الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قَوْله: {فصل شكر الْمُنعم}
{من قَالَ بِالْأولِ: أوجبه شرعا، وَبِالثَّانِي: أوجبه عقلا، [وَقيل: لَا] } .
شكر الْمُنعم وَاجِب على كلا الطَّرِيقَيْنِ، وَقد تقدم فِي " شرح الْخطْبَة ": أَن شكر الْمُنعم والمنعم هُوَ الله سُبْحَانَهُ -: عبارَة عَن اسْتِعْمَال جَمِيع مَا أنعم الله بِهِ على العَبْد من القوى والأعضاء: الظَّاهِرَة والباطنة، المدركة والمحركة - فِيمَا خلقه الله تَعَالَى لأَجله: كاستعمال النّظر فِي مُشَاهدَة مصنوعاته، وآثار رَحمته ليستدل على صانعها، وَكَذَا السّمع وَغَيره.
إِذا علمت ذَلِك؛ فَمن قَالَ بِالْأولِ وَهُوَ مَذْهَبنَا وَمذهب الْأَكْثَر من أَن الْحَاكِم هُوَ الله، وَأَن الْعقل لَا يحسن وَلَا يقبح، وَلَا يُوجب وَلَا يحرم قَالَ: وَجب شكره شرعا.
وَمن قَالَ بِالثَّانِي وَهُوَ مَذْهَب الْمُعْتَزلَة وَغَيرهم كَمَا تقدم [قَالَ] : وَجب شكره عقلا.
بنى ذَلِك أَبُو الْخطاب، والآمدي، وَغَيرهمَا، وَمَعْنَاهُ لِابْنِ عقيل، وَغَيره.
وَقَالَ الْمجد فِي " المسودة ": (شكر الْمُنعم وَاجِب بِالشَّرْعِ فِي قَوْلنَا، وَقَول أهل الْأَثر، والأشعرية.
وَقَالَت الْمُعْتَزلَة: يجب عقلا) .
وَاحْتج أَبُو الْخطاب، وَغَيره: (بِأَن الْإِحْسَان " التَّبَرُّع " يستهجن الشُّكْر
عَلَيْهِ، وَمَعَ وُجُوبه لَا يعد محسناً بل تَاجِرًا، وَلِهَذَا لَو طلبه المحسن عِنْد الْحُكَّام، وأعدى عَلَيْهِ، استهجن عِنْد الْعُقَلَاء، بِحكم الْعقل وَالشَّرْع) .
وَقَالَ أَيْضا -: (لَا يَهْتَدِي الْعقل إِلَى شكر الله، فضلا عَن إِيجَابه) .
وفرضها ابْن الْحَاجِب، والبيضاوي، وَغَيرهمَا، على سَبِيل التنزل، وَهُوَ معنى قَوْلنَا:(وَقيل: لَا)، أَي: لَا يجب عقلا، وَلَو قُلْنَا: الْعقل حَاكم، وَهُوَ قَول الأشعرية، حَكَاهُ الْعَضُد؛ لِأَنَّهُ لما بَطل حكم الْعقل مُطلقًا، كَانَ شكر الْمُنعم غير وَاجِب عقلا، لَكِن ذكرُوا هَذِه الْمَسْأَلَة على التنزل، أَي: وَلَو سلمنَا أَن الْعقل حَاكم كَمَا زعمتم، لَكِن لَا يَسْتَقِيم حكمه فِي هَذِه الْمَسْأَلَة، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَو وَجب لوَجَبَ لفائدة، إِمَّا للْعَبد، وَإِمَّا لله، وَكِلَاهُمَا مُنْتَفٍ، أما انْتِفَاء الثَّانِيَة: فلكونه تَعَالَى متعالياً عَن الْفَائِدَة، وَأما انْتِفَاء الأولى: فَلِأَن تِلْكَ الْفَائِدَة إِمَّا فِي الدُّنْيَا، فَلَا يتَصَوَّر ذَلِك [إِذْ] من تِلْكَ الْأَفْعَال الَّتِي تَتَضَمَّن شكر الْمُنعم وَاجِبَات ومحرمات، وَلَا شكّ أَنَّهَا
مشاق وتكاليف لَا حَظّ للنَّفس فِيهَا، وَإِمَّا فِي الْآخِرَة، فَلَا يُمكن ذَلِك - أَيْضا؛ لِأَن أَمر الْآخِرَة غيب لَا اطلَاع لأحد عَلَيْهِ، حَتَّى يحكم الْعقل فِيهِ.
وَقَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين: (لَا دَلِيل لمن نفى الْحسن والقبح على أَن الْفَاعِل الْمُخْتَار يَفْعَله بِلَا دَاع، كَمَا أَنه لَا دَلِيل لمن أثْبته على أَنه يفعل بداع لَا يعود إِلَى غَيره. وَلِهَذَا لما عَاد مَعْنَاهُ إِلَى هَذَا، أثْبته طَائِفَة فِي فعل العَبْد لَا فعل الله، وَاخْتَارَهُ صَاحب " الْمَحْصُول " فِي آخر عمْرَة، وَهَذَا مَبْنِيّ على أَن مَشِيئَة الله هَل هِيَ محبته؟) الْآتِيَة قَرِيبا.
قَوْله: {وَيتَعَلَّق بهَا مَسْأَلَتَانِ: الأولى: معرفَة الله تَعَالَى} .
وَوجه التَّعَلُّق بهَا: أَنه لَا يتَصَوَّر الشُّكْر إِلَّا مِمَّن يعرفهُ سُبْحَانَهُ، على مَا يَأْتِي الْخلاف فِيهِ.
قَالَ القَاضِي أَبُو يعلى: (معرفَة الله تَعَالَى لَا تجب قبل السّمع، مَعَ الْقُدْرَة عَلَيْهَا بِالدَّلِيلِ) .
وَقَالَ: (هَذَا الْمَذْهَب)، وَتعلق بِكَلَام الإِمَام أَحْمد: إِن معرفَة الله كسبية، وَأَن جمَاعَة من أَصْحَابنَا وَغَيرهم قَالُوا:(تقع ضَرُورَة، وَلَا يتَوَصَّل إِلَيْهَا بأدلة الْعقل) .
وَقطع الْمجد بِوُجُوبِهِ شرعا، وَقَالَ:(عندنَا، وَعند أهل الْأَثر) ، وَذكره جمَاعَة من الأشعرية عَن أَصْحَابهم.
وَذكر الْآمِدِيّ أَنه ذكرهَا لبحث يَخُصهَا.
قَالَ فِي " نِهَايَة المبتدئين ": (تجب معرفَة الله تَعَالَى بِالنّظرِ شرعا فِي الْوُجُود وَالْمَوْجُود على كل مُكَلّف قَادر، وَالْمرَاد: معرفَة وجود ذَاته بِصِفَات الْكَمَال مِمَّا لم يزل وَلَا يزَال، دون معرفَة حَقِيقَة ذَاته وَصِفَاته لِاسْتِحَالَة ذَلِك عقلا عِنْد الْأَكْثَرين) انْتهى.