الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قَوْله: [فصل فِي الشَّخْص الْوَاحِد ثَوَاب وعقاب}
.
كنوع الْآدَمِيّ، وَهُوَ مَذْهَب أهل السّنة قاطبة، لِأَنَّهُ يعْمل الْحَسَنَات والسيئات، فتكتب لَهُ الْحَسَنَات، وَأما السَّيِّئَات فَإِن تَابَ مِنْهَا غفرت، وَكَذَا إِن اجْتنبت الْكَبَائِر على الصَّحِيح، على مَا يَأْتِي بَيَانه عَلَيْهِ فِي السّنة، وَإِلَّا فَهُوَ تَحت الْمَشِيئَة لحَدِيث عبَادَة.
وَخَالف الْمُعْتَزلَة فخلدوا أهل الْكَبَائِر فِي النَّار، وَلَو عمِلُوا [حَسَنَات] كَثِيرَة.
وَهُوَ مصادم لِلْقُرْآنِ وَالْأَحَادِيث الصَّحِيحَة الصَّرِيحَة الْوَارِدَة عَن الْمَعْصُوم الَّذِي لَا ينْطق عَن الْهوى فِي الشَّفَاعَة فِي أهل الْكَبَائِر وخروجهم من النَّار ودخولهم الْجنَّة.
وَالْأَحَادِيث فِي ذَلِك كَثِيرَة جدا تبلغ بهَا حد التَّوَاتُر الْمَعْنَوِيّ.
قَوْله: {وَالْفِعْل الْوَاحِد بالنوع؛ مِنْهُ وَاجِب [وَمِنْه حرَام بِاعْتِبَار أشخاصه، كسجوده لله تَعَالَى وللصنم] } ، لتغايرهما بالشخصية، فَلَا استلزام بَينهمَا، وَهُوَ مَذْهَب الْأَئِمَّة الْأَعْلَام من أَرْبَاب الْمذَاهب وَغَيرهم.
فَإِن السُّجُود نوع من الْأَفْعَال ذُو أشخاص كَثِيرَة، فَيجوز أَن يَنْقَسِم إِلَى وَاجِب وَحرَام، فَيكون بعض أفرادها وَاجِبا: كالسجود لله، وَبَعضهَا حَرَامًا: كالسجود للصنم مثلا، وَلَا امْتنَاع من ذَلِك.
قَالَ الْمجد فِي " المسودة ": (السُّجُود بَين يَدي الصَّنَم مَعَ قصد التَّقَرُّب إِلَى الله تَعَالَى محرم على مَذَاهِب عُلَمَاء الشَّرِيعَة. [وَقيل] عَن أبي هَاشم -: إِنَّه لَا يرى تَحْرِيم السُّجُود، وَيَقُول: إِنَّمَا الْمحرم الْقَصْد) .
قَالَ الْجُوَيْنِيّ: (وَلم أره لَهُ، وَإِنَّمَا مذْهبه: أَن السُّجُود لَا تخْتَلف صفته، وَإِنَّمَا الْمَحْظُور الْقَصْد.
- قَالَ -: وَهَذَا [يجب] أَن لَا يَقع السُّجُود طَاعَة بِحَال، ومساق ذَلِك يخرج الْأَفْعَال الظَّاهِرَة عَن كَونهَا قربات، وَهُوَ خُرُوج عَن دين الْأمة، لَا يمْتَنع أَن يكون الْفِعْل مَأْمُورا بِهِ مَعَ قصد، مَنْهِيّا عَنهُ مَعَ قصد. هَذَا زبدة كَلَامه) انْتهى.
وَقَالَ ابْن مُفْلِح وَغَيره: (خَالف بعض الْمُعْتَزلَة وَمرَاده: أَبُو هَاشم، حَكَاهُ عَنهُ أَبُو الْمَعَالِي، قَالَ: - لِأَن السُّجُود مَأْمُور بِهِ لله تَعَالَى، فَلَو
حرم للصنم، لاجتمع أَمر وَنهي فِي نوع وَاحِد، والمنهي قصد تَعْظِيمه.
رد: بِأَن الْمَأْمُور بِهِ السُّجُود الْمُقَيد بِقصد تَعْظِيم الله تَعَالَى، وَلِهَذَا قَالَ:{لَا تسجدوا للشمس وَلَا للقمر واسجدوا لله} [فصلت: 37]، والمنهي عَنهُ هُنَا: هُوَ الْمَأْمُور بِهِ) .
وَعِنْده: أَن النَّوْع لَا يخْتَلف بالْحسنِ والقبح، وَهِي قَاعِدَة فَاسِدَة كَمَا تقدم، لِأَن الْمحرم الْقَصْد وَالسُّجُود مَعًا، وَأما فِي فَرد من النَّوْع فَلَا.
قَالَ الْبرمَاوِيّ وَغَيره: (والمخالف فِي ذَلِك الْحَنَفِيَّة، نَقله ابْن السَّمْعَانِيّ فِي " القواطع "، وَهُوَ أعرف بمذهبهم لِأَنَّهُ كَانَ حنفياً ثمَّ صَار شافعياً، وَمثل لذَلِك بِالصَّلَاةِ فِي الْأَوْقَات الْمَكْرُوهَة، وَصَوْم يَوْم الْعِيد والتشريق وَنَحْوه) .
قَوْله: {و [الْوَاحِد] } .
أَي: الْفِعْل الْوَاحِد {بالشخص لَهُ جِهَة وَاحِدَة، فيستحيل كَونه وَاجِبا حَرَامًا، [إِلَّا عِنْد بعض من] [يجوز تَكْلِيف الْمحَال] } .
قَالَ الْأَصْفَهَانِي: (إِذا كَانَ الْفِعْل ذَا جِهَة وَاحِدَة، اسْتَحَالَ كَونه وَاجِبا حَرَامًا لتنافيهما، إِلَّا عِنْد بعض من يجوز تَكْلِيف الْمحَال عقلا وَشرعا.
وَأما الْقَائِلُونَ بامتناعه شرعا لَا عقلا فَلَا يجوزونه، تمسكاً بقوله تَعَالَى:{لَا يُكَلف الله نفسا إِلَّا وسعهَا} [الْبَقَرَة: 286] ) .
وَقَالَ عضد الدّين: (فَلَو اتَّحد الْوَاحِد بالشخص؛ بِأَن يكون الشَّيْء الْوَاحِد من الْجِهَة الْوَاحِدَة وَاجِبا حَرَامًا مَعًا، فَذَلِك مُسْتَحِيل قطعا، إِلَّا عِنْد من يجوز تَكْلِيف الْمحَال، وَقد مَنعه بعض من يجوز ذَلِك، نظرا إِلَى أَن الْوُجُوب يتَضَمَّن جَوَاز الْفِعْل، وَهُوَ يُنَاقض التَّحْرِيم) .
يَعْنِي: أَن الْفِعْل الْوَاحِد تَارَة يكون لَهُ جِهَة، وَتارَة يكون لَهُ جهتان، فَتقدم الْكَلَام على مَا لَهُ جِهَة وَاحِدَة، وَالْكَلَام الْآن على مَا لَهُ جهتان: كَالصَّلَاةِ فِي بقْعَة مَغْصُوبَة، { [مَذْهَب الإِمَام أَحْمد] ، وَأكْثر أَصْحَابه، والظاهرية والزيدية، والجبائية: لَا تصح} الصَّلَاة، {وَلَا يسْقط الطّلب بهَا} ، وَقَالَهُ أَبُو شمر الْحَنَفِيّ، وَحَكَاهُ [الْمَازرِيّ] عَن إصبغ الْمَالِكِي.
قَالَ ابْن قَاضِي الْجَبَل: (وَهُوَ رِوَايَة عَن مَالك، وَاخْتَارَهُ ابْن الْمَاجشون.
وَهُوَ وَجه لأَصْحَاب الشَّافِعِي، حَكَاهُ القَاضِي حُسَيْن، وَابْن الصّباغ.
وَقَالَ القَاضِي أَبُو بكر ابْن الباقلاني، وَالْفَخْر الرَّازِيّ:(يسْقط الْفَرْض عِنْدهَا [لَا بهَا] ) .
قَالَ فِي " الْمَحْصُول ": (لِأَن السّلف أَجمعُوا على أَن الظلمَة لَا يؤمرون بِقَضَاء الصَّلَاة المؤداة فِي الدَّار الْمَغْصُوبَة، وَلَا طَرِيق إِلَى التَّوْفِيق بَينهمَا إِلَّا بِمَا ذَكرْنَاهُ.
قَالَ: وَهُوَ مَذْهَب القَاضِي أبي بكر) انْتهى.
قَالَ الصفي الْهِنْدِيّ: (الصَّحِيح: أَن القَاضِي إِنَّمَا يَقُول بذلك لَو ثَبت القَوْل بِصِحَّة الْإِجْمَاع على سُقُوط الْقَضَاء، فَإِذا لم يثبت ذَلِك فَلَا يَقُول بِسُقُوط الطّلب بهَا وَلَا عِنْدهَا) انْتهى.
وَقد منع الْإِجْمَاع أَبُو الْمَعَالِي وَابْن السَّمْعَانِيّ وَغَيرهمَا.
وَقد رد الطوفي مَا قَالَه الباقلاني فَقَالَ: (لِأَنَّهُ لما قَامَ الدَّلِيل عِنْد الباقلاني على عدم الصِّحَّة، ثمَّ ألزمهُ الْخصم بِإِجْمَاع السّلف على أَنهم لم يأمروا الظلمَة بِإِعَادَة الصَّلَوَات، مَعَ كَثْرَة وُقُوعهَا مِنْهُم فِي أَمَاكِن الْغَصْب، فأشكل عَلَيْهِ، فحاول الْخَلَاص بِهَذَا التَّوَسُّط، فَقَالَ: يسْقط الْفَرْض عِنْد هَذِه الصَّلَاة للْإِجْمَاع الْمَذْكُور، لَا بهَا لقِيَام الدَّلِيل على عدم صِحَّتهَا.
- قَالَ الطوفي -: قلت: فَكَأَنَّهُ جعلهَا سَببا لسُقُوط الْفَرْض أَو أَمارَة عَلَيْهِ، على نَحْو خطاب الْوَضع، لَا [عِلّة] لسقوطه، لِأَن ذَلِك يستدعى صِحَّتهَا.
قلت: وَهَذَا مَسْلَك ظَاهر الضعْف؛ لِأَن سُقُوط الْفَرْض بِدُونِ أَدَائِهِ شرعا غير مَعْهُود، بل لَو منع الْإِجْمَاع الْمَذْكُور لَكَانَ أيسر عَلَيْهِ.
- ورد الْإِجْمَاع بِكَلَام صَحِيح متين إِلَى الْغَايَة ثمَّ قَالَ -: وأحسب أَن هَؤُلَاءِ الَّذين ادعوا الْإِجْمَاع بنوه على مقدمتين:
إِحْدَاهمَا: أَن مَعَ كَثْرَة الظلمَة فِي تِلْكَ الْأَعْصَار عَادَة لَا يَخْلُو من إِيقَاع الصَّلَاة فِي مَكَان غصب من بَعضهم.
الثَّانِيَة: أَن السّلف يمْتَنع عَادَة وَشرعا تواطؤهم على ترك الْإِنْكَار.
وَالْأَمر بِالْإِعَادَةِ [بِنَاء من هَؤُلَاءِ] على مَا ظنوه من دَلِيل الْبطلَان، وَإِلَّا فَلَا إِجْمَاع فِي ذَلِك مَنْقُول تواتراً وَلَا آحاداً.
والمقدمتان المذكورتان فِي غَايَة الضعْف والوهن) انْتهى.
قَالَ ابْن مُفْلِح: (وَادّعى ابْن الباقلاني الْإِجْمَاع، وَهِي دَعْوَى لَا دَلِيل عَلَيْهَا، وَلَا إِجْمَاع.
ثمَّ لَا وَجه لسُقُوط الْعِبَادَة عِنْد فعل بَاطِل، وَمَعَ أَنه لَا يعرف عَن أحد قبله، وَلَا يبعد أَنه خلاف الْإِجْمَاع) انْتهى.
قَالَ ابْن قَاضِي الْجَبَل: (قَالَ الباقلاني: لَو لم تصح لما سقط التَّكْلِيف، وَقد سقط بِالْإِجْمَاع، لأَنهم لم يؤمروا بِقَضَاء الصَّلَوَات.
قيل: [لَا إِجْمَاع] فِي ذَلِك لعدم ذكره وَنَقله، كَيفَ وَقد خَالف الإِمَام أَحْمد وَمن تبعه؟ وَهُوَ إِمَام النَّقْل وَأعلم بأحوال السّلف) .
وَقَالَ ابْن قَاضِي الْجَبَل أَيْضا -: (قَول ابْن الباقلاني: يسْقط الْفَرْض عِنْدهَا لَا بهَا، بَاطِل، لِأَن مسقطات الْفَرْض محصورة: من نسخ، أَو عجز، أَو فعل غير كالكفاية، وَلَيْسَ هَذَا مِنْهَا) انْتهى.
{ [وَعَن أَحْمد] : [يحرم] } فعل الصَّلَاة {وَتَصِح، [وَهُوَ قَول مَالك] ، وَالشَّافِعِيّ، و} اخْتَارَهُ من أَصْحَابنَا: {الْخلال، وَابْن عقيل، والطوفي، [وَأكْثر الْعلمَاء] } .
فَهَذِهِ الصَّلَاة وَاجِبَة، حرَام، باعتبارين، فَتكون صَحِيحَة، لِأَن مُتَعَلق الطّلب ومتعلق النَّهْي فِي ذَلِك متغايران، فَكَانَا كاختلاف المحلين، لِأَن كل وَاحِدَة من الْجِهَتَيْنِ مُسْتَقلَّة عَن الْأُخْرَى، واجتماعهما إِنَّمَا هُوَ بِاخْتِيَار الْمُكَلف، فليسا متلازمين، فَلَا تنَاقض.
قَوْله: {فَلَا ثَوَاب، وَقيل: بلَى} .
يَعْنِي: إِذا فعل الْعِبَادَة على وَجه محرم، وَقُلْنَا: تصح، فَهَل يُثَاب عَلَيْهَا أم لَا؟ فِيهِ للْعُلَمَاء قَولَانِ:
أَحدهمَا: لَا ثَوَاب فِيهَا، وَقَالَهُ القَاضِي أَبُو يعلى، وَأَبُو الْخطاب فِي " التَّمْهِيد "، وَجمع من أَصْحَابنَا، ذكره فِي فروع ابْن مُفْلِح فِي بَاب ستر الْعَوْرَة.
قَالَ الْمجد: (تصح صَلَاة من شرب الْخمر وَلَا ثَوَاب فِيهَا)، وَنقل ابْن الْقَاسِم عَن أَحْمد:(لَا أجر لمن غزا على فرس غصب) ، وَقَالَهُ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين وَغَيره فِي حج.
وَقدمه التَّاج السُّبْكِيّ، وَقد نقل النَّوَوِيّ فِي " شرح الْمُهَذّب " عَن القَاضِي أبي مَنْصُور ابْن أخي ابْن الصّباغ -: (أَن الْمَحْفُوظ من كَلَام أَصْحَابنَا بالعراق أَنَّهَا تصح وَلَا ثَوَاب فِيهَا، وَنقل عَن شَيْخه ابْن الصّباغ فِي " الْكَامِل ": أَنه يَنْبَغِي حُصُول الثَّوَاب عِنْد من صححها.
قَالَ القَاضِي أَبُو مَنْصُور: وَهُوَ الْقيَاس) انْتهى.
وَقَالَ ابْن الْعِرَاقِيّ فِي " شرح جمع الْجَوَامِع ": (قلت: يَنْبَغِي أَن يُقَابل بَين ثَوَاب الْعِبَادَة وإثم الْمكْث فِي الْمَغْصُوب، فَإِن تكافأا أحبط الْعَمَل الثَّوَاب، وَإِن زَاد ثَوَاب الصَّلَاة بَقِي لَهُ قدر من الثَّوَاب لَا يضيع، وَحِينَئِذٍ فَلَا يُطلق انْتِفَاء الثَّوَاب لحُصُول بعضه فِي بعض الْأَحْوَال) ، وَهُوَ حسن.
قلت: وَأحسن مِنْهُ أَن يُقَال: إِن عَلَيْهِ بِالْغَصْبِ إِثْمًا، وَله بِالصَّلَاةِ ثَوابًا، فَلَو زَاد إِثْم الْغَصْب على ثَوَاب الْعِبَادَة، بَقِي عَلَيْهِ شَيْء من الْإِثْم، كَمَا لَو زَاد ثَوَاب الْعِبَادَة بَقِي لَهُ شَيْء من الثَّوَاب، وَإِن تَسَاويا كَانَ لَهُ ثَوَاب الْعِبَادَة وَعَلِيهِ إِثْم الْغَصْب، فالثواب يُضَاف إِلَى حَسَنَاته، وَالْإِثْم يُضَاف إِلَى سيئاته، وَكَذَا لَو زَاد أَحدهمَا.
{ [وَقيل] : تكره، [وفَاقا للحنفية] } .
وَهُوَ ظَاهر كَلَام السامري فِي " الْمُسْتَوْعب ".
قَالَ ابْن مُفْلِح فِي " الْفُرُوع ": (وَفِيه نظر) .
وَعنهُ: إِن علم التَّحْرِيم لم تصح، وَإِلَّا صحت.
دَلِيل الْمَذْهَب الأول وَهُوَ الصَّحِيح من الْمَذْهَب -: تعلق الْوُجُوب وَالْحُرْمَة بِفعل الْمُكَلف، وهما متلازمان فِي هَذِه الصَّلَاة، فَالْوَاجِب مُتَوَقف على الْحَرَام، وَمَا لَا يتم الْوَاجِب إِلَّا بِهِ وَاجِب، فالحرام وَاجِب، وَهُوَ تَكْلِيف بالمحال.
وَلِأَن شغل الحيز حرَام، وَهُوَ دَاخل فِي مفهومي الْحَرَكَة والسكون، الداخلين فِي مفهومها، فَدخل فِي مفهومها لِأَنَّهُ جزؤها فَالصَّلَاة الَّتِي جزؤها حرَام، غير وَاجِبَة، لوُجُوب الْجُزْء الْحَرَام إِن استلزم وُجُوبهَا وجوب أَجْزَائِهَا، وَإِلَّا كَانَ الْوَاجِب بعض أَجزَاء الصَّلَاة لَا نَفسهَا، لتغاير الْكل والجزء.
وَاعْترض الْآمِدِيّ وَغَيره: بِأَن العَبْد إِذا أَمر بخياطة ثوب، وَنهي عَن مَكَان مَخْصُوص، فَجمع بَينهمَا، كَانَ طَائِعا عَاصِيا للجهتين، إِجْمَاعًا، وَمَا سبق جَار فِيهِ، الْجَواب وَاحِد.
وَلقَائِل أَن يَقُول: صُورَة الْإِلْزَام لَازِمَة فِي الصَّلَاة فِي الْمَكَان النَّجس، وَالْجَوَاب وَاحِد.
ثمَّ فِي كَلَام أَصْحَابنَا مَا يَقْتَضِي الْفرق؛ فَقَالَ الْمُوفق فِي " الرَّوْضَة "
- بعد أَن احْتج للصِّحَّة بِالْأَمر بالخياطة -: (قَالَ من منع: مَتى أخل مرتكب النَّهْي بِشَرْط الْعِبَادَة أفسدها، وَنِيَّة التَّقَرُّب بِالصَّلَاةِ شَرط، والتقرب بالمعصية محَال) .
وَهَذَا معنى قَول أبي الْخطاب: (من شَرط الصَّلَاة الطَّاعَة، وَنِيَّته أَدَاء الْوَاجِب، وحركته مَعْصِيّة، وَنِيَّة أَدَاء الْوَاجِب بِمَا يُعلمهُ غير وَاجِب بل مَعْصِيّة محَال) .
وَقَالَ أَيْضا وَمَعْنَاهُ كَلَام القَاضِي وَغَيره -: (من شَرط الْعِبَادَة إِبَاحَة الْموضع، وَهُوَ محرم، فَهُوَ كالنجس) .
وَلِأَن الْأَمر بِالصَّلَاةِ لم يتَنَاوَل هَذِه الْمنْهِي عَنْهَا، وَهِي غصب، لشغل ملك غَيره [بِغَيْر حق] ، فَلَا يجوز كَونهَا وَاجِبَة من جِهَة أُخْرَى.
قَالَ المصححون: الْغَصْب للدَّار، وَالصَّلَاة غَيرهَا.
رد: بِمَا سبق.
وَقَالَ ابْن عقيل: (لَا يملك الْآدَمِيّ عين شَيْء عِنْد الْفُقَهَاء أجمع، بل إِنَّمَا يملك التَّصَرُّف، فالمصلي غَاصِب بِصَلَاتِهِ، وَالله يملك الْعين، وَعند الْمُعْتَزلَة: لَا، لِأَن الْملك: الْقُدْرَة، وَلَا تقع على مَوْجُود) انْتهى.
وَأما صَوْم يَوْم الْعِيد، فَيحرم إِجْمَاعًا، وَلَا يَصح عِنْد أَحْمد، وَمَالك، وَالشَّافِعِيّ.
وَعَن أَحْمد: يَصح فرضا.
وَعنهُ: عَن نَذره الْمعِين، وفَاقا لأبي حنيفَة وَأَصْحَابه.
وَزَاد أَبُو حنيفَة: ونفلاً.
فَنَقُول: لَو صحت بالجهتين لصَحَّ بهما.
وَفرق: بِأَن صَوْمه لَا يَنْفَكّ عَن الصَّوْم بِوَجْه، فَلَا جهتان، وَبِأَن اعْتِبَار تعدد الْجِهَة فِي نهي التَّحْرِيم بِدَلِيل، وَهُوَ الْأَمر بِالصَّلَاةِ، وَالنَّهْي عَن الْغَصْب.
رد الأول: بِأَن هَذِه الصَّلَاة إِن تنَاولهَا الْأَمر فَهِيَ مُحرمَة.
وَالثَّانِي: بِأَن الْأَمر بِالصَّوْمِ، وَالنَّهْي عَن صَوْم يَوْم الْعِيد.
قَالَ ابْن قَاضِي الْجَبَل: (احْتج الْمُخَالف بِطَاعَة العَبْد وعصيانه، بأَمْره بالخياطة وَنَهْيه عَن مَكَان مَخْصُوص، فَالصَّلَاة مَأْمُور بهَا وَالْغَصْب مَنْهِيّ عَنهُ.
قُلْنَا: النزاع لم يَقع إِلَّا فِي الصَّلَاة مُقَيّدَة بِقَيْد الْغَصْب، وَهِي مُخْتَصَّة، فَلَا نسلم الْأَمر بهَا مَقْرُونا بِالنَّهْي، لِأَن النزاع فِي الصَّلَاة الشخصية، وَالْوَاحد بالشخص لَا تعدد فِيهِ بِاعْتِبَار عينه، بِأَن يُؤمر بِهِ وَينْهى عَنهُ، فَيُقَال بِمُوجب الدَّلِيل، لِأَنَّهُ إِنَّمَا اقْتضى الْأَمر بِالصَّلَاةِ من حَيْثُ هِيَ صَلَاة، والنزاع وَقع فِي الْمُقَيد بِقَيْد الْغَصْب، لِأَن الْعَام فِي الْأَشْخَاص مُطلق فِي الْأَحْوَال، فَتَنَاول لفظ الصَّلَاة بِعُمُومِهِ كل فَرد من أَفْرَاد الصَّلَاة، بِوَصْف مُطلق الْمَكَان، وَمُطلق الزَّمَان، وَمُطلق الْحَال، فخصوص الدَّار الْمَغْصُوبَة لَا يَتَنَاوَلهَا عُمُوم الْأَمر، وَهَذَا أصح مِمَّا ذكره ابْن الْخَطِيب، لِأَنَّهُ سلم الْعُمُوم وَادّعى التَّخْصِيص بِدَلِيل الْعقل) انْتهى كَلَام ابْن قَاضِي الْجَبَل.
وَقَالَ أَيْضا -: (وَأما أَمر العَبْد بالخياطة فَلَيْسَ مطابقاً، لِأَن الْفِعْل [الَّذِي هُوَ مُتَعَلق] الْأَمر، غير الْفِعْل الَّذِي هُوَ مُتَعَلق النَّهْي، وَلَيْسَ بَينهمَا مُلَازمَة، فَلَا جرم صَحَّ الْأَمر بِأَحَدِهِمَا وَالنَّهْي عَن الآخر، إِنَّمَا النزاع فِي صِحَة تعلق الْأَمر وَالنَّهْي بالشَّيْء الْوَاحِد، فَأَيْنَ أَحدهمَا من الآخر؟) .
قَالَ الْقَرَافِيّ: (الْمِثَال مُطَابق فِي العَبْد، لِأَن الشَّيْء الْوَاحِد إِذا كَانَ لَهُ جهتان صَحَّ فِيهِ مَا ذكر) .
قُلْنَا: قد بَينا أَن الصَّلَاة الْمَخْصُوصَة لَيْسَ لَهَا جهتان، والتمثيل بالخياطة غير صَحِيح، لِأَن الْخياطَة وَالدُّخُول أَمْرَانِ متغايران، يجوز انفكاك أَحدهمَا عَن الآخر.
تَنْبِيه: قَالَ ابْن قَاضِي الْجَبَل: (زعم [الْغَزالِيّ: أَن] الْمَسْأَلَة قَطْعِيَّة فِي الصِّحَّة، لَا اجتهادية، مُسْتَندا إِلَى الْإِجْمَاع على عدم الْأَمر بِالْقضَاءِ، وَنسب من أبطلها إِلَى خرق الْإِجْمَاع، وَلَو طُولِبَ بتحقيق هَذَا الْإِجْمَاع [لعجز عَنهُ.
وَأَيْضًا: الْإِجْمَاع] إِن كَانَ لفظياً، فَأَيْنَ نَقله؟ وَإِن كَانَ سكوتياً فَكَذَلِك.
وَلَا يُمكنهُ النَّقْل عَن أحد من أهل الْفَتْوَى أَنه أفتى بِالصِّحَّةِ.
وَأَيْضًا فالسكوتي عُمْدَة وَلَيْسَ بِحجَّة) .
وَقَالَ الْغَزالِيّ أَيْضا -: (يلْزم أَحْمد بن حَنْبَل الْقَائِل بِأَن الصَّلَاة بَاطِلَة جَمِيع الْعُقُود، من البيع وَقت النداء، وَأَن لَا تحل امْرَأَة تزَوجهَا وَفِي ذمَّته دانق ظلم، وَلَا صلَاته، وَلَا جَمِيع تَصَرُّفَاته، وَلَا يحصل التَّحْلِيل بِوَطْء من هَذَا شَأْنه، لِأَنَّهُ عَاص بترك رد الْمظْلمَة، فَيلْزمهُ تَحْرِيم أَكثر النِّسَاء، وَبطلَان أَكثر الْأَمْلَاك، وَهُوَ خرق للْإِجْمَاع) .
قلت: وَهَذِه مُبَالغَة وجرأة على الإِمَام أَحْمد، [وَمَالك على رِوَايَة] ، وَغَيرهمَا مِمَّا ذكرنَا من الظَّاهِرِيَّة والزيدية والجبائية، وَقَول فِي مذْهبه قبل أَن يُوجد، وَقَول فِي مَذْهَب مَالك كإصبغ وَابْن الْمَاجشون الإمامان الكبيران،
وَرِوَايَة عَن مَالك، وَقَول فِي مَذْهَب أبي حنيفَة، وَاخْتَارَهُ أَبُو شمر، كَمَا تقدم ذَلِك كُله.
قَالَ ابْن قَاضِي الْجَبَل: (قلت: لَا يلْزمه شَيْء من ذَلِك قطعا. أما البيع وَقت النداء، وَسَائِر الْعُقُود الْمُحرمَة الَّتِي لَا يُمكن جبرها بالرضى، فالإمام أَحْمد يُبْطِلهَا، لِأَن الشَّارِع عزل أَرْبَابهَا عَن التَّصَرُّف بِالنَّهْي.
وَأما عدم حل من تزَوجهَا مَعَ تلبسه بالدانق، فَإِنَّهُ أَمر برده، وَمن لَوَازِم الْأَمر النَّهْي عَمَّا سواهُ، وَمَا سواهُ أضداد كَثِيرَة لم ينْه [عَنْهَا] بخصوصها، وَمن جملَة الأضداد التَّلَبُّس بِالْعقدِ العاري عَن النَّهْي بطرِيق الْخُصُوص، وَإِنَّمَا هُوَ فَرد من تِلْكَ الْأَفْرَاد، والمنهي عَنهُ الْقدر الْمُشْتَرك، وَمَا امتاز كل فَرد من الأضداد فَلَا نهي فِيهِ.
وَأما الصَّلَاة فِي الْمحل الْمَغْصُوب فمنهي عَنْهَا لذاتها، لَا لكَونهَا ضداً، وَلَا النَّهْي استلزاماً، فَظهر انفكاك مَحل النزاع.
قَالَ الْغَزالِيّ: (إِن قيل: مَا هَذِه الصَّلَاة، قَطْعِيَّة أَو اجتهادية؟
قيل: قَطْعِيَّة، والمصيب فِيهَا وَاحِد، لِأَن من صحّح أَخذ من الْإِجْمَاع، وَهُوَ قَطْعِيّ، وَمن منع أَخذ من التضاد الَّذِي بَين الْقرْبَة وَالْمَعْصِيَة، وَيَدعِي كَون ذَلِك محالاً بِدَلِيل الْعقل.
قلت: الْمَسْأَلَة اجتهادية، وَنقل الْإِجْمَاع بَاطِل، والتضاد ظَنِّي لَا قَطْعِيّ فِي خُصُوص الْمَسْأَلَة) انْتهى كَلَام ابْن قَاضِي الْجَبَل.
قَوْله: {فَائِدَة: تصح تَوْبَة خَارج مِنْهُ فِيهِ، وَلم يعْص بِخُرُوجِهِ عِنْد ابْن عقيل، وَغَيره [من أَصْحَابنَا] ، [والمعظم] } ، وَقَالَهُ الشَّافِعِيَّة والأشعرية.
قَالَ ابْن عقيل: (لم يَخْتَلِفُوا أَنه لَا يعد واطئاً بنزعه فِي الْإِثْم، بل فِي التَّكْفِير، وكأزالة محرم طيبا بِيَدِهِ، أَو غصب عينا ثمَّ نَدم، وَشرع فِي حملهَا على رَأسه إِلَى صَاحبهَا، أَو أرسل صيدا صَاده محرم، أَو فِي حرم من شرك والرامي بِالسَّهْمِ إِذا خرج السهْم عَن مَحل قدرته فندم، وَإِذا جرح ثمَّ تَابَ وَالْجرْح مَا زَالَ إِلَى السَّرَايَة، فَفِي هَذِه الْمَوَاضِع ارْتَفع الْإِثْم بِالتَّوْبَةِ، وَالضَّمان بَاقٍ، بِخِلَاف مَا لَو كَانَ ابْتِدَاء الْفِعْل غير محرم، كخروج مستعير
من دَار انْتَقَلت عَن الْمُعير، وَخُرُوج من أجنب بِمَسْجِد، فَإِنَّهُ غير آثم اتِّفَاقًا) .
وَقَالَ ابْن مُفْلِح فِي " فروعه ": (ذكر ابْن عقيل: إِن نَام على سطحه فهوى سقفه من تَحْتَهُ على قوم، لزمَه الْمكْث، كَمَا قَالَه الْمُحَقِّقُونَ فِيمَن ألقِي فِي مركبه نَار، وَلَا يضمن مَا تلف بسقوطه؛ لِأَنَّهُ ملْجأ لم يتسبب، وَإِن تلف شَيْء بدوام مكثه أَو بانتقاله ضمنه.
وَاخْتَارَ فِي التائب الْعَاجِز عَن مُفَارقَة [الْغَصْب] فِي الْحَال، وَالْعَاجِز عَن إِزَالَة أَثَرهَا كمتوسط مَكَان غصبه، ومتوسط الْجَرْحى تصح تَوْبَته مَعَ الْعَزْم والندم، وَأَنه لَيْسَ عَاصِيا بِخُرُوجِهِ من الْغَصْب) انْتهى.
وَالْمَالِك فِي الْحَقِيقَة هُوَ الله، والآدمي مستخلف.
قَالَ ابْن برهَان: (قَالَه الْفُقَهَاء و [المتكلمون] كَافَّة) .
قَالَ الْبرمَاوِيّ: (وَقد نقل أَبُو مُحَمَّد فِي " الفروق " فِي كتاب
الصَّوْم: أَن الشَّافِعِي نَص على تأثيم من دخل أَرضًا [غَاصبا]، قَالَ: فَإِذا قصد الْخُرُوج مِنْهَا لم يكن عَاصِيا بِخُرُوجِهِ، لِأَنَّهُ تَارِك للغصب) انْتهى.
وَمَا نَقله مَوْجُود فِي " الْأُم " فِي كتاب الْحَج فِي الْمحرم إِذا تطيب، فَقَالَ:(وَلَو دخل دَار رجل بِغَيْر إِذْنه لم يكن جَائِزا لَهُ، وَكَانَ عَلَيْهِ الْخُرُوج مِنْهَا، وَلم أزعم أَنه يحرج بِالْخرُوجِ، وَإِن كَانَ يمشي مَا لم يُؤذن لَهُ، لِأَن مَشْيه لِلْخُرُوجِ من الذَّنب لَا لزِيَادَة مِنْهُ، فَهَكَذَا هَذَا الْبَاب) انْتهى.
قَالَ: وَهُوَ من النفائس.
قَالَ ابْن قَاضِي الْجَبَل: (من توَسط أَرضًا مَغْصُوبَة اسْتَحَالَ تعلق الْأَمر وَالنَّهْي لَهُ بِالْخرُوجِ، إِذْ لَو تعلقا بِهِ لزم التَّكْلِيف بسلب الْحَرَكَة والسكون، لِأَن الْأَمر بالحركة يسْتَلْزم سلب السّكُون، وَالنَّهْي عَنهُ يسْتَلْزم سلب الْحَرَكَة.
وَقَالَ الْجُمْهُور: خُرُوجه عَن حرَام بِشَرْط تَوْبَته) انْتهى.
{وَخَالف} فِي ذَلِك {أَبُو هَاشم، [وَأَبُو شمر المرجئ} ، وَأَبُو
الْخطاب} من أَصْحَابنَا، {وَقَالَ: لدفع [أكبر المعصيتين بأقلهما] } ، وَلِهَذَا الْكَذِب مَعْصِيّة يجوز فعله لدفع قتل مُؤمن ظلما لذَلِك.
وَضعف: بِأَنَّهُ تَكْلِيف بالمحال لتَعلق الْأَمر وَالنَّهْي بِالْخرُوجِ.
قَالَ أَبُو الْخطاب: (لَا نسلم أَن حركات الْغَاصِب لِلْخُرُوجِ طَاعَة ومأمور بهَا، وَإِنَّمَا هِيَ مَعْصِيّة يَفْعَلهَا لدفع أَكثر المعصيتين بأقلهما) .
{وَقَالَ الشَّيْخ} تَقِيّ الدّين: {حق الله تَعَالَى يَزُول بِالتَّوْبَةِ، وَحقّ الْآدَمِيّ يَزُول [بِزَوَال أثر] الظُّلم} ، وَهُوَ حسن.
قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين: (التَّحْقِيق: أَن هَذِه الْأَفْعَال يتَعَلَّق بهَا حق الله تَعَالَى وَحقّ الْآدَمِيّ، فَأَما حق الله فيزول بِمُجَرَّد النَّدَم، وَأما حُقُوق الْعباد فَلَا تسْقط إِلَّا بعد أَدَائِهَا إِلَيْهِم، وعجزه عَن إيفائها حِين التَّوْبَة لَا يُسْقِطهَا، بل لَهُ أَن يَأْخُذ من حَسَنَات هَذَا الظَّالِم فِي الْآخِرَة إِلَى حِين زَوَال الظُّلم وأثره) انْتهى.
{ [واستصحب أَبُو] الْمَعَالِي حكم الْمعْصِيَة [مَعَ الْخُرُوج، مَعَ أَنه] غير مَنْهِيّ عَنهُ} .
قَالَ ابْن مُفْلِح: (كَذَا قيل عَنهُ، {و} قيل {عَنهُ:[إِنَّه] طَاعَة} لأَخذه فِي ترك الْمعْصِيَة، {مَعْصِيّة} لِأَنَّهُ فِي ملك غَيره، ومستند إِلَى فعل متعدي فِيهِ كَالصَّلَاةِ.
قَالَ الْبرمَاوِيّ: (لَو خرج من مَغْصُوب بِقصد التَّوْبَة والإقلاع كَانَ آتِيَا بِوَاجِب، وَإِن كَانَ النَّهْي منسحباً [عَلَيْهِ] حَتَّى يتم خُرُوجه، فَلذَلِك قَالَ إِمَام الْحَرَمَيْنِ: (إِنَّه [مرتبك] فِي الْمعْصِيَة)، أَي: مشتبك فِيهَا، قَالَ:(لَكِن مَعَ انْقِطَاع تَكْلِيف النَّهْي)، أَي: لِأَن التَّكْلِيف بترك الْإِقَامَة، أَمر بتحصيل الْحَاصِل، فالمعصية فِيهِ استصحابية، فتضعيف الْغَزالِيّ ذَلِك بِأَن التَّكْلِيف إِذا انْقَطع [فَإلَى مَاذَا تستند] الْمعْصِيَة، واستبعاد ابْن الْحَاجِب لَهُ
لأجل ذَلِك، فِيهِ نظر، فَإِنَّهُ لم يقل: انْقَطع النَّهْي بل التَّكْلِيف بِهِ، أَي: انْقَطع إِلْزَامه بالكف عَن الْإِقَامَة، لَا اسْتِصْحَاب ذَلِك النَّهْي، وَلذَلِك قَالَ فِي " جمع الْجَوَامِع ":" إِن مَا قَالَه الإِمَام دَقِيق ") انْتهى.
قَالَ أَبُو الْمَعَالِي: (وَمِمَّا أخرجه على ذَلِك: مَا لَو أولج فِي آخر جُزْء من اللَّيْل عَالما بِأَنَّهُ لَا يتَصَوَّر مِنْهُ النزع إِلَّا فِي جُزْء من النَّهَار، وفرضنا تصور ذَلِك، وَفعل ذَلِك، فسد صَوْمه بالنزع، لِأَنَّهُ تسبب إِلَى المخالطة مَعَ مُقَارنَة الْفجْر، بِخِلَاف من ظن بَقَاء اللَّيْل، وَفعل ذَلِك، فَإِنَّهُ مَعْذُور) انْتهى.
وَقَالَ الْمجد فِي " المسودة ": قلت: (وَأحسن من تَصْوِير أبي الْمَعَالِي مَسْأَلَة عَن أَحْمد فِيهَا رِوَايَتَانِ: لَو قَالَ لزوجته إِذا وَطئتك فَأَنت طَالِق ثَلَاثًا، أَو إِذا وَطئتك فَأَنت عَليّ كَظهر أُمِّي، فروايتان فِي إقدامه، فَإِن حل، وَجب على قِيَاسه: أَن الْخَارِج من الْغَصْب ممتثل، وَإِن حرم توجه كَقَوْل أبي هَاشم أَو أبي الْمَعَالِي) .
قَالَ ابْن مُفْلِح: (كَذَا قَالَ، وَهَذَا تَكْلِيف بممكن، بِخِلَاف ذَلِك) .
وَلم يتعقبه فِي " فروعه ".
وَقَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين: (نَظِير الْمَسْأَلَة تَوْبَة المبتدع الدَّاعِي إِلَى بدعته، وفيهَا رِوَايَتَانِ، أصَحهمَا: الْجَوَاز، وَالْأُخْرَى اخْتِيَار ابْن شاقلا، لإضلال غَيره) انْتهى.
قَالَ ابْن عقيل: (إِن وَقع على الْجَرْحى بِغَيْر اخْتِيَاره، لزمَه الْمكْث، وَلَا يضمن مَا تلف بسقوطه، وَإِن تلف شَيْء بإستمراره، أَو بانتقاله لزمَه ضَمَانه)، وَاخْتَارَ: أَن تَوْبَته تصح حِينَئِذٍ، وَلَا تقف صِحَّتهَا على الْمُفَارقَة، بل هُوَ مَعَ الْعَزْم والندم تَارِك مقلع، كَمَا تقدم عَنهُ.
وَعند الْمُخَالف: هُوَ عَاص إِلَى أَن يَنْقَضِي أثر الْمعْصِيَة، بِخِلَاف مَا إِذا كَانَ ابْتَدَأَ الْفِعْل غير محرم كَمَا تقدّمت صورته.
وَقَالَ ابْن عقيل أَيْضا -: (لَا يجوز أَن ينْتَقل إِلَى آخر قولا وَاحِدًا، [لِأَنَّهُ يحصل مبتدئ] بِالْجِنَايَةِ، كَمَا لَو سقط من غير اخْتِيَاره فَحصل سُقُوطه على وَاحِد، لم يجز لَهُ عندنَا جَمِيعًا أَن ينْتَقل، فيقف متندماً متمنياً أَن يخلق لَهُ جَنَاحَانِ يطير بهما، أَو يتدلى إِلَيْهِ حَبل يتشبث بِهِ، فَإِذا علم تَعَالَى ذَلِك مِنْهُ، كَانَ ذَلِك غَايَة جهده، وَصَارَ بعد [ندمه] كحجر أوقعه الله تَعَالَى على ذَلِك الجريح) انْتهى.
وَهَذِه الْمَسْأَلَة أَلْقَاهَا أَبُو هَاشم فحارت فِيهَا عقول الْفُقَهَاء.
قَالَ أَبُو الْمَعَالِي: (لم أَقف فِيهَا من قَول الْفُقَهَاء على ثَبت، وَالْوَجْه الْقطع بِسُقُوط التَّكْلِيف عَنهُ، مَعَ اسْتِمْرَار حكم سخط الله عَلَيْهِ وغضبه) .
وَقد سَأَلَهُ الْغَزالِيّ عَن هَذَا فَقَالَ: كَيفَ تَقول لَا حكم، وَأَنت ترى أَنه لَا تَخْلُو وَاقعَة من حكم؟
فَقَالَ: حكم الله: أَن لَا حكم، قَالَ الْغَزالِيّ: فَقلت لَهُ: لم أفهم هَذَا.
وَقَالَ فِي " المنخول " فِي مَوضِع كَقَوْل أبي الْمَعَالِي شَيْخه: (لَا حكم فِيهَا أصلا، وَلَا يُؤمر بمكث وَلَا انْتِقَال) ، وَنَقله عَن شَيْخه آخر الْكتاب، ثمَّ
قَالَ: وَلم أفهمهُ بعد، وَجوز مَعَه فِي غير هَذَا الْكتاب أَن يُقَال: يتَخَيَّر، وَهُوَ قَوْلنَا:(وَخير أُخْرَى) .
قَالَ بعض أَصْحَابنَا: (لَعَلَّ أَبَا الْمَعَالِي أَرَادَ: أَنه لَا حكم متجدد غير الحكم الْأَصْلِيّ الَّذِي هُوَ الْبَرَاءَة، فَإِن ذَلِك لَا تَخْلُو مِنْهُ وَاقعَة) .
وَرجح ابْن الْمُنِير: أَنه ينْتَقل عَن الَّذِي سقط عَلَيْهِ، لجَوَاز أَن يَمُوت الْمُنْتَقل إِلَيْهِ قبل أَن يصير إِلَيْهِ، فَيسلم من الْمعْصِيَة، فَإِن بَقَاءَهُ على الأول مَعْصِيّة مُحَققَة، فإقلاعه عَنْهَا وَاجِب، كالخروج من الدَّار الْمَغْصُوبَة.
وَلَا يَخْلُو قَوْله من نظر.
وَفرق ابْن عبد السَّلَام فَقَالَ بعد فَرضهَا فِي صغيرين -: (الْأَظْهر عِنْدِي: لُزُوم الِانْتِقَال فِيمَا إِذا كَانَ الَّذِي سقط عَلَيْهِ مُسلما والمنتقل إِلَيْهِ كَافِرًا، لكنه مَعْصُوم لصِغَر أَو أَمَان، لِأَنَّهُ أخف مفْسدَة.
قَالَ: لِأَن قتل أَوْلَاد الْكفَّار جَائِز عِنْد التترس بهم، حَيْثُ لَا يجوز ذَلِك فِي أَطْفَال الْمُسلمين) .
أما الْكَافِر غير الْمَعْصُوم فَينْتَقل إِلَيْهِ قطعا، أَو يلْزمه، وَهُوَ قَوْلنَا:{وَيلْزم الْأَدْنَى قطعا} ، إِن كَانَ هُوَ الْوَاقِع عَلَيْهِ لزمَه الِاسْتِمْرَار عَلَيْهِ، وَإِن كَانَ الآخر لزم الِانْتِقَال إِلَيْهِ قطعا، وَهَذَا مِمَّا لَا خلاف فِيهِ، وعَلى قِيَاسه الزَّانِي الْمُحصن.