الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قَوْله: {فصل الحكم الشَّرْعِيّ}
اعْلَم أَن الحكم مصدر قَوْلك: حكم بَينهم يحكم حكما، إِذا قضى، وَمَعْنَاهُ فِي اللُّغَة: الْمَنْع، وَإِلَيْهِ ترجع تراكيب مَادَّة: ح، ك، م، أَو أَكْثَرهَا.
فَمن ذَلِك: حكمت الرجل تحكيماً، إِذا منعته مِمَّا أَرَادَ.
وحكمت السَّفِيه بِالتَّخْفِيفِ -، وأحكمت، إِذا أخذت على يَده.
قَالَ الشَّاعِر:
( [أبني] حنيفَة أحكموا [صِبْيَانكُمْ]
…
إِنِّي أَخَاف عَلَيْكُم أَن أغضبا)
وَسمي القَاضِي: حَاكما؛ لمَنعه الْخُصُوم من التظالم.
وَسميت هَذِه الْمعَانِي نَحْو: الْوُجُوب، والحظر، وَغَيرهمَا: أحكاماً؛ لِأَن معنى الْمَنْع مَوْجُود فِيهَا.
إِذا تقرر ذَلِك؛ فقد قَالَ الإِمَام أَحْمد: (الحكم الشَّرْعِيّ: خطاب الشَّرْع وَقَوله) انْتهى.
وَمرَاده: مَا وَقع بِهِ الْخطاب، أَي: مَدْلُوله وَهُوَ الْإِيجَاب وَالتَّحْرِيم والإحلال، وَهُوَ صفة الْحَاكِم.
فَهُوَ عِنْد الإِمَام أَحْمد: مَدْلُول خطاب [الشَّرْع] ، فَشَمَلَ الْأَحْكَام [الْخَمْسَة] وَغَيرهَا، [وَالظَّاهِر أَن] الإِمَام أَحْمد أَرَادَ بِزِيَادَة:(وَقَوله) ،
على خطاب الشَّرْع، التَّأْكِيد، من بَاب عطف الْعَام على الْخَاص؛ [لِأَن] كل خطاب قَول، وَلَيْسَ كل قَول خطاب.
فَائِدَة: الحكم، نفس خطاب الله تَعَالَى، فالإيجاب مثلا: هُوَ نفس قَول الله تَعَالَى: {أقِم الصَّلَاة} [الْإِسْرَاء: 78] ، وَلَيْسَ الْفِعْل صفة من القَوْل، إِذْ القَوْل مُتَعَلق بالمعدوم، وَهُوَ فعل الصَّلَاة فِي الْمِثَال الْمَذْكُور، وَإِذا كَانَ الْفِعْل مَعْدُوما فصفته الْمُتَأَخِّرَة عَنهُ أولى بِالْعدمِ، - فَالْحكم وَهُوَ الْإِيجَاب مثلا لَهُ تعلق بِفعل الْمُكَلف وَإِن كَانَ مَعْدُوما.
فبالنظر إِلَى نَفسه الَّتِي هِيَ صفة الله يُسمى إِيجَابا، وبالنظر إِلَى مَا تعلق بِهِ وَهُوَ فعل الْمُكَلف يُسمى وجوبا، فهما متحدان بِالذَّاتِ، مُخْتَلِفَانِ بِالِاعْتِبَارِ، وَلِهَذَا ترى الْمُحَقِّقين تَارَة يعْرفُونَ الْإِيجَاب، وَتارَة يعْرفُونَ الْوُجُوب، نظرا إِلَى الاعتبارين.
هَذَا حَاصِل كَلَام القَاضِي عضد الدّين، مَعَ توضيح فِيهِ، وَهَذَا الَّذِي قَالَه إِنَّمَا هُوَ كالجواب عَن الِاعْتِرَاض بقَوْلهمْ: الْمَقْصُود فِي تَعْرِيف الحكم؛ تَعْرِيف المصطلح بَين الْفُقَهَاء، لِأَنَّهُ الْمَأْخُوذ من تَعْرِيف الْفِقْه، وَهُوَ لَيْسَ نفس الْخطاب، بل مَا ثَبت بِالْخِطَابِ، كالوجوب، وَالْحُرْمَة، أَعنِي: صفة فعل الْمُكَلف.
وَأجَاب غَيره عَن ذَلِك: (بِأَنَّهُ كَمَا أُرِيد بالحكم مَا حكم بِهِ، أُرِيد بِالْخِطَابِ مَا خُوطِبَ بِهِ، لظُهُور أَن صفة فعل الْمُكَلف، لَيْسَ [نفس]
الْخطاب الَّذِي هُوَ الْكَلَام الأزلي.
وَأجِيب أَيْضا: (بِأَن التَّعْرِيف إِنَّمَا هُوَ للْحكم حَقِيقَة، وَإِطْلَاق الحكم على الْوُجُوب وَالْحُرْمَة تسَامح) .
وأسدها كَلَام الْعَضُد.
وَقَالَ الْبرمَاوِيّ وَغَيره: (لما كَانَ كثير من الْعلمَاء يتسامحون بِإِطْلَاق اسْم نوع الحكم على مُتَعَلّقه من الْفِعْل وَعَكسه، فَيَقُولُونَ: الحكم: إِمَّا وَاجِب، أَو مَنْدُوب إِلَى آخِره، وَيَقُولُونَ فِي الْفِعْل: إِنَّه إِيجَاب، أَو ندب
…
إِلَى آخِره، تعرضت للْفرق بَينهمَا بِحَسب الْحَقِيقَة، وَأَن
الْوَاجِب: مَا تعلق بِهِ الْإِيجَاب، وَالْمَنْدُوب: مَا تعلق بِهِ النّدب
…
إِلَى آخِره، فيصاغ لكل فعل من الحكم الَّذِي تعلق بِهِ، [اسْم] يحصل بِهِ الْإِعْلَام والتمييز عَن بَقِيَّة الْأَفْعَال، فَيُقَال للْفِعْل الَّذِي تعلق بِهِ الْإِيجَاب: مُوجب، اسْم مفعول، وواجب لِأَنَّهُ [مُطَاوع] لأوجب، وَكَذَلِكَ يُقَال فِي الْبَقِيَّة) .
قَوْله: {وَقيل: خطابه الْمُتَعَلّق بِفعل [الْمُكَلف] } .
[قَالَه] كثير من الْعلمَاء، وَهُوَ قريب من قَول الإِمَام أَحْمد؛ [إِلَّا] أَن هَذَا أصرح وأخص.
فَقَوله: (خطابه)، أَي: خطاب الشَّرْع، فَدخل فِيهِ خطاب الله تَعَالَى،