المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ وشرعها) .وقال: (وعلى هذا يخرج وجوب معرفة الله تعالى، هل هي واجبة - التحبير شرح التحرير - جـ ٢

[المرداوي]

فهرس الكتاب

- ‌فصل

- ‌قَوْله: {فصل}

- ‌ عَن التَّضْحِيَة بالعوراء والعرجاء) انْتهى.وَنَحْوه: النَّهْي عَن الدُّبَّاء، والحنتم، والمقير، فَإِنَّهُ ينصب إِلَى مَا يلْزم مِنْهُ، وَهُوَ النَّبِيذ

- ‌قَوْله: {فصل}

- ‌ قَالَ لوفد عبد الْقَيْس: " آمركُم بِأَرْبَع: الْإِيمَان بِاللَّه، وَهل تَدْرُونَ مَا الْإِيمَان بِاللَّه؟ شَهَادَة أَن لَا إِلَه إِلَّا الله، وإقام الصَّلَاة، وإيتاء الزَّكَاة، وَصَوْم رَمَضَان، وَأَن تعطوا من الْمَغَانِم الْخمس) .وَفِيهِمَا / عَن أبي هُرَيْرَة أَن النَّبِي

- ‌ أَنه قَالَ: " لَا يَزْنِي الزَّانِي حِين يَزْنِي وَهُوَ مُؤمن…" الحَدِيث

- ‌ بَين الْإِسْلَام وَالْإِيمَان، وَأدْخل الْأَعْمَال فِي مُسَمّى الْإِسْلَام، دون مُسَمّى الْإِيمَان.قَالَ الْعَلامَة ابْن رَجَب فِي " شرح النووية ": (وَجه الْجمع بَين النُّصُوص الْمُتَقَدّمَة، وَبَين حَدِيث سُؤال جِبْرِيل، يَتَّضِح بتقرير أصل، وَهُوَ:

- ‌ فسر الْإِيمَان عِنْد ذكره مُفردا فِي حَدِيث وَفد عبد الْقَيْس، بِمَا فسر بِهِ الْإِسْلَام المقرون بِالْإِيمَان، فِي حَدِيث جِبْرِيل، وَفسّر فِي حَدِيث آخر الْإِسْلَام بِمَا فسر بِهِ الْإِيمَان، كَمَا فِي " الْمسند " عَن عَمْرو بن عبسة، قَالَ: جَاءَ رجل إِلَى النَّبِي

- ‌ الْإِيمَان أفضل الْإِسْلَام وَأدْخل فِيهِ الْأَعْمَال. - قَالَ ابْن رَجَب وَبِهَذَا التَّفْصِيل يظْهر تَحْقِيق القَوْل فِي مَسْأَلَة الْإِيمَان وَالْإِسْلَام، هَل هما وَاحِد، أَو مُخْتَلِفَانِ؟) .وَيَأْتِي ذَلِك فِي الْمَسْأَلَة الرَّابِعَة

- ‌ فِي كل أَمر ديني علم مَجِيئه بِهِ ضَرُورَة، فَيكون من الْحَقَائِق الشَّرْعِيَّة نَظِير الصَّوْم وَالصَّلَاة وَالْحج؛ لِأَنَّهُ تَصْدِيق خَاص) انْتهى.وَقَالَت الْجَهْمِية، والشيعة، أَبُو الْحُسَيْن الصَّالِحِي / من الْقَدَرِيَّة، وَغَيرهم: الْإِيمَان: الْمعرفَة، وَذكره بعض أَصْحَابنَا عَن الْأَشْعَرِيّ وَأكْثر

- ‌ حِين وقف على الْمَقَابِر: " وَإِنَّا إِن شَاءَ الله بكم لاحقون

- ‌ عَن الْإِيمَان وَالْإِسْلَام وَالْإِحْسَان، وَتَفْسِير كل وَاحِد بِغَيْر مَا فسر بِهِ الآخر

- ‌ اللَّهُمَّ لَك أسلمت وَبِك آمَنت ".وَقد قَالُوا فِيمَا تقدم: إِن الْإِيمَان هُوَ التَّصْدِيق بِالْقَلْبِ، ثمَّ قَالُوا: الْإِيمَان وَالْإِسْلَام شَيْء وَاحِد، فَيكون الْإِسْلَام هُوَ التَّصْدِيق، وَهَذَا لم يقلهُ أحد من أهل اللُّغَة، وَإِنَّمَا هُوَ الانقياد وَالطَّاعَة، وَفسّر الْإِسْلَام بِالْأَعْمَالِ

- ‌[أَلا وَإِن] فِي الْجَسَد مُضْغَة إِذا صلحت صلح الْجَسَد كُله، وَإِذا فَسدتْ فسد الْجَسَد كُله أَلا وَهِي الْقلب "، فَلَا يتَحَقَّق الْقلب / بِالْإِيمَان إِلَّا وسعت الْجَوَارِح فِي أَعمال الْإِسْلَام، وَلَيْسَ كل مُسلم مُؤمنا، فَإِنَّهُ قد يكون الْإِيمَان ضَعِيفا فَلَا يتَحَقَّق الْقلب بِهِ تحققاً تَاما

- ‌ أَو مُسلم ". انْتهى كَلَام ابْن رَجَب، وَقد أَجَاد وأشفى الغصة، وَقد أطلنا الْكَلَام فِي هَذِه الْمَسْأَلَة وَهِي أهل لذَلِك

- ‌قَوْله: {فصل}

- ‌{الِاشْتِقَاق}

- ‌قَوْله: {فصل}

- ‌قَوْله {فصل}

- ‌قَوْله: {فصل}

- ‌{الْحُرُوف}

- ‌ من حلف على يَمِين "، أَي: يَمِينا.وَأنكر سِيبَوَيْهٍ وُقُوع زيادتها.فَائِدَة: اخْتلف فِي " على "، هَل تكون اسْما أم لَا؟ على مَذَاهِب

- ‌ واشترطي لَهُم الْوَلَاء "، أَن المُرَاد: عَلَيْهِم

- ‌ قَالَ فِي سَالم مولى أبي

- ‌ فِي بنت أم سَلمَة: " لَو لم تكن ربيبتي فِي حجري مَا حلت لي، إِنَّهَا لابنَة أخي من الرضَاعَة "، فَإِن لتحريمها سببين: كَونهَا ربيبته، وَكَونهَا ابْنة أَخِيه من الرضَاعَة.الثَّالِث: أَن يكون أدون مِنْهُ، وَلَكِن يلْحق بِهِ لمشاركته فِي الْمَعْنى، كَقَوْلِك فِي أُخْت النّسَب

- ‌ لعبد الرَّحْمَن بن عَوْف لما قَالَ: تزوجت: " أولم وَلَو بِشَاة ": (المُرَاد بِالشَّاة هُنَا وَالله أعلم للتقليل، أَي: وَلَو بِشَيْء قَلِيل كشاة) انْتهى.قلت: فِيهِ شَيْء، لدلَالَة الْحَال، فَإِن عبد الرَّحْمَن رضي الله عنه لما قدم الْمَدِينَة وَتزَوج هَذِه الْأَنْصَارِيَّة، كَانَ فَقِيرا

- ‌قَوْله: {فصل}

- ‌قَوْله: {فصل}

- ‌ باسم لم يسمه بِهِ أَبوهُ، وَلَا يُسمى بِهِ نَفسه، وَكَذَا كل كَبِير من الْخلق ".قَالَ: " فَإِذا امْتنع فِي حق المخلوقين، فامتناعه فِي حق الله تَعَالَى أولى ".وَاتَّفَقُوا على أَنه لَا يجوز أَن يُطلق عَلَيْهِ اسْم وَلَا صفة توهم نقصا، وَلَو ورد ذَلِك نصا، فَلَا يُقَال: ماهد

- ‌ بَين مُرَاده فِيمَا جَاءَ بِهِ، وَلنَا أَلْفَاظ نقطع بمدلولها بمفردها، وَتارَة بانضمام قَرَائِن، أَو شَهَادَة الْعَادَات، ثمَّ يمْنَع مُعَارضَة الدَّلِيل الْعقلِيّ الْقطعِي للدليل الشَّرْعِيّ.وَقَوْلهمْ: الْمَوْقُوف على المظنون مظنون، بَاطِل، لِأَن الْمَوْقُوف على الْمُقدمَات الظنية قد يكون

- ‌قَوْله: {فصل فِي الْأَحْكَام}

- ‌قَوْله: {فصل شكر الْمُنعم}

- ‌ وشرعها) .وَقَالَ: (وعَلى هَذَا يخرج وجوب معرفَة الله تَعَالَى، هَل هِيَ وَاجِبَة

- ‌قَوْله: {فصل]

- ‌(من أعظم الْمُسلمين جرما من سَأَلَ عَن شَيْء لم يحرم محرملأجل مَسْأَلته ") ، وَقَوله

- ‌ من الله تَعَالَى، لِأَنَّهُ وَحي، وَتَقْرِير لَهُ فِيمَا اجْتهد بِهِ) انْتهى.وَقَالَ ابْن عقيل أَيْضا -: (الْأَلْيَق بمذهبه أَن يُقَال: لَا نَدْرِي مَا الحكم)

- ‌ اتَّقوا فراسة الْمُؤمن فَإِنَّهُ ينظر بِنور الله ".وَقَوله

- ‌ شَهَادَة قلبه بِلَا حجَّة أولى من الْفَتْوَى، فَثَبت أَن الإلهام حق، فَإِنَّهُ وَحي بَاطِن، إِلَّا أَن العَبْد إِذا عصى ربه وَعمل بهواه حرم هَذِه الْكَرَامَة.وَلَا حجَّة فِي شَيْء من ذَلِك، لِأَنَّهُ لَيْسَ المُرَاد الْإِيقَاع فِي الْقلب بِلَا دَلِيل، بل الْهِدَايَة إِلَى الْحق بِالدَّلِيلِ، كَمَا قَالَ عَليّ

- ‌قَوْله: {فصل الحكم الشَّرْعِيّ}

- ‌ لَكِن خطاب الْمَلَائِكَة، وخطاب الرَّسُول دلّت على خطاب الله تَعَالَى.فخطاب جنس، وَهُوَ مصدر خَاطب، لَكِن المُرَاد بِهِ هُنَا الْمُخَاطب بِهِ، لَا معنى الْمصدر الَّذِي هُوَ تَوْجِيه الْكَلَام لمخاطب، فَهُوَ من إِطْلَاق الْمصدر على اسْم الْمَفْعُول.وَخرج: خطاب غير الشَّارِع؛ إِذْ لَا

- ‌ وكالحكم بِشَهَادَة

- ‌ صلَة الرَّحِم تزيد فِي الْعُمر "؛ فَإِنَّهُ [إِخْبَار بِخلق] الْعَمَل، لَا أنشأ مُتَعَلق بِالْعَمَلِ اقْتِضَاء أَو تخييراً؛ لِأَن الِاقْتِضَاء: هُوَ الطّلب للْفِعْل جزما، أَو غير جزم، أَو التّرْك جزما، أَو غير جزم، بنهي مَقْصُود أَو غَيره، [والتخيير: الْإِبَاحَة]

- ‌ استاكوا

- ‌ إِذا تَوَضَّأ أحدكُم فَأحْسن وضوءه، ثمَّ خرج عَامِدًا إِلَى الْمَسْجِد فَلَا يشبك بَين أَصَابِعه فَإِنَّهُ فِي / صَلَاة " رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ، وَابْن

- ‌ لَا يمسك ذكره وَهُوَ يَبُول ".وَإِن ورد الْخطاب بالتخيير فَهُوَ الْإِبَاحَة، كَقَوْلِه

- ‌قَوْله: { [فصل] }

- ‌قَوْله: { [فصل] }

- ‌ قَالَ: " يَقُول الله تَعَالَى: مَا تقرب إِلَيّ عَبدِي بِمثل أَدَاء مَا افترضت عَلَيْهِ

- ‌ فَرضهَا "، فسوى بَينهمَا، وَقَالَ فِي رِوَايَة الْمَرْوذِيّ: (ابْن عمر يَقُول: " فرض رَسُول الله

- ‌ غسل يَوْم الْجُمُعَة وَاجِب على كل محتلم "، كَمَا قَالَ القَاضِي، وَتقول: حَقك عَليّ وَاجِب.قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين فِي " المسودة ": (وَذهب طَائِفَة من أَصْحَابنَا وَغَيرهم إِلَى أَنَّهَا تحْتَمل توكيد الِاسْتِحْبَاب) انْتهى

- ‌قَوْله: {فصل}

- ‌ فنؤمر بِقَضَاء الصَّوْم " مُتَّفق عَلَيْهِ

- ‌قَوْله: {فصل}

- ‌ فَإِنَّهُ

- ‌ بواجبات، ومحظورات، ومباحات، وكرامات) .وَفرض الْكِفَايَة: كالجهاد وَنَحْوه، وَهُوَ كثير، وَقد حصره وعده جمَاعَة من الْعلمَاء.وَسنة الْكِفَايَة: كابتداء السَّلَام، وتشميت الْعَاطِس على قَول

- ‌ شَاتين أَو عشْرين درهما "، وَمثل الْوَاجِب فِي الْمِائَتَيْنِ من الْإِبِل: " أَربع حقاق أَو خمس بَنَات لبون "، وكالتخيير بَين غسل الرجلَيْن فِي الْوضُوء للابس الْخُف أَو الْمسْح عَلَيْهِ، وَنَحْوهَا

- ‌وَقَوله: {فصل}

- ‌ أَوله وَآخره وَقَالَ: " الْوَقْت مَا بَينهمَا "، وَقَالَهُ لَهُ

- ‌قَوْله: {فصل}

- ‌قَوْله: {فصل}

- ‌قَوْله: {فصل}

- ‌قَوْله: {فصل}

- ‌قَوْله: [فصل فِي الشَّخْص الْوَاحِد ثَوَاب وعقاب}

- ‌قَوْله " { [فصل}

- ‌ وَالْمُسْتَحب: مَا فعله مرّة أَو مرَّتَيْنِ. - وَألْحق بذلك بَعضهم: مَا أَمر بِهِ، وَلم ينْقل أَنه فعله والتطوع: مَا لم يرد فِيهِ بِخُصُوصِهِ نقل) .ورده أَبُو الطّيب فِي " منهاجه ": (بِأَن النَّبِي

- ‌ وَالْمُسْتَحب: مَا أَمر بِهِ، سَوَاء فعله، أَو لَا، أَو فعله وَلم يداوم عَلَيْهِ) .وَقيل: (السّنة: مَا ترتبت، كالراتبة مَعَ الْفَرِيضَة، وَالنَّفْل وَالنَّدْب: مَا زَاد على ذَلِك) .وَقَالَت الْمَالِكِيَّة: (مَا أَمر الشَّرْع بِهِ وَبَالغ فِيهِ سنة، وَأول الْمَرَاتِب تطوع ونافلة

- ‌ لَوْلَا أَن أشق على أمتِي لأمرتهم بِالسِّوَاكِ عِنْد كل صَلَاة " مُتَّفق عَلَيْهِ، ولعصى بِتَرْكِهِ.رد: المُرَاد بهَا أَمر الْإِيجَاب، وَلِهَذَا قَيده بالمشقة، وَكَذَا خبر بَرِيرَة الْآتِي فِي أَن الْأَمر للْوُجُوب

- ‌ كَانَ يَنْوِي صَوْم التَّطَوُّع ثمَّ يفْطر "، رَوَاهُ مُسلم وَغَيره

- ‌ قد أبطل تطوعه كَمَا سبق

الفصل: ‌ وشرعها) .وقال: (وعلى هذا يخرج وجوب معرفة الله تعالى، هل هي واجبة

قَالَ أَبُو الْفرج الشِّيرَازِيّ فِي كِتَابه " جَامع الْأَنْوَار لتوحيد الْملك الْجَبَّار ": (قَالَ أهل السّنة جَمِيعًا: وَجَبت معرفَة الْبَارِي بِالشَّرْعِ دون الْعقل، وَقَالَت الْمُعْتَزلَة: وَجَبت بِالْعقلِ دون الشَّرْع، وَقَالَت الأشعرية: بِالْعقلِ وَالشَّرْع) انْتهى.

قَالَ القَاضِي أَبُو يعلى فِي قَوْله تَعَالَى: {وَمَا كُنَّا معذبين حَتَّى نبعث رَسُولا} [الْإِسْرَاء: 15] : (فِي هَذَا دَلِيل على أَن معرفَة الله تَعَالَى لَا تجب عقلا، وَإِنَّمَا تجب بِالشَّرْعِ، وَهُوَ بعثة الرُّسُل) .

وَاحْتج أَيْضا بقول أَحْمد: (لَيْسَ فِي السّنة قِيَاس، وَلَا تضرب لَهَا الْأَمْثَال، وَلَا تدْرك بالعقول، وَإِنَّمَا هُوَ الِاتِّبَاع) .

قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين: (لَيْسَ فِي هَذَا الْكَلَام مَا يَنْفِي وجوب الْمعرفَة وَلَا التفكر قبل الرسَالَة، وَإِنَّمَا فِيهِ: أَن مخبرات الرَّسُول لَا تقف على الْعُقُول، خلافًا للمعتزلة) انْتهى.

وَقَالَ أَبُو الْخطاب: (إِن صحت هَذِه الرِّوَايَة، فَالْمُرَاد بهَا: الْأَحْكَام الشَّرْعِيَّة الَّتِي سنّهَا الرَّسُول صلى الله عليه وسلم َ -‌

‌ وشرعها) .

وَقَالَ: (وعَلى هَذَا يخرج وجوب معرفَة الله تَعَالَى، هَل هِيَ وَاجِبَة

ص: 734

بِالشَّرْعِ، حَتَّى لَو لم ترد لم يلْزم أحدا أَن يُؤمن بِاللَّه، وَلَا يعْتَرف بوحدانيته، وبوجوب شكره، أم لَا؟

فَمن قَالَ: تجب بِالشَّرْعِ، يَقُول: لَا يلْزم شَيْء من ذَلِك لَو لم يرد الشَّرْع.

وَمن قَالَ [بِالْأولِ]، قَالَ: يجب على كل حَال الْإِيمَان بِاللَّه وَالشُّكْر لَهُ) انْتهى.

وَقَالَت الْمُعْتَزلَة: تجب معرفَة الله بِالْعقلِ، نَقله الشِّيرَازِيّ عَنْهُم فِي " التَّبْصِرَة "، وَغَيره، وَتقدم كَلَام أبي الْخطاب قبل هَذَا.

قَالَ فِي " شرح الْمَقَاصِد ": (عِنْد الْمُعْتَزلَة: تجب معرفَة الله بِالْعقلِ؛ لِأَنَّهَا دافعة للضَّرَر المظنون، وَهُوَ خوف الْعقَاب فِي الْآخِرَة، حَيْثُ أخبر جمع كثير بذلك، وكل مَا يدْفع الضَّرَر المظنون، بل الْمَشْكُوك وَاجِب عقلا.

واحتجت أَيْضا على أَن وجوب النّظر فِي المعجزة، والمعرفة، وَسَائِر مَا يُؤَدِّي إِلَى ثُبُوت الشَّرْع عَقْلِي: بِأَنَّهُ لَو لم يجب إِلَّا بِالشَّرْعِ لزم إفحام الْأَنْبِيَاء، فَلم يكن للبعثة فَائِدَة، وبطلانه ظَاهر، وَوجه اللُّزُوم: أَن النَّبِي إِذا قَالَ للمكلف: انْظُر فِي معجزتي حَتَّى يظْهر لَك صدق دعواي، فَلهُ أَن

ص: 735

يَقُول: لَا أنظر مَا لم يجب عَليّ، فَلَا يكون للنَّبِي إِلْزَامه النّظر، لِأَنَّهُ إِلْزَام على غير الْوَاجِب، وَهُوَ المعني بالإفحام.

وَأجِيب: بِأَنَّهُ مُشْتَرك الْإِلْزَام، وَحَقِيقَته: إلجاء الْخصم إِلَى الِاعْتِرَاف بنقيض دَلِيله إِجْمَالا، حَيْثُ دلّ على نفي مَا هُوَ الْحق عِنْده على صُورَة النزاع.

وَتَقْرِيره: أَن للمكلف أَن يَقُول: لَا أنظر مَا لم يجب عقلا، وَلَا يجب عقلا مَا لم أنظر، لِأَن وُجُوبه نَظَرِي يفْتَقر إِلَى تَرْتِيب الْمُقدمَات وَتَحْقِيق أَن النّظر يُفِيد الْعلم) .

وَقيل: يجب بهما مَعًا، ذكره أَبُو الْفرج الشِّيرَازِيّ فِي " التَّبْصِرَة " جمعا بَين الْأَدِلَّة، وَحَكَاهُ فِي كِتَابه " جَامع الْأَنْوَار " عَن الْأَشْعَرِيّ.

قَوْله: {وَهِي أول وَاجِب لنَفسِهِ عِنْد الْأَكْثَر، وَقَالَ الْأُسْتَاذ، وَالْقَاضِي، وَابْن حمدَان، وَابْن مُفْلِح، وَجمع: يجب قبلهَا النّظر، فَهُوَ أول وَاجِب لغيره، وَابْن عبد السَّلَام:[إِن شكّ]، وَأَبُو هَاشم: الشَّك، والباقلاني:

ص: 736

أول النّظر، والتميمي، وَابْن فورك، وَأَبُو الْمَعَالِي: قَصده} .

حَيْثُ قُلْنَا بِوُجُوب الْمعرفَة، فَهِيَ أول وَاجِب على الْمُكَلف عِنْد الْأَشْعَرِيّ، وَمن تَابعه من أَصْحَابه، لكَونهَا مبدأ الْوَاجِبَات.

وَقَالَ الْأُسْتَاذ وَالْجَمَاعَة مَعَه: إِن أول وَاجِب: النّظر فِي معرفَة الله تَعَالَى، لكَونه الْمُقدمَة.

ص: 737

وَقَالَ ابْن عبد السَّلَام: إِنَّمَا يجب النّظر إِذا حصل شكّ، وَإِلَّا الْمعرفَة.

وَقَالَ أَبُو هَاشم: أول الْوَاجِبَات الشَّك، لتوقف الْقَصْد إِلَى النّظر عَلَيْهِ، إِذْ لابد من فهم الطَّرفَيْنِ وَالنِّسْبَة، مَعَ عدم اعْتِقَاد الْمَطْلُوب أَو نقيضه. ورد بِوَجْهَيْنِ:

أَحدهمَا: أَن الشَّك لَيْسَ بمقدور لكَونه من الكيفيات: كَالْعلمِ، وَإِنَّمَا الْمَقْدُور تَحْصِيله أَو استدامته، بِأَن يحصل تصور الطَّرفَيْنِ، وَينزل النّظر فِي النِّسْبَة، وَلَا شَيْء مِنْهَا بمقدمة.

وَثَانِيهمَا: أَن وجوب النّظر والمعرفة مُقَيّد بِالشَّكِّ، لِأَنَّهُ لَا إِمْكَان للنَّظَر بِدُونِهِ، فضلا عَن الْوُجُوب، فَهُوَ لَا يكون مُقَدّمَة للْوَاجِب الْمُطلق بل للمقيد بِهِ: كالنصاب لِلزَّكَاةِ والاستطاعة لِلْحَجِّ، فَلَا يجب تَحْصِيله.

وَقَول التَّمِيمِي وَغَيره: يجب قصد النّظر، وَذَلِكَ لتوقف النّظر عَلَيْهِ.

وَقَالَ فِي " شرح الْمَقَاصِد ": (وَالْحق أَنه إِن أُرِيد أول الْوَاجِبَات الْمَقْصُودَة بِالذَّاتِ فَهُوَ الْمعرفَة، وَإِن أُرِيد الْأَعَمّ فَهُوَ الْقَصْد إِلَى النّظر، لَكِن مبناه على وجوب مُقَدّمَة الْوَاجِب الْمُطلق، وَفِيه مَا فِيهِ) انْتهى.

ص: 738

قَوْله: {وَلَا يقعان ضَرُورَة} .

أَي: النّظر والمعرفة، وَهَذَا هُوَ الصَّحِيح، وَقدمه ابْن مُفْلِح فِي " فروعه "، فِي بَاب الْمُرْتَد، وَابْن حمدَان فِي " نِهَايَة الْمُبْتَدِئ "، وَغَيرهمَا، وَقَالَهُ القَاضِي وَغَيره، بل هما كسبيان، وَتعلق القَاضِي وَغَيره بقول أَحْمد:(معرفَة الله تَعَالَى كسبية) .

قَالَ فِي " نِهَايَة المبتدئين ": (وَالنَّظَر والمعرفة اكْتِسَاب، وَقد يوهبان لمن أَرَادَ الله تَعَالَى هداه، وَلَا يقعان ضَرُورَة) .

{وَقيل: بلَى} .

أَي: يقعان ضَرُورَة، قَالَه جمع من أَصْحَابنَا، وَغَيرهم، فَلَا يتَوَصَّل إِلَيْهِمَا بأدلة الْعقل.

قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين: (أَرَادوا الْمعرفَة الفطرية) كمعرفة إِبْلِيس، لَا الْمعرفَة الإيمانية) .

ص: 739

قَالَ ابْن عقيل: (قَالَ أهل التَّحْقِيق: لَا يَتَأَتَّى أَنه مُطِيع فِي نظره، لِأَنَّهُ لَا تصح طَاعَة من لَا يعرف، وَلَا معرفَة لمن لم ينظر) .

قَوْله: {تَنْبِيه: قَالَ الرَّازِيّ لَا فرق بَين الشُّكْر وَمَعْرِفَة الله تَعَالَى عقلا، والأرموي: متلازمان، والمعتزلة: هُوَ فرعها} .

قَالَ الرَّازِيّ: (لَا فرق بَين الشُّكْر وَمَعْرِفَة الله عقلا، فَمن أوجب الشُّكْر عقلا أوجب الْمعرفَة، وَمن لَا فَلَا) .

قَالَ الجوبني: (هُوَ عِنْدهم من النظريات لَا من الضروريات) .

وَقَالَ الأرموي فِي " الْحَاصِل ": (هما متلازمان) .

وَقَالَت الْمُعْتَزلَة: الشُّكْر فرع الْمعرفَة، فعندهم: لَيْسَ الشُّكْر معرفَة الله تَعَالَى؛ لِأَن الشُّكْر فرعها، بل: إتعاب النَّفس بِفعل المستحبات الْعَقْلِيَّة الصرفة: كالنظر إِلَى مصنوعاته، والسمع إِلَى الْآيَات، والذهن إِلَى فهم مَعَانِيهَا، [والمآل] إِلَى أَسبَاب الْبَقَاء مُدَّة الْعُمر، وعَلى هَذَا الْقيَاس.

فَعِنْدَ الْمُعْتَزلَة وَمن وافقهم: مدرك وجوب هَذَا الشُّكْر عَقْلِي، للبرهان الْعقلِيّ، ومخالفوهم يَقُولُونَ: مدركه السّمع لَا الْعقل، كَمَا تقدم فِي الشُّكْر.

ص: 740

قَوْله: [الثَّانِيَة: مَشِيئَته وإرادته تَعَالَى، هَل هِيَ محبته وَرضَاهُ، وَسخطه وبغضه، أم لَا؟

فالمعتزلة، والقدرية، والأشعري، وَأكْثر أَصْحَابه، وَغَيرهم: الْكل بِمَعْنى وَاحِد، [وَمذهب] السّلف، و [عَامَّة][الْأَئِمَّة، من الْفُقَهَاء] ، والمحدثين، والصوفية، والنظار: يحب مَا أَمر بِهِ فَقَط، وَخلق كل شَيْء بمشيئته لحكمة، فَتجب تِلْكَ الْحِكْمَة، وَإِن كَانَ قد لَا يُحِبهُ} .

ذهب الْمُعْتَزلَة، والقدرية، والأشعري، وَأكْثر أَصْحَابه، وَمن وَافقه من الْمَالِكِيَّة، وَالشَّافِعِيَّة، وأصحابنا، كَابْن حمدَان فِي " نِهَايَة الْمُبْتَدِئ "، وَغَيرهم، إِلَى أَن الْكل بِمَعْنى وَاحِد، وَحَكَاهُ الْآمِدِيّ عَن الْجُمْهُور.

ص: 741

قَالَ أَبُو إِسْحَاق الشِّيرَازِيّ فِي كتاب الْحُدُود: (والإرادة والمشيئة وَالرِّضَا والمحبة بِمَعْنى وَاحِد) .

وَأَجَابُوا عَن قَوْله تَعَالَى: {وَلَا يرضى لِعِبَادِهِ الْكفْر} [الزمر: 7] بجوابين:

أَحدهمَا: لَا يرضاه دينا وَشرعا، بل يُعَاقب عَلَيْهِ.

ثَانِيهمَا: أَن المُرَاد من الْعباد: من وفْق للْإيمَان، وَلِهَذَا شرفهم بِالْإِضَافَة إِلَيْهِ بقوله تَعَالَى:{إِن عبَادي لَيْسَ لَك عَلَيْهِم سُلْطَان} [الْحجر: 42، والإسراء: 65]، وَقَوله تَعَالَى:{عينا يشرب بهَا عباد الله} [الْإِنْسَان: 6] .

والجوابان ضعيفان.

قَالَ أَبُو الْمَعَالِي الْجُوَيْنِيّ: (أول من خَالف من السّلف فِي هَذِه الْمَسْأَلَة وَلم يفرق بَين الْمحبَّة وَالرِّضَا أَبُو الْحسن الْأَشْعَرِيّ) .

وَقَالَ أَيْضا -: (أول من قَالَ: إِن الله تَعَالَى يحب الْكفْر والفسوق والعصيان، شَيخنَا أَبُو الْحسن) .

وَقَالَ ابْن عقيل: (لم يقل أحد: إِن الله تَعَالَى يحب ذَلِك إِلَّا الْأَشْعَرِيّ وَمن وَافقه) .

ص: 742

وَالَّذِي عَلَيْهِ السّلف، وَعَامة الْأَئِمَّة من الْفُقَهَاء، وَمن أَصْحَاب الْأَئِمَّة، كالحنفية، والمالكية، وَالشَّافِعِيَّة، وأصحابنا، والمحدثين، والصوفية، والنظار، وَابْن كلاب، وَغَيرهم: الْفرق، فَيجب مَا أَمر بِهِ فَقَط، وَخلق كل شَيْء لحكمة، فَتجب تِلْكَ الْحِكْمَة، وَإِن كَانَ لَا يُحِبهُ، فَلم يفعل قبيحاً مُطلقًا.

قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين فِي " الرَّد على الرافضي ": (جُمْهُور أهل السّنة يَقُولُونَ: إِن الله لَا يحب الْكفْر والفسوق والعصيان وَلَا يرضاه، وَإِن كَانَ دَاخِلا فِي مُرَاده، كَمَا دخلت سَائِر الْمَخْلُوقَات، لما فِي ذَلِك من الْحِكْمَة، وَهُوَ وَإِن كَانَ شرا بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْفَاعِل فَلَيْسَ كلما كَانَ شرا بِالنِّسْبَةِ إِلَى شخص يكون عديم الْحِكْمَة، بل لله فِي الْمَخْلُوقَات حِكْمَة، قد يعلمهَا بعض النَّاس، وَقد لَا يعلمونها) انْتهى.

وَقَالَ فِي مَوضِع آخر: (وَهُوَ قَول الْحَنَفِيَّة كلهم، والكرامية) . [- هَذَا وجد فِي فرخة لَا مَوضِع لَهَا، واللائق بهَا هُنَا -] .

ص: 743

وَقَالَ أَيْضا فِي مَسْأَلَة سئلها فِي الْقدر نظماً فِي أَثْنَائِهَا -: (وجهم وَمن وَافقه من الْمُعْتَزلَة اشْتَركُوا فِي أَن مَشِيئَة الله ومحبته وَرضَاهُ بِمَعْنى وَاحِد، ثمَّ قَالَت الْمُعْتَزلَة: وَهُوَ لَا يحب الْكفْر والفسوق والعصيان فَلَا يشاؤه، فَقَالُوا: إِنَّه يكون بِلَا مَشِيئَة.

وَقَالَت الْجَهْمِية: بل هُوَ يَشَاء ذَلِك، فَهُوَ يُحِبهُ ويرضاه.

وَأَبُو الْحسن وَأكْثر أَصْحَابه وافقوا هَؤُلَاءِ، وَذكر أَبُو الْمَعَالِي الْجُوَيْنِيّ: أَن أَبَا الْحسن أول من خَالف السّلف فِي هَذِه الْمَسْأَلَة.

وَأما سلف الْأمة، وأئمتها، وأكابر أهل الْفِقْه، والْحَدِيث، والتصوف، وَكثير من طوائف النظار كالكلابية، والكرامية، وَغَيرهم، فيفرقون بَين هَذَا وَهَذَا، وَيَقُولُونَ: إِن الله يحب الْإِيمَان وَالْعَمَل الصَّالح، ويرضى بِهِ، كَمَا يَأْمر بِهِ، وَلَا يرضى بالْكفْر والفسوق والعصيان، وَلَا يُحِبهُ، كَمَا لَا يَأْمر بِهِ، وَإِن كَانَ قد شاءه، وَلِهَذَا كَانَ حَملَة الشَّرِيعَة من السّلف وَالْخلف متفقين على أَنه لَو حلف: ليفعلن وَاجِبا أَو مُسْتَحبا: كقضاء دين تضيق وقته، أَو عبَادَة تضيق وَقتهَا، وَقَالَ: إِن شَاءَ الله، ثمَّ لم يَفْعَله، لم يَحْنَث، وَهَذَا يبطل قَول الْقَدَرِيَّة، وَلَو قَالَ: إِن كَانَ الله يُحِبهُ ويرضاه، فَإِنَّهُ يَحْنَث، كَمَا لَو قَالَ: إِن كَانَ ينْدب إِلَى ذَلِك ويرغب فِيهِ، أَو يَأْمر بِهِ أَمر إِيجَاب أَو اسْتِحْبَاب، وَهَذَا يرد على الْجَهْمِية وَمن اتبعهم كَأبي الْحسن الْأَشْعَرِيّ وَمن وَافقه من الْمُتَأَخِّرين.

وَهَذِه الاستشكالات إِنَّمَا ترد على قَول جهم وَمن وَافقه من الْمُتَأَخِّرين من أَصْحَاب أبي الْحسن الْأَشْعَرِيّ وَغَيرهم، وَطَائِفَة من متأخري أَصْحَاب مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد.

ص: 744

وَأما أَئِمَّة أَصْحَاب مَالك، وَالشَّافِعِيّ، وَأحمد، وَعَامة أَصْحَاب أبي حنيفَة فَإِنَّهُم لَا يَقُولُونَ بقول هَؤُلَاءِ؛ بل يَقُولُونَ بِمَا اتّفق عَلَيْهِ السّلف من أَنه سُبْحَانَهُ مَا شَاءَ كَانَ، وَمَا لم يَشَأْ لم يكن، وَمن الْفرق بَين محبته ومشئيته وَرضَاهُ، فَيَقُولُونَ: إِن الْكفْر والفسوق والعصيان وَإِن وَقع بمشيئته، فَهُوَ لَا يُحِبهُ وَلَا يرضاه، بل يسخطه ويبغضه.

وَيَقُولُونَ: إِن إِرَادَة الله تَعَالَى فِي كِتَابه نَوْعَانِ:

نوع بِمَعْنى الْمَشِيئَة لما خلق، كَقَوْلِه تَعَالَى:{فَمن يرد الله أَن يهديه يشْرَح صَدره لِلْإِسْلَامِ وَمن يرد أَن يضله يَجْعَل صَدره ضيقا حرجا كَأَنَّمَا يصعد فِي السَّمَاء} [الْأَنْعَام: 125] .

وَنَوع بِمَعْنى محبته وَرضَاهُ لما أَمر بِهِ، وَإِن لم يخلقه، كَقَوْلِه تَعَالَى:{يُرِيد الله بكم الْيُسْر وَلَا يُرِيد بكم الْعسر} [الْبَقَرَة: 185]، {مَا يُرِيد الله ليجعل عَلَيْكُم من حرج وَلَكِن يُرِيد ليطهركم وليتم نعْمَته عَلَيْكُم لَعَلَّكُمْ تشكرون} [الْمَائِدَة: 6] ، فِي آي كَثِيرَة.

وَبِهَذَا يفصل النزاع فِي مَسْأَلَة الْأَمر، هَل هُوَ مُسْتَلْزم للإرادة أم لَا؟

فَإِن الْقَدَرِيَّة تزْعم أَنه مُسْتَلْزم للمشيئة، فَيكون قد شَاءَ الْمَأْمُور بِهِ وَلم يكن.

والجهمية قَالُوا: إِنَّه غير مُسْتَلْزم لشَيْء من الْإِرَادَة، وَلَا [لحبه] لَهُ، وَلَا رِضَاهُ بِهِ، إِلَّا إِذا وَقع، فَإِنَّهُ مَا شَاءَ كَانَ وَمَا لم يَشَأْ لم يكن) انْتهى.

ص: 745

وَقَالَ فِي مَوضِع آخر: (وَأما الَّذين سووا بَين الْمَشِيئَة والمحبة والإرادة كالمعتزلة، وَأكْثر الأشعرية، فَقَالُوا: هُوَ مُرِيد لكل مَا وجد، فَهُوَ محب لَهُ، فَهُوَ محب للكفر والفسوق والعصيان كَمَا هُوَ مُرِيد لَهُ، وَقَالَ أَبُو الْمَعَالِي: " أول من قَالَ: إِن الله يحب ذَلِك، شَيخنَا أَبُو الْحسن "، وَقَالَ أَبُو الْوَفَاء ابْن عقيل: " لم يقل أحد: إِن الله يحب الْكفْر والفسوق والعصيان إِلَّا الْأَشْعَرِيّ وَمن وَافقه ".) انْتهى.

وَقَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين فِي أثْنَاء مَسْأَلَة -: (والعباد الَّذين علم الله أَنهم يطيعونه بإرادتهم ومشيئتهم وقدرتهم، وَإِن كَانَ خَالِقًا لذَلِك، فخلقه لذَلِك أبلغ فِي علمه بِهِ قبل أَن يكون، كَمَا قَالَ تَعَالَى:{أَلا يعلم من خلق وَهُوَ اللَّطِيف الْخَبِير} [الْملك: 14] ، وَمَا لم يفعلوه مِمَّا [أَمرهم] بِهِ يعلم أَنه لَا يكون، لعدم إرادتهم لَهُ، لَا لعدم [قدرتهم] عَلَيْهِ، وَلَيْسَ الْأَمر بِهِ أمرا بِمَا يعجزون عَنهُ، بل هُوَ أَمر بِمَا لَو أرادوه لقدروا على فعله، لكِنهمْ لَا يَفْعَلُونَهُ لعدم إرادتهم لَهُ.

وجهم وَمن وَافقه من الْمُعْتَزلَة، اشْتَركُوا فِي أَن مَشِيئَة الله ومحبته وَرضَاهُ بِمَعْنى وَاحِد، ثمَّ قَالَت الْمُعْتَزلَة: وَهُوَ لَا يحب الْكفْر والفسوق والعصيان فَلَا يشاؤه، فَقَالُوا: إِنَّه يكون بِلَا مَشِيئَة.

وَقَالَت الْجَهْمِية: بل هُوَ يَشَاء ذَلِك) إِلَى آخِره.

ص: 746

وَقَالَ فِي مَسْأَلَة الْإِرَادَة: (أهل السّنة يثبتون قدرته، وعزته، وحكمته، وَرَحمته، وَيَقُولُونَ لَا يسْأَل عَمَّا يفعل لقدرته، وعزته، وحكمته، وَرَحمته، وَعلمه، وعدله.

والجبري القدري يَقُول: لَا يسْأَل عَمَّا يفعل لقهره، وَقدرته.

والمعتزلة تَقول: لَا يسْأَل عَمَّا يفعل: لِأَنَّهُ لَا يقدر على غير مَا فعل، بل لَا يسْأَل عَمَّا يفعل لِأَنَّهُ فعل مَا وَجب عَلَيْهِ، وَلَا يقدر على غير ذَلِك) .

قَالَ فِي " نِهَايَة المبتدئين ": (على هَذَا القَوْل لَا يحب الْفساد، وَلَا يرضى لِعِبَادِهِ الْكفْر، لَا يحب ذَلِك مُطلقًا، وَلَكِن يُرِيد وجوده، ومحبة الله إِنَّمَا هِيَ إِرَادَته لما يفعل بِنَا من الْمَنَافِع وَالنعَم، وبغضه لخلقه إِرَادَته عقابهم وضررهم، قَالَه القَاضِي، وَيجوز الرضى بِبَعْض أَفعَال العَبْد، مَعَ

ص: 747

السخط والبغض وَالْكَرَاهَة لبعضها) انْتهى.

وَقَالَ الْبَغَوِيّ فِي " تَفْسِيره "، فِي سُورَة الْأَنْعَام، بعد قَوْله:{لَو شَاءَ الله مَا أشركنا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حرمنا من شَيْء} الْآيَة [الْأَنْعَام: 148] : (وَالرَّدّ عَلَيْهِم فِي ذَلِك: أَن أَمر الله تَعَالَى بمعزل عَن مَشِيئَته وإرادته، فَإِنَّهُ مُرِيد لجَمِيع الكائنات، غير آمن بِجَمِيعِ مَا يُرِيد، وعَلى العَبْد أَن يتبع أمره، وَلَيْسَ لَهُ أَن يتَعَلَّق بمشيئته، فَإِن مَشِيئَته لَا تكون عذرا لأحد) انْتهى.

وَقَالَ فِي سُورَة الزمر، عِنْد قَوْله تَعَالَى:{وَلَا يرضى لِعِبَادِهِ الْكفْر} [الزمر: 7] : (هَذَا قَول السّلف) .

وَقَالَ فِي سُورَة التغابن عِنْد قَوْله: {هُوَ الَّذِي خَلقكُم فمنكم كَافِر ومنكم مُؤمن} [التغابن: 2] : (من جملَة القَوْل فِيهِ، أَن الله تَعَالَى خلق الْكَافِر وكفره [فعل لَهُ وَكسب] ، وَخلق الْمُؤمن وإيمانه [فعل لَهُ وَكسب] ، فَلِكُل وَاحِد من الْفَرِيقَيْنِ كسب وَاخْتِيَار، وَكَسبه واختياره بِتَقْدِير الله تَعَالَى ومشيئته، [فالمؤمن] بعد خلق الله تَعَالَى إِيَّاه يخْتَار الْإِيمَان، لِأَن الله تَعَالَى أَرَادَ ذَلِك مِنْهُ، وَقدره عَلَيْهِ، وَعلمه مِنْهُ، وَالْكَافِر بعد خلق الله إِيَّاه اخْتَار

ص: 748

الْكفْر، لِأَن الله تَعَالَى قدر ذَلِك عَلَيْهِ، وَعلمه مِنْهُ، وَهَذَا طَرِيق أهل السّنة، من سلكه أصَاب الْحق، وَسلم من الْجَبْر وَالْقدر) انْتهى.

وَقد قَالَ الله تَعَالَى: {وَمَا تشاؤن إِلَّا أَن يَشَاء الله} [الْإِنْسَان: 30، والتكوير: 29]، وَقَالَ تَعَالَى:{وَلَا يرضى لِعِبَادِهِ الْكفْر} [الزمر: 7]، وَقَالَ تَعَالَى:{وَالله لَا يحب الْفساد} [الْبَقَرَة: 205] ، فِي آيَات كَثِيرَة.

قَوْله: {فَوَائِد:

الأولى: فعله تَعَالَى وَأمره لعِلَّة [وَحِكْمَة][أَو بهما] ، [يُنكره كثير من أَصْحَابنَا، مِنْهُم: القَاضِي، وَابْن الزَّاغُونِيّ، وَغَيرهمَا، وَبَعض الْمَالِكِيَّة وَالشَّافِعِيَّة] } ، مِنْهُم: أَبُو بكر الْقفال، وَابْن أبي

ص: 749

هُرَيْرَة، وَغَيرهمَا، وَقَالَهُ الظَّاهِرِيَّة، والأشعرية، والجهمية، وَغَيرهم، { [وأثبته] الْمُعْتَزلَة، والكرامية،. .

ص: 750

وَالشَّيْخ، والطوفي، [وَابْن الْقيم] ، وَابْن قَاضِي الْجَبَل، وَحكي إِجْمَاع السّلف، [وجوزت طَائِفَة] الْأَمريْنِ} ، وأثبته أَيْضا الشِّيعَة.

قَالَ ابْن قَاضِي الْجَبَل عَمَّن أثْبته: (هَذَا يحْكى عَن جُمْهُور الْعلمَاء، وأئمة النظار) .

قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين فِي الرَّد على الرافضي: (أَكثر أهل السّنة على إِثْبَات الْحِكْمَة وَالتَّعْلِيل) انْتهى.

وَهُوَ قَول الْمُعْتَزلَة، لَكِن الْمُعْتَزلَة [تَقول] بِوُجُوب الصّلاح، وَلَهُم فِي الْأَصْلَح قَولَانِ، والمخالفون لَهُم يَقُولُونَ بِالتَّعْلِيلِ لَا على مَنْهَج الْمُعْتَزلَة.

ص: 751

وَحَكَاهُ ابْن الْخَطِيب عَن أَكثر الْمُتَأَخِّرين من الْفُقَهَاء، وَذَلِكَ للنصوص، وَلِئَلَّا يكون أَمر الشَّارِع بِأحد المتماثلين تَرْجِيحا بِلَا مُرَجّح.

قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين: (لأهل السّنة فِي تَعْلِيل أَفعَال الله تَعَالَى وَأَحْكَامه قَولَانِ، وَالْأَكْثَرُونَ على التَّعْلِيل.

وَالْحكمَة هَل هِيَ مُنْفَصِلَة عَن الرب لَا تقوم، أَو قَائِمَة مَعَ ثُبُوت الحكم الْمُنْفَصِل؟ أَيْضا لَهُم فِيهِ قَولَانِ.

وَهل يتسلسل الحكم، أَو لَا يتسلسل، أَو يتسلسل فِي الْمُسْتَقْبل دون الْمَاضِي؟ فِيهِ أَقْوَال لَهُم) انْتهى.

احْتج الْمُثبت للحكمة وَالْعلَّة بقوله تَعَالَى: {من أجل ذَلِك كتبنَا على بني إِسْرَائِيل} [الْمَائِدَة: 32]، وَقَوله تَعَالَى:{كي لَا يكون دولة} [الْحَشْر: 7]، وَقَوله تَعَالَى:{وَمَا جعلنَا الْقبْلَة الَّتِي كنت عَلَيْهَا إِلَّا لنعلم} [الْبَقَرَة: 143] ، ونظائرها، وَلِأَنَّهُ سُبْحَانَهُ حَكِيم، شرع الْأَحْكَام لحكمة ومصلحة، لقَوْله تَعَالَى:{وَمَا أَرْسَلْنَاك إِلَّا رَحْمَة للْعَالمين} [الْأَنْبِيَاء: 107] ، وَالْإِجْمَاع وَاقع على اشْتِمَال الْأَفْعَال على الحكم والمصالح، إِمَّا وجوبا كَقَوْل الْمُعْتَزلَة، وَإِمَّا [جَوَازًا] كَقَوْل أهل السّنة، فيفعل مَا يَفْعَله لحكمة، ويخلق مَا يخلقه لحكمة.

وَاحْتج النَّافِي بِوُجُوه:

ص: 752

أَحدهَا: قَالَ الرَّازِيّ: لَو كَانَت معللة بعلة، فَإِن كَانَت قديمَة لزم من قدمهَا قدم الْفِعْل، وَهُوَ محَال، وَإِن كَانَت محدثة، افْتَقَرت إِلَى عِلّة أُخْرَى، وَلزِمَ التسلسل، وَهُوَ مُرَاد الْمَشَايِخ بقَوْلهمْ: كل شَيْء صنعه، وَلَا عِلّة لصنعه.

أُجِيب قَوْلهم: لَو كَانَت قديمَة لزم قدم الْفِعْل.

غير مُسلم، إِذْ لَا يلْزم من قدمهَا قدم الْمَعْلُول، كالإرادة قديمَة ومتعلقها حَادث.

وَلَو كَانَت حَادِثَة لم تفْتَقر إِلَى عِلّة أُخْرَى، وَإِنَّمَا يلْزم لَو قَالَ: كل حَادث مفتقر إِلَى عِلّة، وهم لم يَقُولُوا ذَلِك، بل قَالُوا: يفعل لحكمة، فَإِنَّهُ لَا يلْزم من كَون الأول مرَادا لغيره كَون الثَّانِي كَذَلِك، وَإِذا كَانَ الثَّانِي [محبوباً] لم يجب أَن يكون الأول كَذَلِك، فَلَا يتسلسل، وَأَيْضًا المنازعون يَقُولُونَ: كل مَخْلُوق مُرَاد لنَفسِهِ، فَلَا يجوز فِي بَعْضهَا أَن يكون مرَادا أولى، والتسلسل إِنَّمَا يلْزم للاستقبالي، فَإِن الْحِكْمَة قد تكون

ص: 753

حَاصِلَة بعده، وَهِي مستلزمة لحكمة أُخْرَى، وهلم جرا.

الْوَجْه الثَّانِي من أوجه النفاة: أَن كل من فعل فعلا لأجل تَحْصِيل مصلحَة، أَو دفع مفْسدَة، فَإِن كَانَ تَحْصِيل تِلْكَ الْمصلحَة أولى لَهُ من عدم تَحْصِيلهَا، كَانَ ذَلِك الْفَاعِل قد اسْتَفَادَ بذلك الْفِعْل تَحْصِيل تِلْكَ الأولية، وكل من كَانَ كَذَلِك كَانَ نَاقِصا بِذَاتِهِ، مستكملاً بِغَيْرِهِ، وَهُوَ فِي حق الله تَعَالَى محَال.

وَإِن كَانَ تَحْصِيلهَا وَعَدَمه سَوَاء بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ، فَمَعَ الاسْتوَاء لَا يحصل الرجحان، فَامْتنعَ التَّرْجِيح.

أُجِيب: بِمَنْع الْحصْر، وبالنقض بالأفعال المتعدية: كإيجاد الْعَالم، فَإِن قَالُوا بخلوه عَن نقص، قيل: كَذَا فِي التَّعْلِيل نمْنَع كَونه نَاقِصا فِي ذَاته، ومستكملاً بِغَيْرِهِ فِي ذَاته أَو صِفَات ذَاته، بل اللَّازِم حُصُول كمالات ناشئة من جِهَة الْفِعْل، وَلَا امْتنَاع فِيهِ، فَإِن كَونه محسناً إِلَى الممكنات من جملَة صِفَات الْكَمَال، وَكَذَا الْكَمَال فِي كَونه خَالِقًا ورازقاً على مَذْهَب الْأَشْعَرِيّ.

الْوَجْه الثَّالِث: لَو فعل فعلا لغَرَض، فَإِن كَانَ قَادِرًا على تَحْصِيله بِدُونِ ذَلِك الْفِعْل كَانَ توسطه عَبَثا، وَإِلَّا لزم الْعَجز، وَهُوَ مُمْتَنع، وَلِأَن ذَلِك الْغَرَض مَشْرُوط بِتِلْكَ الْوَسِيلَة لكنه بَاطِل، لِأَن أَكثر الْأَغْرَاض إِنَّمَا تحصل بعد انْقِضَاء تِلْكَ الْوَسَائِل، فَيمْتَنع اشْتِرَاطه.

ص: 754

أُجِيب: بِأَن إِطْلَاق الْغَرَض لَا يجوز، لما يُوهِمهُ عرفا، وليعدل عَنهُ إِلَى لفظ الْعلَّة، فَيُقَال: لَا نسلم لُزُوم الْعَبَث، لِأَن الْعَبَث: الْخَالِي عَن الْفَائِدَة، وَالْقُدْرَة على الْفِعْل بِدُونِ توَسط السَّبَب لَا يَقْتَضِي عَبث الْفِعْل، وَإِلَّا لزم أَن تكون الشرعيات عَبَثا، لِأَن الله تَعَالَى قَادر على إِيصَال مَا حصلت لأَجله، من إِيصَال الثَّوَاب بِدُونِ توسطها.

وَقَوْلهمْ: إِن لم يقدر على تَحْصِيله لزم الْعَجز، مَمْنُوع؛ لِأَنَّهُ إِنَّمَا يلْزم لَو أمكن تَحْصِيل مَا لأَجله بِدُونِ الْفِعْل، وَبِأَن إِمْكَان تَحْصِيله بِدُونِ الْعَجز دور.

الْوَجْه الرَّابِع: أَنه لَا يُوجد إِلَّا الله، وَإِذا ظهر ذَلِك كَانَ الْخَيْر وَالشَّر وَالْكفْر وَالْإِيمَان حَاصِلا بإيجاده، وَمنعه مُمْتَنع لوقف كَونه خَالِقًا على تَعْلِيل الْأَفْعَال.

أُجِيب: بِمَنْع التلازم، بل جَمِيع مَا خلقه الله فلحكمة باعتبارها كَانَ إيجاده.

الْوَجْه الْخَامِس: أَن أَفعاله تَعَالَى [إماتة] الْأَنْبِيَاء، وإنظار إِبْلِيس، وتمكنه من أَن يجْرِي مجْرى الدَّم من الْإِنْسَان بالوساوس وَالْإِلْقَاء فِي الْقُلُوب،

ص: 755

وَأَيْضًا قد خلد الْكفَّار فِي النَّار أَبَد الأبدين.

أُجِيب: نمْنَع خلو ذَلِك عَن حِكْمَة اقْتَضَت فعله.

تَنْبِيه: قَوْلهم عَن جَوَاب الْوَجْه الثَّالِث: بِأَن إِطْلَاق الْغَرَض لَا يجوز على الله تَعَالَى لما يُوهِمهُ عرفا.

قَالَ ابْن مُفْلِح فِي " أُصُوله ": (من أهل السّنة من يُسَمِّي الْحِكْمَة " غَرضا "، حَتَّى من الْمُفَسّرين كَالثَّعْلَبِيِّ كَقَوْل الْمُعْتَزلَة، وَمِنْهُم من لَا يُطلقهُ لِأَنَّهُ يُوهم الْمَقْصُود الْفَاسِد) انْتهى.

قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين: (لفظ " الْغَرَض " يُطلقهُ طَائِفَة من أهل الْكَلَام كالقدرية، وَطَائِفَة من المثبتين للقدر أَيْضا وَيَقُولُونَ: " يفعل لغَرَض "، لَكِن الْغَالِب على الْفُقَهَاء وَغَيرهم المثبتين للقدر لَا يطلقون لَفْظَة " الْغَرَض "، وَإِن أطْلقُوا لَفْظَة " الْحِكْمَة "، لما فِيهِ من إِيهَام الظُّلم وَالْحَاجة، فَإِن النَّاس إِذا قَالُوا: فعل فلَان هَذَا لغَرَض، وَفُلَان لَهُ غَرَض فِي كَذَا، كثيرا مَا يعنون بذلك المُرَاد المذموم، من الظُّلم أَو الْفَاحِشَة أَو غَيرهمَا، وَالله منزه عَن ذَلِك) . انْتهى.

قَوْله: {فعلى الأول [ترجح] بِمُجَرَّد الْمَشِيئَة} .

ص: 756

يَعْنِي: عِنْد الْقَائِلين بإنكار فعله وَأمره لعِلَّة وَحِكْمَة، أَو بعلة وَحِكْمَة، ترجح بِمُجَرَّد الْمَشِيئَة، فَإِذا شَاءَ سُبْحَانَهُ شَيْئا من الْأَشْيَاء، ترجح بِمُجَرَّد تِلْكَ الإشاءة.

{ [وَيَقُولُونَ] : علل الشَّرْع أَمَارَات مَحْضَة} .

{ [وَبَعْضهمْ] } يَقُولُونَ: {بالمناسبة ثَبت الحكم عِنْدهَا لَا بهَا.

و [قَالَ] أَبُو الْخطاب وَابْن المنى،. .

ص: 757

و [الشَّيْخ] الْمُوفق [وَالْغَزالِيّ] : بقول الشَّارِع جعل الْوَصْف الْمُنَاسب مُوجبا لحسن الْفِعْل وقبحه} ، لَا أَنه كَانَ حسنا وقبيحاً قبله كَمَا يَقُوله المثبتون.

قَوْله: {الثَّانِيَة: الْحسن شرعا: مَا أَمر بِهِ، وَقيل: مالم ينْه عَنهُ، والقبيح: مَا نهي عَنهُ} .

يَنْقَسِم الْفِعْل الَّذِي هُوَ مُتَعَلق الحكم إِلَى: حسن، وقبيح، بِاعْتِبَار إِذن الشَّارِع وَعدم إِذْنه، لَا بِالْعقلِ كَمَا يَدعِيهِ الْمُعْتَزلَة.

ولأصحابنا وَغَيرهم فِي حد الْحسن الشَّرْعِيّ عبارتان:

إِحْدَاهمَا: مَا أَمر الشَّارِع بِهِ، فَشَمَلَ الْوَاجِب وَالْمُسْتَحب.

قَالَ ابْن حمدَان فِي " الْمقنع ": (الْحسن شرعا مَا أَمر الشَّارِع بِهِ) .

وَقَالَ ابْن قَاضِي الْجَبَل كَمَا تقدم: (إِذا أَمر الله تَعَالَى بِفعل فَهُوَ حسن بِاتِّفَاق، وَإِذا نهى عَن فعل فقبيح بِاتِّفَاق) .

قَالَ الطوفي فِي " شرح مُخْتَصره ": (وَقيل: الْحسن مَا ورد الشَّرْع بتعظيم فَاعله وَالثنَاء عَلَيْهِ، والقبيح يُقَابله، وَهَذَا تَعْرِيف سني جمهوري، وَهُوَ يَشْمَل الْوَاجِب وَالْمُسْتَحب) انْتهى.

ص: 758

والعبارة الثَّانِيَة: الْحسن شرعا: مَا لم ينْه عَنهُ، فَشَمَلَ الْوَاجِب، وَالْمُسْتَحب، والمباح.

قَالَ الْبَيْضَاوِيّ: (مَا نهي عَنهُ شرعا فقبيح، وَإِلَّا فَحسن: كالواجب، وَالْمَنْدُوب، والمبارح، وَفعل غير الْمُكَلف) انْتهى.

وَصَححهُ السُّبْكِيّ الْكَبِير فِي " شرح منهاج الْبَيْضَاوِيّ "، فَإِنَّهُ شرح مِنْهُ قِطْعَة صَغِيرَة، وكمله وَلَده التَّاج.

وَقَالَ فِي " جمع الْجَوَامِع " وَتَبعهُ الْبرمَاوِيّ -: (الْحسن الْمَأْذُون) .

وَقَالا: (يَشْمَل الْمُبَاح لارْتِفَاع شَأْنه بِالْإِذْنِ فِيهِ) .

قَوْله: (والقبيح مَا نهي عَنهُ) .

قَالَه ابْن حمدَان وَغَيره، فَيشْمَل الْحَرَام، وَظَاهره: إِنَّه يَشْمَل الْمَكْرُوه؛ لِأَن الْمَكْرُوه مَنْهِيّ عَنهُ نهي تَنْزِيه، وَهَذَا هُوَ الصَّحِيح.

وَأما خلاف الأولى، فَأدْخلهُ التَّاج السُّبْكِيّ فِي الْقَبِيح، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ شَبيه بالمكروه فِي كَونه مَنْهِيّا عَنهُ نهي تَنْزِيه، وَإِن كَانَ النَّهْي غير مَقْصُود.

وَقَالَ إِمَام الْحَرَمَيْنِ: (الْمَكْرُوه لَيْسَ حسنا وَلَا قبيحاً، فَإِن الْقَبِيح: مَا يذم عَلَيْهِ وَهُوَ لَا يذم عَلَيْهِ، وَالْحسن: مَا يشرع الثَّنَاء عَلَيْهِ، وَهَذَا لَا يشرع الثَّنَاء عَلَيْهِ) .

ص: 759

قَالَ السُّبْكِيّ الْكَبِير فِي " شرح منهاج الْبَيْضَاوِيّ ": (وَلم أر أحدا يعْتَمد خَالف إِمَام الْحَرَمَيْنِ فِيمَا قَالَ، إِلَّا نَاسا أدركناهم، قَالُوا: إِنَّه قَبِيح؛ لِأَنَّهُ مَنْهِيّ عَنهُ، وَالنَّهْي أَعم من نهي تَحْرِيم وتنزيه، وَعبارَة الْبَيْضَاوِيّ بإطلاقها تَقْتَضِي ذَلِك، وَلَيْسَ أَخذ الحكم الْمَذْكُور من [هَذَا] الْإِطْلَاق بِأولى من رد هَذَا الْإِطْلَاق بقول إِمَام الْحَرَمَيْنِ) انْتهى.

وَاخْتَارَ هَذَا الْبرمَاوِيّ وَقَالَ: (قيل: وَيَنْبَغِي على قَول الإِمَام ذَلِك فِي الْمَكْرُوه، أَن خلاف الأولى كَذَلِك بل أولى بِأَن ينفى الْقبْح عَنهُ من حَيْثُ أَن النَّهْي فِيهِ غير مَقْصُود) .

قَالَ: (وَكَذَا الْمُبَاح يَنْبَغِي أَن يكون كَذَلِك، فَلَا يكون حسنا؛ لِأَن الْحسن عِنْده مَا يشرع الثَّنَاء عَلَيْهِ، وَهَذَا لَا يشرع الثَّنَاء عَلَيْهِ، وَلَا قبيحاً، لِأَن الْقَبِيح مَا يذم عَلَيْهِ، وَهُوَ لَا يذم عَلَيْهِ) .

قَالَ: (كَون الْمَكْرُوه وَخلاف الأولى من الْقَبِيح، فِيهِ نظر وَإِن صرح بِهِ التَّاج السُّبْكِيّ) .

قَالَ الزَّرْكَشِيّ: (وَلم [أره] لغيره، وَكَأَنَّهُ أَخذه من إِطْلَاق كثير: أَن الْقَبِيح: مَا نهي عَنهُ، قَالَ: وَيُمكن أَن يُرِيدُوا النَّهْي الْمَخْصُوص، - أَي: نهي التَّحْرِيم -، بل هُوَ الْأَقْرَب لإطلاقهم.

ص: 760

وَكَانَ الْموقع لَهُ فِي ذَلِك قَول الْهِنْدِيّ: إِن الْقَبِيح عندنَا: مَا يكون مَنْهِيّا عَنهُ، ونعني [بِهِ] : مَا يكون تَركه أولى، وَهُوَ الْقدر الْمُشْتَرك بَين الْمحرم وَالْمَكْرُوه) انْتهى.

قَوْله: {وَعرفا: مَا لفَاعِله فعله، أَو مَا مدح فَاعله، أَو مَا وَافق الْغَرَض ولاءم الطَّبْع، والقبيح: عَكسه فِيهِنَّ، أَقْوَال} .

هَذِه الْأَقْوَال أَخَذتهَا من " الْمقنع " لِابْنِ حمدَان وَهِي للْعُلَمَاء.

فَقَالَ فِي " الْمقنع ": (وَالْحسن عرفا: مَا لفَاعِله فعله، والقبيح: مَا لَيْسَ لفَاعِله فعله.

وَقيل: الْحسن: مَا يمدح فَاعله عرفا، والقبيح: مَا يذم فَاعله عرفا.

وَقيل: الْحسن مَا وَافق الْغَرَض ولاءم الطَّبْع، والقبيح: مَا خَالف الْغَرَض والطبع ونافره.

وَمن الْعرفِيّ: الْعلم حسن، وَالْجهل قَبِيح) انْتهى.

والأقوال قريبَة من بَعْضهَا بَعْضًا.

قَوْله: {الثَّالِثَة: [لَا يُوصف] فعل غير مُكَلّف [بِحسن]

ص: 761

وَلَا قبح، قَالَه فِي " الْمقنع " وَغَيره} .

وَقَطعُوا بِهِ، لِأَن فعل غير الْمُكَلف لَا يتَعَلَّق بِهِ حكم، لِأَن الْأَحْكَام إِنَّمَا تتَعَلَّق بِأَفْعَال الْمُكَلّفين، فَلَا يدْخل تَحت أحد قسميه وَهُوَ الْحسن، وَأَيْضًا فعله لم يُؤذن فِيهِ شرعا، فَلَا ينْدَرج تَحت الْمَأْذُون، وَوَصفه الْبَيْضَاوِيّ بذلك، وَقد تقدم لَفظه.

وَالْجمع بَينهمَا: أَن بَين الْفِعْل الَّذِي هُوَ مُتَعَلق الحكم وَبَين الْفِعْل الْحسن عُمُوم وخصوص من وَجه.

فَالْأول يَنْقَسِم إِلَى حسن وقبيح، وَالْحسن فِي هَذِه الْقِسْمَة لَا يَشْمَل فعل غير الْمُكَلف

ثمَّ قسمنا مُسَمّى الْحسن مُطلقًا إِلَى فعل الْمُكَلف وَغَيره مِمَّا لَيْسَ مُتَعَلقا بالحكم، فَخرج من الْقسمَيْنِ: أَن الْوَاجِب وَالْمَنْدُوب والمباح من قسم الْحسن الْمَحْكُوم فِيهِ، وان فعل غير الْمُكَلف من قسم الْحسن غير الْمَحْكُوم فِيهِ، وَهَذَا شَأْن الْعَام من وَجه حَيْثُ وَقع، وَيَأْتِي الْأَعَمّ من وَجه وَغَيره فِي الْحَقَائِق الْأَرْبَع فِي أَوَاخِر الْأَمر.

ص: 762

قلت: الصَّوَاب: أَن فعل الْمُمَيز شرعا يكون مِنْهُ حسن وقبيح، فَإِن عِبَادَته صَحِيحَة، وَله ثَوَابهَا.

على كل حَال، من أَرَادَ انقسام الْعَمَل الَّذِي هُوَ مُتَعَلق الحكم قَالَ: لَا يُوصف فعله بذلك، وَمن أَرَادَ بالْحسنِ مَا وَافق الشَّرْع من غير نظر إِلَى مُتَعَلق الحكم قَالَ: يُوصف بذلك، وَالله أعلم.

فَوَائِد: الأولى: قَالَ الْعلمَاء: كل عمل جَزَاؤُهُ خير مِنْهُ، إِلَّا التَّوْحِيد فَإِنَّهُ أفضل من جَزَائِهِ، وَقد ذكره الْبَغَوِيّ فِي " تَفْسِيره " فِي آخر سُورَة النَّمْل.

الثَّانِيَة: أطلق الأصوليون مُقَابلَة الْحسن بالقبيح، وَفِيه نظر؛ لِأَن مُقَابِله إِنَّمَا هُوَ السيء، قَالَ الله تَعَالَى:{إِن أَحْسَنْتُم أَحْسَنْتُم لأنفسكم وَإِن أسأتم فلهَا} [الْإِسْرَاء: 7]، {وَلَا تستوي الْحَسَنَة وَلَا السَّيئَة} [فصلت: 34] .

وَأَيْضًا: فالقبيح [أخص] من السيء، كَمَا أَن الْجَمِيل أخص من الْحسن، بِدَلِيل قَوْلهم: الْحسن الْجَمِيل، للترقي من الْأَدْنَى للأعلى، فَيَنْبَغِي مُقَابلَة الْجَمِيل بالقبيح وَالْحسن بالسيء، نبه عَلَيْهِ الشَّيْخ جمال الدّين الأغماتي فِي كتاب " الْمطَالع ".

ص: 763

الثَّالِثَة: إناطة الْحسن بِالْإِذْنِ، أخص من إناطته بِعَدَمِ النَّهْي، حَتَّى أَدخل فِيهِ غير الْمُكَلف: كَالصَّبِيِّ، والساهي، والبهيمة، اسْتِطْرَادًا؛ لِأَنَّهُ إِنَّمَا يتَكَلَّم فِي الْفِعْل الْمُتَعَلّق بِهِ الْخطاب، وَهُوَ فعل الْمُكَلف، وَالله أعلم.

ص: 764