ مِنْهُ، وَلِهَذَا قَالَ

ص: 549

الْعَضُد: (وَلذَلِك لم يَجعله من ذكره قيدا فِي الْحَد بل قَالَ بعد تَمَامه: وَلَا بُد من تَغْيِير) انْتهى.

وَقَالَ بعض أَصْحَابنَا وَأَظنهُ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين -: (إِذا قيل: هَذَا مُشْتَقّ من هَذَا، فَلهُ مَعْنيانِ:

أَحدهمَا: أَن بَينهمَا تنَاسبا لفظا وَمعنى، تكلم أهل اللُّغَة بِهَذَا بعد هَذَا وَقَبله فَكل / مِنْهُمَا مُشْتَقّ من الآخر، وَالْفِعْل مُشْتَقّ من الْمصدر وَعَكسه.

وَالْمعْنَى الثَّانِي: كَون أَحدهمَا أصلا للْآخر.

فَإِن عني بِهِ التَّكَلُّم بِأَحَدِهِمَا قبل الآخر، لم يقم على هَذَا دَلِيل فِي أَكثر الْمَوَاضِع، وَإِن عني بِهِ سبق أَحدهمَا عقلا لكَونه مُفردا وَهَذَا مركبا فالفعل مُشْتَقّ من الْمصدر) انْتهى.

قَوْله: {وَلَا بُد من تَغْيِير} .

هَذَا هُوَ الرُّكْن الرَّابِع على مَا قيل كَمَا تقدم، والتغيير خَمْسَة عشر نوعا، وَذَلِكَ إِمَّا بِزِيَادَة حرف، أَو حَرَكَة، أَو هما مَعًا، أَو نُقْصَان حرف،

ص: 550

أَو حَرَكَة، أَو هما مَعًا، أَو زِيَادَة حرف ونقصانه، أَو زِيَادَة حَرَكَة ونقصانها، أَو زِيَادَة حرف ونقصان حَرَكَة، أَو زِيَادَة حَرَكَة ونقصان حرف، عكس الَّذِي قبله، أَو زِيَادَة حرف مَعَ زِيَادَة حَرَكَة ونقصانها، أَو زِيَادَة حَرَكَة مَعَ زِيَادَة حرف ونقصانه، عكس الَّذِي قبله، أَو نُقْصَان حرف مَعَ زِيَادَة حَرَكَة ونقصانها، أَو نُقْصَان حَرَكَة مَعَ زِيَادَة حرف ونقصانه، أَو زِيَادَة حرف ونقصانه وَزِيَادَة حَرَكَة ونقصانها.

لِأَن التَّغْيِير؛ إِمَّا تَغْيِير وَاحِد، أَو تغييران، أَو ثَلَاثَة، أَو أَرْبَعَة.

فالتغيير الْوَاحِد فِي أَرْبَعَة أَمَاكِن:

فَالْأول: زِيَادَة حرف، نَحْو: كَاذِب، من الْكَذِب، زيدت الْألف بعد الْكَاف.

وَالثَّانِي: زِيَادَة حَرَكَة، نَحْو: نصر، مَاض من النَّصْر.

وَالثَّالِث: نُقْصَان حرف، كصهل من الصهيل، نقصت الْيَاء.

الرَّابِع: نُقْصَان الْحَرَكَة، كسفر بِسُكُون الْفَاء، جمع سَافر اسْم فَاعل من سفر.

وَفَسرهُ بَعضهم بِضَرْب مصدر.

قلت: يبْقى كالثاني بِاعْتِبَار.

وَأما التغييران فستة أَنْوَاع:

الأول: زِيَادَة حرف ونقصانه، كصاهل من الصهيل، زيدت الْألف وَنقص الْيَاء.

ص: 551

الثَّانِي: زِيَادَة الْحَرَكَة والحرف، كضارب من الضَّرْب، زيدت الْألف وحركة الرَّاء.

الثَّالِث: نُقْصَان الْحَرَكَة والحرف، كغلى من الغليان، نقصت الْألف وَالنُّون، ونقصت فَتْحة الْيَاء / وَفِي الِاعْتِدَاد بِسُكُون الْيَاء نظر، ومثلوه - أَيْضا بصب، من الصبابة.

الرَّابِع: زِيَادَة الْحَرَكَة ونقصانها، نَحْو: حذر، اسْم فَاعل من الحذر - بِفَتْح الذَّال الْمُعْجَمَة حذفت فَتْحة الذَّال وزيدت كسرتها.

الْخَامِس: زِيَادَة الْحَرْف ونقصان الْحَرَكَة، كعاد بتَشْديد الدَّال اسْم فَاعل من الْعدَد، زيدت الْألف، ونقصت حَرَكَة الدَّال.

السَّادِس: زِيَادَة حَرَكَة ونقصان حرف، كثبت من الثَّبَات، نقصت الْألف، وزيدت حَرَكَة وَهِي الْفَتْح على [التَّاء] ، وَلَا يَسْتَقِيم إِلَّا إِذا جعل الْبناء الطَّارِئ من سُكُون أَو حَرَكَة كزيادة على مَا كَانَ من الْمصدر، وَالْأولَى التَّمْثِيل برجع من الرَّجْعِيّ.

وَأما التغييرات [الثَّلَاثَة] فَفِي أَرْبَعَة أَنْوَاع:

ص: 552

الأول: زِيَادَة الْحَرْف مَعَ زِيَادَة الْحَرَكَة ونقصانها، كموعد من الْوَعْد زيدت الْمِيم وكسرة الْعين، وَنقص مِنْهُ فَتْحة الْوَاو.

الثَّانِي: زِيَادَة الْحَرَكَة مَعَ زِيَادَة الْحَرْف ونقصانه، كمكمل اسْم فَاعل أَو مفعول من الْكَمَال، زيدت فِيهِ الْمِيم [وضمتها] ونقصت الْألف.

الثَّالِث: نُقْصَان حرف مَعَ زِيَادَة حَرَكَة ونقصانها، كقنط اسْم فَاعل من الْقنُوط.

الرَّابِع: نُقْصَان الْحَرَكَة مَعَ زِيَادَة الْحَرْف ونقصانه، ك (كال) بتَشْديد اللَّام اسْم فَاعل من الكلال، نقصت حَرَكَة اللَّام الأولى للإدغام، ونقصت الْألف الَّتِي بَين اللامين، وزيدت الْألف قبل يَوْمَيْنِ.

وَأما التغييرات [الْأَرْبَعَة] فَفِي مَوضِع وَاحِد، وَهُوَ زِيَادَة الْحَرْف وَالْحَرَكَة مَعًا، [ونقصانهما] مَعًا، ككامل من الْكَمَال، ومثلوه أَيْضا بارم، أَمر من الرَّمْي وَالله أعلم.

ص: 553

قَوْله: {وَلَو تَقْديرا} .

التَّغْيِير تَارَة يكون ظَاهرا، وَتارَة يكون مُقَدرا لَا يظْهر، فَالظَّاهِر / تقدّمت أمثلته، والمقدر كفلك وجنب، مُفردا وجمعاً، فَإِذا أُرِيد الْجمع فِي الْفلك يؤنث، وَفِي الْوَاحِد يذكر.

فالواحد كَقَوْلِه تَعَالَى: {إِذْ أبق إِلَى الْفلك المشحون} [الصافات: 140]، وَالْجمع كَقَوْلِه تَعَالَى:{حَتَّى إِذا كُنْتُم فِي الْفلك وجرين بهم} [يُونُس: 22]، {والفلك الَّتِي تجْرِي فِي الْبَحْر} [الْبَقَرَة: 164] ، وَطلب طلبا، وهرب هرباً، وجلب جلباً، وَنَحْوهَا، فالتغيير حَاصِل، وَلكنه تَقْديرا، فَيقدر حذف الفتحة الَّتِي فِي آخر الْمصدر والإتيان بفتحة أُخْرَى فِي آخر الْفِعْل، والفتحة غير الفتحة، وَيدل على التغاير: أَن أَحدهمَا لعامل، وَالْأُخْرَى لغير عَامل.

وَقد ذكر سِيبَوَيْهٍ ذَلِك فِي جنب، فَإِنَّهُ قدر زَوَال النُّون الَّتِي هِيَ حَال إِطْلَاقه على الْمُفْرد، كَقَوْلِك: رجل جنب، والإتيان بغَيْرهَا حَال [إِطْلَاقه] على الْجمع، كَقَوْلِه تَعَالَى:{وَإِن كُنْتُم جنبا} [الْمَائِدَة: 6] ، وَأَن ضمة النُّون فِي الْمُفْرد، غير ضمة النُّون فِي الْجمع تَقْديرا.

ص: 554

قَوْله: { [و] الْمُشْتَقّ: فرع وَافق أصلا بِحُرُوفِهِ الْأُصُول وَمَعْنَاهُ} .

حد جمَاعَة الْمُشْتَقّ فَقَط، وَهُوَ يدل على الِاشْتِقَاق، وحد جمَاعَة الِاشْتِقَاق، وَهُوَ الأَصْل، وَيدل على الْمُشْتَقّ والمشتق مِنْهُ، وَحدهمَا جمَاعَة مِنْهُم: ابْن قَاضِي الْجَبَل، والبرماوي، وَغَيرهمَا، وتبعتهم؛ لِأَن الِاشْتِقَاق غير الْمُشْتَقّ والمشتق مِنْهُ؛ لِأَن الِاشْتِقَاق فعل يُوجد من فَاعله، والمشتق اسْم مفعول فَلَا بُد لَهُ من فَاعل، لكنه يدل عَلَيْهِ وجمعهما أوضح.

فالمشتق: هُوَ الْمُوَافق لكلمة أُخْرَى بحروف الأَصْل وَالْمعْنَى.

وَقَوْلنَا: (بِحُرُوفِهِ الْأُصُول) ، لتخرج الْكَلِمَات الَّتِي توَافق أصلا بِمَعْنَاهُ لَا بِحُرُوفِهِ الْأُصُول، كالحبس وَالْمَنْع.

وَقَوْلنَا: (وَمَعْنَاهُ) ، ليحترز بِهِ عَن مثل (الذَّهَب) فَإِنَّهُ يُوَافق أصلا وَهُوَ الذّهاب فِي حُرُوفه الْأُصُول، وَلَكِن غير مُوَافق فِي مَعْنَاهُ، وَتقدم ذَلِك فِي قيود الِاشْتِقَاق، وَتقدم أَيْضا أَن اشْتِرَاط اتِّحَاد الْمَعْنى يخرج نَحْو: لحم وملح وحلم، فَلَيْسَ بَعْضهَا مشتقاً من بعض أصلا.

قَوْله: {والأصغر مِنْهُ: اتِّفَاق / اللَّفْظَيْنِ فِي الْحُرُوف وَالتَّرْتِيب، كنصر من النَّصْر [مَعَ وجود الْمَعْنى كَمَا تقدم] وَهُوَ الْمَحْدُود} .

ص: 555

وَهَذَا المُرَاد حَيْثُ أطْلقُوا الِاشْتِقَاق فِي الْغَالِب، وَإِذا أَرَادوا غَيره قيدوه بالأوسط أَو غَيره على قدر مَا اصْطَلحُوا عَلَيْهِ.

قَوْله: {والأوسط: فِي الْحُرُوف فَقَط [مَعَ وجود الْمَعْنى] كجبذ من الجذب} .

وَسَماهُ القَاضِي عضد الدّين: الصَّغِير، وَسَماهُ الكوراني: الْكَبِير.

وَهُوَ: اتِّفَاق اللَّفْظَيْنِ فِي الْحُرُوف فَقَط، أَعنِي: دون ترتيبها كَمَا مثلنَا فَإِن حُرُوف (جبذ) و (جذب) متفقة الْحُرُوف وَالْمعْنَى، لَكِنَّهَا غير مرتبَة لتقديم الْبَاء على الذَّال فِي الأول، وَتَقْدِيم الذَّال على الْبَاء فِي الثَّانِي.

وَقَالَ الْعَضُد وَغَيره: (يعْتَبر فِي الْأَصْغَر مُوَافَقَته فِي الْمَعْنى، وَفِي الآخرين مناسبته) .

قَوْله: {والأكبر: فِي [الْمخْرج] كحروف الْحلق والشفة، [كنعق] وثلم، من النهيق والثلب، وَلم يُثبتهُ الْأَكْثَر} .

الِاشْتِقَاق الْأَكْبَر علامته: اتِّفَاق اللَّفْظَيْنِ فِي الْمخْرج، لَا فِي التَّرْتِيب بل فِي النَّوْع، كاتفاقهما فِي حُرُوف الْحلق أَو حُرُوف الشّفة، كنهق من النعيق،

ص: 556

أَو عَكسه، وثلم وثلب، فَإِن الْهَاء وَالْعين من حُرُوف الْحلق، وَالْمِيم وَالْبَاء من حُرُوف الشّفة.

وَبَعْضهمْ يَقُول: (اتِّفَاق اللَّفْظَيْنِ فِي بعض الْحُرُوف) .

وَبَعْضهمْ يَقُول: (الْمُسَاوَاة فِي أَكثر الْأُصُول) .

وَمن هَذَا قَول الْفُقَهَاء: الضَّمَان مُشْتَقّ من الضَّم؛ لِأَنَّهُ ضم ذمَّة إِلَى أُخْرَى، فَلَا يعْتَرض بِأَنَّهُمَا مُخْتَلِفَانِ فِي بعض الْأُصُول؛ لِأَن النُّون لَيست فِي الضَّم، وَالضَّمان لَيْسَ مُتحد الْعين وَاللَّام بِخِلَاف الضَّم، وَهَذَا عَلَيْهِ أَكثر الْأَصْحَاب؛ أَعنِي: أَنه مُشْتَقّ من الضَّم والانضمام.

قَالَ أَبُو حَيَّان: (وَلم يقل بِهِ يَعْنِي: بالاشتقاق الْأَكْبَر من النُّحَاة إِلَّا أَبُو الْفَتْح، وَالصَّحِيح أَنه غير معول عَلَيْهِ لعدم اطراده) انْتهى.

ص: 557

وَلذَلِك قُلْنَا: (وَلم يُثبتهُ الْأَكْثَر) .

قيل: (وَقَالَ بِهِ ابْن فَارس، وَبنى عَلَيْهِ / كِتَابه المقاييس فِي اللُّغَة) .

قلت: الصَّحِيح أَن الضَّمَان مُشْتَقّ من التضمن؛ لِأَن ذمَّة الضَّامِن تَتَضَمَّن الْحق، قَالَه القَاضِي أَبُو يعلى، وَاخْتَارَهُ ابْن أبي الْفَتْح وَغَيره، وَقَالَ ابْن عقيل:(مَأْخُوذ من الضمن، فَتَصِير ذمَّة الضَّامِن فِي ضمن ذمَّة الْمَضْمُون عَنهُ) .

قَوْله: {ويطرد كاسم فَاعل وَنَحْوه، وَقد يخْتَص كالقارورة} .

الْمُشْتَقّ يطرد إِطْلَاقه كثيرا على جَمِيع مدلولاته، كاسم الْفَاعِل، وَاسم الْمَفْعُول، وَالصّفة المشبهة، وأفعل التَّفْضِيل، وَاسم الْمَكَان، وَالزَّمَان، والآلة، فَإِن الضَّارِب يُطلق على كل من ثَبت لَهُ الضَّرْب، وَكَذَلِكَ الْمَضْرُوب، وَالْحسن الْوَجْه، وَغَيرهَا، وَقد لَا يطرد كالقارورة، فَإِنَّهَا مُخْتَصَّة

ص: 558

بالزجاجة، وَإِن كَانَت مَأْخُوذَة من القر فِي الشَّيْء، وَلم يعدوها إِلَى كل مَا يقر فِيهِ الشَّيْء من خشب أَو خزف أَو غير ذَلِك، وكالدبران منزلَة الْقَمَر، وَإِن كَانَ من الدبور، فَلَا يُطلق على كل مَا هُوَ مَوْصُوف بالدبور، بل يخْتَص بِمَجْمُوع خَمْسَة كواكب من الثور، يُقَال: إِنَّه سنامه، وَهُوَ الْمنزل الرَّابِع من منَازِل الْقَمَر المعاقب للثريا، وَكَذَلِكَ العيوق، والسماك، قَالَه الْعَضُد.

وَكَانَ عدم الاطراد لكَون التَّسْمِيَة لَا بِهَذَا الْمَعْنى فَقَط، بل لمصاحبته لَهُ، وَفرق بَين تَسْمِيَة الْعين لوُجُود الْمُشْتَقّ مِنْهُ فِيهِ وَهُوَ الاطرادي، أَو بِوُجُودِهِ فِيهِ وَهُوَ مَا لَا يطرد.

قَوْله: {وإطلاقه قبل وجود الصّفة الْمُشْتَقّ مِنْهَا مجَاز، وَحكي إِجْمَاعًا إِن أُرِيد الْفِعْل، [وَإِن أُرِيد] الصّفة كسيف قطوع وَنَحْوه فحقيقة، قَالَه القَاضِي وَغَيره، وَقيل: مجَاز} .

ص: 559

إِطْلَاق الْمُشْتَقّ قبل وجود الصّفة الْمُشْتَقّ مِنْهَا مجَاز، وَذكره جمَاعَة إِجْمَاعًا، وَحَكَاهُ ابْن الْحَاجِب وَجَمَاعَة اتِّفَاقًا، لَكِن قَالَ ابْن مُفْلِح فِي أُصُوله: (وَلَعَلَّ المُرَاد: إِذا أُرِيد الْفِعْل، كَقَوْلِنَا مثلا: زيد ضَارب، قبل وجود الضَّرْب مِنْهُ.

فَإِن أُرِيد الصّفة المشبهة باسم الْفَاعِل، كَقَوْلِهِم: سيف قطوع، وخبز مشبع، وَمَاء مرو، وخمر مُسكر، فَقَالَ القَاضِي وَغَيره: هُوَ حَقِيقَة / لعدم صِحَة النَّفْي.

وَقيل: مجَاز) ، كَغَيْرِهِ، وَهُوَ ظَاهر كَلَام من لم يُقيد الْمَسْأَلَة.

وحكاية الْإِجْمَاع فِي أصل الْمَسْأَلَة قَالَ بَعضهم: (فِيهِ نظر؛ فَإِن أَبَا حنيفَة قَالَ فِي حَدِيث: " المتابعين بِالْخِيَارِ ": إنَّهُمَا المتساومان،

ص: 560

سميا متبايعين لأخذهما فِي مبادئ البيع، وسيصيران متبايعين.

فَرده الشَّافِعِي: بِأَنَّهُ يَصح نَفْيه، وَهُوَ دَلِيل الْمجَاز، فَلَا يحمل الحَدِيث عَلَيْهِ) .

قَوْله: {فَأَما [صِفَات الله تَعَالَى] فقديمة، وَهِي حَقِيقَة عِنْد أَحْمد وَأَصْحَابه وَأكْثر أهل السّنة، وَمذهب الْمُعْتَزلَة [حدوثها] ، والأشعرية حُدُوث صِفَات الْفِعْل} .

قَالَ الْحَافِظ أَبُو الْفضل ابْن حجر فِي " شرح البُخَارِيّ ": (اخْتلفُوا هَل

ص: 561

صفة الْفِعْل قديمَة أَو حَادِثَة؟ فَقَالَ جمَاعَة من السّلف مِنْهُم أَبُو حنيفَة: هِيَ قديمَة. - قلت: وَهُوَ مَذْهَب أَحْمد وَأَصْحَابه وَأكْثر السّلف، كَمَا نَقله ابْن مُفْلِح.

قَالَ -: وَقَالَ آخَرُونَ مِنْهُم: ابْن كلاب، والأشعري: هِيَ حَادِثَة لِئَلَّا يكون الْمَخْلُوق قَدِيما.

وَأجَاب الأول: بِأَنَّهُ يُوجد فِي الْأَزَل صفة الْخلق وَلَا مَخْلُوق.

فَأجَاب الْأَشْعَرِيّ: بِأَنَّهُ لَا يكون خلق وَلَا مَخْلُوق، كَمَا لَا يكون ضَارب وَلَا مَضْرُوب.

فألزموه بحدوث صِفَاته، فَيلْزم حُلُول الحوداث بِاللَّه.

فَأجَاب: بِأَن هَذِه الصِّفَات لَا تحدث فِي الذَّات شَيْئا جَدِيدا.

فتعقب: بِأَنَّهُ يلْزم أَن لَا يُسمى فِي الْأَزَل خَالِقًا وَلَا رازقاً، وَكَلَام الله قديم، وَقد ثَبت فِيهِ أَنه الْخَالِق الرازق.

ص: 562

فانفصل بعض الأشعرية: بِأَن إِطْلَاق ذَلِك إِنَّمَا هُوَ بطرِيق الْمجَاز، وَلَيْسَ المُرَاد بِعَدَمِ التَّسْمِيَة عدمهَا بطرِيق الْحَقِيقَة.

وَلم يرتضه بَعضهم بل قَالَ وَهُوَ الْمَنْقُول عَن الْأَشْعَرِيّ نَفسه -: إِن الْأَسَامِي جَارِيَة مجْرى الْأَعْلَام، وَالْعلم لَيْسَ بِحَقِيقَة وَلَا مجَاز فِي اللُّغَة، وَأما فِي الشَّرْع؛ فَلفظ الْخَالِق والرازق صَادِق عَلَيْهِ تَعَالَى بِالْحَقِيقَةِ الشَّرْعِيَّة، والبحث إِنَّمَا هُوَ فِيهَا، لَا فِي الْحَقِيقَة / اللُّغَوِيَّة، فألزموه بتجويز إِطْلَاق اسْم الْفَاعِل على من لم يقم بِهِ الْفِعْل.

فَأجَاب: بِأَن الْإِطْلَاق هُنَا شَرْعِي لَا لغَوِيّ) انْتهى كَلَام الْحَافِظ.

وَقَالَ: (تصرف البُخَارِيّ فِي هَذَا الْموضع يَقْتَضِي مُوَافقَة القَوْل الأول، والصائر إِلَيْهِ يسلم من الْوُقُوع فِي مَسْأَلَة حوداث لَا أول لَهَا) .

وَأما الْمُعْتَزلَة فَقَالُوا: صِفَات الله الذاتية والفعلية حَادِثَة، وَلم يثبتوا لَهُ تَعَالَى صفة من الصِّفَات، بل أولُوا كل مَا ورد، فَقَالُوا: هَذِه الصِّفَات إِمَّا أَن تكون حَادِثَة، فَيلْزم قيام الْحَوَادِث بِذَاتِهِ، وخلوه فِي الْأَزَل عَن الْعلم وَالْقُدْرَة والحياة وَغَيرهَا من الكمالات، وصدورها عَنهُ بِالْقَصْدِ وَالِاخْتِيَار، أَو بشرائط حَادِثَة لَا بداية لَهَا، وَالْكل بَاطِل بالِاتِّفَاقِ.

وَإِمَّا أَن تكون قديمَة، فَيلْزم تعدد القدماء، وَهُوَ كفر بِإِجْمَاع الْمُسلمين، وَقد كفرت النَّصَارَى بِزِيَادَة قديمين، فَكيف بِالْأَكْثَرِ؟

ص: 563

هَذَا كَلَامهم؛ وَأجِيب عَن ذَلِك: بِأَنا لَا نسلم تغاير الذَّات مَعَ الصِّفَات، وَلَا الصِّفَات بَعْضهَا مَعَ الْبَعْض ليثبت التَّعَدُّد، فَإِن الغيرين هما اللَّذَان يُمكن انفكاك أَحدهمَا عَن الآخر بمَكَان أَو زمَان، أَو بِوُجُود وَعدم، أَو هما ذاتان لَيست إِحْدَاهمَا الْأُخْرَى، وتفسيرهما بالشيئين أَو الْمَوْجُودين أَو الِاثْنَيْنِ فَاسد؛ لِأَن الْغَيْر من الْأَسْمَاء الإضافية، وَلَا إِشْعَار فِي هَذَا التَّفْسِير بذلك، قَالَه فِي " شرح الْمَقَاصِد ".

وَسَيَأْتِي بذلك إِلْمَام فِي شرح قَوْلنَا: (شَرط الْمُشْتَقّ صدق أَصله) .

قَوْله: {وَحَال وجود الصّفة حَقِيقَة إِجْمَاعًا} .

كَقَوْلِنَا: لمن يضْرب فِي تِلْكَ الْحَال: ضَارب، فَهَذَا حَقِيقَة إِجْمَاعًا، وَسَيَأْتِي مَتى تكون حَقِيقَة فِي الْكَلَام على المصادر السيالة.

لَكِن قَالَ أَبُو الْحسن البعلي الْحَنْبَلِيّ فِي كِتَابه فِي " الْأُصُول " وَهُوَ من الْمُتَأَخِّرين -: (وَالْمرَاد حَال التَّلَبُّس، لَا حَال النُّطْق، قَالَه القَاضِي أَبُو يعلى، وَالْقَاضِي أَبُو الطّيب، / وَغَيرهمَا) .

ص: 564

قلت: وَفِيه نظر؛ لِأَن مَحل الْإِجْمَاع فِي كَونه حَقِيقَة حَال وجود الصّفة، وَهُوَ الضَّرْب مثلا، فَقَوله: المُرَاد حَال التَّلَبُّس لَا النُّطْق، غير سديد؛ لِأَن [حَال] النُّطْق غير دَاخل فِي الْمَسْأَلَة حَتَّى يبين المُرَاد، بل وَلَا يُوجد صفة لمُجَرّد النُّطْق، فَالصَّوَاب حذف ذَلِك، وَلِهَذَا لم أذكرهُ فِي الْمَتْن، وَلَا رَأَيْت من ذكره غَيره، وَالَّذِي يظْهر أَنه تَابع التَّاج السُّبْكِيّ فِي " جمع الْجَوَامِع " فَإِنَّهُ قَالَ:(وَمن ثمَّ كَانَ اسْم الْفَاعِل حَقِيقَة فِي الْحَال، أَي حَال التَّلَبُّس لَا النُّطْق خلافًا للقرافي) .

وَسَيَأْتِي الْكَلَام على مَسْأَلَة الْقَرَافِيّ وَالرَّدّ عَلَيْهِ قَرِيبا.

وَقد قَالَ ابْن الْعِرَاقِيّ: (مُقْتَضى عبارَة المُصَنّف: أَن الْقَرَافِيّ اعْتبر حَال النُّطْق، وَلَيْسَ ذَلِك وافياً بقوله) ، وَذكر كَلَام الْقَرَافِيّ.

قَوْله: {وَبعد انْقِضَائِهَا [مجَاز عِنْد القَاضِي وَابْن عقيل وَالْحَنَفِيَّة والرازي وَأَتْبَاعه، وَعند ابْن حمدَان وَغَيره، وَحكي عَن الْأَكْثَر: حَقِيقَة: وَاخْتَارَهُ أَبُو الطّيب عقب الْفِعْل]، وَقَالَ [القَاضِي] أَيْضا - وَأَبُو الْخطاب [وَجمع] : إِن لم يكن بَقَاء الْمَعْنى كالمصادر السيالة كَالْكَلَامِ وَنَحْوه

ص: 565

فحقيقة، وَإِلَّا فمجاز، كالقيام وَنَحْوه} .

اخْتلف الْعلمَاء فِي إِطْلَاق الِاسْم الْمُشْتَقّ بعد انْقِضَاء الصّفة، هَل هُوَ حَقِيقَة أم لَا؟

فَذهب القَاضِي أَبُو يعلى من أَئِمَّة أَصْحَابنَا وَابْن عقيل، وَالْحَنَفِيَّة، والرازي، وَأَتْبَاعه: أَنه مجَاز بِاعْتِبَار مَا كَانَ، ويعبر عَنهُ بِاشْتِرَاط بَقَاء الْمُشْتَقّ مِنْهُ فِي صدق الْمُشْتَقّ حَقِيقَة، سَوَاء كَانَ الْمُشْتَقّ مِمَّا يُمكن حُصُوله بِتَمَامِهِ وَقت الْإِطْلَاق، كالقيام وَالْقعُود وَنَحْوهمَا، فَيُقَال: قَائِم وقاعد، أَو لَا يُمكن، كَمَا لَو كَانَ فِي الْأَعْرَاض السيالة كَالْكَلَامِ والتحرك، فَيُقَال: مُتَكَلم ومتحرك، مِمَّا لَا يكون وَيُوجد دفْعَة وَاحِدَة، وَإِنَّمَا يَأْتِي شَيْئا فَشَيْئًا.

فَذهب هَؤُلَاءِ الْجَمَاعَة إِلَى أَن إِطْلَاقه / عَلَيْهِ على سَبِيل الْمجَاز مُطلقًا،

ص: 566

وَذكره ابْن عقيل إِجْمَاعًا بَينه وَبَين الْمُعْتَزلَة، فِي أَنه لَا يعْتَبر لِلْأَمْرِ إِرَادَة.

وَذهب ابْن حمدَان وَغَيره من أَصْحَابنَا وَغَيرهم، وَحَكَاهُ بعض أَصْحَابنَا عَن أَكثر الْعلمَاء: إِلَى أَنه حَقِيقَة، وَاخْتَارَهُ القَاضِي أَبُو الطّيب الطَّبَرِيّ لَكِن عقب الْفِعْل، نَقله عَنهُ القَاضِي أَبُو يعلى، فَلَو تَأَخّر كثيرا لم يكن حَقِيقَة.

وَقَالَ أَبُو الْخطاب فِي مَسْأَلَة خيال الْمجْلس وَغَيره: إِن لم يُمكن بَقَاء الْمَعْنى كالمصادر السيالة كَالْكَلَامِ والتحرك وَنَحْوهمَا فحقيقة، لوُجُود الْفِعْل وَتعذر بَقَائِهِ، وَإِلَّا فمجاز كالضرب وَالْقِيَام وَالْقعُود وَنَحْوهَا.

قَالَ أَبُو الْخطاب: (الْفرق بَين مَا يعْدم عقب وجود مُسَمَّاهُ كَالْبيع وَالنِّكَاح والاغتسال والتوضئ فحقيقة، وَمَا يَدُوم بعد وجود الْمُسَمّى كالقيام وَالْقعُود، فَإِذا عدما فمجاز) انْتهى.

وَكَذَا قَالَ القَاضِي وَغَيره فِي التبايع: إِنَّه حَقِيقَة بعده وَإِلَّا فَلَا، فَأَما حَال التبايع فمجاز عِنْدهم.

وَقَالَهُ أَبُو الطّيب خلافًا للحنفية لعدم وجود الْفِعْل، نَقله ابْن مُفْلِح.

ص: 567

تَنْبِيه: هَذَا نقل ابْن مُفْلِح وَغَيره فِي هَذِه الْمَسْأَلَة.

وَقَالَ ابْن الْعِرَاقِيّ فِي " شرح جمع الْجَوَامِع " وَغَيره: (فِيهَا ثَلَاثَة مَذَاهِب:

أَحدهَا: أَنه مجَاز وَإِنَّمَا يكون حَقِيقَة إِذا أطلق مَعَ قيام الْمُشْتَقّ مِنْهُ، ثمَّ إِن أمكن حُصُوله دفْعَة وَاحِدَة كالقيام وَالْقعُود فَلَا إِشْكَال فِيهِ، وَإِن لم يُمكن كالأعراض السيالة الَّتِي لَا يُمكن اجْتِمَاع أَجْزَائِهَا دفْعَة وَاحِدَة كَالْكَلَامِ وَنَحْوه، اكْتفي فِي كَون الْإِطْلَاق حَقِيقِيًّا بِأَن يقْتَرن ذَلِك بآخر جُزْء، وَبِهَذَا قَالَ الْجُمْهُور) انْتهى.

وَقَالَ الْبرمَاوِيّ: (الْمُشْتَقّ تَارَة مِمَّا يُمكن حُصُوله بِتَمَامِهِ وَقت الْإِطْلَاق كالقيام وَالْقعُود، وَتارَة لَا يُمكن كَمَا لَو كَانَ من الْأَعْرَاض السيالة كَالْكَلَامِ، وَإِنَّمَا الْإِطْلَاق الْحَقِيقِيّ فِي هَذَا وَنَحْوه أَن يكون / عِنْد آخر جُزْء، فَلَا يُطلق على من قَالَ: زيد قَائِم، أَنه مُتَكَلم أَو مخبر أَو مُحدث إِلَّا عِنْد نطقه بِالْمِيم من (قَائِم) ؛ لِأَن الْكَلَام اسْم لمجموع الْحُرُوف، ويستحيل اجْتِمَاع تِلْكَ الْحُرُوف فِي وَقت وَاحِد، لِأَنَّهَا أَعْرَاض سيالة، لَا يُوجد مِنْهَا حرف إِلَّا بعد انْفِصَال الآخر.

ص: 568

هَذَا مَا بَحثه فِي " الْمَحْصُول "، وَهُوَ حسن، ينزل عَلَيْهِ إِطْلَاق الْجُمْهُور، وَإِن كَانَ ظَاهر كَلَام الْهِنْدِيّ، وَوَافَقَهُ فِي " جمع الْجَوَامِع " أَن الْجُمْهُور صَرَّحُوا بذلك، وَلَيْسَ كَذَلِك) انْتهى.

قَالَ الكوراني: (قَوْلهم: الْجُمْهُور على اشْتِرَاط بَقَاء الْمُشْتَقّ مِنْهُ فِي كَون الْمُشْتَقّ حَقِيقَة، وَإِلَّا فآخر جُزْء، يشْعر بِأَن هَذَا مَذْهَب رَابِع [غير الثَّلَاثَة] ، وَلَيْسَ كَذَلِك؛ بل هُوَ مَذْهَب من يشْتَرط بَقَاء الْمَعْنى) انْتهى.

وَحَاصِل ذَلِك: أَنهم حرروا مَتى يحكم بِأَنَّهُ حَقِيقَة مَعَ وجود الصّفة، وَأما بعد انْقِضَائِهَا فالأقوال الثَّلَاثَة الْمُتَقَدّمَة.

احْتج الْقَائِل بالمجاز بِأَنَّهُ يَصح نَفْيه، فَيصدق: لَيْسَ بضارب فِي الْحَال، وَالسَّلب الْمُطلق جُزْء الْمُقَيد.

رد: إِن أُرِيد سلب أخص لم يصدق: لَيْسَ بضارب مُطلقًا؛ لِأَن الضَّارِب فِي الْحَال أخص مِنْهُ، وَنفي الْأَخَص لَا يسْتَلْزم نفي الْأَعَمّ؛ لِأَن نقيضه أَعم من نقيضه.

قَالُوا: لَا يُقَال: كَافِر، لكفر سبق.

رد: لمَنعه شرعا تَعْظِيمًا للصحابة وللمسلم بعدهمْ.

ص: 569

وَاحْتج الْآمِدِيّ: بِأَنَّهُ يلْزم أَن يُطلق على الْقَائِم قَاعد وَبِالْعَكْسِ، وَهُوَ خلاف الْإِجْمَاع.

وَلقَائِل أَن يُجيب بِالْمَنْعِ. وَاحْتج الْقَائِل بِالْحَقِيقَةِ: أَنه يَصح الْإِطْلَاق، وَالْأَصْل الْحَقِيقَة. رد: بالمستقبل فَإِنَّهُ مجَاز اتِّفَاقًا كَمَا تقدم.

ورد: إِذا كَانَ الْقَائِل من ثَبت لَهُ التَّعَلُّق لم يلْزم.

قَالُوا: صَحَّ مُؤمن وَنَحْوه لنائم وميت.

أُجِيب: مجَاز.

وَقَالَهُ القَاضِي فِي مَسْأَلَة الْإِجْمَاع.

قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين وَغَيره: (هَذَا غلط؛ لِأَن الْإِيمَان لَا يُفَارِقهُ بِالْمَوْتِ، بل هُوَ مُؤمن بعد مَوته، وَهَذِه فِي مَسْأَلَة (النُّبُوَّة لَا تَزُول بِالْمَوْتِ) ، وبسببها جرت المحنة على الأشعرية فِي زمن / ملك خُرَاسَان مَحْمُود ابْن سبكتكين، وَالْقَاضِي وَسَائِر أهل السّنة أَنْكَرُوا هَذَا عَلَيْهِم، حَتَّى صنف

ص: 570

الْبَيْهَقِيّ " حَيَاة الانبياء فِي قُبُورهم "، وَلِأَن الْآيَة دلّت على وجوب اتِّبَاع الماضين فَلَا تردد، فَإِن الْعَصْر الثَّانِي محجوجون بالعصر الأول وَإِن كَانُوا قد مَاتُوا) انْتهى.

وَمن فروع الْمَسْأَلَة: لَو قَالَ: أَنا مقرّ، فَإِن زَاد: بدعواك، وَنَحْوهَا، كَانَ إِقْرَارا، وَإِن لم يزدْ، فَفِي كَونه إِقْرَارا وَجْهَيْن لأَصْحَاب الإِمَام أَحْمد وَالصَّحِيح أَنه إِقْرَار، وَالله تَعَالَى أعلم.

{تَنْبِيه: يسْتَثْنى من [مَحل الْخلاف] } ثَلَاث مسَائِل: الأولى: {لَو طَرَأَ على الْمحل وصف وجودي يُنَاقض الأول، فمجاز إِجْمَاعًا} .

مِثَاله: تَسْمِيَة الْيَقظَان نَائِما، بِاعْتِبَار النّوم السَّابِق، فَهُوَ مجَاز قطعا، وَكَذَا تَسْمِيَة الْقَائِم قَاعِدا، وَعَكسه، بِاعْتِبَار الْقعُود وَالْقِيَام السَّابِقين،

ص: 571

وَذَلِكَ لِأَنَّهُ من بَاب إِطْلَاق أحد الضدين على الآخر، هَذَا مُقْتَضى كَلَام الرَّازِيّ وَأَتْبَاعه، وَحَكَاهُ الْآمِدِيّ إِجْمَاع الْمُسلمين وَأهل اللِّسَان.

الثَّانِيَة: { [لَو] منع مَانع من [خَارج] من إِطْلَاقه، فَلَا حَقِيقَة وَلَا مجَاز} .

مِثَاله: إِطْلَاق الْكَافِر على من أسلم لتضاد الوصفين، فَلَا يكون حَقِيقَة، وَلما فِيهِ من إهانة الْمُسلم والإخلال بتعظيمه، وَلذَلِك يُسمى مُؤمنا فِي حَال نَومه وَنَحْوه، إطلاقاً مُتَعَيّنا شَائِعا، وَلَا مجَاز، بل لَو قيل: إِنَّه حَقِيقَة شَرْعِيَّة، أَو مُسْتَثْنى من الْقَوَاعِد اللُّغَوِيَّة لذَلِك، لم يكن بَعيدا، وَحِينَئِذٍ فإسناد منع ذَلِك إِلَى الْمَانِع، أولى من القَوْل بِإِسْنَادِهِ إِلَى عدم الْمُقْتَضِي، لكَون الأَصْل عدم الْمُقْتَضِي وَعدم الْمَانِع، لأَنا نقُول: إِنَّمَا ذَلِك عِنْد الِاحْتِمَال، وَهنا قد تحقق وجود مَانع، وَيَأْتِي فِي الْقيَاس لنا خلاف فِي أَن الْمَانِع يَسْتَدْعِي وجود الْمُقْتَضى أَو لَا؟

ص: 572

الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة: قَالَ الْقَرَافِيّ: (مَحل الْخلاف إِذا كَانَ الْمُشْتَقّ مَحْكُومًا بِهِ كزيد مُشْرك أَو زَان أَو سَارِق، أما إِذا كَانَ مُتَعَلق الحكم وَهُوَ الْمَحْكُوم عَلَيْهِ ك {اقْتُلُوا الْمُشْركين} [التَّوْبَة: 5] ، {الزَّانِيَة وَالزَّانِي فاجلدوا} [النُّور: 2] ، {وَالسَّارِق والسارقة فَاقْطَعُوا} [الْمَائِدَة: 38] ، فَهُوَ حَقِيقَة مُطلقًا فِيمَن اتّصف بِهِ / فِي الْمَاضِي وَالْحَال والإستقبال، إِذْ لَو كَانَ مجَازًا لَكَانَ من أشرك أَو زنا أَو سرق بعد زمَان نزُول الْآيَة وَالْخطاب بهَا يكون مجَازًا فَلَا يدْخل فِيهَا، لِأَن الأَصْل عدم الْمجَاز، وَلَا قَائِل بذلك، أَي: وَإِذا قُلْنَا: بِاعْتِبَار الِانْقِضَاء فِي الْمَاضِي فيقيد بذلك أَيْضا وَلَا مخلص من الْإِشْكَال إِلَّا بِمَا قَرَّرْنَاهُ، لِأَن الله تَعَالَى لم يحكم فِي تِلْكَ الْآيَات بشرك أحد وَلَا بزناه وَلَا بسرقته، وَإِنَّمَا حكم بِالْقَتْلِ وَالْجَلد وَالْقطع على الْمَوْصُوف بِهَذِهِ الصِّفَات؛ نعم هُوَ مُتَعَلق هَذِه الْأَحْكَام) انْتهى.

ص: 573

وَقد خُولِفَ فِي زَمَانه، واضطربوا فِي جَوَابه، وَإِن كَانَ الْأَصْفَهَانِي فِي " شرح الْمَحْصُول " قد ذكر نَحوه.

فَأجَاب بَعضهم عَن ذَلِك: بِأَن الْمجَاز وَإِن كَانَ الأَصْل عَدمه، إِلَّا أَن الْإِجْمَاع انْعَقَد على أَن المتصفين بِهَذِهِ الصِّفَات بعد وُرُود النُّصُوص يتناولهم وَتثبت تِلْكَ الْأَحْكَام فيهم.

وَلَكِن الْجَواب الصَّحِيح: أَن هُنَا شَيْئَيْنِ: إِطْلَاق اللَّفْظ وَإِرَادَة الْمَعْنى من غير تعرض لزمان، كَقَوْلِنَا: الْخمر حرَام، فَإِنَّهُ صَادِق، سَوَاء كَانَت الخمرية مَوْجُودَة أَو لَا، فإطلاق الْخمر فِي هَذِه الْحَالة حَقِيقَة، لِأَن المُرَاد بِالْحَال حَال التَّلَبُّس لَا التَّلَفُّظ، وَكَذَلِكَ نَحْو:{اقْتُلُوا الْمُشْركين} [التَّوْبَة: 5]، و {الزَّانِيَة وَالزَّانِي} [النُّور: 2] ، {وَالسَّارِق والسارقة} [الْمَائِدَة: 38] ، لم يقْصد إِلَّا من اتّصف بالشرك وبالزنا، وبالسرقة وَقت تلبسه، وَذَلِكَ حَقِيقَة، وَمثله: إِطْلَاق ذَلِك بعد الِانْقِضَاء، فَإِنَّهُ لم يخرج عَن ذَلِك الَّذِي أطلق حَقِيقَة وَاسْتمرّ، وَإِنَّمَا يَقع التَّجَوُّز، عِنْد إِرَادَة الْمُتَكَلّم إِطْلَاق الْوَصْف بِاعْتِبَار مَا كَانَ عَلَيْهِ، أَو مَا يؤول إِلَيْهِ.

ص: 574

قَالَ السُّبْكِيّ: (وَإِنَّمَا سرى الْوَهم للقرافي من اعْتِقَاده أَن الْمَاضِي وَالْحَال والمستقبل بِحَسب زمَان إِطْلَاق اللَّفْظ، وَالْقَاعِدَة صَحِيحَة فِي نَفسهَا، وَلَكِن لم يفهمها حق فهمها، فالمدار على حَال التَّلَبُّس لَا حَال النُّطْق.

على أَنه قد نُوقِشَ الْقَرَافِيّ فِي مَوَاضِع مِنْهَا:

قَوْله: إِن مُتَعَلق الحكم لَيْسَ مرَادا.

يرد / عَلَيْهِ: قَوْلك: الْقَاتِل يقتل، أَو الْكَافِر يقتل، تُرِيدُ بِهِ معهوداً حَاضرا، فَإِنَّهُ لَا يكون حَقِيقَة حَتَّى يكون الْقَتْل قَائِما بِهِ من حَيْثُ الْخطاب، وَأَيْضًا قَوْله تَعَالَى:{اقْتُلُوا الْمُشْركين} [التَّوْبَة: 5] ، ينْحل إِلَى الَّذين هم مشركون فهم مَحْكُوم عَلَيْهِم.

وَبِالْجُمْلَةِ فَلَا فرق بَين أَن يكون الْمُشْتَقّ مَحْكُومًا عَلَيْهِ، أَو مُتَعَلق الحكم، أَو غير ذَلِك، فالمدار على مَا قَرَّرْنَاهُ) انْتهى.

ص: 575